الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الله يقرأ درسه عشر مرات قبل أن يقرأه على الشيخ عبد الرحمن بن حسن.
ومما يروى عن الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم ورغبته بالعلم أنّه حال كونه يقرأ في الرياض على الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ هو والشيخ محمد بن عمر أحضر لهما طعام العشاء عصرا، فقالا نأكله بعد المغرب، فصليا المغرب ولم يفرغا لأكله، لأنهما في مذاكرة وبحث في بعض المسائل وصايا العشاء واستمرا في المذاكرة ولم يأكلاه حتى طلع الفجر.
وقد بلغني أنّه رحمه الله كان مكبا على المطالعة وكان المصباح من الودك ذي الفتيلة المكشوفة وأن لهب السراج أحرق غترته التي على رأسه ولم يشعر إلَّا بحر النّار! ! ! (1).
رواية خزانة التواريخ النجدية:
" كان هو وابن عمه محمد بن عمر متقاربين في السن مشتركين غالبًا في طلب العلم وكان هو أجود بتحصيله، تولى قضاء في بريدة مرتين في خلال ولاية الشيخ سليمان بن مقبل، وتولاه ثالثا مفتتح سنة 1299 هـ واستمر قاضيًا مدرسًا إلى أن عزل في آخر سنة 1318 هـ عزله ابن رشيد ونفاه إلى النبهانية، وأقام فيها سنتين، ثم انتقل إلى البكيرية، وأقام فيها سنة، ثم أعيد إلى قضاء بريدة سنة 1322 هـ لما تولى الملك عبد العزيز بن سعود على القصيم، ثم عزل عنه سنة 1324 هـ، ومات في ذي القعدة من تلك السنة، وكان جيد الحفظ قويا في تنفيذ أحكامه.
ومن أشهر الآخذين عنه الشيخ صالح بن قرناس، والشيخ عبد العزيز بن مانع، والشيخ صالح بن عثمان القاضي، والشيخ إبراهيم الضويان، وابن
(1) علماء آل سليم، ج 1، ص 22 - 23.
جاسر، والشيخ عبد الله بن مانع، وابناه عبد الله وعمر (1).
هذا وقد تولى الشيخ ابن محمد بن عبد الله بن سليم القضاء في بريدة لفترات قصيرة جدًّا أثناء ولاية الشيخ سليمان بن علي المقبل على القضاء، إمّا نيابة عنه أثناء حجه أو نحو ذلك.
ولكن عندما امتنع الشيخ بن مقبل كلية عن الاستمرار في القضاء كما سيأتي في ترجمته في حرف الميم جمع حسن بن مهنا أمير بريدة كبار الجماعة وفيهم أخوه من كبار أسرة المهنا وبحث معهم فيمن يكون قاضيا في بريدة.
وكان ممن حضر محمد بن عبد الله الرشودي عم الزعيم فهد بن علي الرشودي وأخيه إبراهيم، وكان يقيم في العراق في أكثر وقته، وتزوج هناك، ثم أقام في العراق حتى مات - كما سبق ذلك في ترجمته في حرف الراء. فقال:
أنا خابر لكم شيخ كبير في العراق من تلاميذ الشيخ داود بن جرجيس إذا تبونه؟
فلما سمع حسن المهنا هذا الكلام تأثر واستنكره قائلًا:
يعني العراقي هذا يعلم عيالنا حتى يصيرون مثل مشايخ في العراق يحلفون بعبد القادر الجيلاني، أو قال: يستغيثون بعبد القادر الجيلاني، على شأن إنني في نفسي شيء على الشيخ ابن سليم.
يا أهل بريدة ما لكم إلَّا الشيخ محمد بن سليم، نبي نركب له وفد يروح العنيزة ونزيل ما في خاطره، وهو الشيخ والقاضي الذي يصلح للقضاء ويقوم به، ثم ألف وفدًا فيه بعض كبار أسرته قيل: إنّ عدده خمسة عشر رجلًا، ومعهم كتاب منه للشيخ محمد بن سليم.
(1) خزانة التواريخ النجدية، ج ن ص 200.
فلما قرأ الشيخ الكتاب وتكلم معه الوفد بمضمونه، قال لهم: لابد من استرخاص أهل عنيزة الذين استقبلوني وأكرموني فاذهبوا إلى أميرهم واستأذنوا منه، فإذا أذنوا لي ذهبت معكم.
وقد فعلوا فأذن له الأمير زامل السليم.
وعاد قاضيًا في بريدة.
وقد علق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام على طلبه الإذن من أهل عنيزة بان ذلك لرغبة منه في أن يتولى قضاء عنيزة.
وهذا عجيب، لأنه أولًا لم يتكلم الشيخ به، بل لم يكن حاضرا في مجلس الأمير زامل السليم مع أهل بريدة.
وثانيا: أنّه بعقله ومعرفته يعرف أنّه بقي في عنيزة خمس سنين لم يولوه القضاء، فكيف يطمع بعد ذلك أن يولوه القضاء بهذه المناسبة.
وثالثًا: أنّه لا يجوز في العقل أن رجلًا يعرض عليه قضاء بلده وهو أكبر من القضاء في عنيزة لأن بريدة لها توابع من القرى والبوادي أكثر من عنيزة، وبريدة بلده أيضًا فيرفض ذلك مؤملا أن يعين في قضاء عنيزة.
ونعود إلى تولي الشيخ محمد بن سليم القضاء، فنقول: إنّه بعد أن استولي محمد بن عبد الله الرشيد على القصيم بعد هزيمة أهل بريدة في المليدا عام 1308 هـ جعله يستمر على القضاء فيها.
فبقي فيه بالفعل إلى أن انتهت معركة الطرفية التي يسميها بعض النّاس (معركة الصريف) وقد وقعت عام 1418 هـ، فعزله عبد العزيز بن معتب بن رشيد ونفاه عن بريدة إلى النبهانية، ولكنه بعد أن استتب الأمر الملك عبد العزيز في القصيم أعاده إلى قضاء بريدة في عام 1322 هـ، وبقي فيه حتى توفي.
قال الشيخ إبراهيم العبيد:
ذكر قضائه وسعة علمه وحلمه وكيفيته وصفته:
كان ربعة من الرجال يميل إلى الطول في قامته جسيما بعيد ما بين المنكبين عريض الصدر وله هيبة عظيمة وشجاعة، وكان عاقلًا رصينًا بليغًا فصيحًا وله سمت عظيم يخاطب الملوك ويصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وكان في صفة قضائه أنّه يجلس للخصمين على الأرض وما تحته وسائد ولا مياثر ولا فرش، فإذا سمع كلام الخصمين واستورد ما لديهما من البينات قضى قضاء جالس بين الجنّة والنار لا يراعي ولا يداهن، ولا يطمع الغني في ميله ولا يخاف الفقير من حيفه وجوره.
وكان يتحلم على الجاهل ويتغافل عن سقطات اللئام، كما كان يمشي ذات مرة فأسمعه بعض الجهال كلامًا سيئًا فقال له ابنه الشيخ عبد الله: لو ردعت هذا الجاهل فإنك قادر على حبسه وتعزيره، فالتفت إليه قائلًا: يابني إذا نتعب، لو نعامل كلّ جاهل بما يستحق، ولكن نعامل النّاس على قدر ما نستحق يا عبد الله، سد أذنيك وغمض عينيك، فهذا زمن السكوت ولزوم البيوت، ومن يتكلم بالحق فإنه ممقوت.
ودعاه صديق مرة وكان لا يحب الإجابة فلما جلس لديه في بيته سأله عن ابيه فقال: إنّه في أقاصي البيت وسيأتي بعدنا، ويلقي خيرًا فقال: له يابني أخطأت في هذه المعاملة لوالدك إذ الحق أن يكون مقدمًا في المجلس ومتصدرًا فيه، والآن فلا يحلو لنا طعامك، فأخذ بيد مرافقه رشيد الفرج، وكان مصاحبًا له في هذه الدعوة فقال له: يا شيخ، بل يذهب إلى أبيه فيدعوه، فقال: لا، بل المرة الثانية نجده حاضرا فطلب منه الريس أي المؤذن أن يرجع لأن صاحب الدعوة قد أحضر الغداء، والإكرام، فخرج وذهب به إلى بيته وأمر أهله أن يأتوا بغدائه، وكان خبيصًا طيبًا فقدمه، وقال له: تفضل يا ريس من ترك شيئًا لله عوضه خيرًا منه.
وقضى مرة على شخص، فقال: إلى الله أشكو فلو كنت مثل فلان يقدم
لك رقاب الضان لم تقض علي فضحك منه، ولم يعاتبه غير أنّه قال: جرب بنفسك حتى نقضي لك إذا أصلحك الله (1).
قيل: إنّ الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم لما حصلت وقعة المليدا بين محمد بن عبد الله بن رشيد وأهل القصيم، وتغلب ابن رشيد على أهل القصيم امتنع الشيخ ابن سليم عن القضاء بين النّاس قائلًا: إنّ ولايته القضاء قد زالت بزوال دولة من ولاه إياه وهو حسن المهنا.
فجمع ابن رشيد مستشاريه وبخاصة من كبار قومه وسألهم قائلًا: من نحط بقضاء بريدة، فبعضهم قال: فلان، وبعضهم قال: ابن جاسر، وسموا أشخاصًا!
فقال ابن رشيد: "باب الخرقة ما يسد باب الثليم" ما لقضاء القصيم إلَّا ابن سليم، ثم استدعاه، وجدد له الولاية على القضاء.
وقول ابن رشيد باب الخرقة، هي الباب الصغير الذي يكون في الباب الكبير، والكليم، الثلمة الكبيرة وهي الفتحة في جدار السور والقصر ونحو ذلك.
يريد ابن رشيد أن هذا الموقع لا يصلح له إلَّا ابن سليم.
علاقته بعبد العزيز بن متعب بن رشيد:
من المعروف للجميع أن الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم هواه مع آل سعود عقيدة وتوجهًا، لأنه مع المشايخ من آل الشيخ فهم مشايخه وهو مقتنع بمنهجهم، ويأخذ به مستقلًا، ولذلك عندما قام أهل بريدة مع ابن صباح على عبد العزيز بن متعب بن رشيد في سنة الطرفية وهي سنة الصريف عام 1318 هـ، وحاربهم ابن رشيد وهزمهم صار يتشفى منهم بالقتل والمصادرة كما هو معروف.
واستدعى الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وقال: وراك - يا شيخ - تفتي إننا يجوز قتلنا، حنا كفرة؟
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 2، ص 37 - 38.
يشير إلى أن الشيخ ابن سليم قد أفتى بجواز قتال ابن رشيد، ونحن لا ندري عن صحة ذلك، ولكن نعرف أنّه ليس معه.
ثم قال ابن رشيد بغضب: والله لولا ها العلم اللي بصدرك إن تمشي ثلاث خطى ورأسك ما هوب عليك، يريد أنّه سوف يقتله ويقطع رأسه بسرعة، لكن والله لأجليك عن بريدة! ! !
ومن أعمال الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم تجديده بناء جامع بريدة.
قال ابن عبيد في حوادث سنة 1313:
وفيما تمت عمارة المسجد الجامع في بريدة على يدي الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم قدس الله روحه ونور ضريحه، وكان لما أن أراد أن يشرع في عمارته قال للملا من أهالي بريدة إني قد عزمت على عمارة جامعكم على نفقتي ليس إلَّا، ومن أراد المساعدة منكم فلا مانع من ذلك، وقد قدم الأهالي مساعداتهم وساهموا في هذا المشروع جزى الله المحسنين خيرًا، ولا شك أن الساعي بهذا له أجره مدخورا عند الله تعالى (1).
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 1، ص 305.
هربة إلى عنيزة:
قال ابن عبيد في حوادث 1298:
وفي هذه السنة حصلت منافرة بين أمير بريدة حسن بن مهنا وبين القاضي محمد بن عبد الله بن سليم فعزم الشيخ على السفر من بريدة إلى عنيزة، ولما سار الشيخ إلى عنيزة واستقر فيها دعا الأمير حسن المهنا بالشيخ محمد بن عمر بن سليم، وهو ابن عم القاضي فأحضره لديه وعرض عليه قضاء بريدة فأبى، وقال للأمير: ما كان لمثلي أن يسد ثلمة الشيخ، ولكني أشير عليك يا ابن مهنا أن ترد الشيخ إلى عمله فلان طال مقامه في عنيزة واستوطنها يوشك أن لا تدركه، فقام الأمير وسعى في استجلاب الشيخ إلى بريدة فأرسل إليه يسترضيه وبعث إليه وجعل يعتذر ويستعطف حتى رجع إلى وطنه بريدة وقد تزوج في عنيزة وولد له فيها (1).
قال الشيخ صالح العمري:
لما اشتد الخلاف بينه وبين الأمير حسن المهنا أمير القصيم في زمنه جاءه من أنذره أن الأمير وأعوانه سيفتكون به أو يقتلونه، وكان ذلك في شدة الحر في يوم قائظ، فهرب رحمه الله واختفى بالنخيل وشجر الاثل المتصل من طرف بريدة الغربي المعروف بالبوطه، متجهًا مع بطانة الصباخ (2)، ومشى معها إلى أن وصل منتهاها من جهة عنيزة متجها إلى عنيزة.
ولما أقبل على الوادي قابله جمَّال يدعى عبد العزيز بن حسون، فلما رأى الشيخ وحده يمشي راجلًا في الرمضاء وشدة الحر انزعج، وأناخ راحلته، وقال للشيخ: تفضل إركب وسأعود معك، فقال له الشيخ: هل معك ماء؟ قال: نعم، وكان العطش قد بلغ منه مبلغًا شديدًا فسقاه من الماء الذي معه، ثم قال له الشيخ: يابني
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 1، ص 254.
(2)
طريق معروف عند أهل بريدة غرب نخيل الصباخ.
ما رأيتك ولا رأيتني، (أي لا تخبر عني أحدًا ولن أخبر عنك أحدًا بأنك سقيتني أو رأيتني، لأن الأمير لو علم أن الجمَّال قد رآه فتك به).
ولما سار الشيخ متجهًا إلى الوادي، وذهب الجمال متجهًا إلى بريدة، قابل الجمال فارس يدعى الغلث من خدم حسن المهنا، كان لاحقا بالشيخ يريد الفتك به، فسأل الفارس الجمال: هل رأيت الشيخ محمد بن سليم؟ فقال الجمال، نعم رأيته، قال: أين رايته؟ قال: رأيته يدخل عنيزة، والآن يمكن أنّه قد شرب عشر قهاوي عند أهل عنيزة، قصده بذلك صده عن اللحاق بالشيخ ولفت نظره إلى تطلع أهل عنيزة لمجيئه وفرحهم به، فما كان من الفارس إلَّا أن صدق كلام الجمال وعاد من حيث أتي وأعمى الله بصيرته، وإلَّا فليس بينه وبين الشيخ شيء.
ولما انحدر الشيخ إلى الوادي اتجه نحو مزارع الروغاني التابعة لعنيزة فوجد أن جماعة المسجد قد صلوا الظهر، فقصد بركة الماء في بستان عبد الله بن يحيى وتوضأ وصلى الظهر فرآه عبد الله بن يحيى من بعد وهو جالس في مصلاه فلم يعرفه لبعده عنه، ولأنه لا يخطر بباله أن الشيخ يأتي في مثل هذا الوقت راجلًا وحده، فقال ابن يحيى لأحد عماله: إذهب إلى ذلك الرجل، وادعه إلى منزلنا لتناول القهوة إكرامًا
منه الرجل عابر سبيل، ولم يكن قد عرفه، وابن يحيى رجل كريم مضياف يكرم كلّ من يمر به، كعادة كرماء أهل الجزيرة العربية.
فلما قرب العامل من الشيخ عرفه، فعاد مسرعًا إلى عبد الله بن يحيى ولم يخاطب الشيخ فقال: هذا الشيخ محمد بن سليم، فاذهب إليه أنت فأنكر عليه ابن يحيى قوله وقال: هل يعقل بأن الشيخ محمد يأتي راجلًا وحده في هذه القائلة وشدة الحر؟ فما كان من العامل إلَّا أن حلف بأنه الشيخ محمد وأنه يعرفه معرفة تامة، وقد سبق أن خاصم عنده في بريدة.
فصدقه ابن يحيى وذهب إلى الشيخ بنفسه، وظن ابن يحيى أن مجيء الشيخ بهذه الصفة وراءه أمر فلما وصل إلى الشيخ عانقه معانقة حارة وبادره بقوله:
سلمت وخاب طلابك، ثم دعاه إلى منزله وأكرمه غاية الإكرام، ثم إنّه أمر أهله بالاستعداد لعمل وليمة كبيرة للشيخ، وكان عنده عدد من العمال والخدم فأمر بعضهم بذبح الغنم التي أمر بها وأمر أحدهم أن يركب حصانًا كان عنده في البستان، ويذهب إلى أمير عنيزة في وقته زامل السليم وأعيان عنيزة، وعلى رأسهم الوجيه محمد العبد الرحمن البسام الذي يلقب عم العمومة، كما أمره بأن يذهب إلى قاضي عنيزة الشيخ علي بن محمد آل راشد وكبار طلبة العلم فيها.
ويدعو الجميع للحضور إلى بستانه للسلام على الشيخ وتناول طعام العشاء معه على المائدة الكبيرة التي أعدها في الحال، فما كان منهم جميعًا إلا أن لبوا الطلب وحضروا بمن فيهم الأمير زامل ومحمد بن بسام والقاضي الشيخ علي المحمد آل راشد وكانت لابن بسام كلمته النافذة بين جميع أهالي عنيزة، فطلب من عبد الله بن يحيى أن يسمح له بأن يكون الشيخ في ضيافته، ولما كان الشيخ في حاجة إلى الحماية ولما يعرفه من مكانة ابن بسام وأنه لن ينال بسوء ما دام في ضيافته فقد اتفق مع عبد الله بن يحيى بعد إقناع ابن يحيى بأن يكون في ضيافة ابن بسام.
ولما انتهى الجميع من تناول طعام العشاء على مائدة ابن يحيى توجهوا جميعًا إلى عنيزة فجمع ابن بسام وجهاء أهالي عنيزة وطلبة العلم فيها، وقال: هذا الشيخ محمد بن سليم قد جاء إليكم هاربا من بلده ولاجئا عندكم فاحرصوا على إكرامه.
وقد بقي رحمه الله مدة تقارب الخمس سنوات، وهو مكرم معزز في عنيزة من الجميع، وقد توافد عليه طلبة العلم من جميع أطراف القصيم، وعمرت مجالسه بالعلم في عنيزة ليلا ونهارا، ونفع الله به خلقًا كثيرًا، وقد بلغني أنّه تمضي السنة وهو في دعوات مستمرة للعشاء والغداء عند أهالي عنيزة فجزاهم الله خير الجزاء على ما صنعوه معه (1).
(1) علماء آل سليم، ج 1، ص 24 - 26.
أسباب فراره إلى عنيزة:
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام:
وكان الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم مقيمًا في عنيزة بسبب ما حدث بينه وبين محمد بن صالح أبا الخيل من نزاع، فغضب عليه محمد الصالح المذكور، وأكد على حسن المهنا أن ينفيه، فأمره حسن المهنا بمغادرة بريدة فرحل عنها إلى مدينة عنيزة.
وسبب ذلك أن الشيخ محمد العبد الله بن سليم كان قاضيًا في بريدة عام 1293 هـ، فحكم بقطع يد رجل من طوارف عم الأمير حسن المهنا، ودافع ابن مهنا عن تنفيذ الحكم، إلَّا أن الشيخ أصر على ذلك، فقطعت اليد، وسَرَتْ حتى مات المقطوع.
ثم إنّ حسن المهنا وعمه أرادا الشر بالشيخ، فهرب إلى عنيزة ماشيًا؛ فأرسلا في أثره عبدًا لهم عتيقًا يقال له - الغلث - فسار لطلب الشيخ على فرسه.
أقول: هذا فيه ما فيه.
أولًا: أن الذي يتولى تنفيذ أحكام القاضي هو الأمير وليس القاضي، فلو كان حسن المهنا يعارض في قطع يد الرجل المذكور لما قطع يده، ولالتمس عذرا له أمام الشيخ أو غيره.
وكذلك القول بأنه عندما قطعت يد الرجل سرت أي سرى ألمها أو جرحها حتى مات المقطوع.
ولو كان الأمر كذلك لما كان اللوم يتوجه إلى الشيخ ابن سليم بل يتوجه إلى الأمير الذي نفذ الحكم، لأنه الذي حصل هذا بسبب فعل من عهد إليه بقطع يد المذكور، على أن مثل هذه المسألة لا توجب في العادة من الشر على حد
تعبير الشيخ ابن بسام ما يوجب أن يفر الشيخ القاضي ابن سليم على جلالة قدره إلى عنيزة ماشيًا في شدة الحر.
ثم إنّه يقال: لو كان الأمر أمر اختلاف على البت في قضية أو إصدار حكم في قضايا لما أعاده الأمير حسن المهنا إلى القضاء مرة ثانية.
ورأيي أن الصحيح أشار إليه الشيخ صالح العمري رحمه الله من أنّه سياسي، وليس قضائيًا قال:
ولما حصل الخلاف بينه وبين أمير القصيم حسن بن مهنا لرأي الشيخ بالتمسك ببيعة أهل القصيم للإمام عبد الله بن فيصل وهذا معناه: إبطال إمارة حسن المهنا ارتحل إلى عنيزة (1)
وأقول: إنّ هذا واضح من السياسة غير المتبصرة التي سار عليها الإمام عبد الله الفيصل سواء تجاه أعدائه أو حتى أصدقائه ومنهم أسرته، إذ نشب النزاع العظيم بينه وبين أخيه الأمير سعود بن فيصل، واستمر مدة طويلة.
فكان من نتيجة سياسة عبد الله بن فيصل أن ضعفت الدولة السعودية الثانية التي أنشأها جده الإمام تركي بن عبد الله إلى أن زالت.
وقد بلغ من سياسة عبد الله الفيصل أنّه أيد آل أبو عليان الذين كان قد آذاهم وقتل منهم الأمير عبد العزيز بن محمد، وعددا من أبنائه وأتباعه في الشقيقة فأيدهم أخيرًا ضد آل مهنا، وتجهز بجيش سار على رأسه يريد قتال آل مهنا تأييدًا لآل أبو عليان.
قال الشيخ إبراهيم بن عيسى رحمه الله في حوادث سنة 1293 هـ وهو يذكر حال عبد الله الفيصل وتدبيره.
(1) علماء آل سليم، ج 1، ص 21.
وقد قدم عليه عبد الله بن عبد المحسن آل محمد ومحمد بن عبد الله بن عرفج وحمد آل غانم وإبراهيم بن عبد المحسن بن مدلج من آل أبي عليان رؤساء بلد بريدة في الماضي ممن أجلاهم مهنا أبا الخيل ومعهم كتاب من زامل آل عبد الله بن سليم أمير بلد عنيزة يطلب منه القدوم عليه في عنيزة، ويعده القيام معه والمساعدة له على أهل بريدة، وطلب عبد الله بن عبد المحسن آل محمد المذكور ومن معه من عشيرته القيام معهم والمساعدة في أخذ بريدة من أيدي آل أبا الخيل وذكروا للإمام أن لهم عشيرة في البلد وأنهم إذا وصلوا إلى البلد ثاروا فيها وقاموا معهم وفتحوا لهم الباب، فسار معهم الإمام عبد الله الفيصل بجنوده من المسلمين من البادية والحاضرة، وقدم بلد عنيزة، وكان حسن آل مهنا أبا الخيل لما بلغه خبر مسيرهم كتب إلى محمد بن عبد الله بن رشيد أمير بلد الجبل يستحثه، وكان قد اتفق معه قبل ذلك على التعاون والتناصر، فخرج ابن رشيد من حائل بجنوده واستنفر من حوله من بادية حرب وشمر وهتيم وبني عبد الله، وتوجه بهم إلى بلد بريدة، ونزل عليها بمن معه من الجنود، ولما علم بذلك الإمام عبد الله الفيصل ارتحل من عنيزة بمن معه من الجنود، ورجع إلى بلد الرياض، وأقام ابن رشيد على بريدة مدة أيام ثم رجع إلى بلده (1).
وقد عد الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله هذه المسألة من بين مسائل ثلاث هي خاطئة في سياسة عبد الله الفيصل أو قل: إنّها ليست صوابًا، والمراد بها انحياز عبد الله الفيصل إلى آل أبي عليان، ضد آل مهنا.
ولا شك في أن حسن بن مهنا لن يرى والحالة هذه فيمن يناصر عبد الله الفيصل، بل أن يرى أنّه إمام المسلمين إلَّا أنّه لا يقدر هذا الموضوع السياسي حقّ قدره.
لأن والده مهنا الصالح قد نأى بنفسه وبالقصيم عن تأييد عبد الله الفيصل أو تأييد خصومه فنعمت البلاد بالأمن ووفرة الطعام، وازدهار العمل في الوقت
(1) عقد الدرر، ص 70 - 71.
الذي كانت فيه البلدان التي ناصرت الإمام عبد الله الفيصل عكس ذلك.
ولذلك لما زال المانع السياسي من الاتفاق مع الشيخ محمد بن سليم في ضعف الإمام عبد الله بن فيصل وعجزه عن مقارعة خصومه أعاد حسن المهنا الشيخ ابن سليم للقضاء.
عودته إلى بريدة:
قال الشيخ صالح العمري: بعد أن قضى الشيخ قرابة خمس سنوات في عنيزة لم يستقر القضاء خلالها في بريدة على رجل معين.
ثم إنّ الأمير حسن المهنا جمع أعيان بريدة واستشارهم فيمن يصلح للقضاء فكل أبدي رأيًا ولكنه لم يقبل أحدًا ممن رشحوا حتى تم ذكر ما سبق أن أوردناه، إلى أن قال:
واستئذان الشيخ محمد الأمير عنيزة وجماعته بالعودة لبريدة هو من باب المجاملة، لا كما ظن من توهم بأنه يرغب تولي قضاء عنيزة.
فقال زامل للشيخ محمد بن سليم: هذا الخطاب طيب ولا أظن أن عند (حسن) نية سيئة، وأنت بالخيار إن كنت تحب أن تذهب، أو أن تقيم عندنا معززًا مكرمًا، وتغافل عن مقصد الشيخ، لأنه يفضل أن يكون القاضي لديهم من علماء عنيزة، فعاد الشيخ محمد العبد الله السليم إلى بريدة عام 1303 هـ وقام بعمل القضاء (1).
علاقته بالأمير محمد بن عبد الله الرشيد:
كان الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم عالمًا قويًّا ذا شخصية متميزة لذلك اختصم مع أمير بريدة حسن بن مهنا، حتى توعده حسن المهنا ففر من بريدة
(1) علماء آل سليم، ص 158.
إلى عنيزة ماشيًا على قدميه في الحر، وفضل ذلك على أن يخضع لما يطلبه منه أمير بريدة ما لم يقتنع به، كما سبق.
ثم كانت خصومته الكبيرة مع آل رشيد الذين استولوا على الملك من آل سعود وأولهم محمد بن عبد الله بن رشيد الذي استولى على القصيم بعد أن هزم أهل القصيم في وقعة المليدا عام 1308 هـ ولكنه كان عاقلًا سياسيًا يعلم ما للشيخ ابن سليم من منزلة فاستدعاه إلى مخيمة في الرفيعة في شرقي بريدة، وتقع إلى الشرق من العكيرشة، فظن النّاس أنّه سوف يؤذيه أو يحبسه.
ولكنه قال له: أنا ناديتك يا شيخ أبي أستفتيك في مسألة أهمتني وهي أنني قد طلقت أي حلفت بالطلاق إن كان أنا استوليت على بريدة أني لأفضاه ثلاثة أيام.
والمراد بالفضي هنا استباحتها لمدة ثلاثة أيام، بأن يقول الحاكم المنتصر الجنوده ولمن أراد من غيرهم: إن لهم الحق في أن يفعلوا فيها ما يشاؤون من القتل والنهب والتخريب والاعتداء على النساء.
قال محمد بن رشيد للشيخ محمد بن عبد الله بن سليم: ولكنني يا شيخ ندمت على ذلك وقلت: المسلمين بذمتي وأخاف من الله أن أحدًا من أهل بريدة يجيه عقاب ما استحقه، وأنا الآن عدلت عن ذلك ولو طلقت نسائي وأنا معي ثلاث زوجات، ولا أدري هو لازم علي أن أطلقهن كلهن أو يكفي إني أطلق واحدة؟
فسأله الشيخ محمد بن سليم عن نيته عندما قال: سيطلق أيريد بذاك زوجاته كلهن أو واحدة منهن؟ فقال: أنا لم أنو شيئًا من هذا وإنما نويت الطلاق كما يقول النّاس.
فقال الشيخ محمد بن سليم: يكفي تطليق واحدة إن شاء الله.
فسأل ابن رشيد الشيخ ابن سليم عن الواحدة التي يطلقها منه، وأيهن
أغلى عليه أي أكثر قيمة في نفسه من غيرها؟ فقال هي لولوة بنت مهنا الصالح، أخوها حسن المهنا هو عدوه الذي فرغ للتو من قتاله في المليدا فطلقها.
ثم أبقاه حتى على قضاء بريدة، ولم يغير من وظائفه شيئًا، وذلك بخلاف ابن أخيه الذي تولى الإمارة من بعده على ملك آل رشيد وهو عبد العزيز بن متعب بن رشيد فلم يكن في الحلم كعمه، وذلك عندما تغلب على أهل القصيم في وقعة الطرفية وهي وقعة الصريف التي حدثت في عام 1318 هـ أي قبل ظهور الملك عبد العزيز وفتحه الرياض عام 1319 هـ بعام واحد.
اجتماع الشيخ ابن سليم وأتباعه في حائل:
استدعى حاكم نجد في وقته الأمير محمد بن رشيد الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إلى حائل ليسأله عن بعض الأمور على أثر ما كتبه له الشيخ عبد الله بن عمرو مما سيأتي في ترجمته في حرف العين (العمرو).
فتوجه معه إلى حائل عدد كبير من المشايخ وطلبة العلم إعرابًا لابن رشيد عن تأييدهم لابن سليم، وخوفًا عليه من ابن رشيد إذا كان وحده.
وقصة ذهابهم إلى حائل معروفة.
والتقوا بمحمد بن رشيد الذي أكرم الشيخ ابن سليم ومن معه من طلبة العلم.
قيل: إن محمد بن عبد الله بن رشيد عندما استدعى الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم كان ممن معه علي المقبل وعبد العزيز القصير راع الشقة، وهو مشهور بمحبته للمشايخ آل سليم وكرمه.
ذهبوا إلى حائل واستقبلهم ابن رشيد استقبالًا طيبًا فقال بعض مستشاريه وأقاربه ممن لا سياسة عندهم ولا معرفة بالأمور: هذولا ما هم معك هذولا عليك، ووش عندهم؟
فقال له محمد بن رشيد: والله يا مهفة ابن سليم، ها اللي ماهيب عندكم شيء إنّها أعظم عليَّ من المدفع، هذولا المشايخ حملة العلم وأتباعهم بالقصيم وغيره كثير.
ثم طلب من الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم أن يواعده على العشاء غدًا.
فقال الشيخ: إن كان هذا أمر منك فأنت ولي الأمر، وإن كان أنت تقصد أي يوم فحنا واعدنا على العشاء لمدة سبع طعش يوم، ولا يصلك الدور إلَّا بعد 18 يوم - وكان أنزلهم في بيت.
ثم عزمهم وأكرمهم.
وعند العودة قال عبد العزيز القصير راع الشقة العليا للشيخ ابن سليم ومرافقيه: ترى العشا عندي لأنها في طريق حائل قبل بريدة، ولابد من أن يجلس المشايخ عنده يومًا كاملًا على الأقل، فعلم المشايخ وطلبة العلم في بريدة بوجود الشيخ وإخوانه في الشقة فخرجوا من بريدة لاستقبالهم عند القصير الذي كان يحبهم ويحبونه.
وكان القصير ذبح أربع ذبائح والناس كثير فاستشار أحد العقلاء ممن عنده، وقال: هذي ما تكفي الذين عندنا كلهم.
فأشار عليه صاحبه أن يصب سمنًا على الذبائح الأربع وما حولها من الطعام حتى لا يكثر النّاس منه ويكلفيهم كلهم.
وذكر الشيخ صالح العمري رحمه الله ذهاب الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إلى حائل ومقابلته للأمير محمد بن رشيد وملخص كلامه قال:
وفي ولاية محمد العبد الله بن رشيد حصل للشيخ أذى بعض الأعداء، ووشوا به إلى الأمير محمد بن رشيد، وقد استدعاه إلى حائل بقصد تأنيبه وإهانته،
ولكن الله الذي ينصر أولياءه جعل تلك الدعوة بعكس ما أراد أعداء الشيخ، فإنه لما دعا بالشيخ ركب معه ما يقرب من ثلاثين رجلًا من كبار طلبة العلم والعلماء في بريدة ووجهائها، ولما صار على بعد ساعة للراكب عن حائل نزل للراحة والمبيت حيث يتمكن في الصباح الباكر من النزول في ضيافة الأمير محمد بن رشيد على أول جلسته كعادة حكام ذلك الوقت الذين يستقبلون الوفود في أول الصباح، وقد جلس الشيخ في وسط الطلبة وأخذوا يقرؤون وهو يشرح لهم مما وهبه الله من العلم، فكان أحد المقدمين عند الأمير محمد بن رشيد من ندمائه ويدعى فجحان الفراوي، من رؤساء مطير كانت له ناقة مع الرعية التي تسرح، ولما جاءت الرعية التي تغدو صباحًا وتعود مساء، حضر لتسلم ناقته فلم يجدها مع الإبل، فسأل الراعي عنها فقال: هي مع الإبل، فبحثوا عنها فلم يجدوها مع الإبل، فقال فجحان للراعي: ما آخر عهدك بها؟ قال: في مكان كذا ووصف له نفس المكان الذي نزل فيه الشيخ محمد ورفقته، فما كان من فجحان إلا أن ركب مطية وأسرع للبحث عن ناقته، فلما قرب من الشيخ ورفقته أناخ راحلته وعقلها، وأتى إليهم ليسألهم عن ناقته، ولم يعرفهم، ولما سلم جلس وسمع الدرس وكلام الشيخ نسي ناقته وأمرها، ولان قلبه لما سمع من القرآن والحديث والتفسير وشرح الشيخ، وغربت الشمس وأراد الإنصراف، فطلب منه الشيخ أن يتناول معهم طعام العشاء فوافق.
ولما انتهى فجحان الفراوي من ذلك عاد إلى حائل، وكأن الله قد ساقه المصلحة الشيخ ورفقته نصرة لهم، ولما وصل إلى حائل قصد قصر الأمير محمد بن رشيد، وكان مقدمًا عنده، فطلب مقابلته فقيل له إنّه قد دخل عند النساء فقال لابد من مقابلته لأمر هشام فأخبر الخدم الأمير بإلحاحه فظن في الأمر شيئًا مهمًا، فدعا به ولما رآه قال فجحان: بصوت عال: الله وأمانه ما تضر الشيخ ابن سليم والخطباء الذين معه يقوم لك سعد.
فقال الأمير ماذا تقول؟ فأعاد عليه ما قال أولًا، فقال الأمير: من أين جئت؟ قال: جئت من عندهم وهم في مكان كذا، ووالله إن هؤلاء لا يريدون الدنيا، وإنما يريدون الآخرة، فإياك وأذاهم، فما كان من الأمير إلَّا أن تغير موقفه نحو الشيخ ورفقته.
فلما أصبح دعا برئيس الحاشية وأمره أن يخبره إذا وصل الشيخ كما أمره أن يهيئ له سكنًا فسيحًا وفرشًا طيبة وأن يكرمه غاية الإكرام.
فلما وصل الشيخ قابله الأمير في منتصف الطريق بين المجلس والباب، واستقبله استقبالًا طيبًا خلاف ما كان يظن النّاس، فعجب من ذلك الأمراء والحاشية، لأنهم كانوا ينتظرون من الأمير الفتك بالشيخ، فما الذي غير موقفه؟
وفي الحقيقة أنّه تأثر بكلام فجحان الفراوي - جزاه الله خيرًا -.
ولما جلس الشيخ في مجلس الأمير عن يمينه حضر أحد كبار طلبة العلم في حائل ويدعى الشيخ عبد الله الجباره وهو من المحبين لآل سليم، فسلم على الأمير واستأذنه بالسلام على الشيخ، فأذن له ثم قال بصوت عال: أرجوك تسمح لي بدعوة الشيخ محمد بن سليم لتناول طعام العشاء، فقال ابن رشيد: أنت تبي تعزم الشيخ محمد؟ - كالمحتقر له - قال عبد الله الجباره: نعم أبي أعزم ضيفك الشيخ محمد بن سليم، وقالها بصوت عال يسمعه كلّ من في المجلس، فردها الأمير مرة ثانية، وكررها عبد الله الجباره، فقال الأمير: الشيخ اليوم عندي وباكر عند عبد العزيز المتعب - ولي عهده - وبعده عند حمود العبيد، وهو من كبارهم، وبعده عند فلان وبعده عند فلان حتى عد ستة أو سبعة من كبار الرشيد ثم قال: اليوم الفلاني عندك يا عبد الله، فشكر له عبد الله الجباره استجابته لدعوته الشيخ وخرج.
وقد عاد الشيخ مكرمًا معززًا إلى بريدة.