الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مُتَفَرِّقَةٍ]
ٍ أَيْ: الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْت الْهِلَالَ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (عِنْدَ رَأْسِهِ) أَيْ: الْهِلَالِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا رُئِيَ) الْهِلَالُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (وَقَدْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (أَوْ تَمَّتْ الْعِدَّةُ) بِتَمَامِ الشَّهْرِ قَبْلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعِلْمُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ؛ لِحَدِيثِ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» . وَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ وَحُصُولُ الْعِلْمِ، فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إلَى عُرْفِ الشَّرْعِ، كَقَوْلِهِ: إذَا صَلَّيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الدُّعَاءِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ نَحْوِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ يُخَالِفُ اللُّغَةَ، وَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (وَإِنْ نَوَى الْعِيَانَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَصْدَرُ عَايَنَ؛ أَيْ: نَوَى مُعَايَنَةَ الْهِلَالِ، أَيْ: إدْرَاكَهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ خَاصَّةً مِنْهَا (أَوْ) مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ نَوَى (حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا بِهِ؛ قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، فَلَا تَطْلُق حَتَّى تَرَاهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ يَرَاهُ فِي الْأُولَى (وَهُوَ هِلَالٌ) أَيْ: يُسَمَّى بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (إلَى) لَيْلَةٍ (ثَالِثَةٍ) مِنْ الشَّهْرِ (ثُمَّ يُقْمِرُ) بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ أَيْ يُسَمَّى قَمَرًا، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْهِلَالَ حَتَّى أَقْمَرَ، وَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا (فَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ) ذَلِكَ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ رَأَيْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْهُ) مُطَاوِعَةً (لَا مُكْرَهَةً، وَلَوْ) كَانَ زَيْدٌ (مَيِّتًا أَوْ فِي مَاءٍ أَوْ زُجَاجٍ شَفَّافٍ؛ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ بِحَقِيقَةِ رُؤْيَتِهَا، فَإِنْ كَانَ الزُّجَاجُ غَيْرَ شَفَّافٍ، وَكَانَ فِيهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا لَهُ لِلْحَائِلِ
إلَّا مَعَ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ) تَخُصُّ الرُّؤْيَةَ بِحَالٍ، فَإِذَا رَأَتْهُ فَلَا تَطْلُق؛ فِي غَيْرِهَا (وَلَا تَطْلُق إنْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ أَوْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ بِهِ فَيَحْنَثُ إنْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءُ (وَ) إنْ قَالَ (مَنْ بَشَّرَتْنِي أَوْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ) بِهِ (عَدَدٌ) اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ نِسَائِهِ (مَعًا طَلُقَ) ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِوُقُوعِ لَفْظَةِ مَنْ عَلَى الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7](وَ) أَلَّا يُبَشِّرْنَهُ أَوْ يُخْبِرْنَهُ مَعًا، بَلْ مُرَتَّبًا، فَسَابِقَةٌ صَدَقَتْ تَطْلُق، لِأَنَّ التَّبْشِيرَ حَصَلَ بِإِخْبَارِهَا خَبَرَ صِدْقٍ تَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ غَمٍّ، وَالْخَبَرُ الْكَاذِبُ وَمَا بَعْدَ عِلْمِ الْمُخْبِرِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَإِلَّا) تُصَدَّقُ السَّابِقَةُ (فَأَوَّلُ صَادِقَةٍ) مِنْهُنَّ تَطْلُق؛ لِأَنَّ السُّرُورَ وَالْغَمَّ حَصَلَ بِخَبَرِهَا.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) قَوْلُهُ لِزَوْجَاتِهِ (مَنْ أَنْذَرَتْنِي) مِنْكُنَّ (الْعَدُوَّ) فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَنْذَرَهُ عَدَدٌ مِنْهُنَّ؛ طَلُقَ ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا زَادَ، قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْإِنْذَارُ بِالْعَدَدِ مَعًا، فَطَلُقَ الْعَدَدُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ إنْ ظَنَنْتِ بِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَظَنَّتْهُ بِهِ، طَلُقَتْ، لَا يُقَالُ: الظَّنُّ لَا يَنْتِجُ قَطْعِيًّا، فَكَيْفَ تَطْلُق؟ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ حَصَلَ لَك الظَّنُّ بِكَذَا، إلَى آخِرِهِ لِحُصُولِ قَطْعِيٍّ؛ فَيُورِثُ قَطْعِيًّا
(وَ) إنْ قَالَ (إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَأَنْتِ
طَالِقٌ فَدَخَلَهَا) هُوَ، أَيْ: الْقَائِلُ لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ إنْ دَخَلَ دَارَكَ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَدَخَلَهَا رَبُّهَا) الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْكَلَامِ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ، عَمَلًا بِقَرِينَةِ الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَكَانَا، أَيْ: الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ (فِي السُّوقِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ) الْمَرْأَةُ، لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْعَبْدُ عَتَقَ بِاللَّفْظِ فَ (لَمْ يَبْقَ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (فِي السُّوقِ عَبْدٌ حَالَ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا وَعَكْسُهُ) كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَا (بِعَكْسِهِ) أَيْ: فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ بَعْدَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ.
(وَمَنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَفْعَلُهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُكْرَهًا) لَمْ يَحْنَثْ نَصًّا، لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ، (أَوْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ مُغَطًّى عَلَى عَقْلِهِ (وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ) حَيْثُ فَعَلَهُ فِي حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، (وَ) إنْ فَعَلَهُ (نَاسِيًا) لِحَلِفِهِ (أَوْ جَاهِلًا) أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَدَخَلَهَا جَاهِلًا أَنَّهَا دَارُ زَيْدٍ أَوْ جَاهِلًا الْحِنْثَ إذَا دَخَلَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَ زَيْدٍ، فَدَفَعَهُ زَيْدٌ لِآخَرَ لِيَدْفَعَهُ لِمَنْ يَبِيعُهُ فَدَفَعَهُ لِلْحَالِفِ، فَبَاعَهُ غَيْرُ عَالِمٍ؛ حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ (أَوْ عَقَدَهَا) أَيْ: الْيَمِينَ (يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ) كَمَنْ حَلَفَ لَا فَعَلْتُ كَذَا ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (فَبَانَ بِخِلَافِهِ؛ يَحْنَثُ فِي) حَلِفِ (طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْإِتْلَافِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ؛ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» (وَ) إنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ (لَيَفْعَلَنَّهُ) كَلَيَقُومَنَّ (فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا) عَلَى تَرْكِهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ.
(وَيَتَّجِهُ أَوْ) تَرَكَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ (أَوْ نَائِمًا) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَغْطِيَةِ عَقْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا (لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ انْتَهَى.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَحْنَثْ قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(وَيَتَّجِهُ بَرُّ حَالِفٍ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا) كَلَيَقُومَنَّ مَثَلًا (وَفَعَلَهُ) أَيْ: فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (حَالَ نَحْوِ جُنُونٍ) كَنَوْمٍ (وَإِغْمَاءٍ) إذَا الْبَرُّ وَالْحِنْثُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ يَمْنَعْ بِيَمِينِهِ) أَيْ: الْحَالِفِ (كَزَوْجَتِهِ) وَوَلَدِهِ وَغُلَامِهِ (وَقَرَابَتِهِ) إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَقَصَدَ يَمِينُهُ مَنْعَهُ، وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ دَفَعَهُ شَخْصٌ (دَفْعَ إكْرَاهٌ) بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي غَفْلَةٍ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيمَا مَنَعَهُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ،
بِذَلِكَ كَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَهُوَ) أَيْ: كَالْحَالِفِ (فِي نَحْوِ إكْرَاهٍ) كَجُنُونٍ (وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ) فَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا لَا تَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَتْهَا مُكْرَهَةً؛ لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا، وَإِنْ دَخَلَتْهَا جَاهِلَةً بِيَمِينِهِ أَوْ نَاسِيَةً فَعَلَى مَا سَبَقَ يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَفَعَلَهُ كَرْهًا، لَمْ يَحْنَثْ.
قَالَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي " وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَتْ زَوْجَتِي بَلَدَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا؛ فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، يَقَعُ بِقُدُومِهَا كَيْفَ كَانَ، كَمَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ (لَا) إنْ حَلَفَ عَلَى (مَنْ لَا يَمْتَنِعُ) بِيَمِينِهِ (كَسُلْطَانٍ وَأَجْنَبِيٍّ وَحَاجٍّ فَ) إنَّهُ (يَحْنَثُ) حَالِفٌ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، فَحَنِثَ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا يَفْعَلُهُ، فَخَالَفَهُ؛ حَنِثَ الْحَالِفُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَتَوْكِيدُ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمَنْفِيِّ بِلَا قَلِيلٌ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:
{لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} [النمل: 18](لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ بِمُخَالَفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ) وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُهُ، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ) الْحَالِفُ (بَيْتًا هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ) سَلَّمَ (عَلَى قَوْمٍ هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ بِهِ (أَوْ قَضَاهُ) فُلَانٌ (حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، أَوْ أَحَالَهُ) فُلَانٌ (بِهِ) أَيْ: بِحَقِّهِ (فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ) قَدْ (حَنِثَ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قَاصِدًا لِفِعْلِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَهُ (إلَّا فِي السَّلَامِ) أَيْ: إلَّا إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ أَجْنَبِيًّا، وَإِلَّا فِي الْكَلَامِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِكَلِمَةٍ، أَوْ كَلَّمَ قَوْمًا هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِسَلَامِهِ وَلَا كَلَامِهِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُمْ (وَإِنْ عَلِمَ) الْحَالِفُ (بِهِ) أَيْ: الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْقَوْمِ (فِي) حَالِ (سَلَامٍ) أَوْ كَلَامٍ (وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ؛ حَنِثَ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) السَّلَامَ أَوْ الْكَلَامَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مِنْهُمْ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى فُلَانَةَ بَيْتًا (فَدَخَلَتْ) هِيَ (عَلَيْهِ) وَهُوَ فِي بَيْتٍ (فَإِنْ خَرَجَ فِي الْحَالِ بَرَّ) وَإِلَّا يَخْرُجْ فِي الْحَالِ (حَنِثَ وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي قَبْلَهَا) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ
فِعْلَ الْجَمِيعِ، فَلَمْ يَبَرَّ إلَّا بِهِ (فَ) لَوْ حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ الرَّغِيفَ، أَوْ) حَلَفَ (لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَأْكُلَهُ) أَيْ: الرَّغِيفَ (كُلَّهُ أَوْ يَدْخُلَهَا) أَيْ: الدَّارَ (بِجُمْلَتِهِ) فَلَوْ أَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ مِنْهَا؛ لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا.
وَلَوْ حَلَفَ مَدِينٌ لَا تَأْخُذُ حَقَّكِ مِنِّي فَأُكْرِهَ الْمَدِينُ عَلَى دَفْعِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَأْخُذُهُ؛ فَأَخَذَهُ؛ حَنِثَ، أَوْ أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدِينِ الْحَالِفِ قَهْرًا؛ حَنِثَ لِوُجُودِ الْأَخْذِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ، فَأَخَذَهُ، فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا؛ فَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَيَتَّجِهُ. وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ فَتٍّ سَقَطَ مِنْ الرَّغِيفِ حَتَّى أَكَلَهُ؛ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ يَسِيرٌ جِدًّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ إذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ:.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَفْعَلُ شَيْئًا) وَلَا نِيَّةَ، وَلَا سَبَبَ، وَلَا قَرِينَةَ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ.
(أَوْ) حَلَفَ عَلَى (مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ) كَزَوْجَةٍ وَقَرَابَةٍ مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ وَكَذَا غُلَامُهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا (وَقَصَدَ مَنْعَهُ) مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ (وَلَا نِيَّةَ) تُخَالِفُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ (وَلَا سَبَبَ وَلَا قَرِينَةَ) تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَعْضِهِ (فَفَعَلَ) الْحَالِفُ أَوْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (بَعْضَهُ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا، فَأَكَلَ بَعْضَهُ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَدْخُلُ بَيْتَ أُخْتِهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى
تَدْخُلَ كُلُّهَا، أَلَا تَرَى أَنْ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُلِّي أَوْ بَعْضِي، لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَكُونُ بَعْضًا، وَالْبَعْضَ لَا يَكُونُ كُلًّا، وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ إلَى عَائِشَةَ، فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ.
(فَمِنْ حَلَفَ عَلَى مُمْسِكٍ مَأْكُولًا) كَرُمَّانَةٍ أَوْ تُفَّاحَةٍ (لَا آكُلُهُ وَلَا أَمْسِكُهُ، فَأَكَلَ بَعْضًا وَرَمَى الْبَاقِيَ) أَوْ أَمْسَكَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يُمْسِكْهُ كُلَّهُ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا لَا تَفْعَلُ كَذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ فَعَلَ الْبَعْضَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُخَصَّصَةٌ، وَكَذَا لَوْ اقْتَضَى سَبَبُ الْيَمِينِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْجَمِيعَ أَوْ الْبَعْضَ؛ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِهِ كَمَا يَأْتِي
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ بَابِهَا) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا بِجُمْلَتِهِ، (أَوْ) حَلَفَ عَلَى امْرَأَةٍ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ) أَيْ غَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ غَزْلِهَا (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ بَلْ بَعْضَهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ) أَوْ يُؤَجِّرُهُ وَنَحْوُهُ (فَبَاعَ أَوْ وَهَبَ) أَوْ أَجَّرَهُ وَنَحْوَهُ (بَعْضَهُ) أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، وَوَهَبَ بَاقِيَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ كُلَّهُ، وَلَا وَهَبَهُ كُلَّهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ فُلَانٌ شَيْئًا، فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ) عَلَى الْحَالِفِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ مِنْ قَرْضٍ أَوْ نَحْوِهِ) بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّ الْحَالِفَ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَوْ ابْتَاعَ أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ (دُونَ أَنْ يَقُولَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (وَهُوَ) أَيْ: الدَّيْنُ بَاقٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَالِفِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِسَبَبِ الْحَقِّ لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إنْ كَانَا فَارَقَا الْحَالِفَ، وَأَمَّا (إنْ كَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (لَمْ يُفَارِقَاهُ) مِنْ حِينِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ عَلَيْهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِمَا بَعْدَ أَنْ شَهِدَا بِسَبَبِ الْحَقِّ،
وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إلَى الْآنَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(لَمْ يَحْنَثْ) لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ بِدَفْعِ الْحَقِّ فِي صُورَةٍ إذَا فَارَقَاهُ أَوْ بَرَّآهُ مِنْهُ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ) مَاءَ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْهُ (حَنِثَ) ؛ لِصَرْفِ يَمِينِهِ إلَى الْبَعْضِ لِاسْتِحَالَةِ شُرْبِ جَمِيعِهِ (أَوْ حَلَفَ) عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ غَزْلِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا (وَكَذَا) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ) أَوْ اللَّحْمَ (أَوْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ) أَوْ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ مَا عَلَّقَ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ (أَوْ) اسْمِ جَمْعٍ كَأَنْ حَلَفَ أَنْ (لَا يُكَلِّمَ الْمُسْلِمِينَ) أَوْ الْمُشْرِكِينَ (أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الْمُقَاتِلِينَ؛ فَيَحْنَثُ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُتَعَذِّرٌ) فَلَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ، بَلْ (تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ لِلْبَعْضِ) وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ؛ حَنِثَ سَوَاءٌ كَرَعَ مِنْهُ بِفَمِهِ، أَوْ اغْتَرَفَ مِنْهُ بِيَدَيْهِ، أَوْ بِإِنَاءٍ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذَا الْبِئْرِ فَكَرَعَ مِنْهُ أَوْ اغْتَرَفَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَكَذَا الْعَيْنُ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْتُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَقَطَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَكَلَ، حَنِثَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الثَّمَرَةَ وَهِيَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ أَكْلِ وَرِقِهَا وَأَطْرَافِ أَغْصَانِهَا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ، فَحَلَبَ فِي شَيْءٍ، وَشَرِبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ الْفُرَاتُ، فَوَجْهَانِ، قَدَّمَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهُ الشُّرْبُ مِنْ مَائِهِ، فَحَنِثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَائِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَبِسْت ثَوْبًا، أَوْ لَمْ يَقُلْ ثَوْبًا) بَلْ قَالَ إنْ لَبِسْت (فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى ثَوْبًا مُعَيَّنًا، قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَصِدْقُهُ مُمْكِنٌ (سَوَاءٌ كَانَ) حَلَفَ (بِطَلَاقٍ) أَمْ بِغَيْرِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ إنْ لَبِسْتِ (صِحَّةُ تَعْيِينِ) نَوْعٍ مِمَّا يُلْبَسُ أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ ذَلِكَ (حُكْمًا، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ دَارًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ أَيِّ دَارٍ كَانَتْ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا أَنَّهُ أَرَادَ دَارًا مُعَيَّنَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ) أَيْ: اشْتَرَى الثَّوْبَ زَيْدٌ (أَوْ نَسَجَهُ أَوْ طَبَخَهُ) أَيْ: طَبَخَ الطَّعَامَ (زَيْدٌ؛ فَلَبِسَ) الْحَالِفُ (ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ) أَيْ: زَيْدٌ (وَغَيْرُهُ، أَوْ) لَبِسَ ثَوْبًا (اشْتَرَيَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (أَوْ) اشْتَرَاهُ (زَيْدٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ أَكَلَ) الْحَالِفُ (مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (حَنِثَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا، وَكَذَا (لَوْ حَلَفَ) لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، فَدَخَلَ دَارًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ بِأَنْ نَوَى مَا انْفَرَدَ بِهِ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا شُورِكَ فِيهِ (وَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُ زَيْدٍ شَيْئًا) انْفَرَدَ بِشِرَائِهِ (فَخَلَطَهُ زَيْدٌ) أَوْ غَيْرُهُ (بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (فَأَكَلَ حَالِفٌ) مِنْهُ (أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ أَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ يَقِينًا (وَإِلَّا يَأْكُلُ) أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ (فَلَا حِنْثَ) ، سَوَاءٌ أَكَلَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى شَرِيكُهُ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ