الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة
المدخل إلى المسألة:
• القيام مقصود للقراءة، ومقصود بذاته، كالوضوء.
• سقوط القراءة لا يسقط القيام إلا عن المسبوق.
• القيام تعظيم لله كالركوع والسجود قال تعالى: {وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين} ، فأمر بالقيام في الصلاة. وأثنى على المؤمنين بقوله سبحانه {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} .
• كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره من أصحابه أن يقوموا له إذا رأوه
(1)
، ونهاهم أن يصلوا خلفه قيامًا حين صلى قاعدًا في مرضه، وقال: إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود. رواه مسلم.
• قال صلى الله عليه وسلم: من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار
(2)
، لما في القيام من التعظيم الذي لا يصرف إلا لله.
[م-487] اختلف الفقهاء في القيام: أهو ركن مقصود لذاته، أم هو مقصود لغيره؟
(1)
. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2558)، وأحمد (3/ 132، 151، 250)، والبخاري في الأدب (946) والترمذي (2754)، وفي الشمائل (335)، وأبو يعلى (3784)، والطحاوي في مشكل الآثار (1126) من طرق كثيرة، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس.
(2)
. رواه أبو داود الطيالسي (1053)، وابن أبي شيبة (25582)، وأحمد (4/ 91، 93، 100)، والبغوي في الجعديات (1482)، وعبد بن حميد (413)، والبخاري في الأدب المفرد (977)، وأبو داود (5229)، والترمذي (2755)، والطبراني في الكبير (19/ 351) ح 819، 820، 821، 822، وغيرهم من طرق كثيرة عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، قال: دخل معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فذكره.
فقال الحنفية والمالكية: القيام ركن مقصود لغيره، على خلاف بينهم في المقصود بالقيام:
فقال الحنفية: المقصود من القيام التوصل به إلى السجدة؛ لما فيه من نهاية التعظيم
(1)
.
قال ابن نجيم: «القيام ليس بركن مقصود؛ ولهذا جاز تركه في النفل من غير عذر»
(2)
.
(3)
.
(4)
.
وقال المالكية: المقصود من القيام القراءة؛ لأن القيام في حقه مقدر بقدر تكبيرة الإحرام، وقراءة أم القرآن، فدل على أن ذلك هو المقصود، ويسقط ما زاد على ذلك بسقوط القراءة، ولذلك المسبوق يسقط عنه القيام لسقوط القراءة عنه
(5)
.
وقال خليل في مختصره: «وإن عجز عن فاتحة قائمًا جلس»
(6)
.
قال الدسوقي: «سواء كان يقدر على القيام من غير قراءة، أم لا؛ لأن القيام كان لها»
(7)
.
وقال الخرشي: «وأما المأموم فلا يجب عليه القيام لها، قال ابن يونس: لما جوزوا له ترك القراءة خلف الإمام جاز له ترك القيام»
(8)
.
(1)
. فتح القدير (2/ 6)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 80)، البحر الرائق (2/ 59)، مختصر القدوري (ص: 36).
(2)
. البحر الرائق (1/ 387).
(3)
. الهداية شرح البداية (1/ 77).
(4)
. بدائع الصنائع (1/ 107).
(5)
. مختصر خليل (ص: 34)، حاشية الدسوقي (1/ 261)، مواهب الجليل (2/ 5)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 395).
(6)
. مختصر خليل (ص: 34).
(7)
. حاشية الدسوقي (1/ 261).
(8)
. شرح الخرشي (1/ 269).
• ويعترض به عليهم:
بأن القيام بعد الركوع ركن، ولا قراءة فيه، وقد أوجب المالكية القيام للركوع إذا عجز عن الفاتحة وجلس، وهذا قيام بلا قراءة.
ولا يمتنع أن يكون القيام مقصودًا للقراءة، ومقصودًا لنفسه، كالوضوء، فإنه وسيلة للصلاة، ومقصود بذاته، فلو توضأ لغير الصلاة صح منه، وأثيب عليه.
يقول ابن رجب في القواعد: «العاجز عن القراءة يلزمه القيام؛ لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة، لكنه أيضًا مقصود في نفسه، وهو عبادة منفردة»
(1)
.
ولأن الأصل في الصلاة الأفعال، والأذكار تبع لها.
ولأن القيام لو لم يكن مقصودًا في نفسه لم يلزم الأخرس؛ لأنه لا قراءة عليه.
وقال الشافعية والحنابلة وقول في مذهب المالكية: القيام والقراءة كل منهما ركن مقصود بذاته
(2)
.
قال الخرشي: «فإن عجز عنها -أي عن الفاتحة- سقط القيام
…
وقيل: القيام واجب مستقل، فلا يسقط القيام عمن عجز عن قراءتها»
(3)
.
قال إمام الحرمين: «القيام في الصلاة المفروضة ركن مقصود عندنا»
(4)
.
وقال البهوتي في كشاف القناع: «القيام ركن مقصود في نفسه؛ لأنه لو تركه مع القدرة عليه لم يجزئه، فمع القدرة تجب القراءة والقيام بقدرها، فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم»
(5)
.
(ح-1193) ولما رواه البخاري من طريق إبراهيم بن طهمان، قال: حدثني الحسين المكتب، عن ابن بريدة،
(1)
. القواعد (ص: 11).
(2)
. نهاية المطلب (2/ 214)، شرح الخرشي (1/ 269)، كشاف القناع (1/ 341)، مطالب أولي النهى (1/ 434).
(3)
. شرح الخرشي (1/ 269).
(4)
. نهاية المطلب (2/ 213).
(5)
. كشاف القناع (1/ 341).
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب
(1)
.
فعلق الجواز قاعدًا بشرط العجز عن القيام، وليس بشرط العجز عن القراءة.
ولأن القيام إذا كان ركنًا فإنه لا يجوز تركه مع القدرة عليه.
وقد ذكر ابن رجب في القواعد هذا القسم، وقسمه إلى أربعة أقسام.
يقول ابن رجب في القاعدة الثامنة: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا؟ هذا أقسام:
القسم الأول: أن يكون المقدور عليه ليس مقصودًا في العبادة، بل هو وسيلة محضة إليها كتحريك اللسان في القراءة في حق العاجز، وإمرار الموسى على الرأس في الحلق للأقرع، والختان، فهذا ليس بواجب ....
والقسم الثاني: ما وجب تبعًا لغيره وهو نوعان.
أحدهما: ما كان وجوبه على وجه الاحتياط للعبادة؛ ليتحقق حصولها، كغسل المرفقين في الوضوء فإذا قطعت اليد من المرفق هل يجب غسل رأس المرفق الآخر أم لا؟ على وجهين: أشهرهما عند الأصحاب الوجوب، وهو ظاهر كلام أحمد ....
والثاني: ما وجب تبعًا لغيره على وجه التكميل واللواحق، مثل رمي الجمار والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج، فالمشهور أنه لا يلزمه ذلك؛ لأن ذلك كله من توابع الوقوف بعرفة، فلا يلزم من لم يقف بها ....
والقسم الثالث: ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه بانفراده، أو هو غير مأمور به لضرورة:
فالأول: كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه وعجز عن إتمامه فلا يلزمه بغير خلاف.
والثاني: كعتق بعض الرقبة في الكفارة، فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل؛ لأن الشارع قصده تكميل العتق مهما أمكن، ولهذا شرع السراية والسعاية
(1)
. صحيح البخاري (1117).
وقال: (ليس لله شريك) فلا يشرع عتق بعض الرقبة.
والقسم الرابع: ما هو جزء من العبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه: فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بغير خلاف، ويتفرع عليه مسائل كثيرة:
منها: العاجز عن القراءة يلزمه القيام لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة لكنه أيضًا مقصود في نفسه وهو عبادة منفردة
(1)
.
• الراجح:
أن سقوط القراءة عن غير المسبوق لا يسقط القيام عنه، فكلاهما واجب عليه، والعجز عن أحدهما لا يسقط الآخر، وإذا اتفقنا على وجوب القيام مع القدرة على القراءة والسجود، فيستصحب الوجوب مع العجز عنهما حتى يقوم دليل على إسقاط القيام، ولم يقم دليل على سقوطه بالعجز عن القراءة، والله أعلم.
* * *
(1)
. القواعد الفقهية لابن رجب، القاعدة الثامنة (ص: 10).
وقد تعقب شيخنا ابن عثيمين الحافظ ابن رجب في تعليقه على القواعد، فقال:«هذا الفرق فيه نظر؛ لأن القيام ليس جزءًا من القراءة، فالمصنف يقول: (من عجز عن القراءة يلزمه القيام) فيقال: ليس هذه عبادة واحدة، فالقيام شيء، والقراءة شيء آخر، هل القراءة جزء من القيام؟ لا، ولهذا تجب القراءة على القاعد الذي لا يقدر على القيام، وليس القيام جزءًا من القراءة» .
ولعل هذا المثال يصلح للقسم الذي قبله وهو ما وجب تبعًا لغيره، وهو مقصود في نفسه.