الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في صفة القيام
المدخل إلى المسألة:
• ما قرب من الشيء فله حكمه.
• متى انحنى بحيث يكون إلى القيام أقرب فهو في حكم القائم فإن كان إلى الركوع أقرب لم يكن قائمًا.
• لو كبَّر للتحريمة، وهو في حد الركوع لم يدخل في الصلاة، ولو كبَّر، قبل الخروج عن حد القيام فقد شرع في صلاته.
[م-489] اختلف الفقهاء في صفة القيام:
فقال الحنفية: أن يكون بحيث إذا مد يديه لا تنال يداه ركبتيه، وهو وجه ضعيف عند الشافعية
(1)
.
قال النووي نقلًا عن أبي محمد في التبصرة: «ولا يضر الانحناء اليسير، قال: والحد الفاصل بين حد الركوع وحد القيام: أن تنال راحتاه ركبتيه لو مد يديه، فهذا حد الركوع وما قبله حد القيام
…
هذا كلام الشيخ أبي محمد وهو وجه ضعيف
…
»
(2)
.
• وجه هذا القول:
أن المصلي إذا أمكنه أن يمس ركبتيه بيديه فقد خرج من حد القيام إلى الركوع.
وفرق المالكية بين المسبوق وبين الإمام والمنفرد والمأموم غير المسبوق،
(1)
. قال في الجوهرة النيرة (1/ 50): «وحد القيام: أن يكون بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه» .
وانظر: البحر الرائق (1/ 308)، حاشية ابن عابدين (1/ 444، 452، 480)، النهر الفائق (1/ 194). حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 224).
(2)
. المجموع شرح المهذب (3/ 297)، فتح المنعم (2/ 475).
فالمنفرد والإمام وغير المسبوق لا يصح منه القيام منحنيًا مطلقًا؛ لأن قراءة الفاتحة واجبة في حقه، فوجب القيام لوجوب القراءة.
وأما المسبوق فقالوا: إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام حال قيامه، وأتمها حال الانحطاط، أو بعده بلا فصل كثير (فتأويلان) في الاعتداد بالركعة وعدمه، والصلاة صحيحة، وقال بعضهم: القولان هما في صحة الصلاة وبطلانها
(1)
.
فالذين قالوا: يعتد بالركعة، أو بالصلاة إذا كبر المسبوق منحنيًا: قالوا: إن القيام يجب للفاتحة، والمأموم لا تجب القراءة في حقه، قال ابن بشير: هذا مذهب المدونة
(2)
.
ولأن الإمام يحمل عن المأموم تكبيرة الافتتاح، على ما روى ابن وهب عن مالك: أن تحريم الإمام يجزئ فيها عن المأموم، والقيام إنما يراد لتكبيرة الافتتاح
(3)
.
والذين قالوا: لا يعتد بالركعة والصلاة صحيحة، قالوا: لا يكفي أن يبدأ تكبيرة الإحرام حال القيام، بل لابد أن يتمها، وهو قائم، فلما أتمها، وهو مُنْحَنٍ بطلت الركعة، وقامت الركعة الثانية مكان الأولى.
(1)
. قال الخرشي في شرحه (1/ 264): «القيام لتكبيرة الإحرام في الفرض للقادر غير المسبوق، فلا يجزئ إيقاعها جالسًا، أو منحنيًا اتباعًا للعمل» . اهـ فأبطل تكبيرة الإحرام منحنيًا للقادر، واستثنى النفل والمسبوق. وانظر: الشرح الصغير (1/ 307).
وقال خليل في مختصره (ص: 31): «فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام، وقيام لها إلا لمسبوق فتأويلان» .
قال الدردير في الشرح الكبير (1/ 231) شارحًا عبارة خليل: «فلا يجزي إيقاعها -يعني التحريمة- جالسًا أو منحنيًا (إلا لمسبوق) ابتدأها حال قيامه، وأتمها حال الانحطاط، أو بعده بلا فصل كثير (فتأويلان) في الاعتداد بالركعة وعدمه .. » .
قال الدسوقي في حاشيته معلقًا على قوله: (فتأويلان)(1/ 231): «عج ومن تبعه (يقصد علي الأجهوري- جعلوا ثمرة هذين التأويلين ترجع للاعتداد بالركعة وعدمه مع الجزم بصحة الصلاة، وهو الذي يفهم مما في التوضيح عن ابن المواز ونحوه للمازري عنه.
وأما ح (يقصد: الحطاب) فجعل ثمرة التأويلين ترجع لصحة الصلاة وبطلانها، وهو الذي يتبادر من المؤلف، وكثير من الأئمة كأبي الحسن وغيره، لكن ما ذكره عج أقوى».
(2)
. التاج والإكليل (2/ 206).
(3)
. انظر: التنبيهات المستنبطة على كتب المدونة والمختلطة (1/ 196، 179).
وأما تعليل الذين قالوا ببطلان الصلاة، قالوا: إن بطلان التحريمة يؤدي إلى بطلان الصلاة، وليس إلى بطلان الركعة؛ لأن دخوله في الصلاة مبني على صحة التحريمة، ولم تصح.
وقال الشافعية: إن كان المنحني أقرب إلى القيام منه إلى الركوع، أو استوى الأمران صح القيام، وإن كان إلى الركوع أقرب منه إلى الانتصاب، فوجهان: أظهرهما أنه لا يصح قيامه
(1)
.
(2)
.
(3)
.
• وجه قول الشافعية:
أن حد القيام يفارق حد الركوع، والانحناء هو بينهما، فما كان أقرب إلى أحدهما ألحق به، فإن كان إلى الانتصاب أقرب اعتبر قائمًا، وإلا اعتبر راكعًا.
وقد يقال: إن الخلاف بين الحنفية والأصح في مذهب الشافعية خلاف لفظي فإنه إذا كان إلى الركوع أقرب منه إلى القيام استطاع أن تمس يداه ركبتيه إذا كان معتدل الخلقة، والله أعلم.
واختار الحنابلة في المعتمد: حد القيام ما لم يصل إلى الركوع المجزئ
(4)
.
وفي الركوع المجزئ قولان:
أحدهما: أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه إذا كان الراكع من أوسط الناس،
(1)
. فتح العزيز (3/ 284)، المجموع (3/ 297)، تحفة المحتاج (2/ 150)، نهاية المحتاج (1/ 466)، مغني المحتاج (1/ 349)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 130).
(2)
. روضة الطالبين (1/ 233).
(3)
. مغني المحتاج (1/ 349).
(4)
. شرح منتهى الإرادات (1/ 216)، الإنصاف في معرفة الخلاف (2/ 111)، الفروع (2/ 245)، المبدع (1/ 441)، الإقناع (1/ 132).
وقدره من غيره. قال في الإنصاف: وهذا المذهب، وهو يوافق ما عليه الحنفية
(1)
.
الثاني: قال المجد: ضابط الإجزاء الذي لا يختلف: أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل، وهذا يوافق ما عليه الشافعية
(2)
.
• الراجح:
تكبيرة الإحرام من المنحني، إن كان فعل ذلك بلا حاجة ولا مصلحة فهذا أشبه ما يكون بالمتلاعب، فأخشى أن يكون فعله محرمًا، وإن كبر منحنيًا لعذر أو حاجة، فما قرب من القيام ألحق به، وما قرب من الركوع ألحق به، اعتبارًا بقاعدة: ما قرب من الشيء فله حكمه، وإن كان بينهما فالأصل عدم الانتقال من القيام، والله أعلم.
* * *
(1)
. الإنصاف (2/ 59، 60)، الإقناع (1/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 194)، مطالب أولي النهى (1/ 443).
(2)
. الإنصاف (2/ 60)، الإقناع (1/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 194)، كشاف القناع (1/ 347)، شرح الزركشي (1/ 556).