الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع
مناقشة ما نسبه بعض الباحثين إلى الإِمامين: ابن القيم والشاطبي
الفرع الأول
فيما نسبوه إليهما
نسب بعض الباحثين المحدثين إلى هذين الإِمامين القول بقاعدة تغير بعض الأحكام بتغير الزمان، معتمدين في ذلك على ما فهموه من نصوص وردت في كتاب أعلام الموقعين وكتاب الموافقات.
وأبدأ بما ذكر الدكتور صبحي الصالح بعد أن ذكر بعض نصوص ابن القيم فقال: "وحين نذكر أن "المصلحة العامة" في القوانين الحديثة هي أساس كل تشريع، ونضع في مقابل ذلك ما اشترطه فقهاؤنا لسلامة الأخذ بالمصلحة المرسلة (المطلقة من كل قيد إلا قيد النفع) (1) لا يسعنا ونحن نسير روح الشريعة وأساسها إلا أن نستخدم هذه الوسيلة "التقنينية" التي هي مبنى هذه الشريعة وأساسها، فحيثما كان العدل والرحمة والحكمة والمصلحة فثم شرع الله"(2).
وهذا الذي نقلته هنا هو نتيجة بحثه للفصل الخامس بعنوان "روح الشريعة الإِسلامية" وقد نسب فهمه هذا إلى الإِمام الشاطبي حيث ابتدأ حديثه بتقرير أن الإِمام الشاطبي هو من أفضل الأئمة الذين تعرفوا على روح الشريعة.
وقد أحسن الدكتور صبحي الصالح وهو يتحدث عن ثبات الشريعة حيث اعتبر انقطاع الوحي موجب لثبات الشريعة "غير قابلة للتعديل أو التطوير
(1) القوس من عند المؤلف وما زال الكلام له.
(2)
المعالم الشريعة الإِسلامية، الدكتور صبحي الصالح دار العلم للملايين - بيروت الطبعة الثانية ص 72.
إلا ما كان منها في حياة الرسول - أو في عصر الوحي - (1) داخلًا في اعتبار الناسخ والمنسوخ أو التخصيص بعد التعميم أو التقييد بعد الإِطلاق أو التفضيل بعد الإِجمال ثم اتخد في النهاية صورة "ثابتة" في جميع الأحوال كالآيات التي تعاقبت نزولها بشأن الخمر على سبيل المثال" (2).
ثم انتقل إلى أمر مهم جدًا ألا وهو كيفية التعرف على شمولية الشريعة واعتبر "المصلحة والعرف" هي من أهم الوسائل المؤدية إلى ذلك.
وبعد هذا مباشرة انتقل إلى الحديث عن دور المصلحة وأخذ في التعريف بموقف ابن القيم منها - ونقل عنه قوله: "الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها" ثم يضيف قائلًا: "فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه"(3).
ثم قال د. صبحي: وقد نصر ابن القيم رأيه في المصلحة بطائفة من الأمثلة في كتابه "أعلام الوقعين"
…
وإليك بعضًا منها:
1 -
عدم قطع الأيدي في الغزو.
2 -
إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه لا يسوغ إنكاره (4).
ثم أكد المؤلف ما يذهب إليه من نسبة تلك القاعدة إلى ابن القيم بأن
(1) هذه الإضافة بيان، لأن "عصر الوحي" هو "حياة الرسول" ولا يحتاج لحرف "أو".
(2)
معالم الشريعة 57 - 58 - 59.
(3)
معالم الشريعة الإِسلامية ص 62 نقلًا عن أعلام الموقعين، وقد نقله أيضًا صاحب رسالة "تغير الأحكام بتغير الزمان" ص 162.
(4)
معالم الشريعة 70.
ذلك هو منهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كثير من اجتهاداته مثل إسقاط الحد عن السارق عام المجاعة وإسقاط سهم المؤلفة قلوبهم ونحو ذلك (1) وقرر على هذا نتيجة بحثه التي ذكرتها في أول هذا المطلب.
وعلى هذا المسلك سار بعض الباحثين حيث نسب إلى ابن القيم الانتصار لهذه المقالة "تغير بعض الأحكام بتغير الزمان"(2).
هذا ما فهموه عن الإِمام ابن القيم فماذا عن فهمهم لنصوص الإِمام الشاطبي، ينقل بعض الباحثين نصًا طويلًا للإِمام الشاطبي ويستنبط منه "أن أحكام الشريعة (عند الإِمام الشاطبي) إنما هي عبارة عن كليات وجزئيات، وأن الكليات تعتبر أصولًا باقية لا تتبدل ولم يحدث فيها نسخ بخلاف الجزئيات التي تجري فيها المشاحنات والمنازعات، وأن الأحكام المدنية منزلة في الغالب على وقائع غير الكليات المقررة بمكة، وكانت هذه الأحكام المدنية شاملة للرخص والتخفيفات وتقرير العقوبات في كل ذلك في الجزئيات لا الكليات التي أحكمت في مكة وبقيت على حالها"(3).
وحاصل ما فهمه الباحث من كلام الشاطبي ما يلي:
1 -
أن الجزئيات تخالف الكليات من حيث تبدلها وتغيرها.
2 -
أن الأحكام المدنية منزلة في الغالب على وقائع غير الكليات المقررة بمكة.
وكلام الباحث هذا في معرض حديثه عن قاعدة تغير الأحكام وصلتها بنقض الاجتهاد (4)، ونحن نناقشه في فهمه لكلام الإِمام الشاطبي وذلك بعد مناقشة فهمه وفهم الدكتور صبحي لكلام ابن القيم.
(1) معالم الشريعة 69.
(2)
رسالة "تغير الأحكام بتغير الزمان" 162، 181.
(3)
رسالة "تغير الأحكام بتغير الزمان" 29 - 30.
(4)
رسالة "تغير الأحكام بتغير الزمان"27.