المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ١

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الباب الأول في صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة

- ‌المبحث الثاني لا يستحب دعاء خاص للخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الثالث في الوقت الذي يجب الذهاب فيه للصلاة

- ‌المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار

- ‌المبحث الخامس في كراهة التشبيك بين الأصابع إذا خرج إلى الصلاة

- ‌المبحث السادس في استحباب كثرة الخطا في الذهاب للصلاة

- ‌الفرع الأول في اختيار المسجد الأبعد طلبَا لكثرة الخطا

- ‌الفرع الثاني في استحباب مقاربة الخطا

- ‌الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد

- ‌الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج

- ‌الفصل الثاني في استحباب الذكر الوارد لدخول المسجد

- ‌المبحث الأول في استحباب الاستعاذه

- ‌المبحث الثاني في استحباب التسمية والدعاء بالمغفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لدخول المسجد

- ‌المبحث الثالث في صلاة ركعتين قبل الجلوس

- ‌المبحث الرابع لا تشرع التحية لمن أدخل يده أو رأسه فقط

- ‌المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول

- ‌المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث

- ‌المبحث السابع في فوات تحية المسجد بالجلوس

- ‌المبحث الثامن في حكم تحية المسجد

- ‌المبحث التاسع في منزلة تحية المسجد من السنن

- ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

- ‌المبحث الحادي عشر اختصاص التحية بالمسجد

- ‌المبحث الثاني عشر صلاة تحية المسجد في وقت النهي

- ‌المبحث الثالث عشر في اشتراط النية لتحية المسجد

- ‌المبحث الرابع عشر في حصول تحية المسجد في أقل من ركعتين

- ‌المبحث الخامس عشر في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب

- ‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

- ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

- ‌الفرع الثاني إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة

- ‌الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد

- ‌الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد

- ‌الفصل الثالث في وقت تكبير الإمام بالصلاة

- ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

- ‌الباب الرابع في أحكام تكبيرة الإحرام

- ‌توطئه

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني في شروط تكبيرة الإحرام

- ‌الشرط الأول أن تقع تكبيرة الإحرام مقارنة للنية حقيقة أو حكمًا

- ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

- ‌المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا

- ‌المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع

- ‌الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها

- ‌مبحث في تنكيس التكبير

- ‌الشرط الرابع أن يكون التكبير متواليًا

- ‌الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب

- ‌الشرط السادس أن تكون التحريمة بالعربية من القادر عليها

- ‌الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى

- ‌الشرط الثامن في اشتراط القدرة على التكبير

- ‌الباب الخامس أحكام القيام في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم القيام

- ‌الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة

- ‌الفصل الثالث في قدر القيام

- ‌الفصل الرابع في صفة القيام

- ‌الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام

- ‌الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي

- ‌المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة

- ‌المبحث الثاني افتتح النافلة قائمَا فأراد الجلوس من غير عذر

- ‌المبحث الثالث يسقط القيام بالعجز

- ‌المبحث الرابع ضابط العجز المسقط للقيام

- ‌المبحث الخامس سقوط القيام بالخوف

- ‌المبحث السادس في سقوط القيام من أجل المحافظة على الطهارة

- ‌المبحث السابع في المراوحة بين القدمين في الصلاة

- ‌المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام

- ‌الفصل السابع في موضع النظر أثناء الصلاة

- ‌المبحث الأول في النظر إلى السماء أثناء الصلاة

- ‌المبحث الثاني في موضوع نظر المصلي في اثناء الصلاة

- ‌المبحث الثالث في موضوع نظر المصلي حال الركوع والسجود والجلوس

- ‌الفصل الثامن في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

- ‌المبحث الأول في مشروعية رفع اليدين

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌الفرع الأول في صفة رفع الأصابع

- ‌الفرع الثاني في صفة رفع الكفين

- ‌الفرع الثالث في منتهى الرفع

- ‌الفرع الرابع في رفع المرأة يديها في الصلاة

- ‌الفرع الخامس في ابتداء وقت الرفع وانتهائه

- ‌الفرع السادس في وضع اليدين بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام

- ‌مسألة في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى

- ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

- ‌الفرع الثامن في وقت القبض

- ‌الفرع التاسع في صفة وضع اليدين

الفصل: ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

المدخل إلى المسألة:

• النية وحدها لا تكفي للدخول في الصلاة.

• جميع تكبيرات الصلاة ليست من أركان الصلاة إلا تكبيرة الإحرام.

• كل تكبير لا ينفصل عن الصلاة فهو جزء منها.

• إذا قيل: التحريمة شرط لم تكن جزءًا من الصلاة، لأن شرط العبادة يتقدم عليها كالطهارة، وستر العورة، وإذا قيل: هي ركن كانت جزءًا من الصلاة.

• شروط الصلاة جميعها، لا يلزم من وجودها وجود الصلاة ولا عدمها، بخلاف تكبيرة الإحرام فإنه يلزم من وجودها دخولك في الصلاة، فدل على أنها ليست بشرط.

• لا يعرف القول بأن تكبيرة الإحرام سنة مطلقًا إلا عن إبراهيم بن عُليَّة وشيخه أبي بكر الأصم، وهما ليسا من أهل السنة.

• لا يدخل المصلي في الفريضة إلا بثلاثة أمور، اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، فالأول النية، والثاني التحريمة، والثالث استقبال القبلة.

[م-472] اختلف العلماء في حكم تكبيرة الإحرام:

فقال الحنفية: التحريمة شرط، وهو الأصح عند الحنفية، ووجه عند الشافعية

(1)

.

وقال المالكية والشافعية والحنابلة: تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة، وركن

(1)

. قال في بدائع الصنائع (1/ 114): «أما التحريمة فليست بركن عند المحققين من أصحابنا، بل هي شرط» .

وانظر: تحفة الفقهاء (1/ 96)، بدائع الصنائع (1/ 130)، العناية شرح الهداية (1/ 279).

ص: 313

من أركانها على كل مُصَلٍّ فرضًا أو نفلًا، ولو مأمومًا، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، وأهل الظاهر

(1)

.

قال النووي: «تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، هذا مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، وجمهور السلف والخلف

»

(2)

.

وقال أبو بكر الأصم وتلميذه إبراهيم بن علية: «تكبيرة الإحرام سنة، وله أن يدخل في الصلاة بالنية»

(3)

.

ونسب هذا القول إلى سعيد بن المسيب، والزهري والحسن، والحكم، والأوزاعي

(4)

.

(1)

. انظر في مذهب المالكية: عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب (ص: 115)، المنتقى للباجي (1/ 146)، قبس في شرح الموطأ (ص: 215)، مواهب الجليل (1/ 514)، الفواكه الدواني (2/ 266)، الشرح الكبير للدردير (1/ 231)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 305).

وفي مذهب الشافعية: شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 96)، المجموع (3/ 289)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (6/ 620)، روضة الطالبين (1/ 223)، تحفة المحتاج (2/ 13)، مغني المحتاج (1/ 344).

وفي مذهب الحنابلة زاد المسافر لغلام الخلال (2/ 147)، الإنصاف (2/ 41)، الكافي لابن قدامة (1/ 242)، المغني (1/ 334).

وانظر قول محمد بن الحسن:

وقول ابن حزم في المحلى، مسألة (356).

(2)

. المجموع (3/ 289، 290).

(3)

. المقصود بابن علية: هو الابن وليس الأب، وكثير من الباحثين المعاصرين يخلط بينهما، والأب من أهل الحديث، ومن شيوخ الإمام أحمد، وأما إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية وشيخه أبو بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان فهما محسوبان من الخلف في المعتقد، ومن المعتزلة، ولهم شذوذات فقهية، قال ابن حجر في الفتح (2/ 217):«نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية، وأبي بكر الأصم، ومخالفتهما للجمهور كثيرة» .

وانظر بدائع الصنائع (1/ 130)، المبسوط للسرخسي (1/ 11)، المجموع (3/ 290)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (6/ 622)، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/ 300)، البدر التمام شرح بلوغ المرام (3/ 9).

(4)

. اختلف العلماء في صحة نسبة هذا القول إلى هؤلاء إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن هذا القول لم يقل به أحد من علماء السلف إلا الزهري. وبهذا قال ابن المنذر، =

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

وابن العربي في القبس.

قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 77): «وقد روينا عن الزهري قولًا ثالثًا: أنه سئل عن الرجل افتتح الصلاة بالنية، ورفع يديه، فقال: يجزئه. قال أبو بكر: ولا أعلم أحدًا قال به غيره» .

وقال النووي في المجموع (3/ 290): «وحكى ابن المنذر وأصحابنا عن الزهري أنه قال تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير قال ابن المنذر ولم يقل به غير الزهري» . وانظر القبس شرح الموطأ (ص: 215، 216).

القول الثاني: يرى أنه لم يثبت التصريح عن هؤلاء الأعلام بأن تكبيرة الإحرام سنة، أو أن الصلاة تنعقد بمجرد النية، وإنما الثابت عنهم القول بأن من أدرك الإمام راكعًا فإنه تجزئه تكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام، إذا ترك تكبيرة الإحرام ساهيًا، وهذه مسألة أخرى لا تنافي القول بوجوب تكبيرة الإحرام، وتبحث ضمن مسألة تداخل العبادات، وهي مسألة خلافية.

روى ابن أبي شيبة في المصنف (2467) حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، أنه قال في الرجل إذا نسي حين يكبر أن يفتتح الصلاة فإنه يكبر إذا ذكر، فإذا لم يذكر حتى يصلي مضت صلاته، وتجزيه تكبيرة الركوع.

وسنده صحيح، وهو في الرجل الناسي وليس المتعمد، وفي إجزاء تكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام، وليس فيه التصريح بأن تكبيرة الإحرام سنة.

وقال ابن رشد الجد في المقدمات (1/ 171): «قول سعيد بن المسيب وابن شهاب فيمن نسي تكبيرة الإحرام مع الإمام، وكبر للركوع: إنها تجزئه من تكبيرة الإحرام، وإن لم يَنْوِ بها تكبيرة الإحرام، لا يدل أن تكبيرة الإحرام عندهما ليست بفرض، خلاف ما ذهب إليه بعض المتأولين من المتأخرين

».

وقال أيضًا (1/ 172): «لو كانت عندهما سنة لحملها الإمام عن المأموم، كبر للركوع أو لم يكبر، كما يحمل عنه القراءة، وجميع سنن الصلاة» .

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 217): لم يثبت عن أحد منهم تصريحًا، وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعًا تجزئه تكبيرة الركوع، نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية، وأبي بكر الأصم، ومخالفتهما للجمهور كثيرة».

وجاء في المدونة عن مالك قوله (1/ 162): «سمعت أن سعيد بن المسيب قال: تجزئ الرجل إذا نسيَ تكبيرةَ الافتتاحِ تكبيرةُ الركوعِ» .

وقال ابن رشد نقلًا من التاج والإكليل (2/ 476): «لو كبر للركوع، وهو ذاكر للإحرام متعمدًا لما أجزأته صلاته بالإجماع، قال ابن يونس: إنما تجزئ عن تكبيرة الإحرام تكبيرة الركوع عند سعيد إذا تركها ساهيًا» .

وقال ابن قدامة في المغني (1/ 334): «التكبير ركن في الصلاة لا تنعقد إلا به

وقال سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة، والحكم، والأوزاعي: من نسي تكبيرة الافتتاح =

ص: 315

وقيل: ركن في حق المنفرد والإمام، سنة في حق المأموم، وهو أحد القولين عن مالك نص عليه في المدونة

(1)

.

• والفرق بين الشرط والركن:

إذا قيل: التحريمة شرط لم تكن جزءًا من الصلاة، لأن الشرط يتقدم عليها كالطهارة، وستر العورة.

وإذا قيل: هي ركن كانت جزءًا من الصلاة؛ فإذا وجد صار شارعًا فيها، بخلاف الشرط.

• وثمرة الخلاف:

تظهر ثمرة الخلاف بين القول بالركنية والشرطية في بعض أحكام الصلاة، من ذلك:

لو شرع بالتكبير قبل ظهور زوال الشمس، ثم زالت الشمس قبل فراغه من

=

أجزأته تكبيرة الركوع».

فكان الكلام في الناسي، وقد يدخل على مذهبهم: أن الواجب إذا كان من باب المأمورات، فسقط بالنسيان كان ذلك دليلًا على ضعف مأخذ الوجوب، لولا أن هذا الفعل كان فيه ما يقوم مقامه، وهو تكبيرة الركوع، وهذا إنما يجزئ إذا اجتمعا في محل واحد، كما لو أدرك الإمام راكعًا، والنقاش ليس في ترجيح القول، وإنما في فهم قولهم، وترجيحه أو رده هذا باب آخر.

القول الثالث: يرى صحة نسبة القول بأن تكبيرة الإحرام سنة إلى جميع هؤلاء.

قال القرطبي في تفسيره (1/ 175): «قال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعبد الرحمن وطائفة: تكبيرة الإحرام ليست بواجبة» .

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 264): «روي عن الزهري وابن المسيب، والحسن، والحكم، والأوزاعي، وقتادة في أن التكبير للإحرام سنة، وأنه يجزئ الدخول في الصلاة بالنية» .

ونقل النووي كلام القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (4/ 96)، وقال: «ولا أظن هذا يصح عن هؤلاء الأعلام مع هذه الأحاديث الصحيحة

».

والذي يظهر لي أنه لا تصح نسبة القول لغير ابن علية وشيخه ابن الأصم، والله أعلم، ولا يلزم من تداخل تكبيرة الإحرام بتكبيرة الركوع أن تكون تكبيرة الإحرام سنة؛ لأن طواف الوداع واجب في الحج على الصحيح، ويدخل مع طواف الإفاضة إذا أخره، وتدخل الطهارة من الحدث الأصغر بالطهارة من الحدث الأكبر، وإن كان الأصغر يشترط فيه الترتيب بخلاف الأكبر، وإن كان الراجح سقوط الأدنى بالأعلى، فيسقط التكبير للركوع اكتفاء بتكبيرة الإحرام، وليس العكس، والله أعلم.

(1)

. المدونة (1/ 161، 162)، شرح البخاري لابن بطال (2/ 352)، فتح الباري لابن حجر (2/ 217).

ص: 316

التكبير لم تصح عند الجمهور خلافًا للحنفية.

وكذلك لو كبر من في يده نجاسة، ثم ألقاها في أثناء تكبيرة الإحرام لم تصح صلاته عند الجمهور خلافًا للحنفية.

ولوكان منحرفًا عن القبلة في أول شروعه بتكبيرة الإحرام، فاستقبلها قبل الفراغ منها لم تصح عند الجمهور خلافًا للحنفية.

ولو كان مكشوف العورة، فستر عورته عند فراغه من تكبيرة الإحرام بعمل يسير صحت صلاته عند الحنفية خلافًا للجمهور.

وبعض الحنفية يوافق الجمهور في هذه الأحكام، ويرى أنها شرط للقيام، وليس للافتتاح.

• دليل الجمهور على أن تكبيرة الإحرام ركن:

الدليل الأول:

(ح-1175) ما رواه مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار،

عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم؟ تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله، ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث

(1)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها

) فقوله: (فيها) ثم ذكر التسبيح والتكبير والقراءة، فدل على أن هذه الأشياء تفعل في الصلاة، فكانت منها.

وإذا كان التسبيح والقراءة من الصلاة بالإجماع فكذلك التكبير.

(1)

. صحيح مسلم (33 - 537).

ص: 317

و (أل في التكبير) للعموم، فيشمل تكبيرة الإحرام كما يشمل تكبيرات الانتقال فمن أخرج تكبيرة الإحرام من عموم التكبير فعليه الدليل.

الدليل الثاني:

(ح-1176) ما رواه مسلم من طريق أبي عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فذكر قصة وفيه: .... قال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا. فقال: إذا صليتم، فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فقولوا: آمين، يجبكم الله

الحديث

(1)

.

وجه الاستدلال:

أن أبا موسى رضي الله عنه، قال: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم، فذكر من الأقوال التي تقال في الصلاة:(إذا كبر فكبروا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين).

الدليل الثالث:

(ح-1177) ما رواه الترمذي من طريق سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية،

عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم

(2)

.

وجه الاستدلال:

قوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) ومنه سميت التكبيرة الأولى: تكبيرة الإحرام، أي الإحرام بالصلاة، فما أدخلك في الصلاة لا يمكن أن يكون خارجًا عنها، ولولا أنه جزء من الصلاة لما حَرُم به عليك ما كان مباحًا قبلها، فشروط الصلاة جميعها، لا يلزم من وجودها وجود الصلاة، ولا عدمها، فالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة،

(1)

. صحيح مسلم (62 - 404).

(2)

. سنن الترمذي (3).

ص: 318

لا يلزم من وجودها وجود الصلاة، بخلاف تكبيرة الإحرام فإنه يلزم من وجودها دخولك في الصلاة، فالعبادة إذا افتتحت بالتكبير كان منها كالأذان.

• وتعقب:

بأن الركن هو الداخل في الماهية، والمصلي لا يدخل في الصلاة إلا بفراغه من تكبيرة الإحرام.

ويجاب:

بأنه يدخل في الصلاة بمجرد شروعه في تكبيرة الإحرام، فماهية الصلاة تتكون من أقوال وأفعال، فالأقوال تكبيرة الإحرام، وقراءة القرآن، والسلام، والأفعال: قيام وركوع، وسجود، وجلوس، فتكبيرة الافتتاح كالباب يلج منه المصلي إلى صلاته، وإذا كان باب الدار منها فكذلك تكبيرة الإحرام.

الدليل الرابع:

أن تكبيرة الإحرام يشترط لها ما يشترط للصلاة، من طهارة، وستر عورة، واستقبال للقبلة في الفرض، وهذه أمارة الركنية، ولأنه لا يجوز أداء صلاة بتحريمة صلاة أخرى، ولولا أنها من الأركان لجاز كسائر الشروط.

• ورد الحنفية:

أكثر الحنفية قالوا: إن مراعاة شروط الصلاة لتكبيرة الإحرام من الطهارة، والاستقبال، ليس لكونها ركنًا في الصلاة، بل لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة، فلم تجب هذه الشروط للتحريمة أصلًا، فلو أحرم حاملًا للنجاسة، فألقاها عند فراغه منها، أو كان مكشوف العورة فسترها عند فراغه من التكبير بعمل يسير، أو شرع في التكبير قبل ظهور الزوال مثلًا، ثم ظهر عند فراغه منها، أو منحرفًا عن القبلة فاستقبلها عند الفراغ منها، فكل ذلك جائز

(1)

.

• ويجاب على هذا الرد:

بأن هذا استدلال في محل النزاع، فأين الدليل على جواز الشروع بالتحريمة

(1)

. انظر حاشية ابن عابدين (1/ 443).

ص: 319

حاملًا للنجاسة، إذا ألقاها قبل الفراغ منها، وكذا يقال في بقية الفروع المذكورة.

• دليل من قال: تكبيرة الإحرام شرط:

الدليل الأول:

قال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15].

• وجه الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول:

أن الله سبحانه وتعالى عطف الصلاة على الذكر، والذكر الذي تعقبه الصلاة بلا فاصل ليس إلا التحريمة، فاقتضى ذلك أن يكون تكبير الإحرام خارج الصلاة.

الوجه الثاني:

أن مقتضى العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه؛ إذ الشيء لا يعطف على نفسه

(1)

.

• ونوقش من وجهين:

الوجه الأول:

أن الذكر هنا المقصود به نية الصلاة، قال ابن العربي:«الذكر حقيقته إنما هو في القلب؛ لأنه محل النسيان، الذي هو ضده، والضدان إما يتضادان في المحل الواجب، فأوجب الله بهذه الآية النية في الصلاة خصوصًا»

(2)

.

• ويناقش:

لو كان المراد بالذكر النية، لكان يغني عنه قوله: وذكر ربه فصلى، فلما خص الذكر باسم من أسماء الله، لم يصح حمله على نية القلب، لكنه لم يتعين أن يكون هذا الذكر هو تكبيرة الإحرام، فقد يكون المراد بالذكر هو الإقامة، فإنها تسبق الصلاة مقترنة بها، وهي مشتملة على ذكر الله، بتعظيمه، وتوحيده، في أول الإقامة وآخرها، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والدعوة إلى الصلاة والفلاح.

(1)

. انظر: بدائع الصنائع (1/ 114)، تبيين الحقائق (1/ 103).

(2)

. أحكام القرآن لابن العربي (4/ 380).

ص: 320

الوجه الثاني:

لو سُلِّم أن الذكر هنا تكبيرة الإحرام، فالعطف لا ينافي الركنية؛ لأنه حينئذٍ يكون من باب عطف الكل على الجزء، وهو نظير عطف العام على الخاص، كما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]، والسبع المثاني من القرآن العظيم، ولم يقتض العطف المغايرة.

ومنه قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، والسجود من العبادة.

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77]، والأمثلة كثيرة.

الدليل الثاني:

حديث علي المتقدم: عن النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم

(1)

.

وجه الاستدلال:

أنه أضاف التحريم إلى الصلاة، والمضاف غير المضاف إليه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.

• وأجيب:

بأن الإضافة ضربان: أحدهما: تقتضي المغايرة، كثوب زيد، والثاني: تقتضي الجزئية، كقولك: رأس زيد، وصحن الدار، فوجب حمله على الثاني لما ذكر من أدلة القول السابق

(2)

.

الدليل الثالث:

أن المصلي لا يدخل في الصلاة إلا بعد إتمام تكبيرة الإحرام، فقبل الفراغ من التكبير لا يعتبر داخلًا في الصلاة، فبالفراغ لا يصير منها؛ لتقدمه على دخوله في الصلاة.

• ويناقش:

بأن المصلي يدخل في الصلاة من أول حرف من حروف تكبيرة الافتتاح

(1)

. سنن الترمذي (3).

(2)

. انظر: المجموع (3/ 291).

ص: 321

على الصحيح، وعلى التنزل فإنه يبطل بالشروع بالسلام، فقبل الفراغ منه لا يكون خارج الصلاة، ثم بالفراغ من السلام يكون خارج الصلاة، مع أنه منها، والكافر لا يدخل في الإسلام إلا إذا نطق الشهادتين، فقبل الفراغ من الشهادتين لا يدخل في الإسلام، وإذا فرغ منهما دخل فيه، وهما من أركان الإسلام، والحنفية يرون أن المُحْرِم لا يدخل بالنسك بمجرد نية التلبس حتى يلبي، فقبل الفراغ من التلبية لا يدخل في الإحرام عندهم، وإذا فرغ من التلبية مقارنًا لنية التلبس بالإحرام دخل في النسك، ومع ذلك يرون التلبية جزءًا من المناسك، وركنًا في الإحرام.

• دليل من قال: تنعقد الصلاة بالنية:

الدليل الأول:

(ح-1178) ما رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم: صلوا كما رأيتموني أصلي.

رواه البخاري ومسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث

(1)

.

فجعل الصلاة من الأشياء المرئية، والتكبير ليس بمرئي، فالمرئي من الصلاة هو الأفعال دون الأقوال، فكانت الصلاة اسمًا للأفعال، ولهذا تسقط عن العاجز عن الأفعال، وإن كان قادرًا على الأقوال، ولا تسقط عن القادر على الأفعال، ولو عجز عن الأقوال

(2)

.

• ويناقش من وجوه:

الوجه الأول:

أن الرؤية إذا كانت متعدية إلى مفعولين كانت بمعنى العلم، أي صلوا كما علمتم من صلاتي، وهي تشمل الأقوال والأفعال.

الوجه الثاني:

أن المصلي لا يصلي إلا بنية، والنية غير مرئية، فبطل التمسك بظاهر الحديث.

(1)

. صحيح البخاري (631)، وصحيح مسلم (292 - 674).

(2)

. بدائع الصنائع (1/ 110)، اللباب في علوم الكتاب (1/ 232)،.

ص: 322

الوجه الثالث:

قد يكون الإطلاق من باب التغليب، فلما كانت الصلاة تطلق على مجموع الأقوال والأفعال، فأطلق الرؤية تغلبيًا للأفعال، ولا تعني اختصاصها بها، كما أنه قد يطلق الفعل على القول تغليبًا،

(ح-1179) جاء في حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله

(1)

.

رواه الشيخان من طريق شعبة، عن واقد بن محمد، قال: سمعت أبي يحدث، عن ابن عمر.

وجه الاستدلال:

قوله: (فإذا فعلوا ذلك) أي فعلوا ما تقدم من الشهادتين والصلاة والزكاة، وبعضها أفعال، وبعضها أقوال، لكنه أدخل كل ذلك في مسمى الفعل تغليبًا، والله أعلم.

الدليل الثاني:

القياس على الصيام فكما يصح الصوم بالنية تصح الصلاة بالنية.

• ونوقش:

بأن الصيام مجرد نية مخصوصة، فلو أمسك عن الطعام بلا نية، أو بنية الحمية لم ينعقد صيامه، ولو نوى الخروج من الصيام بالنية فسد صومه، بخلاف الصلاة فهو عبادة قائمة على مجموع الأقوال والأفعال من أولها إلى آخرها، ولو نوى ارتكاب مفسد لم تفسد صلاته حتى يرتكبه، والله أعلم.

• وجه من قال: تكبيرة الإحرام ركن في حق المنفرد والإمام دون المأموم:

أما الإمام مالك فذكر أنه قال بهذا جمعًا بين قول سعيد بن المسيب أنها تجزئ عنه، وبين قول ربيعة الرأي: لا تجزئ عنه، فهو مبني على مراعاة الخلاف، والذي هو

(1)

. صحيح البخاري (25)، وصحيح مسلم (36 - 22).

ص: 323

من أصول الإمام مالك عليه رحمة الله، فهذا الرجل قد عقد ركعة من صلاة مختلف فيها، فيكره أن يبطل صلاته فذهب إلى أنه يتمادى ويعيدها مراعاة للقول الآخر

(1)

.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: «إنه راعى فيه قول من قال: إن الإحرام ليس بواجب، وإنه لو تمادى في صلاته أجزأته، إلا أن مالكًا يرى عليه الإعادة بعد ذلك للأخذ بالأوثق والاحتياط لأداء فرضه .... »

(2)

.

وأما أصحابه فاختلفوا في الاستدلال له، واضطربوا.

فاختار ابن بطال بأنه قال ذلك قياسًا على تكبيرات الانتقال، قال ابن بطال في شرح البخاري: وحجة الذين رأوا أن تكبيرة الإحرام سنة: إجماعهم أن من ترك التكبير كله ما عدا الإحرام أن صلاته تامة، قالوا: وكذلك تكبيرة الإحرام مثل تكبير سائر الصلوات في القياس؛ لأن التكبير معناه كله واحد في أنه إذن بحركات الإمام وشعار الصلاة.

• ويناقش:

بأنه لو صح القياس لجرى ذلك في حق الإمام والمنفرد، فإن سائر التكبيرات في حقهما سنة عند الجمهور، فلماذا التفريق بين المأموم وغيره؟

ولعله لو خرِّج قول مالك استنادًا إلى أن الإمام كما يحمل عن المأموم القراءة، والسهو، يحمل عنه تكبيرة الإحرام إذا نسيها، لكان هذا القول أقرب إلى القياس إلا أنه يشكل عليه ما قاله ابن عبد البر، من أن أصحاب مالك لم يختلفوا أن الإمام لا يحمل فرضًا من فروض الصلاة عمن خلفه

(3)

، والله أعلم.

وقد وجدت كلاماً لابن رجب يؤيد ما ذكرته،

قال في شرحه للبخاري: والتفريق بينهما -أي بين الإمام والمنفرد وبين

ص: 324

المأموم- له مأخذان:

أحدهما: أن الإمام يتحمل عن المأموم التكبير، كما يتحمل عنه القراءة، وقد صرح بهذا المأخذ الإمام أحمد.

قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن قول: إذا سها المأموم عن تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع رأيت ذلك مجزئًا عنه؟ فقال أبو عبد الله: يجزئه إن كان ساهيًا؛ لأن صلاة الإمام له صلاة.

فصرح بالمأخذ، وهو تحمل الإمام عنه تكبيرة الإحرام في حال السهو.

ذكر هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال صاحب كتاب الشافي، وهذه رواية غريبة عن أحمد، لم يذكرها الأصحاب.

والمذهب عندهم: أنه لا يجزئه، كما لا يجزئ الإمام والمنفرد، وقد نقله غير واحد عن أحمد ......

المأخذ الثاني: .... أن المأموم إذا أدرك الإمام في الركوع، فكبر تكبيرة واحدة، فإنها تجزئه، وتنعقد صلاته عند جمهور العلماء

»

(1)

.

• الراجح:

أرى أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة مطلقًا للإمام والمنفرد والمأموم، لا يدخل إلى الصلاة إلا بها، والله أعلم.

* * *

(1)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 314، 317).

ص: 325