المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثانيالاعتراضات التي ذكرها وأجاب عنها - الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

[عابد السفياني]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيدفي أهم خصائص الشريعة الإِسلامية بوجه عام

- ‌الباب الأولالشريعة الإِسلاميةثباتها وشمولها وحجيتها

- ‌الفصل الأولالشريعة الإِسلامية والفقه الإِسلامي

- ‌المبحث الأولالتعريف بمصطلح الشريعة الإِسلامية

- ‌المطلب الأولالمعنى اللغوي

- ‌المطلب الثانيالمعنى الشرعي

- ‌المبحث الثانيتعريف "الفقه الإِسلامي" وبيان الفرق بينه وبين "علم الكلام

- ‌المطلب الأولتعريفه في اللغة

- ‌المطلب الثانيتعريف الفقه في الاصطلاح وهل هو علم أو ظن

- ‌الفرع الأولذكر أهم التعريفات

- ‌الفرع الثانيالقيود المتفق عليها

- ‌الفرع الثالثاستخراج أهم القيود المختلف فيها وهل الفقه من المعلومات أو من الظنيات

- ‌الفرع الرابعالمناقشة

- ‌الفرع الخامسمقارنة بين "علم الكلام" و"علم الفقه

- ‌المبحث الثالثالفرق بين "الفقه" و "الشريعة

- ‌الفصل الثانيالمقصود من الثبات والشمول والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الأولالمقصود من الثبات والأدلة على ذلك

- ‌المطلب الأولمعنى الثبات في اللغة

- ‌المطلب الثانيالدليل الأول على ثبات الشريعة

- ‌المطلب الثالثالدليل الثاني

- ‌المطلب الرابعالدليل الثالث

- ‌المطلب الخامستطبيقات على منهج الصحابة - رضوان الله عليهم - في المحافظة على ثبات الأحكام

- ‌المبحث الثانيالمقصود من الشمول والأدلة على ذلك

- ‌المطلب الثانيالدليل الأول على الشمول

- ‌المطلب الثالثالدليل الثاني على الشمول

- ‌المطلب الرابعالدليل الثالث على الشمول

- ‌الفرع الأولذكر كلام المفسرين في معنى الإكمال

- ‌الفرع الثانيذكر كلام الشاطبي في معنى الإِكمال

- ‌الفرع الثالثحاصل كلام أهل العلم في معنى الإِكمال

- ‌الفرع الرابعذكر بعض الشبه والجواب عنها

- ‌الفصل الثالثالاحتجاج بالأدلة النقلية

- ‌المبحث الأولقوّة الأدلّة النقلية

- ‌المطلب الأول

- ‌المطلب الثانيالاستقراء يثبت أن هذه البينات والجوامع لا بد من العلم والعمل بها معًا

- ‌المطلب الثالثالشريعة هي الحجة على الخلق على الإِطلاق والعموم

- ‌الفرع الأولذكر رواية البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما

- ‌الفرع الثانيذكر حديث معاذ كما رواه مسلم

- ‌الفرع الثالثذكر روايتي البخاري عن البراء وأنس رضي الله عنهما

- ‌المطلب الرابعذكر اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك كما نقله الثقات من أهل العلم

- ‌المطلب الخامسذكر أوصاف الشريعة

- ‌الفرع الأولأوصاف الشريعة كما بينها الشاطبي

- ‌الفرع الثانياعتراض وجوابه

- ‌المبحث الثانينشأة القول بتضعيف الأدلة النقلية

- ‌المطلب الأولحقيقة هذه المقالة وموقف الخوارج والمرجئة منها

- ‌المطلب الثانينشأة هذه المقالة على يد المعتزلة

- ‌الفرع الأولمقالة واصل بن عطاء رأس المعتزلة (80 - 151)

- ‌الفرع الثانيتطور فكر المعتزلة على يد أبي الهذيل العلاف(توفي سنة 232 ه

- ‌الفرع الثالثتطورها مرة أخرى على يد النظام

- ‌المبحث الثالثأهم الأسباب التي ساعدت على انتشار القول بالظنية

- ‌المطلب الأولموقف الخوارج من رد السنة

- ‌المطلب الثانيموقف الفلاسفة وبيان وجه ارتباط تلك البدعة به، وذكر شبهة المعتزلة ومتكلمة الأشاعرة

- ‌المطلب الثالثمناقشة شبهة المخالفين والجواب عنها بأكثر من وجه

- ‌الباب الثانيالاجتهاد وأهم طرقه وقضيّة الثبات والشمول

- ‌الفصل الأولالاجتهاد وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولحكمه وحكمته وأثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المبحث الثانيأنواع الاجتهاد وأثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المطلب الأولتنقيح المناط

- ‌المطلب الثانيتخريج المناط

- ‌المطلب الثالثتحقيق المناط

- ‌المبحث الثالثأذكر أهم شروط الاجتهاد وأثرها على الثبات والشمول

- ‌المطلب الأولالعلم بلغة العرب

- ‌المبحث الرابعضوابطه وأثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المطلب الأولالبناء على غير أصل

- ‌المطلب الثانيالجهل بلغة العرب

- ‌المطلب الثالثالاعتماد على "العقلى واتباع المتشابه

- ‌الفصل الثانيالعموم وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولمقارنة بين الإِعجاز الكوني والإِعجاز التشريعي وبيان سماته

- ‌المبحث الثانيالعموم اللفظي

- ‌المطلب الأول

- ‌الفرع الأولطريقة الإِمام الشاطبي

- ‌الفرع الثانيالاعتراضات التي ذكرها وأجاب عنها

- ‌الفرع الثالثاعتراضات أخرى وجوابها

- ‌المطلب الثانيطريقة المتكلمين ومناقشتها

- ‌الفرع الأولذكر طريقة المتكلمين

- ‌الفرع الثانيمناقشة الحنفية والإِمام الشاطبي والإِمام ابن تيمية لطريقة المتكلمين

- ‌الفرع الثالثمناقشة ابن تيمية لطريقة المتكلمين ومقارنتها بمذهب الشاطبي

- ‌الفرع الرابعتحليل طريقة المتكلمين وبيان الفرق بينها وبين طريقة السلف كما يمثلها الشاطبي

- ‌الأول: أصل رفع الحرج:

- ‌الثاني: قاعدة سد الذريعة

- ‌الفصل الثالثالقياس وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولطريقة الإِمام ابن القيم

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب والسنة:

- ‌الفرع الثانيعمل الصحابة بالقياس أو التفريق بين الرأي المذموم والرأي المحمود

- ‌المبحث الثانيطريقة الإِمام الشاطبي

- ‌المطلب الأولالأدلة على إثبات القياس

- ‌المطلب الثانيجوابه عن أقوال المعاوضين

- ‌المطلب الثالثالإِجماع

- ‌المبحث الثالثتطبيقات على أركان القياس وبيان شرط التعليل بالحكمة

- ‌المطلب الأولتطبيقات على أركان القياس

- ‌الفرع الأول

- ‌الفرع الثاني

- ‌الفرع الثالث

- ‌الفرع الرابعتحقيق مذهب الإِمام الشاطبي في التعليل بالحكمة

- ‌الفرع الخامسبيان أثر ذلك على الثبات والشمول

- ‌المطلب الثالثالقياس منهج شرعي لا مسلك عقلي

- ‌الفصل الرابعالمصلحة وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولتعريف المصلحة والتأكيد على الضوابط الشرعية فيه

- ‌المبحث الثانيالعقل لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد

- ‌المبحث الثالثالمصلحة ودلالتها على الثبات

- ‌المبحث الرابعالمصلحة ودلالتها على الشمول

- ‌المطلب الأولتحرير موضع النزاع

- ‌المطلب الثانيأسباب التغير وتصوير مذهب المخالفين

- ‌ المطلب الثالث

- ‌المطلب الرابعبيان موقف الصحابة - رضوان الله عليهم - من النصوص

- ‌المطلب الخامسمناقشته في رده لضوابط المصلحة عند الأصولين

- ‌المطلب السادسمناقشة اعتباره المصلحة دليلاً مستقلاً

- ‌المطلب السابععدم فهم بعض الباحثين لمعنى "التعبد" في الشريعة ومناقشته فيما نقله عن الشاطبي

- ‌المطلب الثامنالفرق بين العبادات والعاديات

- ‌المطلب التاسعمناقشة ما نسبه بعض الباحثين إلى الإِمامين: ابن القيم والشاطبي

- ‌الفرع الأولفيما نسبوه إليهما

- ‌الفرع الثانيالمناقشة

- ‌المطلب العاشرموقف الشريعة من العادات والأعراف والمصالح

- ‌الفصل الخامسمواطن الإِجماع ومواطن الخلاف وقضية الثبات والشمول

- ‌المبحث الأولكيفية تحقق الثبات والشمول في الحكم المجمع عليه

- ‌المطلب الأولالاعتراض الأوّل وجوابه

- ‌المطلب الثانيالاعتراض الثاني وجوابه

- ‌المطلب الثالثالاعتراض الثالث وجوابه

- ‌المبحث الثانيكيفية تحقق الثبات والشمول في الأحكام التي لم يتحقق فيها إجماع

- ‌خاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌الفرع الثانيالاعتراضات التي ذكرها وأجاب عنها

تحقيق النظر والقطع بالحكم، وذلك هو الموافق لكلام العرب -الذي نزل القرآن به- وموافق "لما كان عليه السلف الصالح من القطع بعموماته التي فهموها تحقيقًا بحسب قصد العرب من اللسان وبحسب قصد الشارع من موارد الأحكام"(1).

2 -

أن هذه العمومات حجة أيضًا بعد التخصيص (2).

3 -

السلامة من جميع الإِشكالات والشناعات التي وقع فيها بعض الأصوليين (3).

وبعد أن تعرفنا على مذهب الإِمام الشاطبي أنتقل إلى ذكر الاعتراضات التي يمكن أن ترد عليه وهي قسمان، منها ما ذكره هو وأجاب عنه، ومنها ما ذكره غيره وأجيب عنه هنا -إن شاء الله تعالى- وذلك في الفرع الثاني والثالث.

‌الفرع الثاني

الاعتراضات التي ذكرها وأجاب عنها

* الاعتراض الأول: إذا ثبت أن حالة الوضع تقتضي إطلاق اللفظ على جميع ما هو موضع له، فإن حالة الاستعمال والتركيب وهي الحالة الثانية لا تخرج عن أحد اعتبارين:

(أ) ما أن تبقى دلالة اللفظ على ما هي عليه، فهو حينئذ الوضع الإفرادي وهذا مقتضاه.

(ب) إذا لم تبق دلالته على ما هي عليه فهو الوضع الاستعمالي الذي خصص الوضع الإِفرادي، وهذا التخصيص لا بد له من مخصص عقلي أونقلي، وهو مذهب الأصوليين وعلى ذلك فلنكتفي بما قرره الأصوليون ولا داعي للقول بالعموم الاستعمالي.

(1) المصدر نفسه 3/ 183 - 184.

(2)

المصدر نفسه 3/ 183 - 184.

(3)

انظر اختلاف القائلين بالعموم في صحة الاحتجاج به بعد التخصيص - الأحكام للآمدي 2/ 232.

ص: 324

وأجاب الشاطبي عن هذا بجواب حاصله: أن التخصيص غير وارد وذلك أن اللفظ إذا بقيت دلالته فلا تخصيص وهذا ظاهر.

وإذا لم تبق دلالته على أصل الوضع الإِفرادي فذلك سببه كما ورد في الاعتراض وقوع الوضع الاستعمالي، وهذا الوضع الاستعمالي ذو أصالة مستقلة عن الوضع الإِفرادي، بل هو شبيه بالحقيقة العرفية القابلة للحقيقة اللغوية، فمقابلة الوضع الإِفرادي للاستعمالي كمقابلة الحقيقة اللغوية للعرفية، فهما وضعان حقيقان لا مجازيان وعليه فإن العموم الاستعمالي وضع حقيقي لا مجازي.

والدليل على ذلك هو ما ثبت في الأصول العربية من أن اللفظ العربي له أصالتان قياسية واستعمالية، والاستعمالية أصالة أخرى غير ما للفظ في أصل الوضع، وعلى هذا فإن "الاستعمالي" وضع ثان وليس تخصيصًا للوضع الأول.

• الاعتراض الثاني: أن "الاستعمالي" لا يؤثر في دلالة اللفظ حال الإِفراد، ولا يصير وضعًا ثانيًا، بل هو باق على أصله ثم يأتي التخصيص بمتصل أو بمنفصل بعد ذلك.

والدليل على صحة هذا الاعتراض: أن العرب تفهم التعميم من ورود اللفظ العام في سياق الاستعمال حتى يأتي مخصص له، مع أن هناك من الأمثلة ما دل السياق فيها على خلاف ما فهموا، والأمثلة تبين المقصود ومنها:

1 -

فهمهم لقوله تعالى:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (1).

فقال الصحابة: أينا لم يلبس إيمانه بظلم، فقال عليه الصلاة والسلام:"إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان: "إن الشرك لظلم عظيم".

(1) سورة الأنعام: آية 82.

ص: 325

2 -

ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى:

{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (1)

قال بعض الكفار فقد عبدت الملائكة وعبد المسيح فنزل:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (2)

فقد فهم العرب من مقتضى اللفظ العموم وبادرت أفهامهم إليه، واعتبروا اللفظ بما وضع له في الأصل، وفهمهم هذا معتبر، كيف والقرآن قد نزل بلسانهم (3).

وأجاب الشاطبي بجوابين:

أحدهما مختصر والآخر مفصل، وأكتفي هنا بالأول وحاصله:

أن العموم الاستعمالي لا يفهم إلا باعتبار المقصد الشرعي فمن فهم مقصد الشارع أدرك العموم الاستعمالي، وكذلك يحتاج إلى إدراك المقصد الاستعمالي العربي، والعرب في إدراك مقصد العربية شرع سواء (4)، وأما إدراك المقصد الشرعي فالتفاوت فيه حاصل، فليس قديم العهد بالإِسلام كجديد العهد به، ولا الدارس والمشتغل به كغيره ولا المبتدئ فيه كالمنتهي والتفاوت حاصل بين المؤمنين:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (5).

(1) سورة الأنبياء: آية 98.

(2)

سورة الأنبياء: آية 101.

(3)

الموافقات 3/ 173 - 174.

(4)

يقصد الشاطبي العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، أما غيرهم ممن لم تكن العربية سليقة لهم فهم متفاوتون في معرفة مقاصدها، ولذلك فإن الشاطبي يشترط في المجتهد أن يدرك مقاصد العربية ومقاصد الشريعة وهذا يقتضي أن يدرك العربي معنى اللفظ وإلا احتاج إلى من يدله على معناه كما ورد في الأمثلة السابقة.

(5)

انظر ما سبق 218.

ص: 326

فإذا توقف بعض الصحابة كما في الأمثلة السابقة وغيرها، فلأن إدراك المقصد الشرعي يتفاوت الصحابة فيه فمن خفي عليه ذلك المقصد ثم علمه زال الإشكال، فعدم إدراك بعض الصحابة فيه للعموم الاستعمالي سببه عدم إدراك المقصد الشرعي، كما أن من لم يعرف القصد الاستعمالي العربي لم يدرك العموم الاستعمالي وحينئذ يحمل اللفظ على أصل الوضع.

وليس في هذا دلالة على أن اللفظ ليس له إلا وضع واحد، بل له وضع استعمالي فمن لم يعرفه اعتمد الوضع الأصلي.

وقد بين الشاطبي عدم إدراك المقصد الشرعي عند بعض الصحابة في الآية الأولى، وعدم إدراك المعترض من الكفار موقع الآية بل جهل مقصد السياق فإن الخطاب فيها لقريش وكانوا يعبدون ما لا يعقل، وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ

} الآية إشارة إلى ما لا يعقل، فلا يدخل فيه المسيح ولا الملائكة، فنزل بيانًا لجهل المعترض قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ .... } فالمسيح والملائكة لم يدخلوا في المعنى الذي من أجله نزلت هذه الآية، فإنها نزلت خطابًا لقريش وما كانوا يعبدون المسيح ولا الملائكة، فالعموم الوارد في الآية عموم استعمالي لم يدخل فيه الملائكة ولا المسيح (1).

"وبالجملة فجوابهم بيان لعمومات تلك النصوص كيف وقعت في الشريعة وأن ثم قصدًا آخر سوى القصد العربي لا بد من تحصيله، وبه يحصل فهمها وعلى طريقه يجري سائر العمومات وإذ ذاك لا يكون ثم تخصيص بمنفصل البتة واطردت العمومات قواعد صادقة العموم"(2).

• الاعتراض الثالث: وهو وارد على جواب الاعتراض الثاني وأذكره هنا مستقلًا لِيُمكِن إيضاحه:

(1) الموافقات 3/ 177، درء تعارض العقل والنقل 7/ 58.

(2)

الموافقات 3/ 177 - 178.

ص: 327

وحاصله: أن ما في الجواب من أن بعض الصحابة لم يدركوا المقصد الشرعي، يعارضه أن منهم من أدرك المقاصد الشرعية كما أدركها كثير من العلماء من بعدهم وحملوا اللفظ أيضًا على عمومه في أصل الوضع مع أن السياق على خلافه، ومن أمثلة ذلك:

1 -

قصة عمر مع بعض أصحابه حيث رآهم يتوسعون في الِإنفاق فقال لهم: أين تذهب بكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية وسياق الآية يقتضي أنها إنما نزلت في الكفار الذين رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ولذلك قال: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} ثم قال:

{فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ

} (1).

فالآية غير لائقة بحالة المؤمنين، ومع ذلك فقد أخذها عمر مستندًا في ترك الإسراف مطلقًا.

2 -

ومنها قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (2).

نزلت فيمن ارتد عن الإِسلام بدليل قوله تعالى بعد ذلك:

{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3).

ثم إن عامة العلماء استدلوا بها على كون الإِجماع حجة وأن مخالفه عاص وعلى أن الابتداع في الدين مذموم" (4).

ص: 328

وغير هذين المثالين كثير وهي مبنية على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهي مسألة مختلف فيها، وحاصل البحث أن أحد القولين هو الأصح ولا فائدة زائدة (1).

وأجاب الشاطبي عن هذا بأحد جوابين:

الأول: إن هذا ليس من مسألة البحث، وهو فقه حسن يعرفه الراسخون في العلم، فإن الله ذكر المؤمنين بأحسن أعمالهم وذكر الكافرين بأسوء أعمالهم ليكون العبد بين الخوف والرجاء فيرى أحسن أفعال المؤمنين فيقتدي بها، ويرى أفعال الكافرين فيحذر منها، وليس هذا من قبيل الصيغ العمومية، بل من قبيل حمل ذلك محمل الداخل تحت العموم اللفظي.

والثاني: إن هذا بيان "فقه الجزئيات من الكليات العامة لا أن المقصود التخصيص بل بيان جهة العموم"(2).

وبهذا الجواب يتقرر عند الإِمام الشاطبي أن العموم الاستعمالي وضع ثان غير الوضع الأصلي، ويعرفه من عرف مقاصد العربية ومقاصد الشريعة وعلى ذلك فالعمومات صادقة العموم وهي حقيقة لا مجاز وليس هناك تخصيص بمنفصل، وهذا هو موقف الصحابة والسلف من عمومات الكتاب والسنة، يبينونها وهم ينظرون إلى مقاصد الشارع فيها، ولا يقتصرون على أصل الوضع، ولا يرون ذلك البيان إخراجًا من أصل اللفظ.

ويزيد الشاطبي هذه المسألة إيضاحًا: فيقول: إن التخصيص بالمتصل

(1) المصدر السابق 3/ 181. وأشار الشاطبي إلى أن في المسألة قولين -وهو ما ذكره الأصوليون- وانظر بحث الدكتور محمد العروسي "مسألة تخصيص العام بالسبب" طبعة سنة 1403 هـ -المطبعة العربية الحديثة- القاهرة. تجد فيه أن العبرة بعموم اللفظ ولا خلاف على هذه القاعدة، وما ينقل من الخلاف فإنما هو في تحقيق المناط وفي هذا البحث وضع -جزاه الله خيراً- الأمور في نصابها وأزال الإشكال الوارد على هذه القاعدة.

(2)

الموافقات 3/ 181.

ص: 329

سواء بالاستثناء كقولك: "عشرة إلا ثلاثة" فإنه مرادف لقولك سبعة، أو بالصفة وأشباه ذلك:"ليس في الحقيقة بإخراج الشيء بل هو بيان لقصد المتكلم في عموم اللفظ".

ويستشهد بقول سيبويه: "زيد الأحمر عند من لا يعرفه كزيد وحده عند من يعرفه"(1)، ولا تخصيص لا لفظًا ولا قصدًا، وأما أنه ليس بمجاز: فذلك لحصول الفرق عند العرب بين قول القائل: "ما رأيت أسدًا يفترس الأبطال" وقول القائل: "ما رأيت رجلًا شجاعًا" فالأول مجاز والثاني (2) حقيقة.

والشاطبي في هذا الاستدلال يعتمد على أمرين:

الأول: الرجوع إلى أهل العربية في هذا الاعتبار. الثاني: اعتبار المقصد الشرعي.

أما ما يصوره العقل في مناحي الكلام فلا يعتمده طريقًا لإِثبات مقصوده هنا (3).

أما التخصيص بالمنفصل عنده فليس هو التخصيص الذي يذهب إليه الأصوليون، بل هو بيان للمقصود من عموم الصيغ في أصل الاستعمال العربي أو الشرعي، وما ذكره الأصوليون يرجع إلى بيان خروج الصيغة عن وضعها من العموم إلى الخصوص.

وفرق بين قوله أن التخصيص بيان لوضع اللفظ، وبين قولهم أنه بيان لخروج اللفظ عن وضعه.

والفرق بينهما كما يصوره الشاطبي كالفرق بين البيان عقب اللفظ المشترك ليبين المراد منه، وبين البيان الذي سبق عقب الحقيقة لبيان أن المراد المجاز كقولك:"رأيت أسدًا يفترس الأبطال".

(1) المصدر السابق 3/ 181.

(2)

المصدر السابق 3/ 182.

(3)

المصدر السابق 3/ 182

ص: 330