الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة، مع أن هذا هو رأي الطوفي - الذي يزعم أنه لم يُسبق له، فأين تجد عليه إجماعاً.
وقد تتبعت أبرز تطبيقاته (1) وأثبت أنه إنما يتعلق بشبه لا بدليل وأن الصحابة لم يغيروا ولم يبدلوا، ولم يتبعوا مجرد المصلحة، ووجوه الرأي من غير التفات إلى الأصول، فإذا أضفت هذا مع ما قرره الباحثون من أن أحداً من الأئمة لا يقدم رعاية المصلحة على النص وبقي الطوفي على زعمه وخروجه عن الإِجماع واتباعه غير سبيل المؤمنين وسقطت محاولة الشلبي وغيره من الباحثين الذين بذلوا جهداً جباراً لإِحياء سقطة الطوفي (2) وجعلها ديناً يتبع، يريد صاحب رسالة التعليل أن يستمسك به ويخالف عليه علماء الأصول المعتبرين.
المطلب الخامس
مناقشته في رده لضوابط المصلحة عند الأصولين
قال: "والأصول في نظري غالبها بحوث نظرية جاءت وليدة الزمن، اضطر إلى وضعها أتباع المذاهب المقلدون ضبطاً لمذاهب أئمتهم ودفاعاً عنها في مجالس المناظرات فجاءت ملتوية حسبما يُوجه إليها من الطعون والاعتراضات"(3).
ويقارن بين طريقة الصحابة والأصوليين فيقول:
" .. إن الصحابة رضي الله عنهم عللوا بالمصالح ابتداء من غير تقييد بأصل معين يردون إليه الحوادث، وهؤلاء -أي الأصوليين- عنوا عناية تامة
(1) انظر ما سبق ص 460 - 461 من الرد على محمد شلبي في التطبيقات التي ذكرها.
(2)
بل زاد صاحب رسالة التعليل ص 370 الطين بلة، وزعم أن المصلحة تقدم على النص ويترك بها جميع أفراده، وتقدم على الإِجماع، وتعطل النص ولا تنسخه، وهذا المذهب أقبح من مذهب الطوفي، انظر مقارنة بينهما في نظرية المصلحة 111 - 113.
(3)
رسالة التعليل 4.
بالبحث عن الأصول المعينة بل كانوا يبحثون عن علل تلك الأصول لأجل القياس عليها ما وقع وما لم يقع وشتان بين الأمرين" (1).
ثم أخذ في ذكر السبب الذي يراه تفسيراً لاعتماد الأصوليين على أصل معين:
فقال: " .. هذا - في نظري - هو سر عناية الأصوليين بالرد إلى أصل معين في تعليلهم، فعلوا ذلك ليدفعوا عن أنفسهم تهمة التشريع بالهوى أولاً، وليوفروا على ذلك الفقه التقديري أحكامه ثانياً، وليأمنوا الخطأ في الاستنباط والتخريج ثالثاً، كما قال إمام الحرمين: "إنه لم يصح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبط المصالح التي تنتهض عللًا للأحكام، ولا إطلاق تعليق الحكم بكل مصلحة تظهر للناظر وذي رأي، فمسالك الضبط النظر في مواقع الأحكام مع البحث عن معانيها، فإذا لاحت وسلمت تبين أنه معنى متلقى من أصول الشريعة وليس حائداً عن المآخذ المضبوطة، فهذا هو المسلك الحق في درك وقوع المعنى في ضبط الشرع، ولهذا رد الحذاق (يعني من الأصوليين) إلى أصل معين، فإن صاحبه يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشارع بمثلها" (2) ويعتبر الشلبي أن كلام الجويني اعتذار عن منهج الحذاق من الأصوليين يمكن أن يقبله هو مع أنه لا يسلّم ولا يرجع عما وصف الأصوليين به، فالخطأ متحقق فيما فعلوه من طلب الأوصاف الظاهرة واتباعها، وطلب أصل معين يردون إليه العمل بالمصلحة، يقول مناقشاً القائلين باشتراط رد المصلحة إلى أصل معين: "وَيرُدُ على هؤلاء أن الأدلة قامت على اعتبار المصلحة وإن لم تستند إلى أصل معين، فدعوى قيام الدليل على انتفاء العمل بها بناء على عدم الدليل الدال على اعتبارها مجرد كلام لا يسنده برهان، (وكلامه هذا مع الأصوليين) وأما مسألة الضبط التي قالوا، فاحتياط يُسلم لهم لو كان له ركن يعتمد عليه، أما وأنه أمر مخترع لم ينقل لنا عن أحد من الصحابة الذين هم القدوة في كل شيء بعد
(1) رسالة التعليل 151.
(2)
رسالة التعليل 153 - البرهان 710 - 715 - 742.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ير لواحد منهم في مجالس الاستشوار تمهيد أصل واستثارة معنى، ثم بناء الواقعة عليه، ولكنهم يخوضون في وجه الرأي من غير التفات إلى الأصول كانت أو لم تكن" (1).
وبناء عليه فإنه يرى أن اعتماد الضبط أمر مخترع لم ينقل عن أحد من الصحابة فلا حرج عليه في رده.
ويعتبر أن الأصوليين جافوا منهج الصحابة وسعوا إلى ضبط منهج الاستدلال رغبة منهم في هذه الأمور:
1 -
ليدفعوا عنهم تهمة التشريع بالهوى.
2 -
ليأمنوا الخطأ في الاستنباط.
3 -
ليأمنوا الخطأ في التخريج.
هذا هو الذي يسعى المؤلف إلى إثباته - رفع ضوابط المصلحة واتباع وجوه الرأي دون إلتفات إلى الأصول كانت أو لم تكن.
وفيما ذكرناه من منهج أهل السنة في الاستدلال - عند مفردات المسائل الأصولية التي تحدثت عنها فيه كفاية لنقض هذه الدعوى.
ولننتقل نقلة أخرى نصحح فيها نصوص أهل العلم التي تعجل المؤلف في نقلها وفهمها، كما صححنا نقله عن الإِمام الشاطبي عند دراسة موضوع القياس.
فنقول - وبالله التوفيق - إن النص الذي نقله عن الجويني قد عزله عن بقية النصوص التي وردت في كتاب البرهان، وأمر آخر وهو أنه نقل هذا النص نقلاً غير صحيح واجتهد في تصحيح النسخة التي نقل عنها ..
وإليك النص كما جاء في "البرهان" مع الاكتفاء بالإِحالة على بقية نصوص الكتاب التي تسنده:
(1) رسالة تعليل الأحكام 293.
قال الجويني: "فإنه لم يصح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبط المصالح التي تنهض عللاً للأحكام، ولا إطلاق تعليق الحكم بكل مصلحة تظهر للناظر وذي رأي، فمسلك الضبط: النظر في مواقع الأحكام مع البحث عن معانيها، فإذا لاحت وسلمت تبين أنه معنى متلقى من أصول الشريعة، وليس حايداً عن المآخذ المضبوطة.
فهذا هو المسلك الحق في درك وقوع المعنى في ضبط الشرع، ولهذا رد الحذاق (الاستدلال الذي لا يستند) إلى أصل، فإن صاحبه لا يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشرع بمثلها" (1).
والسبب الذي أوقع المؤلف في الخطأ، أنه حذف من كلام الجويني قوله:"فإن صاحبه لا يأمن من وقوعه .. " حذف كلمة "لا" ليصبح الكلام: "فإن صاحبه يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشارع بمثلها".
وأقول أن النص الذي نقله - مع أنه اجتهد فيه كما أشار هو (2) إلّا أنه مع ذلك لا يدل له على ما أراد، وإليك تحليل نص البرهان سواء بقراءة محققه الأستاذ عبد العظيم الذيب، أو بقراءة صاحب كتاب تعليل الأحكام وذلك في النقاط التالية:
1 -
أن القراءة واحدة ما عدا حذف كلمة "لا" أو عدم حذفها.
2 -
أن النص ورد فيه صراحة أن الصحابة لا يتبعون كل مصلحة تظهر للناظر ولا يطلقون ذلك، وليس عندهم ضبط للمصالح يمنع من اتباع كل
(1) مسألة رقم 787، وقارن بين هذا النص وبين ما ورد في مسألة رقم 760، 715 ومنه قوله عن الصحابة:"وقد أوضحنا بالنقل المتواتر عنهم أنهم كانوا يقدمون ويثبتون الأحكام على وجوه الرأي واعتبار المسكوت عنه بالمنصوص" وهذا كلام صريح في أنه يعتقد أن الصحابة يبنون اجتهاداتهم على الأصول الشرعية، ترى لو أن المؤلف تروى في فهم النص ومراجعة النصوص الأخرى هل ينسب إلى الصحابة - رضوان الله عليهم - تلك المقالة.
(2)
رسالة تعليل الأحكام 153.
مصلحة تظهر لذي رأي إلا اتباعهم لمواقع الأحكام ومعانيها، فإذا لاح لهم المعنى وسلم عن المعارضة تبين أنه متلقى من أصول الشريعة، وليس حائداً عن المآخذ المضبوطة.
وهذا الذي نقول إن النص دل عليه هو نص كلام الجويني في موضع قريب من هذا فقد قال عن الصحابة: "أنهم كانوا يتلقون معاني ومصالح من موارد الشريعة يعتمدونها في الوقائع التي لا نصوص فيها، فإذا ظنوها، ولم يناقض رأيهم فيها أصل من أصول الشريعة أجروها"(1).
3 -
أن الزيادة التي بين المعكوفين قد وردت في نسخة أخرى كما أشار المحقق، وهي تفيد المعنى السابق آنفاً وكذلك النص الذي نقله "شلبي"، فما أورد المحقق يفيد أن الحذاق من الأصوليين ردوا الاستدلال الذي لا يستند إلى أصل، وذلك لأن صاحبه لا يأمن وقوعه في الخطأ، وكذلك النص الآخر يفيد المعنى نفسه وهو أن الحذاق ردوا إلى أصل معين لأن صاحبه يأمن وقوعه في الخطأ.
وهذا معنى ما قلته آنفاً أن المعنى متسق على كلتا القراءتين، والنصوص الأخرى تؤكد ذلك كما أسلفت، ولا نكتفي بما نقلناه، من البرهان، بل نشير إلى ما نقله صاحب تعليل الأحكام في كتابه حيث نقل كلام الجويني من أن الصحابة "كانوا يرسلون الأحكام ويعلقونها في مجالس الاستشوار بالمصالح الكلية"(2) ويقصد الجويني بالمصالح الكلية الشريعة التي دلت عليها النصوص، فلا بد من البناء على أصل شرعي إذاً ..
ومن هنا نعلم فساد قول المؤلف: "بقي أن يقال أن الصحابة رضي الله عنهم عللوا بالمصالح ابتداء من غير تقييد بأصل معين يردون إليه الحوادث، وهؤلاء (يعني الأصوليين) عنوا عناية تامة بالبحث عن الأصول المعينة، بل كانوا
(1) البرهان: مسألة 760.
(2)
تعليل الأحكام 152.
يبحثون عن علل تلك الأصول لأجل القياس عليها ما وقع وما لم يقع، وشتان ما بين الأمرين" (1).
وهذا كله منه إنكار على الأصوليين الرد إلى أصل معين، ورغبة منه في تفسير هذا الأمر الذي يتعجب منه (2) ويعتبره -كما مر معنا قوله من قبل- أمراً مخترعاً لا حرج عليه في رده.
بقي أن نفسر السبب الذي حمله على الاعتماد على كلام الجويني ظناً منه أنه يساعده على مسلكه الفاسد، وعنده ندرك سبب الاضطراب الذي يظهر من مجموع نصوصه.
فنقول إن الإِمام ابن الجويني وهو يعرض منهج الإِمام الشافعي في الاستدلال بالمصالح، نسب إليه أنه يقول:"من سبر أحوال الصحابة رضي الله عنهم وهم القدوة والأسوة في النظر لم يكن لواحد منهم في مجالس الاستشوار تمهيد أصل واستثارة معنى، ثم بناء الواقعة عليه، ولكنهم يخوضون في وجوه الرأي من غير إلتفات إلى الأصول، كانت أو لم تكن"(3).
فأخذ الدكتور شلبي هذا النص وعزاه لإبن الجويني (4).
وهذا يفسر اضطرابه، وفيما مضى كفاية للرد عليه ولا بأس أن نشير هنا إلى أن ما نسبه ابن الجويني إلى الشافعي يخالف المشهور عنه في كتابة الرسالة فإنه شديد الضبط لعملية الاجتهاد بحيث تكون اعتماداً على نص أو معناه (5)، فكيف ينسب إليه مثل هذا.
(1) تعليل الأحكام 151.
(2)
تعليل الأحكام 153.
(3)
البرهان: مسألة رقم 1134.
(4)
انظر تعليل الأحكام 151.
(5)
الرسالة 70. وانظر نظرية المصلحة 307 وما بعدها.
على أنه قد ثبت أنه ليس أحداً من الأئمة يعارض النصوص بالمصلحة، ويبنيها على غير أصل (1).
والصحابة هم أشد حرصاً منهم ومحافظة على مقصود الشارع، والأئمة مدركون لذلك، وملتزمون به (2).
قال الدكتور حسين حامد مبيناً مقصد الجويني: "قوله أن أحداً من الصحابة لم يكن يعمد إلى تمهيد أصل واستثارة معنى ثم بناء الواقعة عليه يعني - والله أعلم - الأصل الذي يدل على الحكم نصاً، أو المعنى الجزئي الذي يشهد النص لعينه لا مطلق الأصل والمعنى، وإلّا فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفتون على الأصول التي شهدت لجنس المصلحة التي يستندون إليها في الفتوى بمصلحة جزئية، وإن كانوا لا يذكرون هذه الأصول، وذلك لمعرفة الصحابة، وقد تذوقوا الشريعة، بمثل هذه الأصول، فالذي يقصده إمام الحرمين أن الصحابة ما كانوا يذكرون الأصل الذي يدل لفظاً على الحكم، وما كانوا يلجأون إلى بيان مصلحة جزئية من نوع المصلحة التي يفتون بها وإنما كانوا يكتفون بالمصلحة الكلية"(3).
وهذا التفسير حسن، فمن استحسنه فذاك، ومن لم يستحسنه فليعد على عبارة الجويني بالتصحيح، لأن المعنى الذي ذُكر آنفاً لا يخالف فيه أحد، ولا يقبل المراجعة، إذ هو المعلوم من فقه الصحابة والأئمة.
وقد أحسن أئمة السلف، لما ضبطوا أصولهم في الاستدلال وميزوها عن مسالك أهل الأهواء، ونحن نذكر ببعض البدهيات التي كانوا يجتمعون عليها لنرد مقالة الدكتور "شلبي" التي اعتدى فيها على الأصوليين، من ذلك:
(1) نظرية المصلحة 607.
(2)
انظر ما سبق البناء على غير أصل 266 - 384.
(3)
نظرية المصلحة 356 - 357.
1 -
ألّا يقدم بين يدي الله ورسوله، وأن العبرة بما دلت عليه النصوص ولا عبرة بما يخالفها من رأي ومصلحة.
2 -
إذا لم يوجد نص في المسألة اتبع المجتهد المعنى الشرعي ورده إلى الأصول الشرعية، وأن من رد إلى غير أصل فقد اتبع الهوى.
3 -
أن العقل ليس بشارع، وأن الرأي الذي يعارض الشريعة مذموم بالإِجماع ولو زعم له الناس أنه المصلحة والمنفعة.
4 -
وأن ترك هذا المنهج الذي نقله الأئمة من الصحابة والتابعين وحكوا عليها الإِجماع - رمى في عماية واتباع لغير سبيل المؤمنين (1).
ولذلك لما انحرفت عنه الفرق الضالة (2)، ضلت وأضلت وهلكت، فلم تبق في يديها شريعة ثابتة ولا شاملة، وإنما استحوذت عليها الأهواء فكانت هي بضاعتها فورثتها لمن بعدهم ممن اتبع ضلالتهم.
ومن علم حال الفرق - كيف هلكت وأهلكت - وعلم أن سبب ذلك هو اتباع مسلك في الاستدلال لا قرار له ولا ضابط من الشرع، علم خطورة عبارة صاحب "تعليل الأحكام" فيما ينسبه إلى الصحابة، وعلم عظم خطئه، أيضاً في استغرابه على الأصوليين اتباعهم للأصول المعلومة، وردهم المصلحة إليها، مبتعدين عن الوقوع في التشريع بالهوى، سالمين من الخطأ في الاستنباط.
ومن عجب أن يرى أن صنيع الأصوليين هذا حدث يستحق التنبيه والنقد، وأن صنيعه وصنيع الطوفي يستحق الإِشادة والمدح، وأنه هو الطريق لتحقيق شمول الشريعة.
(1) انظر موقف الأصوليين العتبرين من المسالك الفاسدة ص 265 وما بعدها.
(2)
أما المعتزلة فقد اتبعت العقل فضاعت في أودية الضلال .. وأما الخوارج فقد اتبعت بعض الظواهر دون أن تعرضها على الآيات والأحاديث الأخرى فضاعت في أودية الضلال أيضاً، والمرجئة كذلك، وهكذا في بقية الفرق كالصوفية فقد اتبعت الكشف والرؤى فهلكت في وحدة الوجود وسقوط التكاليف.
والحق أن رفع ضوابط منهج الاستدلال - سواء ما يخص المصلحة أو غيرها - عمل جد خطير، ولا يهوّن من خطورته الخوف من أخطاء بعض الأصوليين الذين غرقوا في الجدل، وابتاع مسائل لا يبنى عليها عمل (1)، ولا الخوف من القائلين بمنع التعليل ونفي القياس، ولا الرغبة في أن تكون الشريعة شاملة لجميع المدنيات (2) ولا أي شيء آخر.
ذلك أن معالجة المسائل الشرعية ينبغي أن تضبط بمنهج متوازن وأن الأطراف المذمومة لا سبيل إلى الخروج عن أخطائها إلّا بإلتزام منهج وسط هو منهج أهل السنة في الاستدلال، ومن أبرز معالمه:
1 -
أنه الطريق إلى المحافظة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
2 -
أنه الطريق المحقق في عالم الواقع ثبات الشريعة وشمولها.
3 -
أن فيه الجواب الشافي عن الآراء التي ترفض القياس.
4 -
أن فيه الجواب الشافي عن الآراء التي تتبع المصالح التي تعارض النص والإِجماع وتقول بتبديل الأحكام وتغييرها.
5 -
أن فيه السلامة من الوقوع في مسالك الفرق الضالة أو التأثر بها في التفكير والاستنباط (3).
وهذا المنهج هو الذي نحتاج إلى التعرف عليه، والتعريف به وردّ ما يخالفه لأنه هو الطريق الوسط الذي يحفظ لنا تلك المعالم.
وإن هذا الذي نقول به وندعوا إليه، ليس فيه حجراً على من يريد التصحيح لما تضمنته كتب الأصول من أخطاء، لأنا نقول أن ذلك واجب ومتعين، وقد بينت في هذه الرسالة أن هناك من الأمور ما يحتاج إلى تصحيح،
(1) الموافقات 1/ 17.
(2)
انظر قوله في رسالة التعليل 12.
(3)
انظر ما سبق من كشف مسالكهم الفاسدة. ص 183 - 265.
واخترت في ذلك سبيل السلف الأول في تلك الأمور التي درستها (1)، ولكن الذي أنبه عليه هنا أن حاجتنا لتصحيح أصول الفقه حتى نميّز أصول أهل السنة عن أصول أهل الأهواء لا تعني أننا سنخبط خبط عشواء، ونقول أن الجدل غلب على أصول الفقه فلننصرف عن الضوابط ونتبع المصالح والآراء التي لا تشهد لها الشريعة بالقبول، كلّا، لأن أصول الفقه عند أهل السنة هو الأداة التي يحفظ بها العقل المسلم من الأهواء، ولذلك ضلت الفرق لما حادت عن أصول أهل السنة في ذلك واتبعت المسالك الفاسدة، ولا سبيل إلى سلامة الهدف - الذي هو تصحيح مسار أصول الفقه وإخراجه من آثار أهل الأهواء وطبيعتهم في الجدل ومخالفة السنة، لا سبيل إلى ذلك إلّا بالرجوع إلى الأمر الأول الذي كان قبل نشوء الأهواء، وفيه من الصحة والسلامة وحسن الأداء ووضوح الغاية واتباع السنة الخير الكثير، وقد وسع والحمد لله من قبلنا في أمورهم جميعاً فليسعنا ما وسعهم، ولنستمر في بيانه والبناء عليه دون أن نضل عنه.
فمن طلب هذا الهدف وجب على كل أحد معونته، وقد حاولت أن أذكّر بأصول أهل السنة في الاستدلال في كل موضع بحسبه، وفي ذلك رد تطبيقي على مقالة صاحب كتاب "تعليل الأحكام" ومن سلك مسلكه، وطلَبِهِ التصحيح - بزعْمِهِ - ليرفع الضوابط وينشر المسالك الفاسدة، ويحيي الآراء الشاذة - متخذاً من الجدل الذي غلب على أصول الفقه - سلماً يصل بها إلى مبتغاه، فهذا لن نقبل منه هذه الوسيلة ولن ننخدع بهذه الغاية، فإنه لا بد من صدق الغاية وسلامة الوسيلة.
(1) ومن الأمور التي تحتاج إلى دراسة وتصحيح التأكيد على عزل آثار الاعتزال عن أصول الفقه، لأن هؤلاء لهم أصول خاصة في تلقي العقيدة، وقد أحاطوا بها أصول الفقه من كل جانب، فلا بد من تمييز أصول السنة عن أصول البدعة، ابتداء من نقض أصولهم في وجوب النظر العقلي وتحكيمه في العقيدة والشريعة وانتهاء بطريقة الكتابة وأسلوب الأداء والبناء في كل ذلك على منهج الجيل الأول الذي وقع في مخالقه أهلُ الأهواء وتميزوا عنه فلا بد إذاً من التميز عنهم والحذر من آثارهم.