الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمر بن عبد العزيز بن سليم:
أول من قدم من آل سليم إلى بريدة وأقام فيها بقصد الإقامة والعيش فيها، هو عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن صالح بن حمد بن محمد بن سليم.
جاء إليها من الدرعية في عام 1233 هـ أو عام 1232 هـ عندما بدأت الحروب أو قبيل ذلك، ولا شك في أنه تفرَّس في أن الحرب لن تكون في صالح أهل الدرعية فحزم أمره، وجمع ماله وهاجر منها فوصل إلى بريدة سالمًا بماله وما معه.
وربما كان من أسباب ذلك علاقته الوطيدة بأحد كبار بريدة وتجارها وهو (صالح بن حسين أبا الخيل) الذي كان يتعامل مع عمر بن سليم وغيره من تجار الدرعية قبل سقوط الدرعية، فيذهب صالح إلى هناك من القصيم ويتاجر في الدرعية وأحيانًا يأخذ مالًا من أهلها على طريق المرابحة وهي أن يعمل التاجر بالمال يبيع ويشتري، ويكون له جزء من الربح ولصاحب المال جزء آخر.
ولذلك عندما وصل عمر بن سليم إلى بريدة وهو غريب عنها لا يعرف أهلها ولو كان الأمر أمر وصوله وعدم معرفته بالناس فيها لهان الأمر، ولكن أمر تجارة ومبايعة ومداينة مما يحتاج إلى معرفة بالبلاد وبأهلها، لاسيما إن البلد قد عمها الاضطراب، وعصفت بها الفوضى بعد زوال حكم آل سعود الذي كان يحكِّم الشرع الشريف ولا يستطيع أحد فيه أن يتعدى على أحد، بل القانون الشرعي هو السائد.
لذلك رأينا عمر بن سليم يشترك مع صالح بن حسين أبا الخيل في المداينات فيداينان الناس معا، مثل أن يقال: استدان فلان من عمر بن سليم وصالح أبا الخيل كذا، مما لم يعتد الناس عليه، بل كانت الوثائق تقول: عند فلان لعمر وصالح أو لصالح وعمر كذا من دون أن يذكروا اسم أحدهما أو اسميهما معا كاملا، وقد قدمت في ترجمة صالح الحسين أبا الخيل النماذج الدالة في الوثائق على ذلك.
ونزيد هنا هذه الوثائق.
فالوثيقة الأولى: تذكر أن (غانم الذياب) عنده أي في ذمته اثني عشر ريال) ثمن (ميتين تمر) ويريدون من ذلك مائتي وزنة من التمر والوزنة تساوي كيلًا واحدًا ونصفا على وجه التقريب أي نحو ألف وخمسمائة قرام،
أرهن صالح الحسين وعمر غريس، وهو النخل الذي غرس حديثًا من النخل وهو من أنفس أنواع النخل عندهم، إلى أن قالت الوثيقة: شهد على الرهن ووزن التمر حسن وفوزان كتب شهادتهم عن أمرهم سليمان بن سيف.
فهذه الوثيقة صرحت باسم والد صالح الذي هو حسين وهو حسين بن صالح بن حسين أبا الخيل الذي تولى ابنه مهنا الصالح إمارة بريدة.
والوثيقة الثانية: ذكرت اسم صالح وعمر دون ذكر اسم أبويهما أو أسرتهما، وعمر هو ابن عبد العزيز السليم، وتذكر أن (حسن وفوزان) شهدا بأن عند عقيل الصليتي لصالح وعمر ونلاحظ أن الكاتب وهو متمرس ومشهور بالكتابة قد رسم ألفًا أمام اسم صالح فبدت كما لو كانت الصليتي الصالح، والواقع أنها لصالح ولكنه أثبت الألف على لفظ العوام.
وهذا الدين مؤجل يحل أجله بعيد الأضحى من عام 1238 هـ، وذكر أنه أرهنهم عمارة فيد عليان والعمارة هي ما يكون للفلاح الذي يعمل في نخل غيره، بخلاف الأصل الذي هو لصاحب النخل، وقد ذكرت ذلك في (معجم الألفاظ العامية)، ومع ذلك لم يكتف الدائنان برهن عمارة المدين، وإنما رهنا أيضًا نصف نخله الذي يملكه، ونصف الناقة التي لم يذكرا صفتها، وأما (فيد عليان) فإنه يراد به هنا نخل عليان، ففيد: ملك أو نحو ذلك حسب مقتضي سياق الكلام.
الوثيقة الثالثة: تقول: مضمونه، أي إن هذه الوثيقة تتضمن أنه حضر عندي أي عند الكاتب وهو هنا سليمان بن سيف، فوزان وصالح وعمر، وأقر فوزان بأن عنده وفي ذمته اثني عشر ريال ثمن ميتين وزنة تمر، وأرهنهم بذلك غريسه: أصله وعمارته يحل أجلهن بعيد الأضحى من سنة ثمان وثلاثين بعد المائتين والألف، شهد به كاتبه سليمان بن سيف جرا ذلك نهار ثلاثة وعشرين من صفر سنة سبع وثلاثين بعد المائتين والألف، وصلى الله علي محمد وآله وصحبه وسلم.
واختتام هذه الوثيقة القصيرة بالصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه تدل على أنه لم يكن مقصودهم من عدم ذكر أسماء آباء وأسر المذكورين في الوثيقة هو مجرد الاختصار، وإنما لكونهم لا يرون حاجة إلى ذلك لشهرتهم عندهم وعند معاصريهم، فالمستدين هو (فوزان) هكذا بدون ذكر بقية الاسم، الذين يظهر لي أنه فوزان جد آل فوزان أهل وهطان وخضيراء ومن ذريته الآن - 1384 هـ - الوجيه العمدة فوزان بن صالح الفوزان، الذي كان أمير خضيرا، وهو الآن متقاعد ولكن لا يزال القضاة وأمثالهم يعتمدون ما يقوله فيما يشكل من الصكوك، وحدود الأملاك ونحو ذلك لكونه ثقة ذا خبرة.
وأما صالح وعمر فإنهما صالح بن حسين أبا الخيل، وعمر بن عبد العزيز بن سليم.
فهذه ذكرت صالح وعمر من دون زيادة في الأسمين ولكنها ذكرت شيئًا عجيبًا وهو أن المستدينين وهما حمود الفراج وضبيب قد أقرا بأنهما متغارمين أي كل واحد منهما يغرم للدائنين وهما صالح الحسين وعمر بن سليم ما قد يتخلف من الدين الذي عليه لهما، وهما أيضًا متكافلان وفسرت الوثيقة ذلك بأن غنيهم يوفي عن ضعيفهم، وحيهم يوفي عن ميتهم، وقد أوضح ذلك بقوله: ومتى طلب صالح وعمر حدي - أحد - الاثنين، أو في جميع المطلب - أي الدين -.
وتاريخها 25 من صفر سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف.
لقد كان عمر بن عبد العزيز السليم أول من جاء إلى بريدة من آل سليم ثريًا بحق، ولكنه كان أيضًا طالب علم ومتدينًا حتى إنه كان يؤم في أحد المساجد إلى قبيل وفاته، ثم كان ابنه الشيخ الشهير محمد بن عمر بن سليم إمامًا في أحد المساجد، ثم حفيده إبراهيم بن الشيخ محمد بن عمر بن سليم، إمامًا في المسجد المعروف الآن بمسجد ربيشه، وكذلك ابن حفيده أستاذنا عبد الله بن إبراهيم السليم كان إمامًا في المسجد المذكور لسنوات عديدة.
وقد عاش عمر بن سليم في بريدة دهرًا بصفته تلك أي بصفته تاجرًا يداين الناس، وصفته طالب علم وإمام مسجد، ونحن لا نعرف مقدار عمره عندما وصل إلى بريدة لأول مرة، ولكن الذي نعرفه أنه قدم إليها في عام 1333 هـ وأنه بقي يعيش فيها حتى كتب وصيته الآتي ذكرها في عام 1293 هـ أي مدة ستين سنة.
لقد كان قدوم (عمر بن سليم) إلى بريدة في التاريخ الذي ذكرته من دون شك ولكنني وجدت وثيقة مؤرخة في عام 1221 هـ فيها شهادة عمر بن سليم، وهذه تدل على أنه ربما كان يأتي إلى بريدة ولا يسكنها، أو تدل وهو الأقرب على أنها كتبت من أجل شيء حصل في عام 1221 هـ.
وليس من أجل شيء جديد، وإنما كان ذلك من دون كتابة، أو قد كتبت فيه كتابة غير وافية أتلفت وحلَّت محلها هذه الوثيقة.
ويدلنا على ذلك أن (الرواف) المذكورين في الوثيقة، كان قدم أوائلهم من بلدة العيينة إلى بريدة قبل ذلك بكثير اي بتاريخ 1180 هـ كما سنذكر ذلك عند الكلام على الرواف في حرف الراء.