الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَ إجَابَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْجَمْعُ (فَالْأَدْيَنُ) مِنْ الدَّاعِينَ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الدِّينِ (فَالْأَقْرَبُ رَحِمًا) لِمَا فِي تَقْدِيمِهِ مِنْ صِلَتِهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا؛ (فَ) الْأَقْرَبُ (جِوَارًا) لِحَدِيثِ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا:«إذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ أُجِيبَ أَقْرَبُهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا» وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبِرِّ، فَقُدِّمَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ (أَقْرَعَ) فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْحُقُوقِ.
[فَصْلٌ حُكْم إجَابَة الْوَلَائِم غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لأهل الْعِلْم]
فَصْلٌ (يُكْرَهُ لِأَهْلِ فَضْلٍ وَعِلْمٍ إسْرَاعُ الْإِجَابَةِ) إلَى الْوَلَائِمِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالتَّسَاهُلُ فِيهِ (لِأَنَّ فِيهِ بِذْلَةً وَدَنَاءَةً) وَشَرُّهَا (وَلَا سِيَّمَا الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ ذَرِيعَةً لِلتَّهَاوُنِ بِهِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ. وَمَنَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ إجَابَةِ ظَالِمٍ وَفَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ وَمُفَاخِرٍ بِهَا، أَوْ فِيهَا مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ بِبِدْعَةٍ إلَّا لِرَادٍّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهَا مُضْحِكٌ بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِلَّا يَكُنْ مُضْحِكًا بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ إذَا كَانَ يُضْحِكُ قَلِيلًا (وَكَرِهَ الشَّيْخُ عَبْدِ الْقَادِرِ) قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ (حُضُورَ) الْوَلَائِمِ مُطْلَقًا (غَيْرَ وَلِيمَةِ عُرْسٍ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُمْنَعُ الْمُحْتَاجُ وَيَحْضُرُ الْغَنِيُّ.
وَتَقَدَّمَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيَهَا، وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا» .
وَفِي التَّرْغِيبِ إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْأَرْذَالِ وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تَزْرِي بِمِثْلِهِ؛ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْوُجُوبَ، وَاشْتَرَطَ الْحِلَّ وَعَدَمِ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا هَذَا الشَّرْطُ فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَنَّ مُخَالَطَتَهُ
هَؤُلَاءِ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي الْجِنَازَةِ لَا تَسْقُطُ الْحُضُورُ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَهَذِهِ شُبْهَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَبُّرِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ فَقَدْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَكْرُوهٍ.
(وَمَنْ عَلِمَ أَنْ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَزَمْرٍ وَخَمْرٍ وَطَبْلٍ مُحَرَّمٍ وَعُودٍ وَجُنْكٍ) وَرَبَابٍ (وَآنِيَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَفُرُشٍ مُحَرَّمَةٍ، وَأَمْكَنَهُ إزَالَةُ ذَلِكَ) الْمُنْكَرِ (حَضَرَ وُجُوبًا وَ) أَزَالَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِذَلِكَ فَرْضَيْنِ: إجَابَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَإِلَّا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ (لَمْ يَحْضُرْ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ فِيهَا الْخَمْرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعِهِ بِلَا حَاجَةٍ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمَدْعُوُّ (فَحَضَرَ فَشَاهَدَهُ) أَيْ: الْمُنْكَرَ (أَزَالَهُ وَجَلَسَ) بَعْدَ ذَلِكَ؛ إجَابَةً لِمَنْ دَعَاهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى إزَالَتِهِ (انْصَرَفَ) لِئَلَّا يَكُونَ قَاصِدًا لِرُؤْيَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ.
وَرَوَى نَافِعٌ قَالَ: «كُنْت أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَسَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؛ حَتَّى قُلْت: لَا؛ فَأَخْرَجَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْخَلَّالُ، وَخَرَجَ أَحْمَدُ عَنْ وَلِيمَةٍ فِيهَا آنِيَةُ فِضَّةٍ، فَقَالَ الدَّاعِي نُحَوِّلُهَا، فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ.
وَيُفَارِقُ مَنْ لَهُ جَارٌ مُقِيمٌ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزَّمْرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ الْمَقَامُ؛ فَإِنَّ تِلْكَ حَالُ حَاجَةٍ؛ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مِنْ الضَّرَرِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ بِهِ) أَيْ: بِالْمُنْكَرِ (وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ؛ أُبِيحَ لَهُ الْجُلُوسُ) وَالْأَكْلُ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ رُؤْيَةُ الْمُنْكَرِ وَسَمَاعُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَأُبِيحَ لَهُ الِانْصِرَافُ لِإِسْقَاطِ حُرْمَةِ نَفْسِهِ بِإِيجَادِ الْمُنْكَرِ.
(وَإِنْ شَاهَدَ صُوَرًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ حَيَوَانٍ) وَأَمْكَنَهُ حَطُّهَا، وَأَمْكَنَهُ قَطْعُ رُءُوسِهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَجَلَسَ إجَابَةً لِلدَّاعِي، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ (كُرِهَ) جُلُوسُهُ إلَّا أَنْ تُزَالَ؛ لِمَا رُوِيَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَقْتَسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ، فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ دُخُولَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْهَا، وَكَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ دُخُولِهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا يَحْرُمُ صُحْبَةُ رُفْقَةٍ فِيهَا جَرَسٌ مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَصْحَبُهُمْ، وَيُبَاحُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَنْ عُقُوبَةً لِلْفَاعِلِ، وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالصُّوَرِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ كُرِهَ لَهُ الدُّخُولُ وَ (لَا) يُكْرَهُ جُلُوسُهُ (إنْ كَانَتْ هِيَ) أَيْ: السُّتُورُ الْمُصَوَّرَةُ (مَبْسُوطَةً) عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ) كَانَتْ (عَلَى وِسَادَةٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْت لَهُ سَهْوَةً بِنَمَطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَتَسْتُرِينَ الْجُدُرَ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَهَتَكَهُ. قَالَتْ: فَجَعَلْتُ مِنْهُ مِنْبَذَتَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَالسَّهْوَةُ: الصُّفَّةُ أَوْ الْمِخْدَعُ بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَوْ شِبْهُ الرَّفِّ أَوْ الطَّاقِ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ أَوْ بَيْتٌ صَغِيرٌ شِبْهُ الْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَعْوَادٍ وَثَلَاثَةٍ يُعَارِضُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَمْتِعَةِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ: وَالنَّمَطُ مُحَرَّكَةٌ ظِهَارَةُ فِرَاشٍ مَا، أَوْ ضَرْبٌ مِنْ الْبُسُطِ، أَوْ ثَوْبُ صُوفٍ يُطْرَحُ عَلَى الْهَوْدَجِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا.
وَالْمِنْبَذَتَانِ تَثْنِيَةُ مِنْبَذَةٍ كَمِكْنَسَةٍ، وَهِيَ الْوِسَادَةُ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَبْسُوطَةً تُدَاسُ وَتُمْتَهَنُ، فَلَمْ تَكُنْ مَعْزُوزَةً مُعَظَّمَةً؛ فَلَا تُشْبِهُ الْأَصْنَامَ الَّتِي تُعْبَدُ وَمَتَى قُطِعَ مِنْ الصُّورَةِ الرَّأْسُ أَوْ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ ذَهَابِهِ حَيَاةٌ؛ فَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا لَوْ صُوِّرَتْ ابْتِدَاءً بِلَا رَأْسٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ: يَحْرُمُ التَّصْوِيرُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلذَّكَرِ، وَمَا نُسِجَ بِذَهَبِ أَوْ فِضَّةٍ (وَكُرِهَ سِتْرُ حِيطَانٍ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا أَوْ) بِسُتُورِ (صُوَرٍ
غَيْرِ حَيَوَانٍ) كَشَجَرٍ (بِلَا ضَرُورَةٍ) مِنْ (حَرٍّ وَبَرْدٍ) وَهُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ؛ لِمَا رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْرَسْت فِي عَهْدِ أَبِي، فَأَذِنَ إلَى النَّاسِ، وَكَانَ فِيمَنْ أَذِنَ أَبُو أَيُّوبَ، وَقَدْ سَتَرَ بَيْتِي بِحُبَارَى أَخْضَرَ فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ فَاطَّلَعَ فَرَأَى الْبَيْتَ مُسْتَتِرًا بِحُبَارَى أَخْضَرَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَسْتُرُ الْجُدُرَ؟ فَقَالَ أَبِي وَاسْتَحْيَا: غَلَبَتْنَا النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوبَ فَقَالَ مَنْ خَشِيت أَنْ يَغْلِبْنَهُ لَمْ أَخْشَ أَنْ يَغْلِبْنَك، ثُمَّ قَالَ: لَا أَطْعَمُ لَك طَعَامًا، وَلَا أَدْخُلُ لَك بَيْتًا، ثُمَّ خَرَجَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْحُبَارَى ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ، وَلَا يَحْرُمُ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَفُعِلَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ تَغْطِيَةٌ لِلْحِيطَانِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَجْصِيصٍ، وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ) السُّتُورُ (حَرِيرًا، وَيَحْرُمُ جُلُوسٌ مَعَهُ) أَيْ: سِتْرُ الْحِيطَانِ (بِهِ) أَيْ: بِالْحَرِيرِ وَتَعْلِيقُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ (وَ) يَحْرُمُ (جُلُوسٌ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ سِتْرِ الْحِيطَانِ بِالْحَرِيرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُنْكَرِ.
(وَ) يَحْرُمُ (تَعْلِيقُ مَا فِيهِ صُوَرُ حَيَوَانٍ وَسِتْرُ جُدُرٍ بِهِ وَتَصْوِيرُهُ وَمَرَّ حُكْمُهُ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ) مُسْتَوْفَى.
(وَيَتَّجِهُ فَتَحْرُمُ الزِّينَةُ بِهِ) أَيْ: بِالْحَرِيرِ وَنَحْوِهِ (لِلسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ) كَالْأَمِيرِ (إلَّا لِمُكْرَهٍ) عَلَى التَّزَيُّنِ بِهِ؛ فَإِنْ هَدَّدَ إنْسَانٌ قَادِرٌ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ؛ فَيُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَيَتَّقِيهِ) أَيْ التَّزَيُّنَ وُجُوبًا (مَا أَمْكَنَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286](وَيَحْرُمُ جُلُوسُ مُخْتَارٍ) عَلَى حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَ (لَا) يَحْرُمُ (تَفَرُّجٌ) عَلَى زِينَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ مِنْ إنْسَانٍ (مَارٍّ) عَلَيْهَا أَوْ مَرَّتْ بِهِ الزِّينَةُ، فَتَفَرَّجَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّخِذٍ، وَلَا مُسْتَعْمِلٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ.
(وَحَرُمَ أَكْلٌ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ أَوْ قَرِينَةٍ) مِنْ رَبِّ الطَّعَامِ (أَوْ قَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى إذْنٍ كَتَقْدِيمِ طَعَامٍ وَدُعَائِهِ إلَيْهِ (وَلَوْ كَانَ أَكْلُهُ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ وَلَوْ لَمْ يُحْرِزْهُ عَنْهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا. وَلِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ؛ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَدُعَاءٌ لِوَلِيمَةٍ وَتَقْدِيمُ طَعَامٍ) إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالْأَكْلِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْغُنْيَةِ (إذْنٌ فِيهِ) أَيْ: الْأَكْلِ (إذَا كَمُلَ وَضْعُهُ، وَلَمْ يُلْحَظْ انْتِظَارُ أَحَدٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَهُ الرَّسُولُ فَذَلِكَ إذْنٌ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا دُعِيت فَقَدْ أُذِنَ لَك. وَ (لَا) الدُّعَاءُ إلَى الْوَلِيمَةِ إذْنًا (فِي الدُّخُولِ إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَيْهِ (وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ: الطَّعَامُ (مِنْ قُدِّمَ إلَيْهِ) بِتَقْدِيمِهِ لَهُ (بَلْ يَهْلِكُ) الطَّعَامُ بِالْأَكْلِ (عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا) ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلُ؛ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ) مَعَ الدُّعَاءِ إلَى الْوَلِيمَةِ أَوْ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ (إذْنٌ ثَانٍ لِأَكْلٍ كَطَبِيبٍ دُعِيَ لِفَصْدٍ وَخَيَّاطٍ) دُعِيَ (لِتَفْصِيلٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِعِ، فَيَكُونُ الْعُرْفُ إذْنًا فِي التَّصَرُّفِ، وَلَا يَجُوزُ لِلضِّيفَانِ قَسْمُهُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَهُ، فَأَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.