الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكونوا من الممترين، وأخبرهم سبحانه أن أهل الكتاب يعلمون أن هذه الشريعة هي الفيصل بين الحق والباطل في حياة الناس، وإن لم يتبعوها (1) كما قال تعالى:
المطلب الرابع
الدليل الثالث على الشمول
وذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3).
الفرع الأول
ذكر كلام المفسرين في معنى الإكمال
والمعنى الذي تدل عليه هذه الآية كما قال ابن عباس والسدي رضي الله عنهما وغيرهما أن الله أتم لعباده هذا الدين وأكمله فلا يحتاجون إلى غيره أبداً، ولا يحتاجون إلى زيادة فيه أبداً.
وترجم له الطبري بقوله: "اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم أَيُّها المؤمنون فرائضي عليكم وحدودي، وأمري إياكم ونهيي وحلالي وحرامي وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه بوحي على لسان رسولي والأدلة التي نصبتها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم فأتممت لكم جميع ذلك فلا زيادة فيه بعد اليوم
…
" (4).
(1) جامع البيان: 8/ 8.
(2)
سورة الأنعام: آية 114 وقد ذكر القرطبي أن المقصود بأهل الكتاب اليهود والنصارى وذكر وجهين آخرين - انظر 7/ 70.
(3)
سورة المائدة: آية 3.
(4)
6/ 79 وقد اختار رحمه الله، تفسيراً آخر ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
وهو اختيار ابن كثير كما نقله عن ابن عباس قال: "اليوم أكملت لكم دينكم" وهو الإِسلام أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإِيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً" (1).
وقد فصل الأستاذ سيد قطب هذا المعنى فقال: "أكمل الله هذا الدين فما عادت فيه زيادة لمستزيد وأتم نعمته الكبرى على المؤمنين بهذا المنهج الكامل الشامل، ورضي لهم "الإِسلام" ديناً فمن لا يرتضيه منهجاً لحياته إذن فإنما يرفض ما ارتضاه الله للمؤمنين
…
إن المؤمن يقف أولًا: أمام إكمال هذا الدين يستعرض موكب الإِيمان وموكب الرسالات، وموكب الرسل منذ فجر البشرية ومنذ أول رسول - آدم عليه السلام إلى هذه الرسالة الأخيرة، رسالة النبي الأمي إلى البشر أجمعين
…
فماذا يرى؟ .. يرى هذا الموكب المتطاول المتواصل، موكب الهدى والنور ويرى معالم الطريق على طول الطريق ولكنه يجد كل رسول - قبل خاتم النبيين - إنما أرسل لقومه، ويرى كل رسالة - قبل الرسالة الأخيرة - إنما جاءت لمرحلة من الزمان .. رسالة خاصة لمجموعة خاصة في بيئة خاصة .. ومن ثم كانت كل تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه متكيفة بهذه الظروف .. كلها تدعوا إلى إله واحد -فهذا هو التوحيد- وكلها تدعوا إلى التلقي عن هذا الإِله الواحد والطاعة لهذا الإله الواحد - فهذا هو الإِسلام - ولكن لكل منها شريعة للحياة الواقعية تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف
…
حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر أرسل إلى الناس كافة رسولًا خاتم النبيين برسالة "للإِنسان" لا لمجموعة من الأناسي في بيئة خاصة في زمان خاص في ظروف خاصة .. رسالة تخاطب الإِنسان من وراء الظروف والبيئات والأزمنة لأنها تخاطب فطرة الإِنسان التي لا تتبدل ولا تتحور ولا ينالها التغير:
(1) تفسير ابن كثير 2/ 13.
…
وفصّل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة "الإِنسان" من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها، وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان، وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان
…
وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة "الإِنسان" منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات لكي تستمر وتنمو وتتطور وتتجدد حول هذا المحور وداخل هذا الإِطار وقال الله سبحانه للذين آمنوا:
فأعلن لهم إكمال العقيدة وإكمال الشريعة معاً فهذا هو الدين .. ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين - بمعناها هذا - نقصاً يستدعي الإِكمال ولا قصوراً يستدعي الإضافة (3) ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير .. وإلّا فما هو بمؤمن وما هو بمقر بصدق الله وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين!
إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن هي شريعة كل زمان لأنها بشهادة الله شريعة الدين الذي جاء "للإِنسان" في كل زمان وفي كل مكان
(1) سورة الروم: آية 30.
(2)
سورة المائدة: آية 3.
(3)
قارن بين هذا وبين خطبة الإِمام عمر بن عبد العزيز وتعليق الإِمام الشاطبي فيما سبق ص 126 تجده جميعاً يخرج من مشكاة واحدة.