الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واتبعه سراق الحجيج"، فلشيخنا بالرسول أسوة (1).
شهرته وعناية المؤرخين بسيرته:
حظي الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم بسيرة عطرة متحركة لا يعتروها ركود ولا خنوع، وحتى إذا سلمت من العوارض السياسية أو من الآفات التي لابد فيها فإنها كانت متحركة بل نشطة عن طريق تعليم الطلبة، وأخذ المشايخ عنه.
ومع ذلك كان يقوم بالقضاء مقام القوي الأمين الذي لا يتوانى ولا يتساهل في إعطاء كل ذي حق حقه، كما يتضح ذلك من أحكامه، ومما ذيل به علي الأوراق والوثائق، وقد قدمنا طرفًا من ذلك، وما هو إلا جزأ قليلًا ذكرناه.
ومن عناية العلماء به كتابة سيرته، وربما كان من أقل من كتبوا عنه أهل بلدته بريدة، ما عدا ما كتبه الشيخ صالح بن سليمان العمري رحمه الله، في عزمة من عزماته الكثيرة النافعة، فقد كتب عنه وكتب عن تلامذته وزملائهم كتابة وافية جزاه الله خيرًا.
كما كتب الشيخ المؤرخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن ترجمة وافية للشيخ.
ومن أهل عنيزة الشيخ الجليل عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام رحمه الله الذي سنورد بعد هذا ما كتبه عن الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، مع مناقشة ما يحتاج إلى مناقشة منه.
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله:
الشيخ محمد بن عبد الله بن حمد بن سليم (1240 هـ - 1325 ه
ـ):
الشيخ العلَّامة محمد بن عبد الله بن حمد بن محمد بن صالح بن حمد بن محمد بن سليم، كان أجدادهم يتنقلون في عدة بلدان من بلاد نجد إلى أن استقروا في
(1) تذكرة أول النهى والعرفان، ج، ص 35 - 36.
مدينة الدرعية، وذلك وقت قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتجديد الدعوة السلفية فيها، فلما خربت الدرعية من جراء الجيوش العثمانية التي يقودها إبراهيم باشا، رحل منها والد المترجم (عبد الله بن حمد) وابن عمه (عمر بن عبد العزيز بن آل سليم)، وسكنا في مدينة بريدة، واستقرا فيها واستوطناها.
فوُلد المترجَم الشيخ محمد فيها عام 1240 هـ ونشأ وتعلَّم في كتاتيبها مبادئ الكتابة والقراءة، ثم حبب إليه العلم فشرع في القراءة على علماء القصيم، وكان من أشهرهم قاضي بريدة الشيخ سليمان بن مقبل وقاضي الرس الشيخ قرناس بن عبد الرحمن.
فلما عيَّن العلَّامة الشيخ عبد الله ابابطين قاضيًا في مدينة عنيزة لازمه المترجم واستفاد منه، ثم رحل إلى الرياض للأخذ عن العلَّامتين الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ عبد اللطيف، فشرع في القراءة عليهما، كما ذهب إلى شقراء بعد أن عاد إليها شيخه الشيخ عبد الله أبابطين من عنيزة، فاستأنف عليه الدراسة والاستفادة.
ولم يزل في الجد والاجتهاد حتى أدرك إدراكًا تامًا في العلوم الشرعية والعلوم العربية، وعاد إلى بلده بريدة، وقد صار من كبار العلماء لا في القصيم بل في بلاد نجد كلها.
وتصدى للتدريس والإفادة، فرحل إليه طلاب العلم والمعرفة من أرجاء بلدان القصيم، وتفرغوا للانتفاع من علمه والاستفادة منه حتى تخرَّج عليه جمع كبير وجم غفير من العلماء المشهورين.
وكان القاضي في مدينة بريدة شيخه الشيخ سليمان بن مقبل، فمكث في القضاء سنين طويلة حتى كبر وسئم، إلَّا أنه يعلم أن أمير بريدة حسن آل مهنا
لا يعفيه من القضاء أبدًا، فلما جاء عام 1296 هـ سافر إلى مكة المكرمة، وأظهر أن سفره لأداء العمرة، وأناب عنه في القضاء الشيخ محمد بن عمر بن سليم، فلما وصل إلى مكة كتب إلى حسن المهنا بأنه كبر سنه، وضعف جسمه، ويريد المجاورة في مكة، ويطلب إعفاءه من القضاء.
وكتب إلى نائبه الشيخ محمد بن عمر بأن يترك القضاء، فقد انتهت نيابته عنه، فلا يقضي، وأشار على حسن المهنا بنائبه الشيخ محمد بن عمر، فعرضه عليه فرفض، فألزمه القضاء كرهًا، فباشره عدة أشهر، ثم عمل الحيلة التي عملها الشيخ بالنجاة من القضاء، حيث سافر إلى مكة للحج، ومنها كتب لحسن المهنا برفضه القضاء (1).
إلى أن قال الشيخ عبد الله بن بسام:
جلس في النبهانية قرابة خمس سنوات، فكانت مدة قضائه في بريدة تزيد على عشرين سنة.
وللتمرجَم أجوبة على مسائل كثيرة، وكان يكره كتابة أجوبته على المسائل تورعًا لئلا يؤخذ بها بعده.
والمترجَم من كبار العلماء المطلعين، ومن أصحاب الوقار والسمت والعدل والعفاف في أحكامهم وقضائهم، كما أن له زعامة شعبية ومحبة لدى عارفي فضله ومقدري علمه، فكانت الرسائل الودية والمسائل العلمية تتبادل بينه وبين شيخه الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ والشيخ العلَّامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين، وقد اطلعت على إجازة للمترجَم له من شيخه عبد الله أبابطين أجازه بمروياته، وأثنى عليه الثناء العاطر.
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون، ص 158.
ولم يزل قائمًا في عمله محبوبًا في وطنه، عامرًا مجالسه بالتدريس والوعظ والتوجيه حتى توفاه الله تعالى في مدينة بريدة عام 1325 هـ. وقيل 1326 هـ (1).
وهم:
من التخليط في أمر الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم ما ذكره الأديب الراوية محمد بن علي العبيد في كتابه المخطوط (النجم اللامع، للنوادر جامع) حين قال:
أخذ الشيخ محمد بن سليم يحرض الناس على قتال ابن رشيد ويرى أنه جهاد، فلما استولى ابن رشيد على القصيم عاتبه وتهدده ونفاه من بريدة إلى النبهانية يسكن فيها، ولكن عبد الله العبد الرحمن البسام بعدما مضى عليه شهور وهو في منفاه في النبهانية فشفع فيه عند ابن رشيد أن ينزل البكيرية فشفعه في ذلك ونزل البكيرية.
ورتب له من الزكاة ما يكفيه من عيش وتمر وكان في تهدده له أن قال له أنت يا شيخ محمد تحرض الناس على قتالنا وتطبق الآية الذي نزلت في حق المشركين علينا بأن تخطب في الناس وتقول {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} والله لولا ما وضع الله بصدرك من العلم وأني محترمه لأجل علمك أن تخطي ثلاث خطوات وأنت بلا رأس ولكن يشهد الله أني أحترمك ومات رحمه الله وهو في منفاه في البكيرية (2).
والوهم في كلامه في أكثر من موضع ومن ذلك قوله: ولكن عبد الله بن عبد الرحمن البسام بعدما مضى عليه ستة شهور وهو في منفاه في النبهانية شفع فيه عند ابن رشيد أن ينزل البكيرية، فشفعه في ذلك ونزل البكيرية.
وهذا غير صحيح أصلًا فقد حدثني المرافقون للشيخ أنه بقي في النهاية ثلاث سنين، وعندما ارتخت قبضة ابن رشيد على الحكم في عام 1321 هـ
(1) ابن بسام في 8 قرون، ص 150 - 151.
(2)
النجم اللامع للعبيد، ص 42 - 43.
انتقل من النبهانية إلى البكيرية بنفسه، دون شفاعة أحد.
ومن الوهم قوله: إنه رتب له من الزكاة ما يكفيه من عيش وتمر، وهذا أيضا غير صحيح أصلًا، إذ أجمع المؤرخون والمتحدثون في أمره أن منتهي ما فعله ابن رشيد أنه لم يقتل الشيخ ابن سليم، وقد نفاه عن بريدة، فكيف يرتب له ما يكفيه من عيش وتمر.
والوهم الثالث الذي يدل على أن الكاتب الأستاذ محمد بن علي العبَيِّد لم يتأكد من شيء مما ذكره قوله:
ومات - الشيخ ابن سليم رحمه الله وهو في منفاه في البكيرية وهذا وهم كله، لأن الشيخ محمد بن سليم عاد من البكيرية إلى بريدة فولاه الملك عبد العزيز آل سعود القضاء فيها، وبقي في القضاء حتى مات في بريدة في عام 1325 هـ أو 1326 هـ. كما قال الشيخ عبد الله بن بسام رحمه الله.
واستمالًا للكلام على الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم ننقل هنا ترجمة موسعة كتبها له الأستاذ محمد بن عثمان القاضي، قال:
محمد العبد الله بن سليم: هو العالم الجليل المحقق المدقق الشيخ محمد بن عبد الله بن حمد بن محمد بن صالح بن حمد بن محمد بن سليم يلتقي مع ابن عمه محمد بن عمر المتقدم في صالح بن حمد الجد الثالث، ولد هذا العالم في مدينة بريدة سنة 1240 هـ، ونشأ في بيئة صالحة نشأة حسنة وتربى أحسن تربية، وقرأ القرآن على مقرئ حتى حفظه تجويدًا، ثم حفظه عن ظهر قلب وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط ومثابرة، فقرأ على أعيان علماء بلده وما حولها، ومن أبرز مشائخه قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس قاضي القصيم في زمنه، وسليمان بن علي بن مقبل قاضي بريدة كما قرأ بعنيزة على قاضيها مفتي نجد عبد الله بن عبد الرحمن بابطين، وعلي بن محمد الراشد قاضي عنيزة
بعده لازم هؤلاء العلماء في أصول الدين وفروعه، وفي الحديث والتفسير وعلوم العربية، وسمت به همته للتزود والاستفادة من العلم فرحل إلى الرياض ولازم علماءها، ومن أبرز مشائخه فيها الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ثم عاد إلى القصيم فمر بشقراء فلازم شيخه عبد الله بابطين بعد أن نزح إليها من عنيزة، ثم عاد إلى بريدة وجلس للطلبة فالتف إلى حلقته طلبة كثيرون، وكان حسن التعليم ذا هيبة شديدة ثاقب الرأي حازمًا في كل شؤونه، وكان شيخه سليمان بن علي يستنيبه إذا مرض أو سافر فاستنابه، ولما وصل إلى مكة عام ست وتسعين بعد المائتين وقد ضعف جسمه وأرهقته الشيخوخة فكتب إلى حسن المهنا يطلب منه إعفاءه، فما زال يلح عليه حتى أعفاه، وبعث لنائبه بأنك معزول واستشاره حسن المهنا بمن يولى فأشار عليه بالشيخ محمد بن عمر بن سليم فإن لم يرغب فبابن عمه محمد بن عبد الله فألح على محمد بن عمر إلحاحًا شديدًا فالتزم به مدة يسيرة ثم رحل إلى العمرة وبعث خطابًا لحسن المهنا يستعفيه فأعفاه.
وكان الشيخ محمد العبد الله مقيمًا بعنيزة ملازمًا لشيخه علي المحمد الراشد، وإذا انتهت جلسته جلس بعده بالجامع للطلبة في كتب ابن تيمية وابن القيم في شمالي الجامع، وفي عام 1303 هـ توفي شيخه العلامة قاضي عنيزة فجاءه خطاب من حسن المهنا يطلب منه العودة إلى بريدة ويعتذر إليه مما كان بينه وبين الشيخ محمد، وكان بين ابن سليم وبين محمد الصالح أبا الخيل شقاق ومنازعات انتهت بطلب حسن المهنا له بالمغادرة عن بريدة فرحل إلى عنيزة وتزوج بها أم ابنه عبد الرحمن وأكرمه أهالي عنيزة وأجلوه ورغب في المقام بها، ولكن حسن ألح عليه ووسط أمير عنيزة زامل بن عبد الله السليم فأشار عليه بالعودة إليهم، وتلبية طلب حسن ليتولى مهام منصب القضاء بها فعاد إلى بريدة، وتولى القضاء فيها، وسدد في أقضيته فكان مثالا في العدالة والنزاهة
وظل قاضيًا فيها حتى تغلب عبد العزيز بن متعب بن رشيد على عموم نجد فكان آل سليم، قد تحزبوا مع جماعة ضد حكمه فعزله عن القضاء ونفاه إلى قرية النبهانية مع من ينتمي إليه في غربي القصيم قرب الرس، وذلك آخر عام 1318 هـ، وظل في النبهانية داعية خير ورشد ورحل إليه الطلبة، وكان بيته ومسجده فيها من أندية العلم، وظل فيها خمس سنوات تنقص شهورًا، ولما تم استيلاء الملك على القصيم كله أعاد الشيخ إلى بريدة وإلى منصب قضائها إلا أن مدته لم تطل فقد ضعف جسمه وأرهقته الشيخوخة.
وأما أوصافه فكان مربوعًا أسمر اللون ضخمًا عريض الصدر متوسط الشعر، وله تلامذة نبغوا في العلم وطار صيتهم ومن أبرزهم العلامة الجد الشيخ صالح بن عثمان القاضي لازمه في عنيزة ورحل إليه في بريدة والخال عبد الله بن محمد بن مانع وإبراهيم بن حمد بن جاسر وعبد الله بن مفدي وعبد الله بن حسين أبا الخيل، وصعب التويجري وعبد الله وعمر بن محمد بن سليم، ومحمد بن عبد العزيز بن مانع، ومحمد بن مقبل قاضي البكيرية الورع ومحمد الناصر الحناكي وسالم الحناكي، وعبد الله بن بليهد، وعبد الله بن محمد بن دخيِّل وعلي المقبل وعبد الله بن رواف وعبد الرحمن بن بطي وصالح الفوزان وسليمان العمري وعلي السناني وعلي بن ناصر أبو وادي وصالح بن قرناس وعبد الرحمن بن عويد وعثمان بن مضيان وسليمان بن عبد الله بن حميد في آخرين ممن لا يحصرهم العد.
وجرت عليه من الولاة محن ومصائب ووشايات من حساد المعاصرة وهرج ومرج وهو ثابت ثبوت الجبال لم يتزعزع وسلط الولاة العيون عليه والمضايقات حتى هدده آل رشيد وأمراؤهم بالقتل بعد وقعة المليدا، وهموا بما لم ينالوا فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاولوا الغدر به، ولما لم ينجحوا بتلك
المحاولات نفوه للنبهانية التابعة للرس فصبر وصابر وتوالت عليه الأمراض والأكدار، وأصيب بوجع في قدميه ومفاصله طال معه ثم أقعده على الفراش زمنًا، ولما استولى الملك عبد العزيز على القصيم استدعاه وأكرمه وأجله وأعاده إلى عمله ولكنه لم يلبث يسيرًا أن وافاه الأجل المحتوم فانتقل إلى جوار ربه الغفور الرحيم في عشرين من ذي القعدة سنة 1323 هـ، وفي مرجع بأنه عام 1324 هـ. فحزن الناس لفقده حزنًا شديدًا ورثي بمرات عديدة لما كان يتصف به من أخلاق عالية ووقار وعفاف ونزاهة وكانت الرسائل بينه وبين مشائخه تتوالى في كل مناسبة وفي كل حادثة خصوصًا بينه وبين بابطين وله إجازة مطولة منه بسند متصل وقد خلف ابنه عبد الرحمن بن محمد ساكن عنيزة وله أحفاد منه بعنيزة من خيرة ساكنيها كما خلف ابنيه من زوجة أخرى العالمين عبد الله وعمر وتقدمت ترجمتهما وله ابن رابع صالح والد الشيخ محمد بن صالح بن محمد آل سليم تنقل في سلك القضاء إلى أن تعين رئيسًا لمحكمة التمييز في المنطقة الغربية رحمة الله على الشيخ محمد العبد الله فلقد كان مثالًا في العلم والعمل (1).
(1) روضة الناظرين، ج 2 ص 323 - 326.
الشيخ محمد بن عمر بن سليم