الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
الدليل الثاني على الشمول
قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1).
قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره" اقسم يا محمد لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب يعنى القرآن الذي أنزله إليهم، يقول:"لقد أنزلنا هذا القرآن مفصلاً مبيناً فيه الحق من الباطل"(2).
ومثلها في المعنى عند القرطبي قوله تعالى:
{وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (3).
والمعنى أن هذا الكتاب جاء بتفصيل أحكام التكليف (4).
ومثلها قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (5).
قال الإِمام القرطبي: "وتفصيل كل شيء" مما يحتاج العباد إليه من الحلال والحرام والشرائع والأحكام" (6).
وقد أمر الله رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام أن يعلن هذه الحقيقة
(1) سورة الأعراف: آية 52.
(2)
جامع البيان في تأويل القرآن 8/ 203، الجامع لأحكام القرآن 7/ 217.
(3)
سورة الإِسراء: آية 12.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 10/ 228.
(5)
سورة يوسف: آية 111.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 9/ 277.
للناس كافة، لأنها من المعاني التي تضمنتها شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يستنكر ابتغاء غير الله حكماً كما قال سبحانه:
{أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} (1) الآية.
والمعنى: قل يا محمد لمن يعدل بالله غيره: "ليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه، لأنه لا حكم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه، وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً، يعني القرآن مفصلاً، يعني مبيناً فيه الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم .. "(2).
وهذه الدعوة التي خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم مخالفيه من أهل الشرك، ما زالت تُعرض على البشرية من خلال هذا القرآن، وعن طريق حملته الصادقين، أنه لا حكم أعدل من الله ولا قائل أصدق منه، ولا قبول ولا إذعان إلّا للشريعة الإِسلامية التي جاء بها هذا الكتاب الذي فصله الله فجعل فيه ما تحتاجه البشرية في عالم العقائد والقيم والأحكام.
ولا يحتاج من ابتغى الله حكماً لأي كتاب غير هذا الكتاب ولا لشريعة غير هذا الشريعة ولا لنظام غير نظام الإِسلام، ذلك لأن الله قد كفى المؤمنين مؤنة المسألة لمّا أنزل لهم تلك الآيات في ذلك الكتاب الذي فصله وبينه كما قال القرطبي (3).
وكفاية الشريعة أمر عقيدة لا يصح إسلام بدونه فمن ابتغى غير الله حكماً راضياً مختاراً فقد أعرض عن هذه الشريعة التي كفته مؤنة المسألة وكان من الممترين، والممتري هو الشاك وقد شهد المؤمنون وغير المؤمنين من أهل الكتاب بأن هذه الشريعة هي الحق وأمر الله نبيه -والخطاب يشمل المؤمنين- أن
(1) سورة الأنعام: آية 114.
(2)
جامع البيان عن تأويل القرآن: 8/ 8.
(3)
الجامع لأحكام القرآن: 7/ 70.