الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخصيصًا إلا تجوزًا (1)، فكيف ينتصر الشاطبي لمسلك المتكلمين وهو يعلم أن ما ذهب إليه هو منهج السلف وعليه تدل اللغة وهو بيان في الحقيقة لا تخصيص حتى عند مخالفيه، وإنما قالوا بتضعيف العمومات وأدخلوا المخصصات عليها ثم اختلفوا في حجيتها بعد تضعيفها بسبب التزامهم طرقًا في الاستدلال ليست مثل الطريق الذي سلكه الإِمام الشاطبي، فكيف ينصرهم على مثل هذا.
والحقيقة -التي سنذب عنها إن شاء الله بالبينة الظاهرة أن الخلاف بين منهج الشاطبي الذي تابع فيه منهج السلف في الاستدلال وبين مسلك المتكلمين يشبه الخلاف بين علماء الكلام وعلماء السلف، وفي هذا التنبيه كفاية في هذا الموضع. وسيأتي له زيادة بيان وتأكيد في المطلب الثاني، وهو عرض طريقة المتكلمين ومناقشتها.
المطلب الثاني
طريقة المتكلمين ومناقشتها
الفرع الأول
ذكر طريقة المتكلمين
(2)
وهم جمهور المتكلمين من أتباع المذاهب الثلاثة: المالكية والشافعية والحنابلة، وبعض الحنفية (3).
(1) انظر قول الغزالي وتعليق دراز عليه بما يساعد الشاطبي هامش الموافقات 3/ 272.
(2)
اقتصرت هنا على عرض طريقة المتكلمين لأنها منسوبة إلى جمهور الأصوليين من ناحية، ومقابلة لطريقة الشاطبي من ناحية أخرى، وأما طريقة الحنفية وهي القول بأن دلالات عمومات القرآن والسّنة قطعية فتعتبر مساعدة لطريقة الشاطبي من جهة القطع بالعمومات.
(3)
التوضيح وشرحه التلويح 1/ 38 وما بعدها، وكشف الأسرار 1/ 304، وحاشية البناني 1/ 413 وما بعدها، ومُسَلم الثبوت 1/ 264 - 265، وشرح الكوكب المنير 1/ 114. وانظر رسالة الدكتوراه للدكتور علي عباس الحكمي "تخصيص العام" 35، وهناك بعض الملاحظات التي يمكن أن ترد على بعض ما قرره في الاستدلال لمذهب المتكلمين وفي نسبة قولهم إلى مذهب الإِمام الشافعي وسيأتي ذكر بعضها في الهامش الذي بعد هذا.
قالوا: إن دلالة العمومات القرآنية والسنّية ظنية (1)، واستدلوا: "بأن
(1) تبين فيما سبق من البحث أن مصطلح "الظنية" عند المتكلمين حادث، ومن هنا لا وجه لنسبته إلى أئمة أهل السنة كمالك وأحمد والشافعي، وقد درج كثير من الأصوليين على نسبة مفردات مسلك المتكلمين إلى هؤلاء الأئمة، من ذلك ما نحن فيه فقد قالوا إن الإِمام الشافعي يقول بظنية العمومات -مع أن بعض الشافعية نقلوا عن إمامهم القول بالقطيعة "تخصيص العام" 37. ومع ذلك فقد اعتمد الذين خالفوا في هذا على دليلين اثنين:
الأول: أن من أعلام المذهب من لم يصحح هذه النسبة، تخصيص العام 37.
الثاني: أن ذلك مخالف لمنهج الشافعي في الاستنباط، فقد عرف عنه حمل ظواهر القرآن على مقتضى أخبار الآحاد، وهي ظنية الثبوت ولا يصح حمل العمومات على هذه الأخبار مع القول بقطعيتها، تخصيص العام 37.
والجواب عن الأول: أن النسبة إن لم يصححها أحد أعلام المذهب فقد ذكرها الأبياري شارح كتاب البرهان لإمام الحرمين وحكاه إمام الحرمين في أول كتابه المذكور ونقله أيضًا الأصفهاني شارح المحصول وذكر الماوردي نحوه أيضًا "تخصيص العام"37.
الثاني: أن القول بالقطعية لا ينافي منهج الإِمام الشافعي، لأنه قرر في "الرسالة" تثبيت خبر الواحد. وانظر ما سبق ص 164 - 166، نعم ينافي مسلك المتكلمين لأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم عندهم، وهذا هو الفارق بين منهج الإِمام الشافعي وطريقة المتكلمين، وما يفرضه بعض الباحثين من أن أخبار الآحاد ظنية عند الشافعي ومالك وأحمد، فرض غير صحيح بل ثبت فيما سبق أن أئمة السلف يستدلون بها على العقيدة ص 144، ومع هذا يأتي هؤلاء الباحثون وينسبون إليهم القول بظنية العمومات ويلزمونهم بطريقة المتكلمين، وهذا في الحقيقة إقحام لمسلك المتكلمين على أصول أئمة السلف، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأقحموا مسلك المتكلمين على أصول الصحابة - رضوان الله عليهم - على فرض أن الصحابة يقولون بظنية أخبار الآحاد ويأخذون هذه النسبة مسلمة بلا برهان، مع أن البرهان العلمي قام على ضدها كما بينه الإِمام الشافعي والأشعري وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ممن نقل مذاهب الصحابة والأئمة. انظر ما سبق ص 167 ويبنون على هذه النسبة أن الصحابة يقولون بأن العمومات ظنية، تخصيص العام 43، وفي الحق أن الصحابة لا هم قائلون بهذا ولا بذاك وأن المسلك الذي فرضت به طريقة المتكلمين على أصول الصحابة رضي الله عنهم مسلك لم تثبت له حجة، فلا ثبت أنهم يقولون بأن أخبار الآحاد ظنية ولا ثبت ذلك عن أحد من السلف ومن ثم فإن ما رتب على هذا الذي ليس بثابت يكون غير ثابت أيضًا. =