الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تقف عند حد، وعلى كل وجه يصح لكل زائغ وكافر أن يستدل على زيغه وكفره حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة" (1).
ومع القطع بهذه الأمور وهي:
1 -
أن الباطل له مسالك كثيرة.
2 -
أن العقل لا يمكن أن يحصر طرقه ومسالكه، ولا الاستقراء.
3 -
أنه يمكن أن تحدث مسالك للنظر جديدة لا عهد للسابقين بها (2).
مع العلم بذلك كله إلّا أنه لا بد من محاولة لتحديد أخطر مسالكهم والتحذير منها، ومن أشدها فساداً:
1 -
البناء على غير أصل والجهل بمقاصد الشرع.
2 -
عدم العلم بالعربية.
3 -
اتباع العقل، وتحكيم الأقيسة الفاسدة (3).
المطلب الأول
البناء على غير أصل
وقع أهل الأهواء في هذا المسلك الفاسد لأنهم يجهلون مقاصد الشريعة، ولم يتلزموا منهج التلقي الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ورضيه لهم.
وكل من جهل مقاصد الشريعة وقواعد الدين وقع في هذا المسلك الذي اشتهر به أهل الأهواء.
وتقرير أحكام الشرع، والكلام في الدين لا يكون إلّا بأصل شرعي أو بالبناء عليه.
(1) الاعتصام 1/ 285.
(2)
المصدر نفسه 1/ 223 - 224.
(3)
الاعتصام 1/ 224 - 231 - 237 - 239.
وقد نقل الإِمام الشافعي الإِجماع على: أنه ليس لأحد كائناً من كان أن يقول إلّا بعلم (1).
قال: "ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلّا من جهة علم مضى قبله، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإِجماع والآثار وما وصفت من القياس عليها"(2).
وهذا أمر لا ينبغي لعاقل يحذر على دينه أن يستريب فيه، وإلاّ هلك مع الهالكين، وهل ضلت الفرق وأضلت إلّا بعد أن تركت هذا الأصل، وهذا هو الإِمام ابن عبد البر ينقل إجماع أئمة الأمصار قديماً وحديثاً ويؤكد ما قاله الإِمام الشافعي قال: "
…
الاجتهاد لا يكون إلّا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم وأنه لا يجتهد إلّا عالم بها ومن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف ولم يجز له أن يحيل على الله قولاً في دينه لا نظير له من أصلِ ولا هو في معنى الأصل وهو الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديماً وحديثاً فتدبر" (3).
وعلى ذلك فإن كل احتمال مبني على غير أصل غير معتبر فلا بد لكل قول من شاهد يشهد لأصله وإلاّ كان باطلاً، ومن هنا اعتبر العلماء كل من تكلم في القرآن برأيه فهو مذموم، "لأنه متقول على الله بغير برهان، فيرجع إلى الكذب على الله تعالى"(4).
والراسخ في العلم إنما يتكلم في القرآن ويبين مراد الله سبحانه وهو معتمد على الشواهد لا مجرد الاحتمالات، فلا يقول تحتمل الآية أن يكون الحكم كذا وكذا أو أن المعنى هو كذا وكذا (5)، ومن هذا النوع رد بعض العلماء الاستحسان
(1) انظر الإِجماع في الأم 7/ 273.
(2)
الرسالة: مسألة رقم 1468.
(3)
جامع بيان العلم وفضله 2/ 57.
(4)
الموافقات 3/ 286.
(5)
المصدر السابق 3/ 288.
على اعتبار أنه قول مبني على غير أصل، وقال الإِمام الشافعي من استحسن فقد شرع، ذلك أنه اعتبر الاستحسان قول بالهوى والتشهي (1).
وليس من البناء على الأصول ما يزعمه بعض المحدثين من الاستناد إلى ما يسمونه "بروح الشريعة" وقد ناقش الأستاذ المودودي رحمه الله بعض هؤلاء المتأثرين بالثقافة الغربية، حيث يستندون إلى حرية الرأي ويفسرون النصوص الإِسلامية على ذلك الأساس ثم يعلقون تفسيراتهم بمعان عامة يطلقون عليها "روح الشريعة". وقد قسم المودودي الأمر إلى قسمين:
الأول: ما يسميه روح الشريعة الحقيقي وروح الفقه التي ورثناه عن فقهاء السلف فهذه جديرة بالعناية، ولعله يقصد ما استندت إلى أصل معتبر من كتاب أو سنّة أو إجماع أو فهم للسلف، وهو كما قال.
الثاني: روح غريبة عن الإِسلام يؤتى بها من خارجه وتفسر نصوص الشريعة على ذلك الأساس الغريب، فهذه ترد وتُسْتقْبح لأنها مؤدية إلى نزع الربقة من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (2).
ويقول الغزالي في المستصفى: "نعلم قطعاً إجماع الأمة قبلهم (3) على أن العالم ليس له أن يحكم بهواه وشهوته من غير نظر في الأدلة .. (4).
(1) ومن العلماء من علم أن القائلين به يعتبرونه اجتهاداً معتبراً لأنه مبني على أصل وهم بعد ذلك فريقان فريق وافق على التسمية .. وفريق آخر رفضها باعتبار أنها راجعة إلى الأدلة فلا تحتاج إلى تسمية خاصة. وانظر الاعتصام 2/ 136 - 137 - 138 - 139. ونظرية المصلحة 374 - 387.
(2)
مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة 176، طبعة سنة 1397، دار القلم، الكويت. لأبي الأعلى المودودي.
(3)
يعني بهم القائلين بالاستحسان على اعتبار أنه قول بالهوى والتشهي، وإيراد النص مفيد في الموضع وإن كان أصله في موضع آخر.
(4)
1/ 275.
وقال: "إن الصحابة أجمعوا على استحسان (1) منع الحكم بغير دليل ولا حجة، لأنهم مع كثرة وقائعهم تمسكوا بالظواهر والأشباه، وما قال واحد حكمت بكذا وكذا لأني أستحسنه، ولو قال ذلك لشددوا الإِنكار عليه، وقالوا من أنت حتى يكون استحسانك شرعاً وتكون شارعاً لنا .. "(2).
وهنا نشير إلى مسلك بعض الباحثين المحدثين حيث زعم بعضهم أن الصحابة كانوا يبنون على غير أصل (3). وما هذه النظرة من أمثال هؤلاء إلّا موافقة منهم لمذاهب أهل الأهواء .. وهي شبيهة بنظرات الذين يزعمون أنهم يتبعون روح الشريعة كما أشار المودودي وهم في الحقيقة يتبعون روح الثقافة الغربية (4).
والبناء على أصل شرعي نقله إلينا السلف من الصحابة والتابعين هو طريق عظيم للمحافظة على ثبات الشريعة، فإن اتباع ذلك الأصل الذي ثبتت شرعيته ضابط للاجتهاد عن أن يسلك تلك المسالك الفاسدة التي غُيّر بها الدين وأُدخل فيه ما ليس منه، وبه نميز بين النظر الصحيح والنظر الفاسد، وبه نزيّف تلك الآراء التي تنتسب إلى الشريعة وهي ليست منها لأن كل ما لم يُبْنَ على أصل معتبر كان حقه الإِلغاء لأنه حينئذ مجاف للشريعة، ومن ذلك رد قول المتبعين للمصالح الموهومة المناقضة للشريعة لأن كل ذلك مبني على شفا جرف هار ليس له سند إلّا الأهواء وتخرصات العقول .. ولذلك كان من أعظم سمات المنهج الأصولي عند أهل السنة الرد إلى أصل شرعي من نص أو قياس معتبر .. وهذا هو منهج الصحابة - رضوان الله عليهم -، كما نقل العلماء المعتبرون رحمهم الله الإِجماع على ذلك.
(1) الأولى أن يقول "إن الصحابة أجمعوا على منع الحكم بغير
…
".
(2)
المستصفى 1/ 278 - 279.
(3)
ولهم في ذلك كلام يطول أكثره عند حديثهم عن المصلحة وسيأتي مناقشة شبههم بالتفصيل - إن شاء الله.
(4)
سيأتي معنا مناققة بعض المتأثرين بآراء المستثرقين إن شاء الله.