الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب العاشر
موقف الشريعة من العادات والأعراف والمصالح
إن من الأعراف والعوائد ما يحتاجه الإِنسان بسبب ما يحيط به من بحار أو أنهار وما تحت يده من معادن .. وما يحتاجه من الصنائع والمتاجر، وقد سبق ذكر بعض الأمثلة كاستصناع الثياب ووقف بعض المنقولات .. ونحو ذلك ..
ومنها ما لا يحتاجه بل صار عرفًا وعادة بسبب شهوة منحرفة وشبهة مغرضة كبدعة المولد التي خلفها الحكم الشيعي الفاطمي في مصر، وما ورثه الأبناء عن الآباء من عقائد الجاهلية.
{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (1).
والعرف والعادة لهما من القوة في نفوس الناس حتى أن الأنبياء والمصلحين ليجدون من العنت والمشقة والجهد والصعاب، في طريق تصحيح الاعتقاد والعادات ما يثقل كواهلهم ويجعلهم يصابرون ويرابطون حتى يكرمهم الله بالتثبيت ويعينهم على أداء مهمتهم.
ولقد جاء الإِسلام ليصحح للناس عوائدهم ما يتصل منها بالعقيدة - مثل ما اعتادوه من عبادة الأصنام والنجوم والأولياء، وما اعتادوه من التشريع من دون الله أو ما يتصل منها بالأعمال كشرب الخمر، والتطفيف في المكيال والميزان والتبايع بالربا، وزواج الأخدان، والتناصر على الظلم، والتفاخر بالقوميات، ونحو ذلك، من عادات الجاهلية.
وهذه العادات وما شابهها أبطلها الإِسلام وأبدل المؤمنين به خيرًا منها، وألزمهم بمحاربتها ومقتها والبراءة منها.
وهناك عادات أخرى عند الأمم، يأتي الإِسلام ويصلحها ويزينها ويطهرها من القصد الفاسد ويدخلها في نظامه التشريعي بعد أن يقوم بذلك كله، فتصبح
(1) سورة الزخرف: آية 23.
انظر العرف والعادة 15، وانظر أصول الفقه للشيخ أبو زهرة 216.
لها مكانة جديدة وقصدًا صالحًا، كعادة الكرم والشجاعة، فإذ انظرت لها في الإِسلام وجدتها تحمل معاني جديدة وصفات بديعة وطبيعة مستقلة حتى لكأنها ليست هي تلك العادة الموجودة عند الأمم الأخرى وإن كانت تأخذ الصورة نفسها، ولأن الانحراف والاستقامة والضلال والهدى يعتوران البشرية فلا ينقطع أحدهما، بل تارة يغلب هذا، وتارة يغلب ذلك - بقدر ما يبذله البشر من جهد نحو الاستقامة والهدى، أو بقدر ما ينحدرون فيه من الانحراف والضلال، فإن هذه العادات وتلك الأعراف التي تعيشها الأمم يعتورها الضلال والهدى والانحراف والاستقامة أيضًا ومن ثم كان للإِسلام موقفه المحدد منها تمامًا كما كان موقفه منها أول مرة، فيكون هو الحاكم عليها يبطل منها ما يبطل، ويقبل منها ما يقبل حسب منهجه ومفاهيمه ومقاصده ولذلك تجد الأعراف والعادات تخضع عند الفقهاء رحمهم الله تعالى لميزان الشريعة فما قبلته الشريعة حسب مفاهيمها ومقاصدها فهو عادة حسنة وعرف حسن، وما أبطلته فهو عادة قبيحة وعرف قبيح، تمامًا كما نقول فيما يظنه الناس مصلحة، فنقول هذه مصلحة لأن الشريعة حكمت بذلك، وهذه ليست مصلحة لأن الشريعة حكمت بأنها مفسدة، وهذا هو القدر المشترك بين المصالح والعادات والأعراف، وهو شديد الإتصال بقضية البحث، فإن أكثر الناس - وتابعهم على ذلك بعض الباحثين - قد حكموا ما يرونه مصالح وما درجوا عليه من العادات والأعراف، فجعلوها حجة على الشريعة، فغيروا منها ما غيّروا، وزعموا بذلك أنهم يطلبون الإِصلاح والتوفيق، والمصالح، ويتبعون العادات والأعراف، وما علموا أنهم بذلك ينحرفون عن الحق ويتنكبون طريق هذه الشريعة، ولو استقاموا عليها لنبذوا تلك الانحرافات العقائدية والعملية التي سموها عادات وأعرافًا ومصالح فإن الشريعة لم تُسلّم بدعوى الخلق أن هذه مصلحة أو عرف حسن أو عادة طيبة، بل وضعت الضوابط لتلك الأعراف والعادات التي لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات فقبلت منها ما قبلت وأبطلت منها ما أبطلت، ووجهتها في القبول والإبطال تحقيق معنى العبادة لله وحده، وإلزام الناس بالحق، وتكليفهم بإقامة العدل الرباني في الأرض، وعلى ذلك ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأبطل عادات
الجاهلية وأعرافها التي نشأوا عليها، من عبادة غير الله، كعبادة الأصنام، والتشريع من دون الله، وغير ذلك من أحكام وعادات الجاهلية كالتبايع بالربا، ولعب الميسر، والتبني وزواج الأخدان، ونحو ذلك، فلما استقام أصحابه - رضوان الله عليهم - على الحق ولم تعد تتحكم فيهم العادات والأعراف الجاهلية، كانت وجهتهم هذه الشريعة بأحكامها العامة والخاصة، إليها يتحاكمون وبها يوقنون، فأخضعوا مجتمعهم بجميع ما يجدّ فيه من أعراف وعادات - نتيجة إلتقائهم بالأمم الأخرى لهذه الشريعة، وعلموا أنها هي المصلحة والعدل، ولم يمنعهم من ذلك انتشار تلك الأعراف والعادات وتأصلها في الأمم الأخرى، بل أقاموا الملة دون التفاتٍ إلى ذلك، وهذا هو منهجهم القويم في نشر الإِسلام وتحكيم الشريعة، ولهم في رسول الله قدوة حسنة، وفي صاحبه وخليفته أبي بكر رضي الله عنه من بعده، فإنه قد أقام الملة ولم يلتفت إلى العوارض الطارئة، كما قال الإِمام الشاطبي في الاعتصام (1)، وذلك منهم جهاد محمود وسنّة متبعة، لو استمسك بها المسلمون من بعدهم لاستقام أمر الدين وصلح حال الخلق، وقد حفظ سيرة الراشدين فقهاء الأمة المعتبرون من السلف الصالح، حيث حكموا الشريعة على الأعراف والعادات، فاشترطوا لقبول العادة الجارية بين الخلق والأعراف المتمكنة فيهم عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإِسلامية، ولا عليهم بعد ذلك من اجتماع الخلق على عرف أو عادة، فإن العبرة ليست بما يقرره المخلوقون (2)، بل العبرة بما يقرره خالقهم، ولم يعتبر الفقهاء ما يراه الخلق مصلحة أو عرفًا حسنًا أو عادة مقبولة إذا كانت تعارض حكمًا من أحكام الشريعة، ولم يضرهم ويفت في عضدهم غلبة تلك الأعراف أو العادات، كما لم يفت في عضد أبي بكر رضي الله عنه غلبة أهل الردة وما أرادوا إقراره من
(1) الاعتصام 2/ 356.
(2)
بل العبرة بما تقرره هذه الشريعة، ومن العجب أن كثيرًا من الناس يريدون من هذه الشريعة شمولًا يناسب انحرافاتهم، ويطلبون منها أحكامًا تناسب أصولهم العقائدية ومقاصدهم المنحرفة، والشريعة لم ينزلها الله لذلك وإنما أنزلها كما قلنا من قبل ليختارها الناس ويسلّموا لنهجها الرباني لا ليشترطوا عليها.
الباطل وتغيير بعض أحكام الشريعة بدعوى تغير الحال بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجيء زمن آخر وهوعهد أبي بكر رضي الله عنه، بل اجتهد أبو بكر ما استطاع في إقامة الملة وحفظ أحكام الشريعة، ولم يقبل من أهل الردة تغيير حكم من أحكامها ولا الامتناع عنه حتى ولو كان عقالًا كانوا يلتزمون بتقديمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كانوا يعتبرونه دينًا ولم يعتبر الخليفة الراشد أبو بكر رضي الله عنه العوارض الطارئة، من ارتداد العرب واجتماع الروم على حدود الجزيرة، ومشورة بعض المجتهدين حيث ظن أن المصلحة في ترك قتال بعض العرب - الذين أرادوا تغيير بعض أحكام الشريعة وامتنعوا عن الالتزام بها، لم يعتبر أبو بكر رضي الله عنه شيئًا من ذلك البتة (1) بل صبر رضي الله عنه على إقامة الملة والمحافظة على أحكام الشريعة وعدم التفريط في حكم منها، حتى اجتمعت معه على الحق القلوب، ونصر الله به هذه الشريعة، ولم يجد المغيرون لبعض أحكامها والممتنعون عن ذلك طريقًا إلى تحقيق مقاصدهم، وقد استن الفقهاء من السلف بهذا الفقه العظيم من أبي بكر رضي الله عنه وحافظوا على أحكام الشريعة، وهذا الذي ينبغي أن يصير إليه علماء المسلمين في العصر الحاضر، فيحكّموا الشريعة على عادات وأعراف الجاهلية الحديثة المتمثلة في أفكار وعقائد ومذاهب فكرية وقوانين وضعية مخالفة للشريعة الإِسلامية، صدرها إلينا الغزو الفكري الحديث فما قبلته الشريعة فهو الحق (2)، وما أبطلته فهو الباطل ولو اجتمع عليه عقلاء الأمم وحكماؤها، إنّ على علماء المسلمين أن يعلموا علم اليقين أن هذه الشريعة إنما جاءت لتصحح للبشرية كافةً جميع ما عرفته وتعودته من مفاهيم وعقائد وأحكام وأخلاق، جاءت لتفرق بين الحق والباطل، والإِسلام والجاهلية، والمصلحة والمفسدة، والمعروف والمنكر، هذه مهمتها، وهذه هي مهمة العلماء القائمين بحقها:
(1) الاعتصام 2/ 356، 357.
(2)
ويصبح حينئذ من الشريعة لا باعتبار أنه حكم وضعي بشري بل بإعتبار أنه من الشريعة لأنها أقرته واعتبرته ولم ترده وإلّا لم يكن له شرعية.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (1).
وبهذا الحق الذي تدعوا إليه هذه الشريعة والذي إلتزمه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون من السلف الصالح تسقط تلك الاعتبارات الزائفة والأفكار الدخيلة فلا عبرة بمبدأ ولا عقيدة ولا مذهب ولا عرف ولا عادة تخالف هذه الشريعة، ولو ظنه أهل الأرض بعقولهم المجردة خيرًا ومصلحة، ولا يقال أن أهل الأرض لا يمكن أن تفوتهم المصلحة والخير، لأنا نقول قد فاتهم ذلك، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب"(2) فهؤلاء جملة العرب والعجم ولم تسعفهم عقولهم بمعرفة المصلحة والخير، بل كانوا على ضلالة وبدع وانحراف في العقيدة والأحكام والأخلاق، ولم ينج من ذلك إلّا من كان لهم مصدر رباني يستقون منه ويرجعون إليه، ولا يقال أن من بعدهم من الأمم أعقل منهم، بل الناس في ملكة العقل مشتركون، ولم يمنع العقل البشرى في هذا العصر سقوط أكثر البشرية في جاهليات أقبح وأشنع من جاهلية العرب والعجم قبل الرسالة، إن العقل البشري لا يمكن أن يستقل بإدراك مصلحته ومن ثم لا يمكن أن يحدد منهج الحياة الطيبة المستقيمة، وإن فيما تقرر في ثنايا هذا البحث من أن الله سبحانه هو الذي ينزل العقائد والأحكام، وهو أعلم بمصلحة خلقه، والخلق لا يعلمون إلّا ما علمهم الله (3)، وأنه ليس لأحد كائنًا من كان لا أمة ولا هيئة ولا كبير ولا صغير أن يعارض حكمًا من أحكام الشريعة، ولا أن يقدم عليه عرفًا أو عادة أو ما يزعم أنه مصلحة، لا في العقيدة ولا في الشريعة، وتستوي في ذلك أحكام الصلاة والجهاد، والأموال والدماء، وأحكام العلاقات الداخلية
(1) سورة الأحزاب: آية 4.
(2)
رواه مسلم عن عياض بن حمار، في كتاب الجنة باب الصفات التي يُعْرفُ بها في الدنيا أهل الجنة 4/ 197، وأحمد في المسند 4/ 162.
(3)
حتى في عالم المادة فقد جعل الله لها أسبابًا ودلهم عليها في كل زمن حسب قدراتهم، وما يحتاجون إليه، وأما أمر عقيدتهم وشريعتهم فقد أكده بإرسال الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام وأنزل الشريعة الخاتمة.
والخارجية، العام منها والخاص، والرسل والعلماء والأمم أمام ذلك كله ملزمون بالخضوع والانقياد والطاعة والإِذعان، وإلا فهو الهلاك والفساد والضلال والانحراف، لا تنجي منه عقول العقلاء ولا حكمة الحكماء، وقد حقق الرسل واتباعهم تلك العقيدة فأقاموا العدل الرباني في الأرض واستقاموا على الطريقة المثلى، وبقدر ما انحرف الناس عن ذلك المنهج والطريق بقدر ما أصابهم من الفتنة والانحراف والفساد، ذلك أن مصدر الخير والسعادة والفلاح هو تلك الشريعة، وجعلها الحكم الأول والأخير على كل شيء، وأما العقول البشرية فهي مصدر الاضطراب والحيرة والشقاء والانحراف، وواقع البشرية - التي منحها الله نعمة العقل - خير شاهد قديمًا وحديثًا في كل فترة انحرف فيها العقل عن أحكام هذه الشريعة المصدر الرباني للهدى والعدل. وكون العقل وحده لم يأت للبشرية - في مجال العقيدة والأحكام - بخير، وكون الشريعة هي الخير كله، لك ذلك لا يمكن أن يتغير مفهومه وينقلب مهما تغيرت الأزمان والأمكنة، ومن هنا فإن نتاج العقل البشري الذي لا يلتزم بالشريعة لا يصلح معارضًا لأحكامها، ولا يُقدم عليها، وهذه عقيدة بينة لا يجوز لأحد أن يخالفها، ومن هنا تسقط تلك الشبهة العريضة من أن أحكام المعاملات والنظام الاجتماعي قد تتغير لتغير مصالحها ومن ثم لا بأس بتبديلها (1).
والجواب الذي يقطع دابر هذه الشبهة، وقد سبق ما يكفي في ذلك - هو أن تغير الأحوال والأزمنة لم تغفله الشريعة بل وضعت له أحكامًا تخصه كما قلنا، فاختلاف الأزمنة التي تأتي على المسلمين فترة القوة، وفترة الضعف، جعل الله لكل زمن حكم يخصه في حال القوة، وكذلك في حالة المجاعة والحاجة وفي حال الاكتفاء، أمر في الأولى بعدم قطع السارق، وفي الثانية بالقطع، وهكذا ولا تعني مراعاة الشريعة للأزمان والأحوال والقدرات أنها تركت تحديد المصلحة وتشريع الحكم للعقل البشري، كلا فإنها لم تترك ذلك له لا في العبادات ولا في المعاملات ولا فيما يسميه بعض المحدثين النظام الاجتماعي، ولا وجه للتفريق
(1) انظر ما سبق ص 459 - 460.
بين هذه الأحكام أو تلك، لأن ضابط شرعية المصلحة إما أن يكون حكم الشرع، أو حكم العقل أو مجموعهما، فإن كان حكم الشرع، راجعنا إلى الحق الذي جاء به الإِسلام وعمل به الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون.
وإن كان هو العقل - فلا وجه للتفريق بين مصلحة ومصلحة وبين جانب من الشريعة وجانب آخر، فلعل العقل يغير أحكامها جميعًا فتكون الحجة له حينئذ والعقول متفاوتة فمنها ما سيحكم بتغير أحكام المعاملات، وبعض العقول يغير العبادات وهكذا، وإذا جاز إبطال حد واحد جاز إبطال سائر الحدود كما قال الشاطبي - وقد سبق (1).
فإن قيل علمنا التفريق بين ما يمكن تغيره وما لا يمكن - من فعل الصحابة - رضوان الله عليهم - وفعلهم حجة، فالجواب أن هذا لم يثبت وفيما فصلته من البيان كفاية في إظهار الحق إن شاء الله.
وإِمّا أن يكون حكم الشرع والعقل، وهنا نقول إِمّا أن يتفقا وِإمّا أن يختلفا، فإن اتفقا فالحكم للشرع، والعقل تابع كما تقرر من قبل (2). ومما يدل عليه هنا ويؤكده الحالة الثانية، وهي إن اختلفا فإما أن يقدم الشرع وهو الأول، وإما أن يقدم العقل وهو باطل، وإن قدم فلا وجه للتفريق بين جانب من الشريعة وجانب آخر ولا مصلحة ومصلحة كما قلنا آنفًا، فلزم على قاعدة تغير الأحكام بتغير المصالح ما لزم من المفاسد، وبهذا يتبين أن هذه المقالة لا تقبلها الشريعة، لأنها تقتضي فيما تقتضي - أن نحكم بتغير حكم الحادثة الواحدة إذا زعم العقل أن مصلحتها تغيرت، فمثلًا لو حكم العقل بزعمه أن حكم قطع يد السارق - إذا تحققت شروط القطع - لم يعد يحقق - المصلحة كما كان يحققها في العصور الماضية، وعليه فيجب تغيير هذا الحكم، فإن هذا التغيير وإن دخل في معنى تلك القاعدة على ما قدمناه آنفًا إلّا أنه لايقول به مسلم عامي فضلًا أن يكون معنى شرعي يجوز نسبته إلى الفقهاء.
(1) انظر ما سبق ص 420.
(2)
انظر ما سبق ص 286/ 420.
إن تغيِّرَ الفتوى إذا تغيّرَ تحقيقُ المناط لكي تنتظم كلُّ واقعةٍ تحت حكمها الشرعي، لا صلة له البتة بتغيّر أحكام الشريعة بزعم تغيّر المصالح بتغير الأزمنة، ومن هنا فإن الفقه الإِسلامي يتجدَّد ولا يجْمُدْ، حيث يأخذ كل واقعة بخصوصها فيدخلها تحت حكمها الشرعي حسب تحقق مناطها، فإن جاء زمن آخر تجددت تلك الواقعة على صورة أخرى وتغيّر تحقيق مناطها، وُضِعت تحت حكمها الخاص بها وهكذا، وإذا جاءت واقعة جديدة نُظر في حكمها الخاص بها حسب تحقق مناطها وهكذا، ولكل واقعة حكم، والاختلاف في الأحكام في الزمن الواحد وفي جميع الأزمان إنما هو اختلاف وقائع واختلاف تحقيق المناط، ولكل واقعة بحسب تحقق مناطها حكم ثابت يحقق المصلحة في جميع الأزمان إلا أن يتغير تحقيق المناط، أي تتغير الواقعة فَيُدْخلُها الفقهُ حينئذ تحت حكم يخصها، وسيأتي الحديث عن الفقه بين الجمود والتجديد في الفصل التالي والله المستعان.