الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
أذكر أهم شروط الاجتهاد وأثرها على الثبات والشمول
توطئة:
قرر الأصوليون أن الاجتهاد الشرعي إنما يتحقق بشروط من أهمها العلم بمقاصد الشريعة، والعلم بمقاصد العربية، ونقتصر على ذكرهما هنا لأنهما من قواعد الشمول والثبات، فإن المجتهد إذا كان عالمًا بلغة العرب مدركًا لمقاصدها استطاع التعرف على دلالات الألفاظ وعرف دلالة العام المستنبطة من النص.
وإذا أدرك مقاصد الشريعة -وذلك من النظر في الشريعة جملة واحدة أدرك لا محالة العموم المعنوي.
والعموم اللفظي والعموم المعنوي معلمان من معالم شمول الشريعة، ونورد هنا ما قاله الأصوليون في اشتراط هذين الشرطين (1) مع التركيز على بعض الكتابات التي أولت هذين الشرطين كبير اهتمام وعناية.
(1) الحديث هنا عن هذين الشرطين ليتبين للقارئ كيف يتحقق من اعتبارهما إدراك العموم اللفظي والعموم المعنوي، دون التعرض للحديث عن هذين العمومين في هذا الموضع لأن لهما موضعًا يخصهما وسيأتي إن شاء الله.
أما عن بقية ما يحتاج إليه المجتهد كالعلم بالكتاب والسنة ومعرفة دلالات الألفاظ فستأتي الإشارة إلى أنها متضمنة في هذين الشرطين السابقين إضافة إلى ما ذكرته هنا في هذا المتن وبالله التوفيق.
ذلك أنه لا يمكن تحقيق شمول الشريعة في واقع الناس ما لم يعتمد المجتهدون في تفسيرها على لغة العرب، إذ القرآن نزل بلغتهم، ويعتبر فيه ما يعتبر فيها كما قال الإِمام الشافعي وسيأتي تفصيل ذلك، ومن لم يلتزم ذلك وقع في التغيير والتبديل ولم يدرك شمولها وسعتها.
وكذلك إدراك مقاصد الشريعة التي جاءت بها، حتى لا يدخل في هذه الشريعة ما ليس منها ولا يسقط الناس في الحرج وذلك بتعطيل المسائل المستجدة عن حكمها الشرعي.
فالشريعة كما يقول الشاطبي كجسد الإِنسان يتكون من مجموعة أعضاء ولا يمكن تصوره عن النظر في عضو واحد، ولا يحسن أداء مهمته إلا بمجموعه، فلابد من النظر فيها جملة، ولا يمكن أن يعيش الناس في خيرها العميم إلّا أن يدرك أهل الاجتهاد مقاصدها من خلال النظر فيها جملة واحدة.
ومن هنا كان وجود العلماء أهل النظر الشرعي ضرورة لتحقيق شمول الشريعة لواقع الناس، كما كان وجود علماء الطب والهندسة ضرورة لتمكين الناس من الأخذ بالأسباب التي تبعدهم عن الأفات، وضرورة لقيام العمران واستخراج المياه ونحو ذلك.
بل إن وجود العلماء بالشريعة أشد ضرورة، وبفقدهم يصبح الناس سدى بغير آمر ولا ناه ولا واعظ ولا معلم ولا حاكم بالشرع، ولذلك منّ الله على عباده فجعل من هذه الأمة طائفةً قائمة بأمر الله كما جاء في الحديث الذي يرويه معاوية رضي الله عنه قال:"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك"(1).
وترجم الإِمام البخاري لهذا المعنى في كتاب الاعتصام بقوله: "باب قول
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 632 كتاب المناقب.