الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ القاضي عبد الله بن محمد بن سليم
الشيخ القاضي عبد الله بن الشيخ القاضي محمد بن عبد الله السليم، هو أكبر ابنيه القاضيين عبد الله وعمر، ولد في عام 1285 هـ، تولى القضاء في بريدة بعد وفاة أبيه بسنوات تخللتها فترات عين فيها قضاة من غير آل سليم، وهم عبد الله بن عمرو وإبراهيم بن جاسر وعبد العزيز بن بشر، ولكن فترات توليهم كانت قصيرة.
والشيخ ابن جاسر ورفيقه الشيخ عبد الله بن عمرو مشربهما معروف وهما مع أتباع لهما كثر في بريدة وبخاصة من تجار الإبل الذين كانوا يتاجرون بها من القصيم إلى الشام وفلسطين ومصر، وهم الذين يقال لهم (عقيل)، وذلك أن المشايخ من آل سليم ومن انضم إليهم يحرمون السفر إلى بلاد المشركين، ويهجرون من سافر إليها بعد عودته، بمعنى أنهم لا يكلمونه ولا يجالسونه ولا يتعاملون معه، لأنه عمل معصية في اعتقادهم، وهي السفر إلى بلاد المشركين، أما أولئك الذين هم الشيخ ابن جاسر وأتباعه فإنهم يرون الأمصار التي يسافر إليها التجار من عقيل وغيرهم بلاد مسلمين يجوز السفر إليها من دون كراهية.
ومن الذين هم ضد المشايخ هؤلاء أكبر جماعة أهل بريدة تجار المواشي، إلا المبارك والجربوع والمشيقح فإنهم مع آل سليم قلبًا وقالبًا، وكذلك يتولون مثلهم آل سعود.
مع العلم بأنه يوجد من أسرة المشيقح أناس يذهبون إلى الأمصار المذكورة وهي الشام وفلسطين ومصر في تجارة الإبل، وقد عين الملك عبد العزيز آل سعود أحدهم وهو سليمان بن علي المشيقح معتمدًا له في سوريا وما حولها من بلاد الشام.
ووجهة نظر المشايخ آل سليم ومن معهم أن البلاد التي لا تحكم بما أنزل الله والبلاد التي توجد فيها البدع والشركيات ظاهرة كالبناء على القبور والتعلق
بالمقبورين هذه حكمها حكم بلاد الكفار التي لا يجوز السفر إليها.
ولما يعلمه الملك عبد العزيز من الاختلاف والتنافس بين الطرفين عين الشيخ عبد العزيز بن بشر وهو من أهل الأفلاج في قضاء بريدة لكونه يعتبر محايدًا بين الطرفين.
واستمر في القضاء حتى وصل إلى علم الملك عبد العزيز أن بعض أتباع الشيخ ابن جاسر تقربوا منه وأنه مال إليهم، وقيل: إن أتباع المشايخ آل سليم شكوا ذلك للملك عبد العزيز فأمر بنقله إلى قضاء الأحساء.
وسمعت من أشياخ من أشياخنا أن الشيخ ابن بشر تزوج من بريدة وناسبه المقام فيها، فلما أمر الملك عبد العزيز بنقله إلى الأحساء طلب منه أن يعفيه من ذلك، وأن يأذن له بالبقاء في بريدة من دون القضاء.
قالوا: فلم يقبل منه الملك عبد العزيز ذلك وانتقل بالفعل قاضيًا على الأحساء.
فعزم الملك على تعيين الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم هذا في القضاء وذلك في عام 1333 هـ، وكان الشيخ عبد الله بن سليم يومذاك قاضيًا في البكيرية.
ولما علم بعض كبار عقيل وأنصار الشيخ ابن جاسر بذلك أرادوا أن يكلموا الملك بشأن عدم رغبتهم في تعيين الشيخ عبد الله قاضيًا على بريدة وما يتبعها من القصيم.
وتواعدوا بأن يقولوا ذلك للملك عبد العزيز في دعوة غداء عند شخص كان الملك عبد العزيز سيتغدى عنده.
وقد بلغ الملك عبد العزيز عزمهم على الكلام معه في شأن الشيخ عبد الله بن سليم فاستبقهم في ذلك، وكان الوقت صيفًا وقد قدم داعيه قنوانًا جيدة ريانة من تمرة الشقراء الشائعة آنذاك في القصيم وكانت تسمى (شقرا مبارك) فقال يخاطب أولئك القوم الذين كانوا عزموا على أن يتحدثوا معه بعدم تعيين الشيخ
عبد الله بن سليم قاضيًا بقوله: أنتم يا أهل القصيم غابنين اللي غيركم بشجرتين: شقراء مبارك والسليم، ويقال إنه قال: شقراء مبارك وشجرة السليم.
فسكتوا ولم يتكلموا معه في شيء من هذا الخصوص أبدًا، وتولى الشيخ عبد الله بن سليم القضاء في بريدة، وكان عاقلًا رزينًا مجاملًا في غير قول الحق، فأحبه الناس، حتى الذين كانوا يتوجسون خيفة من تعيينه بأنه سيكون ضدهم.
وقد بلغ من المنزلة في النفوس مبلغًا عظيمًا حتى كان يوم موته الذي أدركته في شهر محرم عام 1351 هـ يوم حزن ومأتم لأهل بريدة حتى النساء، وذلك لما كن يعرفن عنه وما شعرن بأن أزواجهن أصيبوا بفقده!
فبمجرد أن صار الناس يتناقلون خبر موته من أجل الصلاة عليه وذلك في الضحى أخرجنا صاحب مدرستنا سليمان بن عبد الله العمري من المدرسة، وكذلك أغلق أهل الدكاكين دكاكينهم، ولف الناس حزن عظيم ورهبة أو خوف من المستقبل لا أدري مبعثه.
قال الأستاذ ناصر بن سليمان العمري يذكر شيئًا من أوائل مدة الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم في قضاء بريدة، وانتقاله من قضاء البكيرية إلى بريدة:
الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم عالم جليل معروف بالورع والبعد عن المطامع الدنيوية والترفع على الناس، فهو رجل متواضع يعيش كفافًا لا له ولا عليه، تولى القضاء في البكيرية من بلدان القصيم ثم تولى القضاء في بريدة بعد الشيخ عبد العزيز بن بشر بأمر من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وقد درَّس في البكيرية مدة وجوده فيها ودرس في مدينة بريدة مدة وجوده بعد تأهله للتدريس، ولما تولى القضاء في بريدة جمع أقاربه بدعوتهم لتناول الطعام وبعد أن فرغوا من طعامهم قال لهم إنني لا أحب أن يأتي إليَّ أحد منكم بخصم يخاصمه عندي في أمر من أمور الدنيا، فمن جاءني منكم بخصم يخاصمه فليعرف أنه لن يكسب القضية عندي، وهو بذلك يريد
البعد عن الظن السيء في أحكامه فمع توفر العدل والعلم فيه فهو إن حكم لقريبه حتى وإن كان الحق بجانب قريبه فسوف تناله ظنون الناس الذين لا يخلو بلد منهم وهم الذين ينتقدون غيرهم بحق وبغير حق.
إن نصف الناس أعداء لمن
…
ولى الأحكام هذا إن عدل!
وهو يريد من أقاربه أن يحلوا مشاكلهم مع الغير إن وجدت دون اللجؤ إلى التحاكم عنده مع أنه أهل للعدل والإنصاف. انتهى.
وقد خلف الشيخ عبد الله بن سليم كتابات عديدة من الوثائق ونحوها كتبها بخطه الواضح بل الجميل، لأنه واضح الحروف، مستقيم المعاني.
وهذه نماذج لكتاباته:
هذه الوثيقة فيها غرابة وذلك أن الشيخ عبد الله بن سليم كتبها في عام 1301 هـ مع أن أكثر الذين ترجموا له ذكروا أن ولادته في عام 1285 هـ أي أنه تكون سنه حين كتبها ست عشرة سنة، وهي كما ترى من حسن الخط وضبط العبارة كما لو كان كتبها عالم متمرس، وهذا له تفسير بأن يقال: إن ما ذكره المؤرخون من أن تاريخ ولادته كانت في عام 1285 هـ غير صحيح وأن ولادته قبل ذلك أو أن يكون نبوغه غير معتاد حتى استطاع أن يتأهل في نظر المتعاقدين وهما محمد بن عمر بن سليم وحسن الحسّون لأن يكتب مثل هذه الوثيقة المهمة الخالية من الأخطاء الإملائية الشائعة، وذات الخط الجميل المتقن الواضح.
وقد أرخها في 8 من جمادي ثاني سنة 1301 هـ.
وصدق عليها اسفلها ناصر بن سليمان بن سيف في 13 من جمادي الثانية عام 1301 هـ.
أما أحكامة التي اطلعنا عليها مكتوبة فهي قليلة إضافة إلى أنني لم أكن أحرص على تسجيل الوثائق الحديثة العهد نسبيًا مثل تلك، ولذلك اكتفيت بإثبات نماذج قليلة هنا وهي بخطه.
منها هذه التي كتبها في عام 1333 هـ، وكان يومها تولى القضاء في بريدة منذ زمن يسير وهي قسمة تركة لشخص يسمى (مزيعل) على لفظ تصغير مزعل، وقد قسم الشيخ تركته بين ورثته وفوض حمود المشوح بإيصال كل ذي حق منهم حقه.
أخلاقه وصفاته:
من أوسع من كتب في هذا الباب عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم تلميذه الشيخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن في تاريخه: (تذكرة أولي النهى والعرفان).
وقد لخصت بعض ذلك فيما يلي:
قال الشيخ إبراهيم العبيد في تاريخه:
كان مسددًا في قضائه وأجوبته مسددًا في سائر أعماله، وجاء إليه أهالي القصيم لما أن أراد الملك عبد العزيز أن يؤسس محطة اللاسلكي في بريدة مستنكرين لذلك، فلما أن كلموه في الأمر لأخذ رأيه فيه، قال لهم برفق وحكمة: يا أولادي إياكم والشقاق فلا خير فيه يا أولادي إن ابن سعود ملك نسأل الله أن لا يسلطه علينا فأدعوا له وأسألوا الله له الهداية، فقاموا من عنده وقد طابت أنفسهم يقولون: إن الشيخ أعلم منا وأتقي منا لربه، وما كان لهم بعد مقالته التفات.
ذكر شيء من أجوبته وفوائده:
اتفق في أيامه أن امرأة عجوزا في إحدى قرى القصيم رأت في منامها آتيًا أتاها قال: (توبوا إلى ربكم أيها الناس وصوموا من الغد) فلما هبت المرأة من رقدتها آخر الليل صاحت بالجيران ومن حولها من العامة والنساء وأخبرتهم فصام بعض أهل القرية وامتنع أخرون، وتحيَّر أناس لم يتسحروا فقام مطوع القرية وبعث رسولًا إلى الشيخ عبد الله يستفتيه بذلك وكانت المسافة قدرًا من ميلين غير أن الرسول استطاع أن يجعلها في 15 دقيقة، فلما كان بعد طلوع الشمس إذا به يستأذن على الشيخ في بيته مرعوبًا مدهوشًا فأخبره بالقصة وشكا إليه هذه الواقعة فتبسم الشيخ ضاحكًا متعجبًا وقال له: يا بني أخبر قومك بأن العبادات قد شرعت على لسان النبي محمد عليه السلام ليست عجوزكم هي المشرعة فأخبرهم أن لا يصوموا فرجع رسول أهل القرية يسكنهم وبيشرهم وقد وافاه الفلول في منتصف الطريق فأخبرهم هو ورجعوا مطمئنين.
وكان كلامه مقبولًا عند الناس جدا لما له من النية الحسنة، وقد قرر التوحيد في حلق التدريس وذكر المكفرات للمسلم إذا صدرت منه، فقال: من دعا الأموات كفر ومن لم يكفر الكافر فهو كافر، فتكلم جاهل من العامة مع من يليه من الحضور فقال إذًا صار التكفير هدم جدر والقاء حيطان فنقل للشيخ كلامه فعرض بذلك في التدريس من الغد، وقال: إن هنا أناسًا لا يقرون تكفير الكافر، وإذا لم يكفر الكافر لكفرهم فهل تكفر الجمادات، نسأل الله العافية.
وكان يعبر الرؤيا فكان إذا جاءه من يقص عليه رؤياه عبرها إن كانت حسنة وإن رأى صاحب الرؤيا مهمومًا لما رأى قال: يا سبحان الله إذا لعب الشيطان بأحدهم في منامه لم يعلم به أحد جاء يفضح نفسه.
وكان إذا أخذ يفسر العبارات في التدريس فربما لبث نصف ساعة يذكر الأدلة وكلام العلماء على ذلك، ويطيل ويسهب.
وقرأ عليه بعض الطلاب كلام الإمام ابن القيم في إساءة الظن بالله وهو الذي ذكره شيخ الإسلام، وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، فأخذ في شرح العبارة وتفسيرها وأطال وأفاد وأجاد وجعلت دموعه تجري على خديه حتى رحمه من حوله ولبث أربعين دقيقة.
وقرأ عليه بعض الإخوان من طلاب العلم بمسائل الشيخ (إسحق بن عبد الرحمن) فتكلم معربًا عن فضل المؤلف ومكانته في العلم وجعل يثني عليه ويمتدحه ويذكر ما لآل الشيخ من الفضائل والمناقب التي بنوا بها ما تهدم من قواعد الإسلام وإشادة ما تدثر منها وأطال وأسهب.
وقرأت عليه في حاشية التوحيد للشيخ عبد الرحمن فلما بلغت، رواه وكيع فقال وكيع هذا هو ابن الجراح بن وكيع عالم كبير شكى إليه الشافعي سوء حفظه، فقال له اترك المعاصي، وأنت يا ولدي إن أردت طلب العلم فاترك المعاصي، اترك المعاصي إن كنت تريد طلب العلم، فإن المعاصي تمنع من تحصيل العلم، وجعل يردده علي ويحثني على طاعة الله ورسوله فتأثرت لذلك ووجدت لكلامه وقعًا بحيث إني والله لأجد الكلامه موقعًا حتى إنه مثل العافية على الجسم السقيم.
ودخل عِجل (1) في المسجد الجامع حال التدريس فالتفت إليه بعض الطلاب فأخذ الشيخ عصاه ونعاله وقام موليًا فلحقه التلامذة والإخوان يعتذرون، وإن الوالد من شيمته الصفح عن عثرات أبنائه، فقال: فاتكم مجلسنا يومكم هذا فالتفتوا إلى هذه البهيمة العجماء ودعوا العلم والمعلم، يقوله توبيخًا وتقريعًا.
ذكر ورعه وزهده:
أما ورعه فحدث عنه ولا حرج، كان لا يمسك شيئًا في الدنيا غير كفايته ولم يستقطع من الملوك الأراضي ولم يجمع مالًا لنفسه غير بيته الذي يسكنه
(1) العجل: الصغير من ولد البقر.
وإذا جاءه مرتبه وعنده شيء من بقية الأول فرق الأول.
وجاء إليه أهل هجرة من البدو يطلبون منه أن يجعل لديهم مطوعًا ديانته حقيقة صدقًا وجعلوا يسألونه ويلحون فقال يا هؤلاء إن وجدتم ذلك فاطلبوا لنا ولكم، الله المستعان.
وأتاه رجل يسب وكيلًا وينال من عرضه لأمر لا يعنيه فقال له كأنك تريد الوكالة لنفسك وتطلبها فاستحيا الرجل وسكت.
وقال مرة لأحد كبار التلامذة اقرأ علينا بالفروع لابن مفلح نقرر ما نعرف منها وما لا نعرفه نكله إلى من يعرفه، وهذا منه من باب الهضم لنفسه ورؤيتها بعين الاحتقار والا فهو العالم الكبير والبحر الغزير.
وكان من سجيته أنه لا يقبل هدية ولا يتستجيب لأحد بل كان يأكل في بيته ويقتصد في معيشته ويمازح اخوانه ويخفض لهم الجناح، وأوذي في ذات الله فصبر وارتفع شأنه وعلت رتبته فما بطر ولا تكبر بل يحب طالب العلم والمستفيد ويقرب الغريب.
ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وحلمه وعفوه وسعة رأيه:
أما أمره ونهيه فقد كان على بصيرة يدعو إلى الله وما همه منصب ولا يراعي جانب أحد كائنًا من كان، وقد ساعدته الظروف من قبل صاحب الجلالة الملك عبد العزيز، فكان يرفع قدره وينفذ أوامره بسرعة.
فمن ذلك أنه مر عليه في الدرس أثر (خلق الله ألف أمة وتكفل برزق الجميع) فأخذ يتكلم على هذا الأثر ملوحًا على المسافرين إلى بلدان الكفار فقال خلق الله عز وجل ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وتكفل الله برزق الجميع إلا ابن آدم لا يرزق حتى يذهب إلى الكفار ويكون حمارًا لهم، عياذًا بالله.
وكلامه هذا يشنع على الذين يذهبون إلى الكفار ويخدمونهم.
ونقل إليه بعض العامة يستعظم تكفير المسلمين وإن فعلوا ما فعلوا فلما جلس للتدريس والتف حواليه ما يزيد على أربعمائة ما بين متعلم ومستمع أخذ يبين وجوب عداوة أعداء الله ويوضح تكفير الكافرين ثم قال:
غير أن أناسًا أعمى الله قلوبهم لا يكفرون الكافرين وإذا لم يكفر من كفره الله ورسوله فمن يقع عليه التكفير أتكفر هذه الأسطوانة ويضرب بيده عليها أم تكفر البهائم وهؤلاء العمي ليسوا ببعيدين ارفع قدمك لا تطاهم فخجل المعترض وتاب.
وأتى إليه رجل من خاصة إخوانه، وكان في هم وغم، وجعل يشكو إليه فعال قريبه وإساءته إليه ومقاطعته، وإنه أبي إلا الفرقة والمنافرة، فقال له يا بني أشكر الله وأكثر من حمده أن جاءت القطيعة منه لا من قبلك، واعلم يا بني أن الله لا يضيع أحدًا فإن كان قد خرج من الاجتماع وفقدت مساعدته في النفقة فسيرزقك الله ويغنيك من سعته، فقام من عنده منشرح الصدر وكان عاقبته حميدة.
وجاء إليه بعض إخوانه وقد عزم على الزواج فطلب منه الوصية فقال:
يا بني إذا أتيت أهلك فقل لهم هذه زوجتي قد شق علي مهرها فيجب أن تتحملوا منها ما يصدر منها، وإذا خلوت بزوجتك فأوصها بحشمة أهلك وقل هؤلاء أهلي وأقربائي ويجب عليك إكرامهم، أما إذا كنت مع أهلك على زوجتك، أو كنت مع زوجتك على أهلك فإنك لا تسوسهم، ويا بني يومًا ثم يومًا والأجل قريب.
وكان يرضي المجانين والمرأة والطفل على قدر عقولهم، وكم كربة فرجها برأيه، ومشكلة أوضحها بالحجج والبراهين، فهو طبيب القلوب، ومن فوائده تنجلي الكروب.
ولما توفاه الله تعالى صلى عليه المسلمون ضحي في جامع بريدة وازدحم الرجال والنساء وأقبلوا كأنهم السيل المنهمر، وقد حضر جنازته خلق
كثير ودفن في المقبرة الجنوبية، وكان الذي تولى إمامة الناس أخوه (فضيلة الشيخ عمر) وحزن لموته أهل الإسلام في المشارق والمغارب وصلي عليه بالنية في أنحاء المملكة العربية.
انتهى كلام الشيخ إبراهيم بن عبيد (1).
وروى الأستاذ ناصر بن سليمان العمري بعض الأخبار عن الشيخ عبد الله بن سليم فقال:
الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم رجل عالم متواضع لا يهتم بجمع الدنيا، تولى قضاء البكيرية من بلدان القصيم ودرس فيها ثم عينه الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قاضيًا لمدينة بريدة، وقاضي بريدة هو مرجع قضاة بلدان القصيم، وهو الذي يقوم بتعيين أئمة المساجد في المدن والقرى وهجر البادية.
ولهذا فعمله كبير يقتضي استقبال الناس في غير أمور القضاء كما إنه يدرِّس طلبة العلم في جامع بريدة وفي بيته.
وقبل موقعة السبلة اختاره الإمام عبد العزيز آل سعود لمفاوضة رؤساء البدو الذين بدرت منهم بادرة الخروج على طاعة ولي أمرهم الإمام عبد العزيز آل سعود، فزار رؤساءهم ونصحهم وفاوضهم ونبههم إلى وجوب طاعة ولي أمر المسلمين وحذرهم من سفك دماء المسلمين والتعدي عليهم وحذرهم من سوء نتيجة عصيان ولي الأمر وكانوا يتأثرون بكلامه ويحترمونه إلا أن البعض من سفهائهم والذين يميلون إلى تفريق كلمة المسلمين ليصطادوا في الماء العكر، كانوا يقولون له: تكلمي يا جنيهات وهو أبعد ما يكون عن الطمع بالمال.
حدثني رجل ثقة قال: أعطى الملك عبالعزيز آل سعود للشيخ عبد الله بن محمد بن سليم كيس نقود فضة فأمر بوضعه في غرفة بمجلسه ولم يغلق عليه
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 3، ص 273 - 279.