الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
العموم (1) المعنوي
العموم المعنوي صنو العموم اللفظي، ودلالتهما على الشمول متشابهة وقد أشرت إلى أن "المعنوي" هو ما دلت مجموعة جزئيات تم استقرائها من مواضع كثيرة في الشريعة على معنى واحد فيجري حينئذ مجرى العموم المستفاد من الصيغ، وقد بينت وجه الإِعجاز التشريعي في ذلك (2).
وإفادته الشمول تكون بالاستدلال به على كل نازلة تَعنْ يمكن أن يدخلها المجتهد تحت عموم المعنى الذي استقرءه من الشريعة دون أن يحتاج إلى صيغة خاصة (3).
وقد عمل السلف الصالح به في مواضع كثيرة نقتصر منها على ذكر موضعين اثنين:
الأول: رفع الحرج.
الثاني: سد الذريعة.
الأول: أصل رفع الحرج:
وهو"كل ما أدى إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أوالمال حالًا
(1) انظر ما سبق ص 314.
(2)
انظر ما سبق ص 316.
(3)
الموافقات 3/ 192.
أو مآلا" (1) ورفعه إما بمنعه قبل وقوعه أو بإزالته بعد وقوعه (2).
وأدلة هذا الأصل مبثوثة في الكتاب والسنّة وأقوال الصحابة، من ذلك ما ورد في سورة المائدة:
ومنها ما ورد في سورة الحج:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (4).
ومنها آيات التيسير والتخفيف والرحمة:
{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (5).
وقوله تعالى لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام:
{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} (6).
واليسرى هي الحنفية السمحة أي الشرائع الموافقة لحاجات البشر، ومنها قوله تعالى:
(1) رفع الحرج في الشريعة الإِسلامية ضوابطه وتطبيقاته للدكتور صالح بن حميد، 1401 هـ جامعة أم القرى ص 49.
(2)
المرجع السابق 51.
(3)
سورة المائدة: آية 6.
(4)
سورة الحج: آية 78.
(5)
سورة البقرة: آية 185.
(6)
سورة الأعلى: آية 8.
(7)
سورة البقرة: آية 286.
وقد جاءت السنّة المطهرة ببيان أمور ثلاثة هامة تدل على رفع الحرج وهي:
1 -
بيان يسر هذا الدين وسماحته ورفع الحرج عنه (1).
2 -
في خشيته صلى الله عليه وسلم أن يكون قد شق على أمته (2).
3 -
في أمر الصحابة بالتخفيف ونهيهم عن التعمق والتشديد وإنكار ذلك (3).
وهذه تدل جميعها على أن رفع الحرج أصل مقطوع به (4)، يقول الإِمام الشاطبي وهو يستدل على العموم المعنوي "وإذا فرضنا أن رفع الحرج في الدين مثلاً مفقود فيه صيغة عموم فإنا نستفيده من نوازل متعددة خاصة مختلفة الجهات متفقة في أصل رفع الحرج، كما إذا وجدنا التيمم شرع عند مشقة طلب الماء والصلاة قاعدًا عند مشقة القيام والقصر والفطر في السفر والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر، والنطق بكلمة الكفر عند مشقة القتل والتأليم، وإباحة الميتة وغيرها عند خوف التلف الذي هو أعظم المشقات، والصلاة إلى أي جهة كانت لعسر استخراج القبلة، والمسح على الجبائر والخفين لمشقة النزع ولرفع الضرر، والعفو في الصيام عما يعسر الاحتراز منه من المفطرات كغبار الطريق ونحوه إلى جزئيات كثيرة جداً يحصل من مجموعها قصد الشارع لرفع الحرج، فإنا نحكم بمطلق رفع الحرج في الأبواب كلها عملاً بالاستقراء فكأنه عموم لفظي"(5) أي يحكم به المجتهد على كل نازلة تعن له من غير اعتبار بقياس أو غيره من دليل خاص.
(1) المرجع السابق 82.
(2)
المرجع السابق 89.
(3)
المرجع السابق 90.
(4)
المرجع السابق 107، وقد ذكر المؤلف من الأدلة الجزئية وبين معانيها ونقل ما قاله السلف من الصحابة والتابعين في ما يقارب خمسين صحيفة، وكل ذلك يؤكد هذا المعنى -وهو رفع الحرج- ويجعله أصلاً شرعياً في الاستدلال.
(5)
الموافقات 3/ 189.