الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونورد هنا ما كتبه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون).
الشيخ محمد بن عمر بن عبد العزيز بن سليم (1245 هـ - 1308 ه
ـ):
الشيخ محمد بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن صالح بن حمد بن محمد بن سليم، كان جده عبد العزيز يقيم في الدرعية أيام زهرتها بالدعوة السلفية، فلما خربت على يد إبراهيم باشا انتقل ابنه عمر بن عبد العزيز إلى بريدة، فاستقر فيها واتخذها له وطنًا.
وُلد المترجَم في عام 1245 هـ في مدينة بريدة، في بيت علم ودين، وتربي أحسن تربية، وأخذ مبادئ القراءة والكتابة، ثم شرع في القراءة على علماء القصيم كالشيخ سليمان بن مقبل قاضي بريدة والشيخ فارس بن رميح أحد علماء الرس والشيخ قرناس بن عبد الرحمن قاضي الرس.
ولمَّا عيِّن العلَّامة الشيخ عبد الله أبا بطين قاضيًا في مدينة عنيزة المجاورة لبلاده، لازمه وقرأ عليه واستفاد منه.
ثم رحل إلى الرياض للتزود من علم مشايخها، وكان أشهر من فيها العلَّامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ عبد اللطيف، فشرع في القراءة عليهما والتزود من علمهما.
ثم رحل إلى شقراء وفيها - يومئذ - شيخه أبا بطين، فاستأنف عليه القراءة والانتفاع منه.
ولم يزل جادًا مجدًا في طلب العلم، حتى أدرك علمًا جمًا في التوحيد والتفسير والحديث والفقه وأصولها.
كما رحل إلى الحرمين الشريفين وقرأ على علمائهما، وأخذ الإجازة منهم.
ثم عاد إلى نجد، فعاد إلى وطنه متزودًا بهذه العلوم، وقد صار محل الثقة من شيخيه العالمين الجليلين، الشيخ عبد الرحمن وابنه الشيخ عبد اللطيف، فأجازاه وأذنا له في القضاء والتدريس، وهذه إشارة إلى أجازتيهما:
(من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المكرم محمد بن عمر آل سليم، بعد الديباجة، وبعد:
فلا يخفاك حاجة الناس إلى التعلُّم والتدريس من مثلك، وقد يتعين الأمر عليكم - وعلى مثلكم - نشر العلم، والحكم بالقسط في موطن القضاء من أفضل الأعمال، ومن موجبات الإثابة والرضا، وقد أذنت لك بالإقراء والتدريس والإفتاء بما ترجَّح عندك من كلام أهل العلم، بشرط أن يكون لك فيه سلف صالح من مشايخ الإسلام).
وأما الإجازة الثانية:
من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ المكرم محمد بن عمر آل سليم، بعد الديباجة:
(فقد طلبت مني الإجازة أن تروي عني ما رويته عن أشياخي من أهل نجد ومصر، وقد أجزتك بما رويته عنهم بالإجازة كالكتب الستة والفقه في مذهب الإمام أحمد، وغير ذلك ككتب التفسير، وعليك في ذلك بتقوى الله، والتَدبُّر والاجتهاد في معرفة المعنى، وصورة المسألة، والمطالعة على كل ما يرد عليك، واجتهد في العدل فيما وليت عليه من أمور المسلمين). اهـ.
وهكذا جلس المترجَم في بلده للتدريس والإفادة والإرشاد، فكان يعقد الجلسات العلمية الطوال بلا ضجر ولا ملل، فأقبل عليه الطلاب من مدن القصيم وقراه، وتحلقوا عليه واستفادوا منه، حتى تخرَّج على يده جمع من العلماء المجيدين للعلم.
وكان محبوبًا لطيفًا مع طلابه، فقد حدثني بعض طلاب الشيخ صالح بن عثمان آل قاضي قال: كنا نستفيد من الشيخين محمد بن عمر بن سليم وابن عمه الشيخ محمد بن عبد الله، ولكن مهابتنا من الشيخ محمد العبد الله تمنعنا من كثرة سؤاله، والانبساط في البحث معه، بخلاف الشيخ محمد بن عمر فتلطفه مع الطالب يجرئه على إطالة البحث معه والاستفادة منه.
والقصد أن المترجم تصدى لنفع الطالبين وإفادتهم، حتى تخرَّج به أفواج كثيرة من العلماء، يحضرني منهم:
- الشيخ عبد الله بن محمد العبد الله آل سليم.
- الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر.
- الشيخ عبد الله بن حسين أبا الخيل.
- الشيخ عبد الله بن مفدى.
- الشيخ عثمان بن حمد بن مضيان، كان على قضاء أبي عريش.
وهؤلاء من أهل العلم في بريدة.
- الشيخ عبد الله بن محمد المانع.
- الشيخ صالح بن عثمان القاضي.
- الشيخ علي بن ناصر أبو وادي.
وهؤلاء من أهل العلم في عنيزة.
- الشيخ عبد الله بن بليهد.
- الشيخ سليمان بن ناصر بن جربوع.
- الشيخ عبد الرحمن بن علي الرشودي.
- الشيخ حسن بن مهنا.
- الشيخ عودة بن حسن آل عودة من آل أبا الخيل.
- الشيخ علي بن مرشد الصالح.
- وابنه محمد بن علي.
- الشيخ إبراهيم بن ضويان.
- الشيخ عثمان العريني.
- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله المهنا، أخو محمد الأمير.
- الشيخ سليمان بن أحمد الرواف، أخو الشيخ عبد الله بن أحمد.
- الشيخ عبد الله بن عثيم.
- الشيخ عبد الله التويجري.
- الشيخ حمد بن سعيد.
وأبناء ناصر العجاجي:
- محمد بن ناصر العجاجي.
- عبد الله بن ناصر العجاجي.
- إبراهيم بن ناصر العجاجي.
- عبد الرحمن بن ناصر العجاجي.
- الشيخ عبد الرحمن العقلا.
وعرض عليه قضاء بريدة فرفضه، ولم يل القضاء إلَّا بالنيابة عن شيخه الشيخ سليمان بن مقبل حينما ذهب إلى مكة المكرمة، فقد جعله نائبًا عنه، فلما توفي الشيخ سليمان بن مقبل (1) عينه حسن المهنا كرهًا في القضاء، وكان حسن في ذلك الوقت مستقلًا بإمارة بريدة، فآل سعود قد كاد ينتهي حكمهم بعد خلاف أبناء الإمام فيصل، وعلاقته مع محمد بن رشيد علاقة حلف ومناصرة فقط.
والغرض أن الشيخ محمد بن عمر آل سليم التزم القضاء كرهًا، وبعد أشهر من مباشرته سافر إلى مكة مظهرًا قصد العمرة، فكتب من مكة إلى حسن
(1) الصحيح: فلما سافر الشيخ سليمان بن مقبل إلى مكة المكرمة ممتنعًا عن القضاء إلخ
…
المهنا معلنًا تركه القضاء، فعيِّن مكانه ابن عمه الشيخ محمد بن عبد الله آل سليم في قصة ذكرت في ترجمته، وما حمله على البعد عن القضاء إلَّا الخوف من الله وحب السلامة، وإلَّا فأداته لديه كاملة.
مؤلفاته:
أما التأليف، فله نشاط في تحرير الفتاوى، ولكنها مفرقة عند أصحابها.
وله تعليقات وتحقيقات على نسخة من شرح الزاد وشرح كتاب التوحيد.
كما ألَّف منسكًا لطيفًا مفيدًا لا يزال مخطوطًا عند حفيده الأستاذ عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن سليم.
ثناء العلماء عليه:
أما ثناء العلماء عليه فكان كثيرًا، ومن ذلك ما قاله عنه ابن عيسى: العلَّامة الأوحد، الفهامة الورع الزاهد العابد، الإمام الفقيه الفرضي النحوي اللغوي الأديب الجليل، الفاضل النبيل.
مهر في الفقه مهارة ظاهرة، وحصل في جميع الفنون، وكان له ذكاء يفوق الحد، وعقل رزين، وأخلاق حسنة، وكان سخيًا كريمًا رحيمًا بالفقراء، ذا عبادة وورع وزهد، يفوق عمله وصفه، بل كان مثالًا لكل الفضائل، قدوة للأواخر، ومصداقًا لافاضل الأوائل.
وكان رحمه الله أمارًا بالمعروف نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، صدّاعًا بالحق لا يحابي ولا يبالي ولا يهاب، بل كان إذا رأى وسمع منكرًا أخذته رعدة بحيث لا يستطيع البقاء في مجلسه.
وكان دائم البشر، ضاحك الوجه، يسبق من لقيه بالتحية والسؤال عن حاله، ويتفقد الفقراء في بيوتهم.
وكان رحمه الله على غاية من الورع، ويحكي عنه في ذلك حكايات لا يسع هذا المقام ذكرها.
وبالجملة فهو من علماء نجد المحققين البارزين، الذين جعل الله في علمهم البركة، فكثرت بذلك تلامذته، وكلهم علماء أجلاء.
وفاته:
أصيب بالمرض وجيوش محمد بن رشيد وجيوش أهل القصيم متقابلة للقتال بينهما في المليدا، فأهل القصيم متحصنون بكثبان قرية الشقة، وابن رشيد أسفل منهم، وذلك قبيل معركة المليدا بأيام، فتوفي قبل نشوب الحرب بستة أيام، فقد كانت وفاته في يوم السبت سابع جمادى الأولى من عام 1308 هـ.
قال ابن عيسى: وله من العمر ثلاث وستون سنة، وخلَّف ثلاثة أبناء (1).
وترجم له الأستاذ محمد بن عثمان القاضي بترجمة حافلة، ولكنه ذكر فيها ما لم نعرفه مثل قوله:
ولد هذا العالم في إحدى الهجر الشمالية سنة 1241 هـ، وهي السنة التي مات فيها الأمير الإدريسي، نشأ في بيت علم ودين وتربي أحسن تربية وارتحل مع أبويه إلى الحناكية وسكنها، ثم ارتحل منها إلى العيينة، وكانت موطنًا للعلماء، وغرس فيها نخلًا وبني مسجد وقرأ القرآن وحفظه ثم حفظه عن ظهر قلب (2)، وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط ومثابرة وقدم إلى بريدة وعنيزة وتزوج في عنيزة (3)، ولازم قاضيها العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بابطين وقرناس بن
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون، ص 340 - 349.
(2)
هذا لم يعرف عنه ومن ناحية القياس فوالده ثري جدًّا وأمه ثرية أيضًا بثروة والدها ابن مقبل الذي سيأتي نقل وصيته في (باب الميم) فكيف يذهبان وبسكناه في الحناكية، ولماذا؟ أما العيينة فإنها كانت خرابًا في ذلك الوقت.
(3)
وهذا أيضًا لم يعرف عنه، فالذي تزوج من عنيزة هو الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
عبد الرحمن قاضي الرس وسليمان بن مقبل قاضي بريدة وفارس بن رميح من علماء الرس، وارتحل إلى منفوحة فحصل فتن، ولم تطل مدة إقامته فيها، فارتحل منها إلى الدرعية (1)، وصار يتردد ما بينها وبين الرياض ملازمًا العلماء في ذلك، ومن أبرز مشائخه هناك الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ وأجازاه بالرواية انظر إلى أن قال: ورشح مرارًا للقضاء في قري (2)، فامتنع تورعًا منه وجلس للتدريس في مدينة بريدة فالتف إلى حلقاته طلبة كثيرون منها وما حولها، وكان حسن التعليم لطيفًا متواضعًا يحب إيصال النفع لطلابه إلى أن قال: وكان مرشدًا في مسجده الذي يؤم الناس فيه في بريدة، وقد عمره بالتدريس والإفتاء ونفع الخلق وعمدة في التوثقات بخطه المتوسط، وفي عقود الأنكحة، وكان دمث الأخلاق لا يحب المظهر حلو المفاكهة مجالسة ممتعة ومحادثاته شيقة وآية في التواضع والزهد والورع والسخاء والحلم ذا أناة وتؤدة عطوفًا على الفقراء والمحاويج مع قلة ذات يده وحينما نفى ابن رشيد محمد العبد الله بسبب الأباخيل منها إلى عنيزة (3) أول القرن حاولوا أن يرشحوه للقضاء ببريدة فامتنع، وقد وقع في زمنه فتن وملاحم، فكان يصدع بكلمة الحق لا يخاف من أحد وأوذي في سبيل الدعوة فصبر وصابر مع قلة المساعد والمناصر، وكان ذا كلمة مسموعة محمود السيرة له مكانة الولاة والناس ولم تزل هذه حاله حتى وافاه أجله المحتوم قبل وقعة المليدا بأيام والجيوش متقابلة بين أهالي القصيم وابن رشيد والناس في رعب شديد فمرض وتوفي يوم السبت 7 من جمادى الأولى من عام 1308 هـ. وحزن الناس لفقده حزنًا شديدًا وصلي عليه صلاة الغائب بعنيزة (4).
(1) يقال هنا ما قيل في العيينة، فالدرعية في ذلك الوقت كانت خرابًا يبابًا ليس فيها سكان.
(2)
الصحيح في مدينة بريدة.
(3)
ذكرنا في ترجمة الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم سبب هربه إلى عنيزة، وبذلك يعرف أن ابن رشيد لم ينفه إلى عنيزة، لأنه لم يكن لابن رشيد سلطان على القصيم آنذاك.
(4)
روضة الناظرين، ج 2، ص 219 - 222 (الطبعة الثانية).
إبراهيم بن الشيخ محمد بن عمر بن سليم