الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد
الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج
المدخل إلى المسألة:
• لا يصح حديث مرفوع في استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند الخروج.
• العمدة في استحباب تقديم اليمنى دخولًا واليسرى خروجًا إما على اتفاق الفقهاء، وإما على القياس على لبس النعل وخلعه، والأول أظهر في الاستدلال.
• استحباب تقديم اليمين في شأن الإنسان لا يؤخذ منه عموم استحباب تقديم اليمين في كل شيء، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتسوك في المنام، فأراد أن يناول الأصغر فقيل له: كَبِّر، وهو السنة في تقديم الشراب والسلام والطيب والكلام ونحوها، ثم يقدم من كان أيمن الكبير، فالأيمن إنما امتاز لجلوسه عن يمين الفاضل، فالفضل إنما فاض عليه من الكبير.
• يستحب تقديم اليمين في شأن الإنسان كله من العبادات والعادات في كل فعل يكون من باب التكريم، كالوضوء واللبس والإعطاء، واليسرى في عكس ذلك كإماطة الأذى، وخلع النعل وما لا يمكن إلحاقه فالأصل فيه اليمين.
[م-446] اعتبر الحنفية تقديم الرجل اليمنى سنة
(1)
، ولا يخفى عليك الفرق
(1)
. فتح القدير لابن الهمام (2/ 447)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 321)، البحر الرائق (2/ 350، 351)، مجمع الأنهر (2/ 270).
عند الحنفية بين السنة والمستحب
(1)
.
وقال الجمهور: يندب له تقديم اليمنى دخولًا، واليسرى خروجًا
(2)
.
وذكر الجمهور أن القاعدة أن ما اشتركت فيه الجارحتان: اليدان أو الرجلان وكان من باب الكرامة قدمت اليمين، وعكسه تقدم اليسرى، كالدخول للحمام، وخلع النعل.
ويقدم الأشرف على الشريف كما لو كان باب بيته داخل المسجد، فالحكم للمسجد دخولًا وخروجًا، وأما الكعبة والمسجد فالحكم للكعبة في الدخول، وكذا المسجدان المتلاصقان يقدم اليمين في الأشد حرمة، فإن استويا خير، ويقدم اليمين في الموضع الذي اختاره للصلاة من الصحراء، واليسرى للموضع الذي اختاره لقضاء الحاجة
(3)
.
(1)
. السنة عند الحنفية أعلى رتبة من المندوب، فالسنة يثاب فاعلها، ويستوجب اللومَ، والكراهةَ والإساءةَ تاركُها، بخلاف النوافل، فإنه لا لوم على تركه.
والسنة عند المالكية وبعض الشافعية: على ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن واجبًا، كصلاة الكسوف، والعيدين، والوتر، والمستحب ما فعله ولم يواظب عليه، أو أمر به ورغب في فعله، ولم يفعله.
وأما الشافعية والحنابلة فيجعلونها ألفاظًا مترادفة، يراجع في هذا كتب الأصول للوقوف على مصطلحات المذاهب في السنة.
(2)
. الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 93)، الشرح الكبير (1/ 108)، الشامل في الفقه (1/ 55)، الدر الثمين والمورد المعين (ص: 192)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 141)، أسهل المدارك (1/ 71)، المجموع (1/ 384).
(3)
. الشرح الصغير (1/ 93)، شرح زروق على متن الرسالة (2/ 1056)، تحفة المحتاج (1/ 158، 159)، نهاية المحتاج (1/ 131)، كفاية النبيه (1/ 430)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (1/ 274)، شرح العمدة لابن تيمية -كتاب الصلاة (ص: 610).
قال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 384): «قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: يستحب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم كالوضوء، والغسل، ولبس الثوب، والنعل، والخف، والسراويل، ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود والأخذ والعطاء وغير ذلك مما هو في معناه
…
ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط والاستنجاء ودخول الخلاء والخروج من المسجد وخلع الخف والسراويل والثوب والنعل وفعل المستقذرات وأشباه ذلك».
قال ابن تيمية: «قد استقرت قواعد الشريعة على أن الأفعال التي تشترك فيها اليمنى واليسرى تقدم فيها اليمنى إذا كانت من باب الكرامة كالوضوء والغسل، والابتداء بالشق الأيمن في السواك، ونتف الإبط، وكاللباس، والانتعال والترجل، ودخول المسجد والمنزل، والخروج من الخلاء، ونحو ذلك.
وتقدم اليسرى في ضد ذلك، كدخول الخلاء، وخلع النعل، والخروج من المسجد، والذي يختص بإحداهما إن كان بالكرامة كان باليمين، كالأكل والشرب والمصافحة، ومناولة الكتب، وتناولها، ونحو ذلك.
وإن كان ضد ذلك كان باليسرى، كالاستجمار، ومس الذكر، والاستنثار، والامتخاط، ونحو ذلك. اهـ»
(1)
.
ولو قيل: إن الأمور ثلاثة:
ما كان ظاهرًا أنه من باب التكريم، فتقدم فيه اليمنى.
وما كان ظاهرًا أنه من باب الأذى، فتقدم فيه اليسرى.
وما لا يمكن إلحاقه في أحد منهما، فالأصل فيه اليمين.
• أدلة الفقهاء على الاستحباب:
الدليل الأول:
(ح-1073) أخرجه الحاكم من طريق أبي الوليد الطيالسي، حدثنا شداد أبو طلحة، قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن أنس بن مالك،
أنه كان يقول: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى.
[ضعيف]
(2)
.
(1)
. مجموع الفتاوى (21/ 108).
(2)
. رواه الحاكم في المستدرك (1/ 218)، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/ 442).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بشداد بن سعيد أبي طلحة
الراسبي ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وصححه النووي في المجموع (2/ 419).
والحق أن شَدَّادًا لم يحتجَّ به مسلم، وإنما أخرج له حديثًا واحدًا في المتابعات، وقال البيهقي في السنن الكبرى:«تفرد به شداد بن سعيد، أبو طلحة الراسبي، وليس بالقوي» .
وسئل الدارقطني عنه، فقال: يعتبر به. انظر فتح الباري لابن رجب (3/ 192).
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم.
وضعفه عبد الصمد بن عبد الوارث، وقال العقيلي: له غير حديث لا يتابع عليه.
وقال أحمد: شيخ ثقة، ووثقه ابن معين والنسائي، فتوثيق هؤلاء مع جرح البيهقي وأبي أحمد الحاكم والدارقطني، وعبد الصمد، والعقيلي ينزل به عن مرتبة التوثيق إلا أن يكون صدوقًا في حفظه شيء، وانفراده بحديث لا يرويه غيره علة في الحديث، وهو ما أعله به البيهقي، والله أعلم.
والعجب أن مثل هذا الحكم الذي يتكرر في اليوم خمس مرات لا يحفظ فيه حديث صحيح مرفوع، مما يضطر الفقيه إلا الاستدلال بالعمومات.
الدليل الثاني:
(ث-255) قال البخاري في صحيحه: باب التيمن في دخول المسجد وغيره، ثم ساق البخاري أثرًا معلقًا بصيغة الجزم، قال أبو عبد الله: كان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى
(1)
.
لم أقف على سنده، ولكن صنيع البخاري يدل على أنه صحيح عنده، حيث علقه عن ابن عمر مباشرة جازمًا به.
وقال ابن حجر: قوله: «(وكان ابن عمر)
…
لم أره موصولاً عنه»
(2)
.
هذا هو عمدة الباب، والبخاري ثقة في نقله، ويظهر أن ضياع هذا الأثر لم يكن في عصرنا فقط، بل كان قديمًا حتى أعوز ابن حجر الوصول إليه.
الدليل الثالث:
(ح-1074) ما رواه البخاري، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني أشعث بن سليم، قال: سمعت أبي، عن مسروق،
عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره،
(1)
. صحيح البخاري (1/ 93).
(2)
. فتح الباري (1/ 523).
في شأنه كله. ورواه مسلم بنحوه
(1)
.
(1)
. صحيح البخاري (168)، ومسلم (268).
والحديث مداره على الأشعث بن سليم، سمعت أبي يحدث عن مسروق، عن عائشة مرفوعًا.
وقد رواه جماعة عن الأشعث بن سليم على اختلاف في ألفاظهم، من تقديم وتأخير، وزيادة ونقص.
فأحدها: لفظ البخاري الذي قدمناه في الباب: (كان النبي يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره في شأنه كله).
اللفظ الثاني: ما رواه أحمد (6/ 94) من طريق بهز.
والبخاري (426) من طريق سليمان بن حرب، كلاهما عن شعبة به، بلفظ:
(كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره، وترجله، وتنعله).
وهو عند مسلم (67 - 268) دون قوله: (ما استطاع) مع تقديم وتأخير.
اللفظ الثالث: بزيادة: الواو في قوله: (وفي شأنه كله)، بلفظ:(كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله).
قال الحافظ في الفتح (168): «للأثر من الرواة بغير واو، وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو، وهي التي اعتمدها صاحب العمدة» . اهـ
وهل بين هذه الألفاظ من اختلاف؟
فالجواب: أما على إثبات الواو، فإن الحديث ظاهره، أن التيامن سنة في جميع الأشياء، لا يختص بشيء دون شيء، ولفظ:(كل) صريح في العموم، خاصة وأنه جاء توكيدًا بكلمة:(شأنه) المفردة المضافة الدالة على العموم بذاته، فكيف بعد توكيده بكلمة:(كل) إلا أن هذا العموم قد خص منه ما جاء في حديث عائشة أيضًا: (كانت يد رسول صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره ولحاجته، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى) فهذا نص أن الأذى والخلاء له اليسرى.
وأما على الرواية دون واو فليس فيها هذا العموم، قال صاحب الفتح (168): وأما على إسقاطها فقوله: (في شأنه كله) متعلق بـ يعجبه، لا بالتيمن. أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله. إلخ أي لا يترك ذلك سفرًا ولا حضرًا ولا في فراغه، ولا شغله، ونحو ذلك».
وجاء في بعض ألفاظ الحديث من دون قوله: (في شأنه كله) فقد رواه أحمد (6/ 147) عن محمد ابن جعفر، ورواه أيضًا (6/ 202) عن يحيى بن سعيد القطان.
وأخرجه البخاري (5926) عن أبي الوليد، ومن طريق عبد الله بن المبارك (5380) كلهم عن شعبة به دون قوله (في شأنه كله).
ورواه مسلم (268) والترمذي (608) من طريق أبي الأحوص عن أشعث به. دون ذكرها، والراجح والله أعلم أنها محفوظة، لأن محمد بن جعفر، وعبدان قد صرحا في آخر الحديث عن شعبة بأن أشعث كان قد قال بواسط:(في شأنه كله) فبين شعبة أن كلمة (في شأنه كله) ثبتت في
…
السماع القديم، والسماع القديم مقدم على غيره.
وقد احتج به البخاري على استحباب تقديم اليمين في دخول المسجد.
وقال العيني: عمومه يدل على البداءة باليمين في دخول المسجد
(1)
.
الدليل الرابع:
(ح-1075) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ليكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع
(2)
.
(3)
.
الدليل الخامس:
(ح-1076) ما رواه مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه، وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء. رواه مسلم، ورواه البخاري بغير هذا اللفظ
(4)
.
فالحديث ظاهر في إكرام اليمين، واختصاص اليسرى بالأذى.
الدليل السادس:
(ح-1077) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت:
كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره ولطعامه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى.
(1)
. عمدة القارئ (4/ 171).
(2)
. صحيح البخاري (5856)، ومسلم (2097) إلا قوله: لتكن اليمنى أولهما تنزع .. إلخ.
(3)
. فتح الباري لابن رجب (3/ 191).
(4)
. مسلم (267)، ولفظ البخاري (154):(إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه).
قال أحمد: وحدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن رجل عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة نحوه.
[الراجح في إسناده الانقطاع]
(1)
.
الدليل السابع:
(ح-1078) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن المسيب،
عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وكانت يمينه لطعامه وطهوره وصلاته وثيابه، وكانت شماله لما سوى ذلك، وكان يصوم الاثنين والخميس
(2)
.
[إسناده مضطرب]
(3)
.
هذه أدلة المسألة، والأفضل تقديم اليمين في الدخول إلى المسجد واليسرى في الخروج، والتعبير بالأفضل أولى -والله أعلم- من الجزم بأن ذلك سنة كما فعل الحنفية؛ لأن السنة تحتاج إلى دليل صحيح خاص في المسألة، خاصة مع كثرة تكراره يوميًا، فلو كان مقصودًا لتوافرت الدواعي على نقله، ولنقل إلينا، والله أعلم.
* * *
(1)
. سبق بحثه في كتابي موسوعة الطهارة - ط الثالثة (7/ 55) رقم: 1280.
(2)
. المسند (6/ 287).
(3)
. سبق بحثه في كتابي موسوعة الطهارة، ط الثالثة (7/ 57) رقم:1281.