الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منقلتي وفرجاري هما هذه المرسمة: نشقها، ونحطها في هذا، ونحط فيها دبوسًا، وأذكر أني زينت هذه الأدوات الفوج الأول من الذين تخرَّجوا، وأني أخذت مقرر الهندسة من المرجع، حيث ينصُّ على أن يدرس الطلاب كذا وكذا ثم كتبته في دفتر، والدفتر موجود عندي إلى هذا الحين بخطي وفيه المقرر كله، وكانت المقررات تكتب للطلاب على السبورة.
وكان راتب المدير أول بدء المدرسة 600 قرش، وكل رواتب الدولة تجيء للمدرسة (180) ريالًا، ورواتب مدرسة عنيزة تأتي إلينا، أما المدرسون فأنا أعينهم من عندنا، منهم صالح السليمان العمري، ومنهم واحد من جيراننا كان يتيمًا، وبدأ يقرأ علينا في المسجد فعينته ملازمًا ثم عينته بصفة دائمة.
كلهم من المواطنين، ليس فيهم أحد براني (1)، كنا نجيء بالمعلم فيتعلم ويعلم، ولما أسندت إليهم الأستاذية صار الإنسان يشرح لنفسه ويحرص كل الحرص على أن يقوي معلوماته وعلى أن يتعلم، وفعلًا تعلموا شيئًا فشيئًا، ثم صار يجلب لنا مدرسون ونقل اثنان من عندنا إلى حائل وجاءت لنا بعض القرى، وبدأ الناس يقبلون على المدرسة.
كانت الدراسة فيها لمدة ثلاث سنوات، وتسمى هذه المرحلة باسم التحضيري، ثم جاءت الابتدائية ثلاث سنوات أخرى، والذين اشتغلوا - كما سبق أن قلنا هم - من خريجي التحضيري.
استقبال في بريدة:
زار الملك عبد العزيز رحمه الله مصر عام 1364 هـ (1946 م)، وقابل الطلاب في مصر وشاف ونظر، ثم جاء إلينا في بريدة سنة 1366 هـ (1947 م)، وطلعنا إليه مع الطلاب، ولما جلس في محله قدم الطلاب أناشيد
(1)(البراني): الخارجي (نسبة إلى البرِّ على غير قياس) وهو خلاف الجواني.
وخطابات، وقد أعجب الملك بذلك، وجئناه في غد ذلك اليوم وسلمنا عليه وكان في (الزبارة) خيَّم فيها، وجاءه الجماعة فيها.
على إثرها قال الملك عبد العزيز لأهل الرياض: الناس الذين جاءوا لخدمتنا ما جاءوا ليخدمونا ويضيعوا أبناءهم، ونحن بنينا هذه المدرسة وظلت على ما هي عليه، نحن نبغي أن نفتح المدرسة، ماجاء الناس ليخدمونا ويضيعوا أولادهم، منهم من يروح بهم إلى مصر، ومنهم من يروح بهم إلى الحجاز، لكن شوفوا الذين أنتم تبغونه مثل فلان (يعني عبد الله السليم) في بريدة، وكان ذلك في عام 1366 هـ.
أخاف من الرياض:
تأخرت الرياض بفتح المدرسة إلى سنة 1367 هـ، وكان يقال إن المشايخ رفضوا أن تفتح عندهم المدرسة، فلم تكن الرياض ضمن المدارس التسع الأولى، والمشايخ - وهم جزاهم الله خيرًا - يعلِّمون، ومجالسهم عامرة بطلبة العلم من تفسير وعلوم أخرى، ويعلمون ليلًا ونهارًا، ولكن فتح المدارس النظامية عندهم لم يلق القبول في البداية.
وعلى إثر زيارة الملك عبد العزيز لبريدة وتوجيهه لأهل الرياض - كما تقدم فإن المشايخ في الرياض - رحمة الله على من مات منهم ومد في عمر الباقين ووفقهم للخير - قالوا: هذه بريدة فيها السليم وآل السليم نعرفهم في معتقدهم وفي إخلاصهم لهذه الدولة، فإذا جلب ابن السليم من مدرسة القصيم ما عندنا مانع.
بعد ذلك صدر لي أمر أن أروح إلى الرياض لفتح مدرسة، وكان ابن مانع قد استلم العمل بعد أن راح الدباغ - أي أصبح مدير المعارف العامة - وقد كتب لي ابن مانع كتابًا خاصًّا ما يزال موجودًا عندي في الملفات يقول فيه: صدر علينا الأمر بفتح مدرسة ولا أدري ما نوع هذه المدرسة؟ هل هي ابتدائية
أم هي كذا وكذا؟ وهل هي تابعة لنا أم للمشايخ؟ ولكن رح أنت إلى الرياض ووافني بأخبارك، قلت: ما أنا برائح وكتبت له كتابًا خاصًّا قلت فيه: أنا لاقيت الأمرّين من مدرسة بريدة وأخاف وأخشى من الرياض.
قال: لا، وكتب لي كتابًا خاصًّا يقول فيه: أرجوك رجاء أن تروح، ولك عليَّ أن أنفذ رغبتك في المستقبل، إنما افتتح المدرسة، ورحت بروحي وما أدري ماذا سيحدث معي، وأي شيء أسوي.
وفعلًا رحت، وفتحنا المدرسة بحفل حضره جلالة الملك عبد العزيز، تلك كانت المدرسة التذكارية سميت بذلك بمناسبة ذكرى عودة الملك رحمه الله، لما زار مصر، وقد سماها الملك عبد العزيز المدرسة الأهلية إرضاءً للمشايخ ولابن مانع، وسميت الأهلية لأنها بنيت بتبرعات الأهالي.
ويوم جئت، قال لي الشيخ عبد اللطيف: ترى عندنا ستون ريالًا باقية، فإن احتجتم إلى حمام أو لأي شيء فهي موجودة لأنها من المتبرعين، وكان الشيخ عبد اللطيف وابن مقيرن هما اللذان توليا الإشراف على مصاريف بناء المدرسة.
ولما هدأت الأمور عاد إليها اسم التذكارية تخليدًا لذكرى عودة الملك من زيارته لمصر حسب ما هو مثبت في لوحتها الأولى، وذلك مثلما حدث في دار التوحيد، فقد كان سماها رحمه الله دار القضاء لأنه يريد قضاة يرسلهم للناس، ولكن عدل عن هذا الاسم إلى اسم دار التوحيد.
عالم عظيم:
أول من قابلت الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله وقد شجعنا جزاه الله خيرًا، وأعطانا طلباتنا وكنا لا نُرد عنه، وأيما شيء كتبنا لهم عنه نفذوه، وحط للمدرسين إعاشة زيادة عن رواتبهم، وأعطاهم الكساوي، والله إنه ما قصّر.