الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في آدابِ الْقَاضِي
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، وَيَسْأَلَ عَنْ حَالِ الْبَلَدِ الَّذِي قُلِّدَ الْحُكْمَ فيهِ، وَعَنْ حَالِ مَنْ فيهِ مِنَ الْعُدُولِ وَالْفُضَلاءِ، وَيَقْصِدَ الْجَامِعَ، فَيُصَلِّيَ فيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَجْلِسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.
فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ، أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِىَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فَيُنَادِي: مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الْقَاضِي، فَلْيَحْضُرْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَيَنْفُذُ فَيَتَسَلَّمُ (1) دِيْوَانَ الْحُكْمِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَيَخْرُجُ الْيَوْمَ الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فيهِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ، وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ في وَسَطِ الْبَلَدِ في مَكَانِ فَسِيحٍ؛ كَالْجَامعِ، أَوِ الْفَضَاءِ، أَوْ دَارٍ كَبِيرَة، وَيَسْتَعِينُ بِاللهِ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوهُ سِرّاً أَنْ يَعْصِمَهُ.
وَينْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ الْفَقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ،
(1) في "ط": "فيسلم".
فَيُشَاوِرَهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ، حَكَمَ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ، وَلَمْ يُقَلِّدْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ.
وَلا يَتَّخِدُ حَاجِباً وَلا بَوَّاباً إِلَّا في مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَيَعْرِضُ الْقُصَصَ، فَيَبْدَأُ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، فَإِنْ حَضَرَ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَشَاحَّا، قُدِّمَ السَّابِقُ بِالْقُرْعَةِ، ولا يُقَدَّمُ السَّابِقُ في أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ.
وَيَتَّخِذُ كَاتِبا عَدْلاً عَالِمًا حَافِظًا مَجْلِسَهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ، وَيَجْعَلُ الْقِمَطْرَ مَخْتُومًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِراً، قَدَّمَ عَلَيْهِ الْمُسْلمَ في الدُّخُولِ، وَرَفَعَهُ في الْجُلُوس، وَقِيلَ: يُسَوِّي بَيْنَهُمَا في الْجُلُوسِ، وَلا يُسَارِرُ أَحَدَهُمَا، وَلا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِيِ، وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى خَصْمِهِ أَنْ يُنْظِرَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ، وَلَهُ حُضُورُ الْوَلائِمِ؛ فَإِنْ كَثُرَتِ عَلَيْهِ (1)، امْتَنَعَ عَنْ
حُضُورِهَا.
وَلا يُجِيبُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ.
وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَكّلَ في ذَلِكَ مَنْ لا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسهِ، وَلا لِوَالِدَيْهِ، وَلا وَلَدِهِ، وَلا رَقِيقِهِ، وَيَحْكُمُ لَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ.
(1)"عليه": ساقطة من "ط".
وَيُوصِي أَعْوَانَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَالرِّفْقِ، وَيَجتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخاً أَوْ كُهُولاً مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالْعِفَّةِ.
وَيَنْبَغِي أَلَّا يَحْكُمَ إِلَّا بِمَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، وَلا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلا في شِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ وَالْوَجَعِ وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤلمِ وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ، وَمُدَافَعَةِ الأَخْبَثَيْنِ.
فَإِنْ حَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ، نَفَذَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَنْفُذُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَحْبهُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1) وَمُسْلِمٌ (2).
وَأَوَّلُ مَا يَنْظُرُ في أَمْرِ الْمُحَبَّسِينَ، فَيَأْمُرُ أَنْ يُكْتَبَ اسْمُ كُلِّ مَحْبُوسٍ في رُقْعَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَمَنْ حَبَسَهُ؟ وَفِيمَ حَبَسَهُ؟ وَيُنَادِي في الْبَلَدِ أَنَّهُ يَنْظُرُ في أَمْرِهِمْ غَداً، فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ، فَلْيَحْضُرْ في غَدٍ، فإذَا كَانَ الْغَدُ، حَضَرَ الْقَاضِي، وَأَخْرَجَ رُقْعَةً فَقَالَ: هَذِهِ رُقْعَةُ فُلانٍ، فَمَن خَصْمُهُ؟ فَإذَا حَضَرَ خَصْمُهُ، نَظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ حُبسَ في تُهَمَةٍ أوِ افْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي، خَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ (3) لَم يُعْرَفْ لَهُ خَصْمٌ، وَقال: حُبِسْتُ
(1) رواه البخاري (6739)، كتاب: الأحكام، باب: هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟، ومسلم (1717)، كتاب: الأقضية، باب: كواهة قضاء القاضي وهو غضبان، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(2)
"ومسلم": ساقطة من "ط".
(3)
"إن": ساقطة من "ط".
ظُلْما، نَادَى الْقَاضِي لِذلِكَ ثَلاثاً، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ خَصْمٌ، وَإِلَّا حَلَفَ وَأُطْلِقَ.
ثُمَّ يَنْظُرُ في أَمْرِ الأَيْتَامِ وَالْوَصَايَا وَالْوَقْفِ.
ثُمَّ يَنْظُرُ في حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، نَقَضَ أَحْكَامَهُ، وَلَوْ وَافَقَتِ الصَّحِيحَ.
فَإِنِ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ الْقَاضِي قَبْلَهُ، رَاسَلَهُ، فَإِنْ قَالَ: إِنَّما يُرِيدُ تَبْدِيلي وَالتَّشَفِّيَ مِنِّي، لَمْ يَحْضُرْ حَتَّى يُبَيِّنَ لِما ادَّعَاهُ أَصْلًا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ لا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ لِما ادَّعَاهُ أَصْلًا وَإِنْ (1) بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: يُحْضِرُ كُلَّ مَنِ ادَّعَى، وَهِيَ اخْتِيَارُ الأَصْحَابِ.
وَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي بِغَيْرِ يَمِينٍ.
وَإذَا عُزِلَ الْقَاضِي مَعَ صَلاحِيتِهِ، أَوْ مَات الْمُوَلِّي لَهُ، فَهَلْ يَنْعَزِلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ، فَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاء عَلَى الْوَكِيلِ.
* * *
(1)"وإن": ساقطة من "ط".