الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأخلاق الجميلة، والأمور التي ما رأيتها، كملت في غيره، وقد رأيت من كرم أخلاقه، وحسن عشرته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير فطنته، وكمال مروءته، وكثرة حيائه، ودوام بشره، وعزوف نفسه عن الدنيا وأهلها، والمناصب وأربابها: ما قد عجز عنه كبار الأولياء؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره"؛ فقد ثبت بهذا أن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى نفعه إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك وأحسن: ما كان جِبلَّةً وطبعاً؛ كالحلم، والكرم، والعقل، والحياء، وكان الله قد جبلهَ على خُلُقٍ شريفٍ، وأفرغ عليه المكارم إفراغاً، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال.
قال: وكان لا يناظر أحدًا إلا وهو يتبسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيح يقتل خصمه بتبسمه.
قال: وأقام مدة يعمل حلقة يوم الجمعة بجامع دمشق، يناظر فيها بعد الصلاة، ثم ترك ذلك في آخر عمره، وكان يشتغل عليه الناس من بكرة إلى ارتفاع النهار، ثم يقرأ عليه بعد الظهر، إما من الحديث، أو من تصانيفه إلى المغرب، وربما قرأ عليه بعد المغرب وهو يتعشى، وكان لا يُرِي لأحدٍ ضَجَراً، وربما تضرر في نفسه، ولا يقول لأحد شيئًا.
•
ذكر شيء من كراماته:
قال سبط ابن الجوزي: حكى أبو عبد الله بن فضل الأعتاكي قال: قلت في نفسي: لو كان لي قدرة، لبنيت للموفق مدرسة، وأعطيته كل يوم ألف درهم، قال: فجئت بعد أيام، فسلمت عليه، فنظر إليَّ
وتبسم، وقال: إذا نوى الشخصُ نية، كُتبَ له أجرُها.
وحكى أبو الحسن بن حمدان الجرائحي قال: كنت أبغض الحنابلة؛ لما شُنِّعَ عليهم من سوء الاعتقاد، فمرضت مرضاً شنج أعضائي، وأقمت سبعة عشر يوما لا أتحرك، وتمنيتُ الموت، فلما كان وقت العشاء، جاءني الموفق، وقرأ علي آيات، وقال:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] ، ومسح على ظهري، فاحسست بالعافية، وقام، فقلت: يا جارية! افتحي له الباب، فقال: أنا أروح من حيث جئت، وغاب عن عيني، فقمتُ من ساعتي على بيت الوضوء، فلما أصبحتُ، دخلت الجامع، فصليت الفجر خلف الموفق، وصافحته، فعصر يدي وقال: احذر أن تقول شيئًا، فقلت: أقول وأقول.
وقال قوام جامع دمشق: كان ليلة يبيت في الجامع، فتفتح له الأبواب، فيخرج ويعود، فتغلق على حالها.
وحدث العفيف كتائب بن أحمد بن مهدي البانياسي بعد موت الشيخ الموفق بأيام قال: رأيت الشيخ الموفق على حافة النهر يتوضأ، فلما توضأ أخذ قبقابه، ومشى على الماء إلى الجانب الآخر، ثم لبس القبقاب وصعد إلى المدرسة -يعني: مدرسة أخيه أبي عمر-، ثم حلف كتائب بالله لقد رأيته، وما لي في الكذب حاجة، وكتمت ذلك في حياته، فقيل له: هل رآك؟ قال: لا، ولم يكن ثَمَّ أحد، وذلك وقت الظهر. فقيل له: هل كانت رجلاه تغوص في الماء؟ قال: لا، إلا كأنه يمشي على وطاءٍ رحمه الله.