المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثالثاستخراج أهم القيود المختلف فيها وهل الفقه من المعلومات أو من الظنيات - الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

[عابد السفياني]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيدفي أهم خصائص الشريعة الإِسلامية بوجه عام

- ‌الباب الأولالشريعة الإِسلاميةثباتها وشمولها وحجيتها

- ‌الفصل الأولالشريعة الإِسلامية والفقه الإِسلامي

- ‌المبحث الأولالتعريف بمصطلح الشريعة الإِسلامية

- ‌المطلب الأولالمعنى اللغوي

- ‌المطلب الثانيالمعنى الشرعي

- ‌المبحث الثانيتعريف "الفقه الإِسلامي" وبيان الفرق بينه وبين "علم الكلام

- ‌المطلب الأولتعريفه في اللغة

- ‌المطلب الثانيتعريف الفقه في الاصطلاح وهل هو علم أو ظن

- ‌الفرع الأولذكر أهم التعريفات

- ‌الفرع الثانيالقيود المتفق عليها

- ‌الفرع الثالثاستخراج أهم القيود المختلف فيها وهل الفقه من المعلومات أو من الظنيات

- ‌الفرع الرابعالمناقشة

- ‌الفرع الخامسمقارنة بين "علم الكلام" و"علم الفقه

- ‌المبحث الثالثالفرق بين "الفقه" و "الشريعة

- ‌الفصل الثانيالمقصود من الثبات والشمول والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الأولالمقصود من الثبات والأدلة على ذلك

- ‌المطلب الأولمعنى الثبات في اللغة

- ‌المطلب الثانيالدليل الأول على ثبات الشريعة

- ‌المطلب الثالثالدليل الثاني

- ‌المطلب الرابعالدليل الثالث

- ‌المطلب الخامستطبيقات على منهج الصحابة - رضوان الله عليهم - في المحافظة على ثبات الأحكام

- ‌المبحث الثانيالمقصود من الشمول والأدلة على ذلك

- ‌المطلب الثانيالدليل الأول على الشمول

- ‌المطلب الثالثالدليل الثاني على الشمول

- ‌المطلب الرابعالدليل الثالث على الشمول

- ‌الفرع الأولذكر كلام المفسرين في معنى الإكمال

- ‌الفرع الثانيذكر كلام الشاطبي في معنى الإِكمال

- ‌الفرع الثالثحاصل كلام أهل العلم في معنى الإِكمال

- ‌الفرع الرابعذكر بعض الشبه والجواب عنها

- ‌الفصل الثالثالاحتجاج بالأدلة النقلية

- ‌المبحث الأولقوّة الأدلّة النقلية

- ‌المطلب الأول

- ‌المطلب الثانيالاستقراء يثبت أن هذه البينات والجوامع لا بد من العلم والعمل بها معًا

- ‌المطلب الثالثالشريعة هي الحجة على الخلق على الإِطلاق والعموم

- ‌الفرع الأولذكر رواية البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما

- ‌الفرع الثانيذكر حديث معاذ كما رواه مسلم

- ‌الفرع الثالثذكر روايتي البخاري عن البراء وأنس رضي الله عنهما

- ‌المطلب الرابعذكر اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك كما نقله الثقات من أهل العلم

- ‌المطلب الخامسذكر أوصاف الشريعة

- ‌الفرع الأولأوصاف الشريعة كما بينها الشاطبي

- ‌الفرع الثانياعتراض وجوابه

- ‌المبحث الثانينشأة القول بتضعيف الأدلة النقلية

- ‌المطلب الأولحقيقة هذه المقالة وموقف الخوارج والمرجئة منها

- ‌المطلب الثانينشأة هذه المقالة على يد المعتزلة

- ‌الفرع الأولمقالة واصل بن عطاء رأس المعتزلة (80 - 151)

- ‌الفرع الثانيتطور فكر المعتزلة على يد أبي الهذيل العلاف(توفي سنة 232 ه

- ‌الفرع الثالثتطورها مرة أخرى على يد النظام

- ‌المبحث الثالثأهم الأسباب التي ساعدت على انتشار القول بالظنية

- ‌المطلب الأولموقف الخوارج من رد السنة

- ‌المطلب الثانيموقف الفلاسفة وبيان وجه ارتباط تلك البدعة به، وذكر شبهة المعتزلة ومتكلمة الأشاعرة

- ‌المطلب الثالثمناقشة شبهة المخالفين والجواب عنها بأكثر من وجه

- ‌الباب الثانيالاجتهاد وأهم طرقه وقضيّة الثبات والشمول

- ‌الفصل الأولالاجتهاد وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولحكمه وحكمته وأثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المبحث الثانيأنواع الاجتهاد وأثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المطلب الأولتنقيح المناط

- ‌المطلب الثانيتخريج المناط

- ‌المطلب الثالثتحقيق المناط

- ‌المبحث الثالثأذكر أهم شروط الاجتهاد وأثرها على الثبات والشمول

- ‌المطلب الأولالعلم بلغة العرب

- ‌المبحث الرابعضوابطه وأثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المطلب الأولالبناء على غير أصل

- ‌المطلب الثانيالجهل بلغة العرب

- ‌المطلب الثالثالاعتماد على "العقلى واتباع المتشابه

- ‌الفصل الثانيالعموم وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولمقارنة بين الإِعجاز الكوني والإِعجاز التشريعي وبيان سماته

- ‌المبحث الثانيالعموم اللفظي

- ‌المطلب الأول

- ‌الفرع الأولطريقة الإِمام الشاطبي

- ‌الفرع الثانيالاعتراضات التي ذكرها وأجاب عنها

- ‌الفرع الثالثاعتراضات أخرى وجوابها

- ‌المطلب الثانيطريقة المتكلمين ومناقشتها

- ‌الفرع الأولذكر طريقة المتكلمين

- ‌الفرع الثانيمناقشة الحنفية والإِمام الشاطبي والإِمام ابن تيمية لطريقة المتكلمين

- ‌الفرع الثالثمناقشة ابن تيمية لطريقة المتكلمين ومقارنتها بمذهب الشاطبي

- ‌الفرع الرابعتحليل طريقة المتكلمين وبيان الفرق بينها وبين طريقة السلف كما يمثلها الشاطبي

- ‌الأول: أصل رفع الحرج:

- ‌الثاني: قاعدة سد الذريعة

- ‌الفصل الثالثالقياس وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولطريقة الإِمام ابن القيم

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب والسنة:

- ‌الفرع الثانيعمل الصحابة بالقياس أو التفريق بين الرأي المذموم والرأي المحمود

- ‌المبحث الثانيطريقة الإِمام الشاطبي

- ‌المطلب الأولالأدلة على إثبات القياس

- ‌المطلب الثانيجوابه عن أقوال المعاوضين

- ‌المطلب الثالثالإِجماع

- ‌المبحث الثالثتطبيقات على أركان القياس وبيان شرط التعليل بالحكمة

- ‌المطلب الأولتطبيقات على أركان القياس

- ‌الفرع الأول

- ‌الفرع الثاني

- ‌الفرع الثالث

- ‌الفرع الرابعتحقيق مذهب الإِمام الشاطبي في التعليل بالحكمة

- ‌الفرع الخامسبيان أثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المطلب الثالثالقياس منهج شرعي لا مسلك عقلي

- ‌الفصل الرابعالمصلحة وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولتعريف المصلحة والتأكيد على الضوابط الشرعية فيه

- ‌المبحث الثانيالعقل لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد

- ‌المبحث الثالثالمصلحة ودلالتها على الثبات

- ‌المبحث الرابعالمصلحة ودلالتها على الشمول

- ‌المطلب الأولتحرير موضع النزاع

- ‌المطلب الثانيأسباب التغير وتصوير مذهب المخالفين

- ‌ المطلب الثالث

- ‌المطلب الرابعبيان موقف الصحابة - رضوان الله عليهم - من النصوص

- ‌المطلب الخامسمناقشته في رده لضوابط المصلحة عند الأصولين

- ‌المطلب السادسمناقشة اعتباره المصلحة دليلاً مستقلاً

- ‌المطلب السابععدم فهم بعض الباحثين لمعنى "التعبد" في الشريعة ومناقشته فيما نقله عن الشاطبي

- ‌المطلب الثامنالفرق بين العبادات والعاديات

- ‌المطلب التاسعمناقشة ما نسبه بعض الباحثين إلى الإِمامين: ابن القيم والشاطبي

- ‌الفرع الأولفيما نسبوه إليهما

- ‌الفرع الثانيالمناقشة

- ‌المطلب العاشرموقف الشريعة من العادات والأعراف والمصالح

- ‌الفصل الخامسمواطن الإِجماع ومواطن الخلاف وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولكيفية تحقق الثبات والشمول في الحكم المجمع عليه

- ‌المطلب الأولالاعتراض الأوّل وجوابه

- ‌المطلب الثانيالاعتراض الثاني وجوابه

- ‌المطلب الثالثالاعتراض الثالث وجوابه

- ‌المبحث الثانيكيفية تحقق الثبات والشمول في الأحكام التي لم يتحقق فيها إجماع

- ‌خاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌الفرع الثالثاستخراج أهم القيود المختلف فيها وهل الفقه من المعلومات أو من الظنيات

‌الفرع الثالث

استخراج أهم القيود المختلف فيها وهل الفقه من المعلومات أو من الظنيات

إن قيد "العلم" الذي جاء في تلك التعريفات يفيد بظاهره أن الفقه علم لا ظن، وإذا علمنا أن الأصوليين اختلفوا في تفسيره احتجنا أن نحدد ذلك ونتعرف عليه، والحاصل أنهم اختلفوا على مذهبين:

المذهب الأول: أن الفقه من الظنيات والقطعيات ليست منه، وقد صرح الرازي بهذا المذهب وفسر قيد "العلم" في التعريف بقوله:"العلم بوجوب العمل" فكان تعريف الفقه عنده هو: "العلم بوجوب العمل بالأحكام الظنية" فالفقه من الظنيات، ونحن نعلم قطعاً وجوب العمل بها، وذلك ما جاء في قوله: "فإن قلت: الفقه من باب الظنون فكيف جعلته علماً؟

قلت المجتهد إذا غلب على ظنه مشاركة صورة لصورة في مناط الحكم قطع بوجوب العمل بما أدى إليه ظنه، فالحكم معلوم قطعاً والظن واقع في طريقه" (1).

وعلى هذا فقد أخرج الأمور المعلومة من الدين بالضرورة من الفقه كالعلم بوجوب الصلاة والصيام، وعلل ذلك بقوله:"إن العلم الضروري حاصل بكونهما من دين محمد عليه السلام"(2).

المذهب الثاني: أن الفقه منه المعلوم ومنه المظنون، وهو مذهب الجويني والآمدي وكثير من الأصوليين (3).

(1) المحصول 1/ 92.

(2)

نفسه 1/ 93.

(3)

الإِحكام للآمدي 1/ 6، البرهان في أصول الفقه 1/ 85، شرح الكوكب المنير 1/ 40 - 41 وما بعدها، شرح التلويح 1/ 12، حاشية السعد على ابن الحاجب 1/ 25 - 26، مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 113، وقد صرح الجويني أن معظم مسائل الشريعة ظنون، مع إدخال المعلوم في الفقه، وخالفه ابن تيمية في ذلك وستأتي الإشارة إلى هذا.

ص: 63

والفرق بين هذا المذهب ومسلك الرازي أن الأخير أخرج المعلوم من الفقه وهؤلاء أثبتوه، وجعلوا الفقه علماً، فما كان علماً فهو داخل في التعريف وماكان ظناً فالمقصود من دخوله في التعريف العلم بالعمل به، وهذا ما جاء في قول الآمدي:"فالعلم احتراز عن الظن بالأحكام الشرعية، فإنه وإن تُجوز بإطلاق اسم الفقه عليه في العرف العامي فليس فقهاً في العرف اللغوي والأصولي بل الفقه العلم بها أو العلم بالعمل بها بناء على الإدراك القطعي وإن كانت ظنية في نفسها"(1)، وقوله:"وإن كانت ظنية في نفسها" الظاهر أنه يرجع إلى القسم الثاني من القسمين المذكورين في قوله السابق وهما:

1 -

العلم بالأحكام الفقهية.

2 -

العلم بالعمل بها .. وإن كانت ظنية في نفسها (2).

فعلى هذا التفسير يكون الفقه شاملًا لما هو معلوم وما هو مظنون، وقد وافق القاضي أبو بكر الباقلاني (3) جمهور الأصوليين فيما ذهبوا إليه، وخالفهم من وجه آخر، ولذلك لا بد من تحقيق مذهبه خاصة أنه شديد الصلة بما نحن فيه.

تحقيق مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني:

يتكون مذهب القاضي من شقين:

الأول: أن الفقه ليس مقتصراً على الظن، فقد أدخل المعلوم في الفقه وجعل الظن مقتصراً على الظواهر وخبر الواحد والأقيسة المظنونة.

الثاني: يتمثل في مخالفته جمهور الأصوليين في أن الظنون التي تنتجها هذه الأدلة لا مرجح لبعضها على بعض، بل الترجيح بالاتفاق، وليس هناك دليل يوجب ترجيح ظن على ظن.

(1) الإِحكام للآمدي 1/ 6.

(2)

قال ابن الجويني في البرهان: "أن العلم بوقوع الظن مقطوع به" 2/ 874 - 875.

(3)

هو محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر المعروف بالباقلاني أو بابن الباقلاني توفي سنة 403، شذرات الذهب 3/ 160 و 168 - 170 لإبن العماد الحنبلي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، والإعلام 7/ 46، خير الدين الزركلي، الطبعة الثالثة.

ص: 64

ولقد نقل عنه الجويني والغزالي مذهبه وناقشه ابن تيمية والجويني، وسأورد من الشواهد ما يثبت ما قدمته آنفاً.

1 -

قال الغزالي في المستصفى: "ليس في الواقعة التي لا نص فيها حكم معين يطلب بالظن بل الحكم يتبع الظن وحكم الله تعالى على كل مجتهد ما غلب على ظنه وهو المختار وإليه ذهب القاضي"(1).

2 -

قال ابن تيمية: "وقال الغزالي وغيره ممن نصر قوله -أي قول

القاضي - قد يكون بحسب ميل النفس إلى أحد القولين دون الآخر كميل ذي الشدة إلى قول وذي اللين إلى قول، وحينئذ فعندهم متى وجد المجتهد ظناً في نفسه فحكم الله في حقه اتباع هذا الظن" (2).

3 -

وقال ابن الجويني: "قال القاضي: ليس في الأقيسة المظنونة تقديم ولا تأخير وإنما الظنون على حسب الاتفاقات" ثم ذكر الأصل الذي بنى عليه القاضي مذهبه فقال:

"وهذا بناه على أصله في أنه ليس في مجال الظن مطلوب هو تشوف الطالبين ومطمع نظر المجتهدين، قال بانياً على هذا: إذا لم يكن مطلوب فلا طريق إلى التعين وإنما الظنون على حسب الوفاق"(3).

وذكر ابن تيمية أن الأصل الذي بنى عليه القاضي مذهبه هو أن "كل مجتهد مصيب وليس في نفس الأمر أمر مطلوب ولا على الظن دليل يوجب نرجيح ظن على ظن، بل الظنون عنده بحسب الاتفاق"(4).

(1) المستصفى مع فواتح الرحموت، لأبي حامد الغزالي، 2/ 363، ط 1، المطبعة الأميرية بولاق، 1324 هـ.

(2)

مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 113 - 114.

(3)

البرهان في أصول الفقه 2/ 889.

(4)

مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 113.

ص: 65

وقد أنكر الجويني هذا القول إنكاراً بليغاً وقال ابن تيمية: "وهم معذورون في إنكاره"(1).

والذي يظهر من هذه النصوص مجتمعة أن مذهب القاضي أبي بكر أن: الأقيسة المظنونة وما ماثلها من الظنيات لا سبيل إلى ترجيح ظن على ظن إذا اختلفت الأنظار وتكاثرت الظنون على المجتهد إلا باتباع ما تميل إليه النفس حسب الاتفاق.

هذا حاصل مذهب القاضي وسأذكر مناقشة الجويني وابن تيمية لهذا المذهب وردهما له.

وقبل ذلك أقرر هنا أن ما تحصل من هذه النصوص لا يفيد أن الفقه كله من باب الظنيات -كما قال الرازي- وغاية ما في الأمر أن الأقيسة المظنونة وما ماثلها للقاضي فيها مذهب خاص كما ذكرته آنفاً.

والسؤال الذي يحتاج إلى جواب في هذا الموضع هو: أن القاضي أجاب عن تفسير من فسر قيد "العلم" في التعريف بأنه العلم بوجوب العمل (2)، وعارضه بأن العلم بوجوب العمل حكم أصولي لا حكم فقهي.

قال ابن تيمية: "لكم يقال العمل بهذا الظن هو حكم أصول الفقه ليس الفقه هو ذاك الظن الحاصل بالظاهر وخبر الواحد والقياس، والأصول تفيد أن العمل بهذا الظن واجب، وإلا فالفقهاء لا يتعرضون لهذا، فهذا الحكم العملي الأصولي ليس هو الفقه، وهذا الجواب جواب القاضي أبي بكر"(3).

(1) مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 114.

(2)

انظر كلام الرازي ص 63.

(3)

مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 113.

ص: 66

ويجاب عن هذا: أن اعتبار القاضي أبي بكر ما يقتضيه الظاهر والقياس حكماً ظنياً يجب العمل به قطعاً، مع أنها طريقة تخالف طريقة الرازي كما ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية، فهي كذلك تخالف النتيجة التي توصل إليها الرازي وهي قوله أن الفقه من الظنيات، ولا يُعكّر على هذا ما ذكره القاضي من أن الظاهر والقياس يفيدان ظناً، لأن الأدلة ليست كلها ظواهر وأقيسة، بل فيها النص وفيها المتواتر وفيها الإِجماع المقطوع به.

وعلى هذا يمكن أن يكون القاضي من أصحاب المذهب الثاني، فما ينتج عن طريق الظواهر والأقيسة يكون ظناً، وما ينتج عن النص وما في حكمه يكون علماً أي قطعاً، فيشتمل الفقه على المعلوم والمظنون، ويبقى حينئذ الرازي متفرداً بما ذهب إليه وقد نص ابن تيمية على ذلك (1).

وعلى هذا التقرير لا بد من تحديد موضع النزاع، فقد تبين من جملة هذه النصوص أن هناك قضيتين متداخلتين:

الأولى: أن الفقه كله من الظنيات وهو مذهب للرازي تفرد به.

الثانية: أن القاضي صرح بأن ترجيح الظنون بعضها على بعض إنما يكون بالاتفاق ولا مرجح وقد أنكر عليه الجويني وابن تيمية هذا القول والأُولى خاصة بالرازي ولا يشاركه فيها القاضي أبو بكر، مع أن هناك تداخلًا بين القضيتين وقد أبنت عن سببه.

وأبدأ هنا بمناقشة الأولى - بعد أن تقرر تفرد الرازي بها وأن الآمدي وغيره لم يخرجوا المعلوم من الدين بالضرورة من الفقه (2).

(1) مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 118.

(2)

انظر ما نقلته عنهم من التعريفات ص 33 وانظر كتبهم الإِحكام للآمدي 1/ 6، شرح الكوكب المنير 1/ 40 - 41 وما بعدها، شرح التلويح 1/ 12، حاشية السعد على ابن الحاجب 1/ 25 - 26، مجموع الفتاوى 13/ 113.

ص: 67