الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتعاون على استخراج الحق، فهو من قبيل التعاون على البر والتقوى ومن قبيل المشاورة المأمور بها فكلاهما مأمور به (1).
وإليك بيان طريقته في الاستدلال على القياس:
المطلب الأول
الأدلة على إثبات القياس
يعتمد الإِمام الشاطبي على الأدلة الكلية لإثبات القياس مبتعداً عن الجدل الذي وقع فيه كثير من الأصوليين، وعن المعالجة الجزئية لإِثبات الأصول الفقهية.
فالدليل الأول عنده هو دليل الاستقراء وهو المعتمد، فقد استقرأ الإِمام الشاطبي الشريعة من أكثر من موضع فاستقر عنده على سبيل العلم أن الأحكام شرعت لمصالح العباد، وأن تفاصيل العلل للأحكام قد انتشرت في القرآن والسنة، وهذا الاستقراء -كما يقول- لا يستطيع أن ينازع فيه أحد (2).
إجراء الاستقراء:
وردت آيات كثيرة في القرآن تبين أن الأحكام شرعت لمصالح العباد، ومن هذه الآيات:
1 -
ما ورد في بعثة الرسل الذين جاءوا بالشرائع وهم الأصل ومن ذلك قوله تعالى:
{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (3)
(1) الاعتصام 1/ 199.
(2)
الموافقات 2/ 3.
(3)
سورة النساء: آية 165.
(4)
الأنبياء 107 ومثلها في المعنى كثير من ذلك ما جاء في سورة القصص: آية 43، الروم 21.
فالرسل بعثوا رحمة للعباد، والرحمة بهم هي حفظ مصالحهم، فشرائع الرسل جاءت إذاً بمصالح العباد العاجلة والآجلة.
2 -
ما ورد في أصل الخلقة: فقد امتن الله على عباده بأنه إنما خلقهم لعبادته ووعدهم على ذلك الحياة الطيبة في الدنيا والثواب المقيم في الآخرة، وهذا معنى أن هذه الشرائع إنما جاءت لمصالحهم.
ومن هذه الآيات الدالة على هذا المعنى قوله سبحانه:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2).
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (3).
3 -
"وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى ومنها:
والآية جاءت بعد آية الوضوء، وقال في الصيام:
(1) سورة هود: آية 7.
(2)
سورة الذاريات: آية 56.
(3)
سورة الملك: آية 2.
(4)
سورة المائدة: آية 6.
(5)
سورة البقرة: آية 183.
وفي الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (1).
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (2).
وفي القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} (3).
ومقصود الشاطبي من هذه الأمثلة التنبيه كما قال، وأما حصر الآيات الواردة في الحكمة من إرسال الرسل، ومن خلق الإِنسان، والحياة، والموت، وكذلك التي ورد فيها ذكر تفاصيل العلل فإن ذلك يحتاج إلى كتاب جامع يحصرها وذلك لكثرة انتشارها في الكتاب والسنة (4).
وبهذا الاستقراء المقطوع باستمراره في تفاصيل الشريعة يثبت القياس والاجتهاد، قال الشاطبي:"فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد"(5).
ويقصد الشاطبي رحمه الله أن الاستقراء أفاد قطعاً أن الشارع قاصد بشريعته مصالح العباد، وأحكامه تتضمن هذه المصالح وعلى المجتهد أن يتعرف عليها بطرق الاستنباط المعروفة حتى يستطيع حمل الوقائع التي ليس فيها حكم شرعي على الوقائع التي نزك فيها حكم شرعي، وهذا هو القياس.
والقياس عنده لا معنى له: "إلا جعل الخاص الصيغة عام الصيغة في المعنى وهو معنى متفق عليه"(6).
(1) صورة العنكبوت: آية 45.
(2)
سورة الحج: آية 39.
(3)
سورة البقرة: آية 179، الموافقات 2/ 4.
(4)
وقد جمع الإِمام ابن القيم شئاً كثيراً منها وإن لم يحصرها. انظر أعلام الموقعين 1/ 130 - 218
(5)
الموافقات 2/ 4.
(6)
الموافقات 3/ 31.