الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
القياس وقضية الثبات والشمول
توطئة:
المقصود من هذا الفصل بيان أثر العمل بالقياس (1) على إدراك ثبات الثريعة وشمولها، وقد علمنا فيما سبق أن المجتهد إما أن يدرك العموم اللفظي فيستفيد منه قوة في الدلالة على شموله لأفراد لايمكن أن تحصر، أو يدرك العموم المعنوي فيستفيد منه الحكم على جزئيات غير متناهية بقدر ما يعمل هذه العمومات ويرجع إليها دائماً.
(1) تعريفه لغة: القياس تقدير شيء على مثال شيء آخر وتسويته به، تقول: قست الثوب بالذراع إذا قدرته به، ويقال فلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه، إرشاد الفحول 198. تعريفه اصطلاحاً: للقياس تعريفات كثيرة منها: أنه "مساواة فرع لأصل لاشتراكهما في علة حكم شرعي لا تدرك بمجرد اللغة" تيسير التحرير 3/ 264. مثال ذلك: أن الشرع حرم الخمر لأنها مسكرة، فالخمر هي الأصل وحرمتها هي حكم الأصل، وعلة التحريم هي الإسكار.
فإذا نظر المجتهد فيما يشاكلها في علة الحرمة كالنبيذ مثلاً أو أي سائل فوجد أن علة التحريم وهو الإسكار موجودة فيه، فإنه يعتبر النبيذ فرعاً للخمر الذي هو الأصل ثم ينقل له حكم الأصل الذي هو الحرمة فيكون بذلك أعطى واقعة لا نص فيها - وهي شرب النبيذ - حكم واقعة منصوص على حكمها - وهي الخمر - لأنه استبان له اشتراكهما في العلة التي من أجلها حرمت الخمر ألا وهي الإِسكار فهذا هو القياس الشرعي.
وهنا نتحدث عن دلالة العمل "بالقياس" وهي تسير بنا - كما سنرى - في الطريق نفسه والحمد لله مؤكدة له ومقوية لأساسه.
ولأن القياس - مختلف في العمل به بين فقهاء الأمة فهم ما بين معتدل في العمل به، أو صاحب إفراط أو تفريط فيه.
ولكي ندرك كيفية دلالته على الثبات والشمول لا بد من أن نبين حجيته، ونساعد من جهة أخرى في تجلية بعض الشبه الواردة عليه، ولذلك سنحاول أن نجدد في طريقة إثبات القياس على منكريه، ونختار لهذا السبيل دراسة طريقة ابن القيم والشاطبي، وفيها من سهولة الأسلوب وقوة الحجة والاعتدال بين المتوسعين في القياس والصادين عنه ما يجعلها جديرة بهذا الموضع دون غيرها من الطرق التي سلكها القياسيون، إضافة إلى أن هذه الأخيرة مُسْتَوْعبة في كتب الباحثين.
ومن تمام البحث في هذا الموضع أن نقارن بين طريقة ابن القيم والشاطبي ونتعرف على وجه ارتباطها بمذهب الصحابة - رضوان الله عليهم -، وكل ذلك بما يناسب موضوع الثبات والشمول .. وبالله التوفيق.