الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشريعة في جميع الأعصار والأقطار والأحوال، فالمعاني التي تضمنتها الشريعة تعم جميع الحوادث وتسعها إلى يوم القيامة.
والمعنى اللغوي وهو العموم والسعة مناسب للمعنى المقصود هنا، فإذا شمل الأمر قالت العرب عم ووسع فكذلك الشريعة شاملة أي تعم وتسع جميع الوقائع والحوادث كما أسلفت آنفاً، وساذكر الأدلة القرآنية على تقرير هذا المعنى وذلك في المطلب الثاني والثالث والرابع.
المطلب الثاني
الدليل الأول على الشمول
وذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1).
ومعنى هذه الآية أن الله سبحانه لم يترك شيئاً إلّا وبينه للناس، وجعل في هذا الكتاب دلالة عليه:"إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام أو من الإِجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب" كما يقول الإِمام القرطبي (2).
وقد جمع رحمه الله مع هذه الآية قوله تعالى:
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (3).
وهو صنيع الإِمام الشاطبي في الموافقات حيث قال: "المسألة السادسة القرآن فيه بيان كل شيء
…
والدليل على ذلك أمور منها:
(1) سورة النحل: آية 89.
(2)
الجامع لأحكام القرآن: 6/ 420.
(3)
سورة الأنعام: آية 38، والمصدر نفسه.
النصوص القرآنية .. قوله تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1).
وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} . وقوله:
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (2).
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (3).
يعني الطريقة المستقيمة، ولو لم يكمل فيه جميع معانيها لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة وأشباه ذلك من الأيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلّا وفيه تبيان كل شيء" (4).
والآيات المذكورة تدل على ما قالاه، إلّا قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} فإنها لا تساعدهما على المعنى السابق إلاّ على تفسير من قال أن الكتاب هنا هو القرآن، وأما على الوجه الثاني وهو تفسير الكتاب بأنه اللوح المحفوظ فلا تفيد المطلوب (5). وأما الآيات الأخرى فمنها ما ذكر فيه "القرآن"
(1) سورة المائدة: آية 3.
(2)
سورة الأنعام: آية 38.
(3)
سورة الإسراء: آية 9.
(4)
الموافقات 3/ 244، ومثلها الآيات التي أمرت بتحكيم الوحي عند الاختلاف والتنازع وهي كثيرة جداً، ولو لم تكن الشريعة شاملة لما أمر الله بالرد إليها عند التنازع الذي يقع بين الشر في جميع المجتمعات، ومن ذلك قوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} النساء: 59. ولفظ {في شيء} نكره يعم كل شيء يتنازع فيه البشر في جميع الأعصار والأحوال. انظر تحكيم القوانين ص 1 للشيخ محمد بن إبراهيم - الطبعة الثانية 1403 - الرياض.
(5)
انظر الوجهين عند الفسرين وقد أشار إليهما القرطبي 6/ 420 كما أشار إليهما الشاطبي والسياق يدل على أن المراد اللوح المحفوظ، لأن السياق يتحدث عن المحاسبة والجزاء وهو تفسير ابن جرير 7/ 187 وتفسير ابن كثير 2/ 132.
صراحة، ومنها ما قرن فيها الكتاب بلفظ الإِنزال، وقد أنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام القرآن.
وقال الإِمام الشافعي رحمه الله عند قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} : "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلّا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"(1) والدلالة هنا إما نصاً أو جملة (2)، وهو المعنى الذي أشار إليه القرطبي آنفاً.
ويقول الإِمام الطبري عند تفسير هذه الآية: إنّ الله نزل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم "بياناً لكل ما بالناس إليه الحاجة من معرفة الحلال والحرام والثواب والعقاب "وهدى" من الضلالة "ورحمة" لمن صدّق به وعمل بما فيه من حدود الله، وأمره ونهيه فأحل حلاله وحرّم حرامه "وبشرى للمسلمين" يقول: وبشارة لمن أطاع الله وخضع له بالتوحيد وأذعن له بالطاعة يبشره بجزيل ثوابه في الآخرة وعظيم كرامته، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"(3).
وهذه الأدلة تدل دلالة قاطعة على شمول هذه الشريعة لجميع ما يحتاجه الناس في جميع المجتمعات على مر العصور وتغيّر الأحوال.
ولذلك سمّي القرآن: "فرقاناً وهدى وبرهاناً وبياناً وتبياناً لكل شيء وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإِطلاق والعموم"(4).
(1) الرسالة: 20.
(2)
الأم: 7/ 277.
(3)
جامع البيان عن تأويل القرآن 14/ 161 - 162.
(4)
الموافقات 3/ 232.