الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
كيفية تحقق الثبات والشمول في الحكم المجمع عليه
إن الأدلة الشرعية تفيد إثبات عصمة الإِجماع من علماء الأمة المجتهدين، والعصمة تقتضي الثبات هذا الحكم المفرد كما اقتضت الثبات لجملة الشريعة كلياتها وجزئياتها كما سبق تقريره (1).
ويفيد الشمول من ناحيتين:
النَّاحية الأولى: وكما سبق أن قلنا أن الثبات هو قاعدة الشمول.
والناحية الثانية: أن هذا الحكم المجمع عليه عبارة عن عمل اجتهادي من علماء الأمة سنده -كما سيأتي- إما النص أو المصلحة الشرعية، وهو نوع من الاجتهاد ينبني عليه إلحاق الوقائع الجديدة بأحكام الشريعة الإِسلامية وذلك بطريق قوي هو الإِجماع.
فالاجماع إذن هو جهد المجتهدين، يبذلونه لكي يكشفوا عن حكم الله، ويستندون على سند معين، ويتحصلون في النهاية على اتفاق يعقدون عليه العزم لتقرير حكم الواقعة التي يُراد معرفة حكمها، فتأخذ حكمها الخاص بحسب مناطها فيشملها حكم الشريعة، ويتحقق الثبات لهذا الحكم ذلك لأنه اجتمع عليه علماء الأمة وهم معصومون شرعًا، والعصمة لهم هي عصمة لاجتهادهم، فالحكم معصوم حينئذ والعصمة تقتضي الثبات، لأن مقتضاه أن هذا الحكم هو الحق والحق ثابت، وهذا معنى تحقق الثبات والشمول في هذا القسم.
(1) انظر ما سبق ص 116.
بقي أن نذكر الطريق المفيد لإِثبات الإِجماع، فقد دلت الأحاديث على ذلك منها: ما أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بألفاظ متقاربة منها "لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدًا .. " ومنها "لن يجمع الله أمتي على ضلالة أبدًا .... "(1).
ورواه ابن أبي عاصم بلفظ: "ما كان الله ليجمع هذه الأمة على الضلالة أبدًا .... "(2).
وأخرج الحاكم حديث ابن عباس ولفظه: "لا يجمع الله أمتي أو قال هذه الأمة على الضلالة أبدًا، ويد الله على الجماعة"(3).
وقد أخذ العلماء من هذه الأحاديث أن هذه الأمة لا تضل عن الصواب، ولا تجتمع على الضلالة، وفي هذا عصمة لها عن الخطأ، فما أجمعت عليه فهو حجة لأنه هو الحق، فلا تجتمع أبدًا إلّا على موافقة الكتاب والسنّة، كما بين الإِمام الشاطبي رحمه الله بعد أن عرض كلام أهل العلم في معنى الجماعة: فقال: "وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإِمام الموافق للكتاب والسنّة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنّة خارج عن معنى الجماعة"(4).
ثم بين أن جميع أقوال أهل العلم في معنى الجماعة "دائرة على اعتبار أهل السنة والاتباع، وأنهم المرادون بالأحاديث"(5) وهذا أصل محكم وعقيدة راسخة، وبنى عليها رحمه الله أنهم هم المقصودون "بالسواد الأعظم" كما ورد في حديث أنس بن مالك مرفوعًا "أن أمتي لا تجمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافًا كثيرًا فعليكم بالسواد الأعظم" (6) فقال: "فلنأخذ ذلك أصلًا ونبني عليه معنى
(1) المستدرك 1/ 115.
(2)
1/ 39 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 136.
(3)
المستدرك 1/ 116.
(4)
الاعتصام 2/ 265.
(5)
المصدر نفسه 2/ 265.
(6)
أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن 2/ 1303.