الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ القاضي عمر بن محمد بن سليم
هو شيخ المشايخ، وقدوة العلماء: عمر بن محمد بن عبد الله بن سليم، ووالده الشيخ محمد بن عبد الله الذي تقدم ذكره.
كان الشيخ متأهلًا للقضاء منذ سنوات قبل أن يتولاه فكان شيخًا لعدد كبير من طلبة العلم وبعضهم كان يكبره في السن، وقد برز بعلمه وعمله وعبادته وسلوكه.
لاسيما أنه نجل الشيخ العلامة القاضي محمد بن عبد الله بن سليم وأخو الشيخ القاضي عبد الله بن سليم.
ومعلوم أن ذلك أي القرابة من العلماء لا تؤهله وحدها للقضاء ولا تعطيه المكانة الرفيعة في العلم والتدريس، ولكن إذا انضاف إليها علم غزير، وأخلاق كأخلاق العلماء الأوائل من الإلتزام بالنوافل ومداومة تلاوة القرآن وإفادة طلبة العلم والصبر على ذلك آناء الليل وأطراف النهار كملت أهليته للقضاء.
تولى الشيخ عمر بن سليم القضاء بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الله في شهر محرم من عام 1351 هـ فسار فيه السيرة الحسنة المعهودة، واستمر في شيء أهم من ذلك أو مثله في الأهمية عند كثير من الناس وهو الجلوس عدة مرات في اليوم والليلة لطلبة العلم، بل ولبعض المشايخ لإفادتهم وتزودهم من العلم النافع.
وكان يدرس في اليوم الواحد في فنون من العلم عديدة كالحديث والتفسير والفقه والنحو.
وقد أقبل الطلاب عليه من كبار ومتوسطين يدرسون عليه ويتلقون العلم من بريدة ومن سائر بلدان القصيم، وأناس منهم جاءوا من خارج منطقة القصيم وقد جعل الله في تدريسه بركة حتى تخرج على يده عشرات القضاة ومئات التلاميذ الذين صاروا بعده مدرسين للخير نافعين للناس، في وقت لم يكن فيه لطلبة
العلم مغريات ولا تسهيلات، ولا مخصصات، بل ولا أوقاف موقوفة عليهم كما في الأمصار، وإنما هي الرغبة الشخصية واحتساب الأجر من الله تعالى.
وقد أحصى الأستاذ صالح العمري من المشايخ وطلبة العلم وكلهم من الذين أخذوا العلم عن الشيخ عمر بن سليم، فبلغ عددهم خمسمائة وثلاثة من بين عالم وطالب علم وفيهم أئمة مساجد ووعاظ، ذكرهم الشيخ صالح العمري، وذكر شيئًا مختصرًا لأحوال بعضهم (1).
وقد أصبح الشيخ عمر بن سليم من علماء نجد الذين لا يكون ذكرهم كاملًا إلَّا إذا ذكر فيهم، فكان يحضر معهم إذا حضروا عند الملك عبد العزيز أو كتبوا إليه في شأن من الشئون، والكتابات الموجهة إلى العلماء من الملك عبد العزيز شاهد على ذلك، كذلك الكتب الموجهة من العلماء إلى الملك عبد العزيز التي تتضمن النصح في بعض الأحيان وتتضمن في أكثر الأحيان ذكر مسألة معينة يرون أن الملك بحاجة إلى أن يخبر بها أو أن يطلب منه أن يجري نحوها إجراء.
وهذه أيضًا يوجد بعضها محفوظًا في الرياض.
وقد بلغ الشيخ عمر بن سليم منزلة عظيمة في نفوس العامة جعلتهم في عهدي وأنا صغير يتسابقون لرؤيته إذا قيل إنه سيمر بسوق البيع والشراء كما يتسابقون إلى رؤية ملك.
وكان إلى ذلك مهيبًا محترمًا من الجميع يرضى الجميع بأحكامه إلا من كان ذا هوى منهم، وقليل ما هم.
فما سمعت طول حكم القضاة من آل سليم الذي أدركته، وما لم أدركه حدثني عنه من أدركوه أن أحدًا اتهم قاضيًا منهم بالجور في القضاء، أو أنه حصل لنفسه
(1) علماء آل سليم، ج 1، ص 13 - 164.
على شيء من عرض الحياة الدينا، بل الجميع ساكتون أو مثنون عليهم، فهم ممن لا يتطرق الشك إلى أذهان الناس في نزاهتهم وعدالتهم في قضاياهم.
هذا مع العلم بأنه توجد طوائف ممن لا يودونهم، من أتباع الشيخ إبراهيم بن جاسر وأمثالهم، ولا يستطيعون أن يجدوا مغمزًا في سيرتهم في القضاء.
بل إن الذين يخالفونهم أو قد يبغضونهم كانوا يعترفون لهم بالعلم والكفاءة.
ومن أولئك الذين لا يحبون الشيخ عمر بن سليم بسبب ما قلناه من كونه من أتباع الشيخ إبراهيم بن جاسر ومن تلاميذه إبراهيم بن علي الرشودي وهو أحد جماعة بريدة الثلاثة الكبار عند الملك عبد العزيز آل سعود الذين هم فهد الرشودي وعبد العزيز بن حمود المشيقح وإبراهيم هذا.
حدثني يوسف بن إبراهيم الرشودي قال: كان والدي إبراهيم بن علي الرشودي كثيرًا ما يتكلم عندنا في الشيخ عمر بن سليم ويدعو عليه مع أننا نراه يذهب إليه، ويزوره ويتشاور معه في بعض الأحيان.
قال: وعندما مرض الشيخ عمر بن سليم مرضه الأخير كان والدي يزوره في كل يوم على وجه التقريب، فيراه ويسأله عن حاله.
ومرة لما اشتد المرض على الشيخ زاره والدي وأنا معه فرأى أن الشيخ ميئوس من حياته لشدة مرضه فلما خرجنا من بيت الشيخ وصرنا في الزقاق بكي والدي بكاء شديدًا تبين لي أنه كان يكتمه فسألته: لماذا تبكي؟
فقال: الشيخ عمر - يا وليدي - راح ما به أمل.
فقلت له: كيف تبكي عليه وأنت تدعو عليه وتكلم في حقه، وبينك وبينه شيء؟
فقال: الذي بيني وبينه هو قادم على ربه ويحاسبه عليه، ولكن أبكي - يا وليدي - على ديرتنا من أين نبي نلقي لَهْ شيخ مثله! ! !