الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في طَرِيقِ الْحُكْمِ
إذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الْخَصْمَانِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ الْمُدَّعِي؟ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِيا؛ فَإِنْ سَبق أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى، قُدِّمَ، وَإِنِ ادَّعَيَا معاً، قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَلا تُسْمَعُ إِلَّا دَعْوَى صَحِيحَةٌ مُجَرَّدَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ؟ فَإِنْ أقرَّ لَهُ، لَمْ يَحْكُمْ لَهُ حَتَى يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ، وَإِنْ أَنْكَرَ، سَأَلَ الْمُدَّعِي: ألكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإنْ قَالَ: مَا لي بيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَميِنِهِ إِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إِحْلافَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إِنْ لَمْ تَحْلِفْ، قَضَيْتُ عَلَيْكَ، ثَلاثاً، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا.
وَاخْتَارَ (1) أَبُو الخَطَابِ: أَنَّهُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَقَدْ صَوَّبَهُ فَقَالَ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ، فَيُقَالُ لِلْمُنْكِرِ: رُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ رَدَّهَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعِي، حَكَمَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا، صَرَفَهُمَا، فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَبَذَلَ الْيَمِينَ، لَمْ
(1) في "ط": "قال".
يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى يَتَحَاكَمَا في مَجْلِسٍ آخَرَ، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً، فَقَالَ شَاهِدَانِ: نَحْنُ نشهَدُ لَكَ، فَقَالَ: هذَانِ بَيِّنَتِي، (1 سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْهَدا لَهُ، لَمْ يُطَالَبْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (1).
وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ، وَأُرِيدُ يَمِينَهُ، فَهَلْ يَحْلِفُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ فَسَقَةً، قَالَ الْقَاضِي: زِدْنِي شُهُوداً، وَإِنْ كَانُوا عُدُولاً، فَارْتَابَ بِشَهَادَتِهِمْ، فَفَرَّقَهُمْ، ثُمَّ سَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؟ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ وَمَوْضِعٍ؟ وَهَلْ تَحَمَّلْتَهَا وَحْدَكَ؟ فَإِنِ اخْتَلَفُوا، تَوَقَّفَ، وَإِنِ اتَّفَقُوا، وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ، فَإِنْ ثَبَتُوا، اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ فُلانٌ وَفُلانٌ، وَقَدْ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا عَلَيْكَ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَمْرٌ (2) يَقْدَحُ فِيهِمَا، فَإِنْ جَرَّحَهُمَا، كُلِّفَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْجَرْحِ، وَلا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّراً بِمَا يَقْدَحُ، نَحْوَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ (3) يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ، فَإِنْ طَلَبَ الإِمْهَالَ لِيُخَرِّجَ الشُّهُودَ، أَوْ لِيُقِيمَ بينَةً بِالْقَضَاءِ أَوِ الإِبْراءِ، أُمْهِلَ الْيَوْمَيْنَ وَالثَّلاثَةَ، وَلِلْمُدَّعِي مُلازَمَتُهُ حَتَّى يُثْبِتَ الْجَرْحَ.
فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ عَدَالَةَ الشُّهُودِ، احْتَمَلَ أَنْ يَحْبِسَهُ، وإِنْ أَقَامَ شَاهِداً، أَوْ سَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الآخَرِ،
(1) ما بينهما ساقط من "ط".
(2)
في "ط": "تثبت أمراً".
(3)
"أنه": ساقطة من "ط".
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ في الْمَالِ، حَبَسَهُ، وَإِنْ كَانَ في غَيْرِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
وَيَحْكُمُ بِالإِقْرَارِ في مَجْلِسِهِ إذا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ إِلَّا وَاحِدٌ، حَكَمَ لَهُ -نَصَّ عَلَيْه-.
وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَحْكُمُ بِهِ.
وَهَلْ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فَإنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ، قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ، وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلاً، وَحَكَمْتُ عَلَيْكَ، وُيرَدِّدُهُ عَلَيْهِ ثَلاثاً، فَإِنْ قَالَ: لي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فيهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُدَّعِيَ إِنْظَارُهُ، فَإِنْ قَالَ: لِي بيِّنَةٌ أُقِيمُهَا بِالْقَضَاءِ أَوِ الإِبرَاءِ، أُمْهِلَ إِلَى (1) ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَلِلْمُدَّعِي مُلازَمَتُهُ حَتَّى يُقِيمَهَا، فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ، وَلَمْ يَبَرَّ، وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاه.
فَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مُسْتَتِرٍ في الْبَلَدِ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَهُ بَيِّنَتُهُ، حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَهَلْ يَحْلِف الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَهُمْ عَلَى حُجَجِهِمْ.
وَإِنِ ادَّعَى عَلَى ظَاهِرٍ في الْبَلَدِ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ، سُمِعَتِ الْبيِّنَةُ عَلَيْهِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَتَقَدَّمُ إِلَى مَنْزلهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَدْعِي فُلاناً، فَأَخْبِرُوهُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِاسْتِتَارُ، أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ في الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ حَتَّى يَحْضُرَ.
(1)"إلى": ساقطة من "ط".
فَإِنِ اسْتَعْدَى عَلَى غَائِبٍ في الْبَلَدِ في مَوْضِعٍ لا حَاكِمَ فيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُ، سَوَاءٌ أَبَعُدَتِ الْمَسَافَةُ أَوْ قَرُبَتْ.
فَإِنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ، تَقَدَّمَ إِلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ وَلا تَحْضُرَ؛ فَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ، أَرْسَلَ إِلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا.
وَلا يُقْبَلُ في التَّرْجَمَةِ وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ وَالرِّسَالَةِ إِلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ.
وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ.
وَإذَا قَالَ الْحَاكِمُ: قَدْ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلانٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ وَحْدَهُ، وإنِ اذَعَى أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ، فَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي، فَشَهِدَ عَدْلانِ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ لَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُمَا (1)، وَنَفَذَ الْقَضَاءُ.
وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلانِ بِحَقٍّ، وَنَسِيَ، فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِذَلِكَ، قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا.
فَإنْ وَجَدَ في قِمَطْرِهِ وَتَحْتَ خَتْمِهِ صَحِيفَةً بِخَطِّهِ فِيهَا حُكْمُهُ، لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى يَذْكُرَهُ.
وَعَنْهُ: يَنْفُذُ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في الشَّاهِدِ إذا عَرَفَ خَطَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَةَ.
وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لا يُزِيلُ الشَّيءَ عَنْ صِفَتِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(1) في "ط": "منه".
"إِنَكمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ (1) مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً، فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" رَوَاهُ مسلمٌ (2).
وَعَنْهُ: يَزُولُ الْفُسُوخُ وَالْعُقُودُ، وَلا يَنْقُضُ الْحَاكِمُ اجْتِهَادَهُ بِاجْتِهَادِهِ.
* * *
(1)"له": ساقطة من "ط".
(2)
رواه البخاري (2534)، كتاب: الشهادات، باب: من أقام البينة بعد اليمين، ومسلم (1713)، كتاب: الأقضية، باب: بيان أداء حكم الحاكم لا يغير الباطن.