الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْوَقْفِ
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ، انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنتفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أَجِدْ مَالًا أَحَبَّ إِلَيَّ وَلا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهَا، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُوَرَّثُ، وَلا يُوهَبُ"، قَالَ: فتصَدَّقَ عُمَرُ في الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فيهِ (2)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (3).
(1) رواه مسلم (631)، كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في "ط": "متحول".
(3)
رواه البخاري (2586)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الوقف، ومسلم =
الْوَقْفُ: تَحْبِيسُ الأَصْلِ، وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ.
وَتَصِحُّ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الْوَقْفِ، مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجدًا في دَارِهِ، وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ في الصَّلاةِ فيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَيَأذَنَ في الدَّفْنِ فِيهَا، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: لا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ.
وَأَلْفَاظُهُ الصَّرِيحَةُ: وَقَفْتُ، وَحَبَّسْتُ، وَسَبَّلْتُ.
وَالْكِنَايَةُ: تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ.
فَإذَا أَتَى بِالْكِنَايَةِ، لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ حَتَّى يَنْوِيَهُ، أَوْ يَضُمَّ إِلَيْهِ أَحَدَ أَلْفَاظِهِ البَاقِيَةِ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْفِ، فَيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، أَوْ صَدَقَةً لا تُبَاعُ وَلا تُوهَبُ.
وَلا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فتحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
وَيَصِحُّ في كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُها وَيُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا دَائِمًا.
وَلا يَصِحُّ تَعْلِيقُ ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ عَلَى شَرْطٍ.
وَإِنْ عَلَّقَ انْتِهَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ (1)، فَقَالَ: وَقَفْتُ دَارِي إِلَى سَنَةٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَنْتَقِلُ بَعْدَ السَّنَةِ إِلَى قَرَابَةِ الْوَارِثِ.
= (1632)، كتاب: الوصية، باب: الوقف، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(1)
في "ط": "على انتهائه شرطًا".
وَهَلْ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْوَقْفِ إِخْرَاجُهُ عَنْ يَدِ الْوَاقِفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ.
وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَمْلِكُهُ.
وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صُوفَهُ وَثَمَرَهُ وَلَبَنَهُ، وَتَزْوِيجَ الْجَارِيَةِ، وَأَخْذَ مَهْرِهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، كَانَ وَقْفًا مَعَهَا، وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا، فَلا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَهُوَ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَري بِهَا عَبْدًا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَتَكُونُ قِيمَتُهَا في تَرِكَتِهِ يَشْتَرِي بِهَا أَمَةً تَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا.
وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي مَكَانَهُ، وَالْمَهْرُ لأَهْلِ الْوَقْفِ.
وَإِنْ أَتْلَفَ الْوَقْفَ إِنْسَانٌ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ جِنَايَة، فَالأَرْشُ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ في كَسْبِ الْوَقْفِ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ غَلَّتِهِ.
وُينْظَرُ في الْوَقْفِ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَأَهْلُ الْوَقْفِ، وَقِيلَ: الْحَاكِمُ.
وَإذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ، صَحَّ -نَصَّ عَلَيْهِ-.
وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ.
وَإِنْ وَقَفَ ثُلُثَهُ في مَرَضِ مَوْتهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ لا يَجُوزُ، صَحَّ، وَيَنْصَرِفُ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ إِلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ.
وَإذَا قَالَ: وَقْفٌ، وَسَكَتَ، صَحَّ، وَيَنْصَرِفُ إِلَى أَقَارِبِ الْوَارِثِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَساكِينِ.
فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لايَجُوزُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، فَإِنْ كَانَ مَنْ لا يَجُوزُ لا يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ، انْصَرَفَ في الْحَالِ إِلَى مَنْ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ، كَعَبْدٍ، احْتَمَلَ ذلِكَ -أَيْضًا-، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى أَقَارِبِ الْوَارِثِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ يَجُوزُ.
فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، (1 فَرَدَّ المَعَيَّنُ، بَطَلَ في حَقِّهِ، وَلَمْ يَبْطُلْ في حَقِّ المَسَاكينِ (1).
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ، وَلا يَصِحُّ عَلَى حَرْبِيٍّ، وَلا مُرْتَدٍّ، وَلا كَنِيسَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا، وَلا عَلَى مَنْ لا يَمْلِكُ، كَالْعَبْدِ، وَالْحَمْلِ، وَلا مَجْهُولٍ؛ كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ.
وَإذَا وَقَفَ عَلَى ثَلاثَةٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، رَجَعَ نَصِيبُهُ إِلَى الآخَرِينَ.
(1) ما بينهما ساقط من "ط".
وَإذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لَمْ يَزِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي (1) الآخَرِ: يَجُوزُ.
* * *
(1)"في": ساقطة من "ط".