الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة والسلام -، فأحكمها سبحانه فهي موصفة بصفة الثبات والبقاء" (1).
هذا ما ورد في اللغة عن معنى الثبات، وهو المعنى الشرعي الذي أقصده هنا، فما جاء به الوحي من عند الله سواء باللفظ أو المعنى دون اللفظ وانقطع الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم ينسخ فهو ثابت محكم له صفة البقاء والدوام لا تغيير له ولا تبديل، وهو كذلك أبداً إلى يوم القيامة، وإليك الأدلة في المطالب الآتية.
المطلب الثاني
الدليل الأول على ثبات الشريعة
قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2).
قال الإِمام ابن كثير رحمه الله مبيناً معنى هذه الآية: "صدقاً فيما قال وعدلاً فيما حكم، يقول: صدقاً في الأخبار وعدلاً في الطلب، فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل، فإنه لا ينهى إلّا عن مفسدة، كما قال تعالى:
{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} (3). إلى آخر الآية.
{لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الأخرة، {وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوال عباده {الْعَلِيمُ} بحركاتهم وسكناتهم الذي يجازي كل عامل بعمله" (4).
وهذا الحق والصدق والعدل الثابت التام الذي لا مبدّل له والذي تمثله هذه "الشريعة الربانية" يقابله الضلال والظنون والباطل الذي تحمله شرائع
(1) أحكام القرآن 2/ 3 - 4 لأبي بكر الجصاص - الطبعة الناشر.
(2)
سورة الأنعام: آية 115.
(3)
سورة الأعراف: آية 157.
(4)
تفسير ابن كثير 2/ 168 - 169، وانظر جامع البيان للطبري 8/ 9 - 10.
البشر وأهوائهم. فبعد أن قرر الله سبحانه أن كتابه هو الحق الثابت الذي لا مبدّل له. بيّن سبحانه أن أكثر أهل الأرض لا يتبعون إلّا الظن والأوهام والباطل والضلال.
وهذا الظن والوهم باطل وضلال لا قرار له ولا ثبات.
وترجم الأستاذ سيد قطب هذا المعنى في تفسيره فقال: "لقد تمت كلمة الله سبحانه صدقاً فيما قال وقرر، وعدلاً فيما شرع وحكم فلم يبق بعد ذلك قول لقائل في عقيدة أو تصور أو أصل أو مبدأ أو قيمة أو ميزان ولم يبق قول لقائل في شريعة أو حكم أو عادة أو تقليد
…
إنه ليس "المجتمع" هو الذي يُصْدر هذه الأحكام وفق اصطلاحاته المتقلبة
…
ليس المجتمع الذي تتغير أشكاله ومقوماته المادية فتتغير قيمه وأحكامه
…
حيث تكون قيم وأخلاق للمجتمع الزراعي، وقيم وأخلاق أخرى للمجتمع الصناعي، وحيث تكون هناك قيم وأخلاق للمجتمع الرأسمالي البرجوازي، وقيم وأخلاق أخرى للمجتمع الاشتراكي أو الشيوعي
…
ثم تختلف موازين الناس وموازين الأعمال وفق مصطلح هذه المجتمعات!
الإِسلام لا يعرف هذا الأصل ولا يقره .. الإِسلام يعين قيماً ذاتية له يقررها الله - سبحانه - وهذه القيم تثبت مع تغيّر "أشكال" المجتمعات" (2).
هذا هو الأصل الذي يقرره القرآن، وهذه هي العقيدة التي يتميز بها الإِسلام عن سائر المذاهب البشرية، وتتميّز به شريعته كذلك عن سائر القوانين
(1) تفسير ابن كثير 2/ 169 - آية الأنعام 116.
(2)
في ظلال القرآن 3/ 1195 - 1196، وانظر تفسير ابن القيم لمعنى التثبيت فيما سبق ص 85.