الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العام قد كثر تخصيصه، وشاع قصره على بعض أفراده، حتى أصبح قولهم "ما من عام إلا وقد خصص" بمنزلة المثل، فنتج عن ذلك احتمال التخصيص في كل عام ولو لم يظهر ما يخصصه، وحيث قام احتمال التخصيص، وإرادة البعض انتفى القطع واليقين لأن القطع لا يثبت مع الاحتمال" (1).
وقد آثرت نقل الدليل -الذي ليس لهم غيره- بنصه حتى يكون ذلك أحكم وأوضح وأثبت في بيان حجتهم.
وبعد ذلك أعرض منهج الحنفية والشاطبي وابن تيمية في مناقشتها.
الفرع الثاني
مناقشة الحنفية والإِمام الشاطبي والإِمام ابن تيمية لطريقة المتكلمين
يتكون دليل المتكلمين من مقدمتين:
الأولى: وجود احتمال يمنع من قطعية دلالة العام.
الثانية: أن هذا الاحتمال ناشئ من وقوع التخصيص وكثرته حتى أصبح قولهم: "ما من عام إلّا وقد خصص" بمنزلة المثل.
والحنفية والشاطبي يردون هذا الاستدلال كل حسب طريقته، ويتفقون تارة في طريقة الجواب وسنبين ذلك، ويختلفون تارة أخرى، والمهم أنهم جميعًا بتساعدون على رد طريقة المتكلمين.
فالحنفية يردون المقدمتين معًا: وذلك أن الاحتمال المعتبر عندهم
= وراجع ما سبق عند نقل الاتفاق على أن خبر الواحد يحتج به في العقيدة ص 167 ولو تحرر كثير من الباحثين من مسلك المتكلمين في البحث والدراسة لتحرروا حينئذ من الفرضيات العقلية والاحتمالات التي لا دليل عليها وسلموا من إقحام مسلك المتكلمين على منهج الصحابة والأئمة.
(1)
"تخصيص العام" رسالة دكتوراه 38، وقد ذكر المؤلف أن هذا هو دليلهم الوحيد. وانظر المصادر الأصولية السابقة: التوضيح وشرحه 1/ 38، كشف الأسرار 1/ 304، حاشية البناني 1/ 413، مُسلَّم الثبوت 1/ 264 - 265، شرح الكوكب المنير 1/ 114.
هو الاحتمال الناشىِء عن دليل، وهذا الاحتمال الذي أُسست عليه طريقة المتكلمين ليس ناشئاً عن دليل فلا عبرة به (1).
وقد أجاب القائلون بالظنية بأن هذا الاحتمال ناشئ عن دليل هو وقوعٍ التخصيص وكثرته "فالاحتمال الناشئ عن هذه الكثرة إذا لم يكن راجحاً -لعدم ظهور القرينة الخاصة- فلا أقل من أن يكون احتمالًا مرجوحًا لجواز وجود القرينة مع خفائها وإذا وجد الاحتمال انتفى القطع"(2).
وجوابهم هو من معنى المقدمة الثانية، وهي التي ردها الحنفية أيضًا وكذلك الشاطبي، فقد خالفوهم في مثلهم المشهور "ما من عام إلّا وقد خصص" فهذه ليست مسلمة عند الحنفية، وليست مسلمة أيضًا عند الشاطبي وقد عارضها شيخ الإِسلام ابن تيمية أشد المعارضة:
قال الإِمام الشاطبي: ردًا على القائلين بالاستدلال بالعمومات على تحسين الظن لا على تحقيق النظر والقطع بالحكم قال: "وفي هذا إذا تؤمل توهين الأدلة الشرعية وتضعيف الاستناد إليها وربما نقلوا في الحجة لهذا الموضع عن ابن عباس أنه قال: ليس في القرآن عام إلا مخصص إلّا قوله تعالى:
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3).
وجميع ذلك مخالف لكلام العرب ومخالف لما كان عليه السلف الصالح من القطع بعموماته التي فهموها تحقيقًا بحسب. قصد العرب في اللسان وبحسب قصد الشارع في موارد الأحكام" (4).
(1) التلويح 1/ 39 - وتخصيص العام 39.
(2)
التحرير مع شرحه التيسير 1/ 269 وتخصيص العام 40، وستكون هناك مقارنة أذكرها إن شاء الله بين مسلك المتكلمين في نفي القطعية مطلقًا عن الأدلة -وقد سبق- وبين هذا الموضع.
(3)
سورة الحجرات: آية 16.
(4)
الموافقات 3/ 184.