الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلوب الشيخ ابن سويلم:
هذه نماذج مما أملاه الشيخ عبد العزيز بن سويلم على كاتبه صالح بن سيف.
قلت: إنّه ليس بايدينا سجلات ولا أحكام مدونة لابن سويلم مثله في ذلك مثل بعض قضاة القصيم في ذلك العصر، ولكننا نجد عند العلماء الآخرين كالشيخ سليمان بن مقبل، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ عبد الله بن صقيه كتابات بمبايعات أو تصديق على معاملات أو تسجيل أحكام مختصرة في أسفل وثائق أو كتابة وصايا وأوقاف، وقد عرفنا من ذلك أسلوبهم في الكتابة واطلعنا على خطوطهم ومدى معرفتهم بالكتابة من إنشاء الجمل، وإملاء الكلمات.
أما الشيخ ابن سويلم فإن ذلك كله يبحث عنه فيما أملاه على كاتبه صالح السيف.
وقد فعلت ذلك فوجدت أن الوثائق أو الأوراق التي أملاها الشيخ عبد العزيز بن سويلم على كاتبه هي ذات أسلوب واضح المعنى متقن العبارة، يتماشى مع كتابة الوثائق الشرعية ولا غرو فممليها عالم جليل هو الشيخ عبد العزيز بن سويلم قاضي ناحية القصيم.
فعلى سبيل المثال:
من ذلك وثيقة أملاها ابن سويلم وكتبها كاتبه صالح بن سيف بخطه الجميل، وذلك في وقت مبكر من عمل الشيخ ابن سويلم في القصيم وهو شهر ربيع الأول سنة عشرين بعد المائتين والألف.
فأول ما يشد الانتباه أنّه بدأها بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم والعادة أن الكتبة كانوا يتوجون وثائقهم بـ (الحمد لله) أو (الحمد لله وحده)، أو (بسم الله) مختصرة.
وثانيا: أنّه استهل الوثيقة بعبارة (يعلم الواقف عليه) كتبها في أول الوثيقة، والعادة المتبعة في القصيم أن يقول القاضي أو الكاتب إذا كان كبير القدر: حضر عندي فلان الخ، أو أقر فلان بأنه باع كذا على فلان الخ.
ثالثا: أن الوثيقة تكاد تخلو من اللحن في متن اللغة وفي النحو من الهنات التي كان المشايخ والكتبة يتهاونون بها أو يجهلون مخالفتها للفصيح من اللغة، وهي موجودة وظاهرة في كتابات بعضهم يستطيع من يتتبعها من طلبة العلم أن يراها ويعرفها، لأنها لا تتعلق بعويص النحو، أو حوشي اللغة.
ولم أجد شيئًا من ذلك في هذه الوثيقة إلَّا كلمة (ورثها) التي تعني إرثها، وربما كان السبب الداعي إلى ذلك أنّه ذكر كلمة إرث قبل ذلك بكلمة فقال: نصيبه من إرث امه (ورثها) من أمها مريم.
رابعها: أنّه التزم باثبات الألف بعد هاء المؤنثة الغائبة فقال أمها ونصيبها وابنها على الفصيح الشائع من اللغة وهو المستعمل في جنوب نجد مثل الدرعية بلد الشيخ ابن سويلم وهو اللغة القرآنية.
بخلاف لهجة أهل القصيم الدّين يقولون في كلامهم المعتاد (أمَّة) و (نصيبه) و (ابنه) يريدون أمها ونصيبها وابنها إذا كانوا يتكلمون عن مؤنثة.
وقد ذكرت في مقدمة كتاب (معجم بلاد القصيم) هذه اللغة القصيمية وبينت أنها ذات أصل عربي قديم.
مع أن هذه اللهجة ليست خاصة بأهل القصيم وحدهم دون سائر أهل نجد، بل إنّ أهل حائل وقبائل شمر تفعل مثل ذلك.
خامسها: أنّه قال في تاريخ الوثيقة في أولها: (وقع ذلك في شهر) الخ والعادة عند أهل القصيم أن يقولوا (جرى ذلك).
وحتى الكتبة الآخرون والمتحدثون عن الشيخ عبد العزيز بن سويلم بصيغة الغائب أي من دون أمره لم يكونوا يذكرون اسمه مسبوقًا بلقب الشيخ القاضي في أكثر الأحيان، وربما كان ذلك استمرارا لما كان أخذ به نفسه، وكاتبه بان يذكر اسمه مجردا من دون لقب.
ومن ذلك ما جاء في الوثيقة التي كتبها عقيل بن مسلم بن مضيان وأرخها في سنة اثنين وثلاثين بعد المائتين والألف، ولكنه كان يحكي فيها عن شيء مضى وانقضى ولذلك دعا لحجيلان بن حمد أمير القصيم وعبد العزيز بن سويلم قاضيها بقوله: رحمهم الله، التي لا تقال إلَّا للأموات، فحجيلان توفي في
عام 1235 هـ، والشيخ ابن سويلم توفي في عام 1244 هـ، وهي القسمة بين آل ابن سيف وأمهم.
وقد يأتي الكلام على هذه الوثيقة الردئية الخط والإملاء في الكلام علي (المضيان) من حرف الميم.
وأول هذه الوثيقة بعد (الحمدلة): يعلم الناظر فيه والواقف عليه بأن حجيلان وعبد العزيز بن سويلم رحمهم الله أمرونا بتنفيذ وقلَّطُونا نقسم بين آل ابن سيف وأمهم وهي يومئذ وكيلتهم الخ.
وقد سبق عرض صورتها قريبًا.
وبعد أن ترك الشيخ عبد العزيز بن سويلم القضاء فتح له دكانًا في بريدة كان من بين ما يبيعه فيه القماش، وقد جرت حكاية مشهورة في هذا المعنى وهي أن عجوزًا كانت تحش الحشيش عند موضع مقبرة بريدة الشرقية التي هي في الجانب الجنوبي الشرقي من الحبيب في الوقت الحاضر، وكانت خلاءً فسمعت وهي مشغولة بالحشيش رجلًا ذا صوت جهوري يقول: خَيَّال الخيل، وأنا فلان فظنت أنّه فارس حقيقي.
وهذه جملة معروفة تقال في الإعتزاء.
فلما التفتت رأت القائل مجنونًا ضخم الجثة من آل فلان أسرة معروفة في بريدة، لم أرد ذكر اسمها وإن كنت أعرفه فقالت تسخر منه: أحسبك رجل، والاك حصيصة وحصيصة: تصغير حصة، وكانوا يلقبونه بذلك زاعمين أن فيه جنية اسمها حصة.
قالوا: وكان الرجل موثق اليدين بخشبة قد جمعت بين كفيه تمنعه من أن يمسك بأحدهما شيئًا كالسيف أو الحصاة أو العصا يؤذي بها النّاس لأنه قوي اليدين، معروف بالأذى فرفع يديه كلتيهما وقال:
انطحي وَجْهها يا (معَجَزْ) ثم ضربها بالخشبة التي تجمع يديه على راسها بكل قوته فكانت القاضية عليها يريد بانطحي وجهها أي استعدي للتحدي يا معجز، أي يا ايتها العجوز.
قالوا: والمرأة هي أم لأسرة معروفة الآن في بريدة فطلب أهل المرأة حقهم من القاتل المجنون، فقال أهله: خذوا حقكم من اللي قتل أمكم، اذبحوه وريحونا منه، جزاكم الله خير.
ولكنهم قالوا: كيف نذبح رجال مجنون نبي الدية وقصدوا ابن سويلم في (دكانه) في بريدة فوجدوه قد باع (شيلة) وهي قماش أسود تغطي به المرأة رأسها وأخبروه بقصتهم، فقال لهم: الدية على العاقلة، ثم شرح لهم معنى ذلك، وأنه يعني أن يجمع عاقلة المجنون وهم أقاربه الذكور من النسب دية منهم يسلمونها لورثة العجوز القتيل.
فلم يرض أهل المجنون بذلك واتفقوا مع أهل العجوز على أن يسافروا إلى الرياض ليتحاكموا عند (ابن عبد اللطيف) كما صار النّاس يسمون آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بذلك، وإن لم تكن هذه التسمية موجودة في ذلك الوقت وإنما هي من راوي القصة.
فلما ذكروا لأكثر آل الشيخ علمًا الأمر استمهلهم فترة من الوقت يريد بذلك الصلح بينهم، وقال لهم: سوف نطالع في الكتب ونخبركم عن موضوعكم.
قالوا: وبعد ذلك قال لهم ياعيالي: الدية على العاقلة، فقال أولياء المجنون: هذي سامعينها من ابن سويلم وهو يشق (شيلة) في دكانه ببريدة.
فقال لهم العالم: حكم الله واحد اللي عند ابن سويلم هو الذي عندنا.
وتدل هذه القصة على أن النّاس كانوا يقصدونه في دكانه ليقضي بينهم، ولكن يظهر منها أنّه ليس له سلطة القاضي الذي يفرض حكمه، لأن ذلك يتوقف على قوة