الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد كان إبراهيم الرشودي بينه اختلاف عميق مع الشيخ عمر بن سليم مبعثه أن إبراهيم الرشودي كان من تلاميذ الشيخ ابن جاسر المعجبين به كما قدمت، ولذلك كان منحرفًا عن آل سليم وتلامذتهم والمشايخ الذين معهم، حتى إنه ظل سنوات لا يصلي مأمومًا في المسجد القريب من بيته في جنوب بريدة القديمة، وهو مسجد الصقعبي الذي صار يسمى (مسجد الحميدي) إضافة إلى محمد بن صالح المطوع الذي ظل يؤم الناس فيه نحوًا من خمسين سنة أو تزيد، وذلك أن (محمد بن صالح المطوع) هو من تلامذة آل سليم الذين لا يحبهم أتباع الشيخ ابن جاسر وتلاميذه، وإنما يذهب إبراهيم الرشودي إلى الصلاة في مسجد أبعد من ذلك عن بيته فيصلي فيه.
ولكنه يعرف قدر الشيخ عمر ونزاهته في القضاء وقوة شخصيته وإلى ذلك يعرف عقله واتزانه، ومقامه عند الدولة وعند العامة، كما يعرف منزلته العلمية لذلك بكي عندما عرف أنه على وشك الاحتضار والموت.
وقد حدث ذلك بالفعل إذ توفي الشيخ بعد أربعة أيام من ذلك كما قال لي الأخ يوسف بن إبراهيم الرشودي.
قال الشيخ صالح بن سليمان العمري:
العلامة الشيخ عمر بن محمد بن سليم:
رحمه الله تعالى، هو أبو محمد الشيخ الكبير والبحر الغزير عمر بن محمد بن عبد الله بن حمد بن محمد بن صالح بن حمد بن محمد بن سليم.
وشيخنا عمر بن سليم المترجم له يحتاج تاريخه إلى مجلدات ضخمة.
فهو شيخ المشايخ وقطب القصيم كما قال مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رثائه:
إن المصيبة حقأ فقدنا عمرًا
…
أعظم بميتته رزءً بنا كبرا
قطب القصيم وما دون القصيم وما
…
خلف القصيم وما مجري القصيم جري
عليه دارَ الهدى والحق بينه
…
كان الحياة وكان السمع والبصرا
أرزقه يا ربنا عفوًا ومغفرة
…
واجبر مصيبتنا يا خير من جبرا
ولد رحمه الله عام 1299 هـ رايت ذلك بخط والده الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم رحمه الله على غلاف نسخة خطية من (المنتقى) ونصه:
(ولدنا المولود المبارك عمر بن محمد بن سليم عام 1299 هـ. انتهى) وقد ولد رحمه الله في بيت علم وتقوى وصلاح، ونشأ بين أحضان والديه، وتربى تربية دينية خالصة منذ صغره وتفرس فيه والده النجابة وقت طفولته، فكان يوليه عناية خاصة ويهتم به اهتمامًا بالغًا (1).
قال: ولما نفي والده إلى النبهانية لحق به وكان عمره في التاسعة عشرة، وجلس معه ثلاثة سنوات وتفرغ والده خلالها لتعليمه، فكان ملازمًا له ليلًا ونهارًا، وكان كل وقته معه في العلم والبحث والمذاكرة، مما كان له أكبر الأثر في تحصيله.
إلى أن قال: كان والده وإخوته يلقبونه بالشيخ، وهو في هذه السن، كما كان الناس يلقبونه بالشيخ وهو دون العشرين، وكان الطلبة يسألونه عما يشكل عليهم، ويقرؤن عليه في المجالس الخاصة بعد انتهاء درس والده، وهو دون العشرين.
إلى أن قال: وقد سافر بعد وفاة والده للرياض فترة قصيرة، قرأ خلالها على الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف ولكن عندما اجتمع به وبحث معه قال له الشيخ عبد الله: يا بني: أنت يؤخذ عنك العلم، إذهب إلى بلدك، واجلس في مكان والدك، وأنشر علمك هناك (2).
(1) علماء آل سليم، ج 1، ص 98.
(2)
المصدر نفسه.
ولما جلس الشيخ عمر للتدريس في بريدة بعد وفاة والده أقبل عليه الطلبة الكبار والصغار من جميع النواحي والأقطار النجدية وغيرها، حتى اجتمع عليه خلق كثير لم يسبق لأحد قبله مثلهم حتى والده وشيخه الشيخ محمد بن عبد الله وخاله الشيخ محمد بن عمر بن سليم لم يجتمع عندهما مثل ما اجتمع عنده من الطلبة ذكر لي ذلك الراوية الشيخ سليمان العلي المقبل، ويؤيد ذلك أننا وجدنا أسماء أكثر من خمسمائة طالب علم قد قرؤا عليه بينما لم نجد من تلامذة والده إلا أقل من النصف من هذا العدد، كما لم نجد من تلامذة الشيخ محمد بن عمر بن سليم إلا ثلث هذا العدد أو أقل من ذلك، كما لم نجد من تلامذة الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم إلا أكثر من نصف هذا العدد.
ويليه في كثرة الطلبة من علماء بريدة ابن أخته الشيخ عبد العزيز العبادي، وذكر لي الشيخ سليمان العلي المقبل كما ذكر لي ذلك الوالد رحمه الله أنه قرأ عليه أكثر من خمسين من طلبة العلم كلهم في سن الشيخوخة وهو شاب.
وقد جعل الله في تعليمه البركة وجعل في نفوس الناس له القبول والإقبال، كما جعل الله له هيبة عظيمة لم أرها لأحد غيره ممن عرفت من العلماء وغيرهم.
حدثني قاضي الغطغط الشيخ وايل اليحيى الطريقي أحد تلامذة الشيخ عمر قال: كنت أمشي أنا ونفر معي من كبار طلبة العلم بالقرب من الجامع الكبير ببريدة، فقال أحدنا كلمة أعجبت الجميع فضحكنا، ولكننا فوجئنا بشيخنا الشيخ عمر يخرج من رأس الشارع دون علمنا، فرأنا نضحك فوقف، ووقفنا مبهوتين لا نستطيع التحرك أو الكلام وقال معاتبًا لنا: أهكذا سَمْتُ طلبة العلم؟ فتمنينا أن الأرض ابتلعتنا تلك الساعة وأخذنا أيامًا لا نستطيع النظر إليه أو مقابلته (1).
(1) المصدر نفسه.
تعليمه للطلبة:
قال الشيخ صالح بن سليمان العمري:
درس رحمه الله القرآن وتجويده وعلومه وتفسيره، فقد درس جميع التفاسير المشهورة كابن كثير والبغوي وغيرهما، والحديث شروحه ومصطلحاته، ومن ذلك البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والمنتقى والترمذي وبلوغ المرام والمحرر وغيرها من كتب الحديث، ودرَّس الفقه ومصطلحاته، ومن ذلك الزاد وشرحه والمقنع والاقناع والمغني والشرح الكبير وغيرها، ويدرس الفرائض بعد المغرب ويتوسع في حسابها في المناسخات وقسمة التركات حتى تبلغ الملايين ويعبر عن المليون بألف ألف ولا يذكر المليون.
وكان رحمه الله سريعًا في الحساب سرعة فائقة تعجب الطلبة والسامعين، ويدرِّس النحو وشروحه ومن ذلك الفية ابن مالك والقطر والملحة والآجرومية وشروحها.
كما كان يدرس التاريخ الإسلامي ومن ذلك سيرة ابن هشام والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها، ولم يدرس شيئًا من تواريخ المتأخرين.
ومن الكتب التي ينصح الطلبة بحفظها ويقرأونها عليه: المنتقى في الحديث وبلوغ المرام، وكان أحد دروسنا عليه حفظًا عند وفاته نحن ومجموعة من الطلبة وعمدة الأحكام والمحرر، وفي الفقه زاد المستقنع وعمدة الفقه وغير ذلك.
ولما ابتدأ الملك عبد العزيز بتهجير البادية إلى أمهات الهجر كالارطاوية ودخنة كان يبعثه إليهم، فيقيم في الهجرة الشهرين والثلاثة يذكرهم ويعلمهم وتعمر مجالس التدريس، وقد مر بكل من دخنة من بلاد حرب والفوارة من بلاد حرب والأرطاوية من بلاد مطر، وأكثر الإقامة في الأرطاوية بلدة فيصل الدويش من قبائل مطير، وكان يصحب معه من كبار الطلبة ما يقرب من ثلاثين طالبًا، يتحمل
نفقاتهم يواصلون قراعتهم عليه، وينتفع به وبهم أهل تلك النواحي، وقد صار لذلك أثر كبير على أهل تلك النواحي، كما أنه إذا كان في الأرطاوية يجتمع عليه عدد من أهل سدير والوشم وغيرهم، وقد أوردنا أسماء بعض من قرأوا عليه من أهل سدير والوشم وأبناء البادية الذين هاجروا ضمن تلامذته.
وكان إذا سافر يخلف الشيخ محمد بن عبد العزيز العجاجي لتدريس طلبته في بريدة حتى يعود مدة حياة الشيخ محمد، واستمر سفره للأرطاوية إلى عام 1345 هـ وإن من يشاهد عدد من يقرأ عليه وما يقوم به من أعمال قضائية وفتيا ليعجب كيف كان يعيش ذلك الإنسان فوقته مملوء بالعمل للآخرة والنفع للمسلمين.
مجالسه وأوقاته:
قال الشيخ صالح العمري:
كان رحمه الله يؤم في أحد المساجد في بريدة، فقد أم أول ما أم في مسجد عودة الرديني في بريدة، ثم أم بمسجد ناصر السيف، وقد عمر المسجدان في وقته وعمرت فيهما الحجرات الطلبة والمذاكرة، واتخذت فيها عدة مكتبات خاصة في وقته، واستمرا بعده مدة من الزمن فيهما الكتب والطلبة، فقد خلفه على مسجد عودة تلميذه الشيخ محمد بن صالح المطوع، وعمر المسجد في زمنه وإلى وفاته، واستمر بعد الشيخ عمر في هذا المسجد المشايخ آل عبيد الشيخ عبد المحسن رحمه الله والشيخ فهد آل عبيد والشيخ إبراهيم آل عبيد إضافة إلى الشيخ محمد المطوع وغيرهم من طلبة العلم والعلماء.
وكان إذا صلى الصبح جلس في مصلاه يورد ويذكر الله سرًّا ربما سمع من يكون قريبًا منه بعض كلماته، فإذا أتم ورده وحضر الطلبة وجلسوا حلقة حوله أذن لهم بالقراءة (1).
(1) علماء آل سليم، ج 1، 102.