الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الاحتجاج بالأدلة النقلية
توطئة:
نقصد بالأدلة النقلية "نصوص الكتاب والسنة" ويشمل ذلك السنة المتواترة (1) والأحادية (2)، وقد علمنا صحة إطلاق مصطلح الشريعة عليها.
ونقصد بالأحاد ما صح سنده وسلم من الشذوذ والعلة (3).
(1) المتواترة ما رواه جماعة من غير حصر تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، والصحيح عدم اشتراط العدد، والعبرة بما يحيط بالخبر من القرائن انظر نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر 19، الطبعة بدون.
(2)
والأحاد: هو ما نقله العدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ، المصدر السابق 29.
(3)
يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله: "وقد علم أن صحة الإسناد شرط من شروط صحة الحديث وليست موجبة لصحة الحديث، فإن الحديث إنما يصح بمجموع أمور منها صحة سنده وانتفاء علته وعدم شذوذه ونكارته وأن لا يكون راويه قد خالف الثقات أو شذ عنهم" الفروسية لإبن القيم 46، دار الكتب العلمية تصحيح عزت العطار، فإذا صح إسناد الحديث ووقع في متنه شذوذ وعلة لم يحتج به.
والمقصود بالسند: سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول، والمقصود بمتن الحديث ألفاظه التي تقوم بها معانيه، أصول الحديث علومه ومصطلحه الدكتور محمد عجاج الخطيب 32، دار الفكر الطبعة الرابعة.
وانظر هامش نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص 32 وقد سبق الحديث عن عصمة الأمة وهم أهل السنة - كل طائفة منهم فيما يخصها بحيث نعلم أن كل حديث تلقته بالقبول =
ونقصد بالاحتجاج بها أي قيام الحجة بها على الخلق على الإطلاق والعموم في العقيدة والشريعة، بحيث تثبت بها الأحكام ابتداء أو تخصيصاً ويزاد بالسنة على ما في القرآن.
وسندرس هذه القضية في هذا الفصل بما يناسب موضوع الكتاب، ذلك أن ثبات الأحكام الشرعية وشمولها يتفاوت قوة وضعفاً بحسب النظر لها.
فإن اعتقدنا قوة الأدلة على الاحتجاج أفادنا ذلك ولا شك ثباتاً وقوة في الحكم ومن جهة أخرى تحقق لنا الشمول بصورة أوسع وأعمق لأنا لم نغفل نوعاً منها ونوقف الاحتجاج به ولم نورده للاحتجاج على تحسين الظن ولم نترك العمل به في بعض المواطن، فإلى تصوير مذهب المقوين للأدلة المحتجين بها، ثم إلى تصوير مذهب مخالفيهم المضعفين لها الذين وصفوها بالظنية وأوقفوا الاحتجاج بها في الأصول وتعدى ذلك إلى تضعيف الاحتجاج بها على الأحكام الشرعية.
وسيكون منهجي في دراستها حسب التتبع التاريخي لموقف الفريقين.
وعلى ذلك فابدأ أولًا بالتعرف على عقيدة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وذلك من خلال دراسة الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على هذه المسألة.
ثم أنظر في مسلك مخالفيهم وأتتبع نشأته التاريخية وأزنه بالميزان العلمي الصحيح.
وسبب اختياري لهذا الترتيب أن هذه القضية لها منزلة خطيرة في الدين، فالقرآن والسنة مرجعان لها، وللصحابة والتابعين موقف منها ومن حيث النشأة
= حجة على الخلق لأنها معصومة عن الخطأ والضلال، وسيأتي لذلك زيادة بيان إن شاء الله عند الحديث عن الإِجماع في فصل مستقل، وانظر كلام ابن تيمية أن ما تلقته الأمة من الكتاب والسنة بالقبول حجة على الخلق قد عصمه الله من الخطأ والضلال - مجموع الفتاوى الكبرى 19/ 5 - 6 - 7 - 8.
التاريخية لا بد من الرجوع لهذين المصدرين (1) وبيان هذا الموقف، ثم بعد ذلك يأتي الموافقون والمخالفون، فأما الموافقون فلا نحتاج للنظر في مواقفهم إلّا زيادة بيان، وأما المخالفون فنعرض لمواقفهم، وهنا ندرس نشأة مخالفتهم وأسبابها وما لها وما عليها، وبهذا الترتيب تأخذ هذه القضية حقها من البحث والدراسة.
فإلى المبحث الأول: من هذا الفصل نبين فيه موقف المقوين للأدلة، ثم نتبعه بالمبحث الثاني وفيه عرض موقف المضعفين لها .. والله الموفق والمعين.
* * *
(1) وبهذا يتحدد منهج البحث بلا لبس، فإن أول مرجع لهذه القضية هو الكتاب والسنة، وقضيتنا قضية شرعية، هذا وصفها وذلك أصلها، وعلى ذلك يجب اتباع الدليل الشرعي المعرّف بها، ويجب رفض المنهج العقلي والتجريد اللغوي، يؤكد هذا ويقرره أن المعرف بموقف الصحابة والتابعين لهم بإحسان يجب أن يلتزم هذا المنهج لأنهم عليهم رحمة الله هم أول من التزمه وأما البحث العقلي فلا يعرفونه، وأما التجريد اللغوي فلا يصغون إليه لأنهم أعرف بمقاصد العربية واستعمالاتها، فأساس البحث وطبيعته يقتضيان الوقوف عند النظر الشرعي واطرّاح ما سواه، أما أساسه فالوحي وهو المصدر لبيان حقائق الدين وقضاياه، وأما طبيعته فلأنه يتحدث عن موقف الصحابة وهم عرب خلص لا صلة لهم بعلوم اليونان ولا بالتجريد اللغوي الصرف فلنتتبع المنهج القرآني مقتدين بطريقة السلف الأول في دراسة هذه القضية ونتعرف من خلاله على عقيدتهم، ونزن بذلك المنهج مواقف مخالفيهم والله الموفق والمعين.