الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول في صفة الصلاة
الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة
المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة
المدخل إلى المسألة:
• الاستحباب حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي.
• فضائل العمل لا تثبت بالقياس.
• الخروج إلى الصلاة متطهرًا وإحسان الطهور بنية الصلاة سنة متفق عليها.
• الباعث إذا خلص لله كان أكمل، فنية الخروج إذا تمحضت خالصة لإرادة الصلاة كانت أكمل من الخروج لها ولغيرها ولو كانت نية مباحة.
[م-438] يسن الخروج إلى الصلاة متطهرًا، والإحسان في الطهارة بنية الصلاة. وهذه السنة متفق عليها
(1)
.
• والأدلة على هذه السنن الثلاث:
الدليل الأول:
(ح-1032) ما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، قال: سمعت
(1)
. عمدة القارئ (5/ 166)، شرح المشكاة للطيبي (3/ 934)، تفسير القرطبي (12/ 276)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 461)، إكمال المعلم (2/ 620)، معالم السنن (1/ 161)، شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 116)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (6/ 421).
أبا صالح، يقول:
سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه: إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يَخْطُ خطوة، إلا رفعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى، لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صَلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة. هذا لفظ البخاري
(1)
.
وفي رواية لهما: ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لا ينهزه إلا الصلاة
(2)
.
وفي رواية للبخاري: لم يَخْطُ خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد
(3)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة).
فقوله: (وذلك أنه إذا توضأ) التقدير: وذلك لأنه إذا توضأ فتكون الجملة تعليلية للحكم السابق، فكان هذا الفضل مرتبًا على الوضوء في البيت، والإحسان فيه، والخروج بنية الصلاة، والمشي إليها ليحصل له هذا الفضل من رفع الدرجات وتكفير السيئات وصلاة الملائكة عليه ما دام في مصلاه، فالأصل ألا يترتب هذا الفضل إلا لمن جمع هذه الأمور، والله أعلم
(4)
.
وقوله: (لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة) أي لا يحركه ولا ينهضه ولا يبعثه على الخروج إلا الصلاة، وفيه فضيلة أن تتمحض نية الخروج خالصة لإرادة الصلاة، لاستخدامه النفي والإثبات وهو دليل على الحصر، فلا يكون
(1)
. صحيح البخاري (647)، وصحيح مسلم (272 - 649).
(2)
. صحيح البخاري (2119)، وصحيح مسلم (232).
(3)
. البخاري (477) ..
(4)
. انظر إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 190).
الباعث على نيته الصلاة وغاية أخرى معها من شغل وغيره، حتى ولو كانت هذه النية مباحة لا تؤثر في صحة الصلاة، فإن الباعث إذا خلص لله كان أكمل، وما كان أكمل استحق مزية فضل على غيره.
الدليل الثاني:
(ح-1033) ما رواه مسلم من طريق عبيد الله يعني ابن عمرو (الرقي)، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم الأشجعي،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم (من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة) فجملة (تطهر، ومشى، ليقضي) فعل الشرط وما عطف عليه في حكمه، وجملة (كانت خطوتاه .. ) جواب الشرط، وإذا رتب الفضل عن طريق الشرط لم يحصل إلا بحصول شرطه وهو تطهر في البيت، ثم خرج إلى المسجد ماشيًا بنية الصلاة.
قوله: (ثم مشى) ظاهر الحديث أن هذا الجزاء للماشي دون الراكب، وأن الراكب لا يحصل له هذا الفضل، ففي حديث الصحيحين قال:(لم يُخْطُ خطوة) والخطوة خاصة بالماشي، وفي لفظ مسلم، (من تطهر في بيته ثم مشى).
ويؤيد ذلك ما جاء في نفي الركوب للخروج إلى الجمعة، وهو فرد من أفراد الخروج إلى المسجد.
(ح-1034) فقد روى أحمد من طريق ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي الأشعث الصنعاني،
عن أوس بن أوس الثقفي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ومشى، ولم يركب، فدنا من الإمام،
(1)
. صحيح مسلم (666).
فاستمع، ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها
(1)
.
[اختلف على أبي الأشعث بذكر (ومشى ولم يركب)، والأكثر على عدم ذكرها]
(2)
.
(1)
. المسند (4/ 9).
(2)
. الحديث مداره على أبي الأشعث، عن أوس بن أوس الثقفي، ورواه عن أبي الأشعث جماعة، منهم على خلاف بينهم في ذكر (ومشى ولم يركب):
فرواه سليمان بن موسى، وراشد بن داود الصنعاني، وأبو قلابة، والعلاء بن الحارث، وعثمان بن أبي سودة، ولم يذكر أحد منهم (ومشى ولم يركب).
ورواه يحيى بن الحارث، وجزم بأنه لم يسمع هذا الحرف من أبي الأشعث، فهؤلاء ستة رواة يتفقون على عدم ذكر هذا الحرف.
ورواه حسان بن عطية، عن أبي الأشعث بذكر (ومشى ولم يركب).
وتابعه على هذا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر على اختلاف عليه في ذكرها.
فرواه حسين بن علي الجعفي، عن ابن جابر، ولم يذكر هذا الحرف.
ورواه الوليد بن مسلم، وابن المبارك عن ابن جابر، بذكر (ومشى ولم يركب)، وإليك بيان مروياتهم فيما وقفت عليه من طرق الحديث، والله أعلم.
الطريق الأول: يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث.
رواه أحمد (4/ 9، 10) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1575)، والنسائي في الكبرى (1720)، والطحاوي (1/ 368)، والطبراني في الكبير (1/ 214) ح 582، وفي مسند الشاميين (902)، وابن خزيمة (1767)، من طريق الثوري،
والترمذي (6)، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1574) من طريق أبي جناب يحيى بن أبي حية.
والطبراني في الكبير (1/ 214) ح 583 من طريق أبي الحكم الأعرج، ثلاثتهم (الثوري، وأبو جناب، وأبو الحكم الأعرج) عن عبد الله بن عيسى.
ورواه تمام في فوائده (2) من طريق محمد بن شعيب.
ورواه النسائي في المجتبى (1381)، وفي الكبرى (1697) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 368)، والطبراني في مسند الشاميين (340)، وتمام في فوائده (348)، من طريق سعيد بن عبد العزيز.
ورواه النسائي أيضًا في المجتبى (1398)، وفي الكبرى (1719) من طريق عمر يعني ابن عبد الواحد.
والدارمي (1588) وتمام في فوائده (1256)، من طريق صدقة بن خالد،
خمستهم (عبد الله بن عيسى، ومحمد بن شعيب، وسعيد بن عبد العزيز، وعمر بن عبد الواحد، وصدقة) رووه عن يحيى بن الحارث الذماري، عن أبي الأشعث، وقد اتفق هؤلاء كلهم عن يحيى بن الحارث على عدم ذكر لفظ (مشى ولم يركب). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
ورواه أحمد (4/ 10) من طريق عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني أبو الأشعث به
…
فذكر الحديث، قال -أي ابن جابر- وزعم يحيى بن الحارث أنه حفظ عن أبي الأشعث، أنه قال له: بكل خطوة كأجر سنة: صيامها وقيامها. قال يحيى: ولم أسمعه يقول: مشى، ولم يركب.
وهذا جزم بنفي سماع هذا الحرف من أبي الأشعث.
وخالف كل هؤلاء الأوزاعي، فرواه عن يحيى بن الحارث به، وفيه:(ومشى ولم يركب) فرواه الطبراني في مسند الشاميين (901).
وهذا وهم من الأوزاعي، دخل عليه روايته للحديث عن حسان بن عطية، عن أبي الأشعث بروايته للحديث عن يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث.
كما أن فيه اختلافًا على سفيان:
فرواه عبيد الله الأشجعي، ومحمد بن يوسف، وعمرو بن محمد الأحمر، ووكيع عن سفيان بلفظ:(كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها).
ورواه أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، واختلف على أبي أحمد:
فرواه أحمد عن أبي أحمد الزبيري بما يوافق رواية الجماعة.
ورواه أبو موسى الزمن في صحيح ابن خزيمة، عن أبي أحمد الزبيري، بلفظ:(كان له من الأجر أجر سنة صيامها وقيامها)، والمحفوظ أن هذا لفظ عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وحده، وكل من رواه عن أبي الأشعث رواه بلفظ (كان له بكل خطوة عمل سنة: صيامها وقيامها). وقد وقعت مذاكرة بين يحيى بن الحارث وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر حول هذا الحرف، سننقله إن شاء الله عند الكلام على طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والله أعلم.
الطريق الثاني: حسان بن عطية، عن أبي الأشعث.
رواه عبد ا لله بن المبارك كما في مسند أحمد (4/ 9، 104)، ومصنف ابن أبي شيبة (4990)، وسنن أبي داود (345)، وسنن ابن ماجه (1087)، وفي الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1573)، والمعجم الكبير للطبراني (1/ 215) ح 585، وصحيح ابن حبان (2781)، وتمام في الفوائد (1530، 1531)، والحاكم في المستدرك (1042)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 324)، وفي الشعب له (2728)، وفي فضائل الوقت له أيضًا (270)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 27).
ومحمد بن مصعب كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (986).
وهقل بن زياد كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 307) رواه من طريق عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدي (الليث بن سعد)، عن هقل، ثلاثتهم (ابن المبارك، ومحمد بن مصعب، وهقل) عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي الأشعث به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وتابع عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الأوزاعي، فرواه عن حسان بن عطية، سمع أبا الأشعث الصنعاني، يحدث عن أوس بن أوس الثقفي به.
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 400).
الطريق الثالث: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
رواه الوليد بن مسلم، واختلف عليه:
فرواه عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، عن الوليد بن مسلم، أنه سمع أبا الأشعث يحدث أنه سمع أوس بن أوس به، وفيه:(كان له بكل خطوة عمل سنة).
رواه النسائي في المجتبى (1384)، وفي السنن الكبرى (1703، 1707)، والطبراني في مسند الشاميين (556).
ورواه محمود بن خالد، كما في السنن الكبرى للنسائي (1707).
وعلي بن المديني كما في المعجم الكبير (1/ 215) ح 584، كلاهما عن الوليد بن مسلم به بنحوه، وفيه: (كان له به عمل سنة، قال ابن جابر: فذاكرني يحيى بن الحارث هذا، فقال: أنا سمعت أبا الأشعث يحدث بهذا الحديث، وقال: بكل قدم عمل سنة: صيامها وقيامها. قال ابن جابر: حفظ يحيى، ونسيت.
زاد الطبراني: (قال الوليد: فذكرت ذلك لأبي عمرو الأوزاعي، فقال: ثبت الحديث أن له بكل قدم عمل سنة).
ورواه حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني به وفيه:(كان له بكل خطوة كأجر سنة: صيامها وقيامها).
رواه أحمد (4/ 9، 104)، والنسائي في الكبرى (1741)، وابن خزيمة (1758)، والحاكم (1040)، والبيهقي في السنن (3/ 321)، وفي فضائل الأوقات له (269).
وهذه الرواية موافقة لرواية عمرو بن عثمان عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر.
فلفظ الجعفي عن ابن جابر، ولفظ عمرو بن عثمان عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، أكان ذلك رجوعًا من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر إلى رواية يحيى بن الحارث بعد أن ذاكره، أم كان هذا من الحفظ الأول قبل أن ينسى؟ محتمل، والله أعلم.
وخالف يزيد بن يوسف الوليد بن مسلم، وحسين بن علي الجعفي، فرواه عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرحبي، عن أوس بن أوس، فزاد يزيد بن يوسف في الإسناد أبا أسماء الرحبي، وهذا الإسناد منكر، تفرد به يزيد بن يوسف، وهو ضعيف.
رواه الطبراني في مسند الشاميين (557)، وفي المعجم الكبير (1/ 215) ح 586.
ورواه أحمد في المسند (4/ 10)، قال: حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني عبد الرحمن الدمشقي، قال: حدثني أبو الأشعث، قال: حدثني أوس بن أوس الثقفي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجمعة، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فقال: من غسل أو اغتسل، ثم غدا وابتكر، وخرج ولم يَمْش ولم يركب، ثم دنا من الإمام، فأنصت له، ولم يَلْغُ، كان له كأجر سنة: صيامها وقيامها، قال: وزعم يحيى بن الحارث أنه حفظ عن أبي الأشعث أنه قال له: بكل خطوة كأجر سنة: صيامها وقيامها. قال: يحيى: ولم أسمعه يقول: مشى ولم يركب.
فإن كان عبد الرحمن الدمشقي هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكرر ذكره سهوًا، وإلا كانت رواية الوليد بن مسلم مقدمة على رواية ابن المبارك، لوجهين:
أحدهما: أن الأشعث شامي وكذا الوليد بن مسلم، ورواية أهل البلد مقدمة على رواية الغريب.
الثاني: أن الوليد بن مسلم، تابعه حسين بن علي الجعفي، ولم يتابع ابن المبارك، والله أعلم.
الطريق الرابع: أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن أبي الأشعث به، بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير).
وقوله: (وذلك على الله يسير) هذا الحرف تفرد به أبو قلابة، ولعله مدرج من كلام الراوي.
رواه عبد الرزاق في المصنف (5570)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 214) ح 581، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (988) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة به. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات.
الطريق الخامس: سليمان بن موسى، عن أبي الأشعث.
أخرجه الطبراني في الأوسط (1753)، وفي مسند الشاميين (1267) من طريق النعمان بن المنذر، عن سليمان بن موسى به، بلفظ:(من أدرك الجمعة، فغسل واغتسل، ثم غدا وابتكر، ثم دنا من الإمام، فأنصت واستمع، كان له في كل خطوة كعمل سنة: قيامها وصيامها).
ورجاله ثقات.
الطريق السادس: راشد بن داود الصنعاني، عن أبي الأشعث.
أخرجه أحمد (4/ 10)، قال: حدثنا الحكم بن نافع، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود به.
وهذا إسناد صحيح، وأحاديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام مستقيمة، وهذا معدود منها.
الطريق السابع: العلاء بن الحارث عن أبي الأشعث.
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 400) من طريق عبد الرحمن بن ثوبان، عن العلاء بن الحارث به.
الطريق الثامن: عثمان بن أبي سودة (ثقة)، عن أبي الأشعث.
رواه الدولابي في الكنى والأسماء (920) من طريق الضحاك بن مخلد.
ورواه أيضًا (921) من طريق بقية بن الوليد، كلاهما عن ثور بن يزيد أبي خالد الحميري، عن عثمان به، بلفظ: من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا واقترب، وأنصت، كان له بكل خطوة صيام سنة وقيامها. وقد صرح بقية بالتحديث وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات.
فإن كان نفي الركوب محفوظًا في الحديث كان ذلك مقصودًا للشارع.
(ح-1035) ويؤيد ذلك ما رواه مسلم من طريق زكرياء بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير،
قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: كانت ديارنا نائية عن المسجد، فأردنا أن نبيع بيوتنا، فنقترب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لكم بكل خطوة درجة
(1)
.
وإن كان لفظ (مشى ولم يركب) ليس محفوظًا من الحديث كان ترتيب الفضل لا يختص بالماشي ويكون وصف المشي لا مفهوم له وإنما خرج مخرج الغالب، فإن الغالب أن من يخرج إلى المسجد هم من يسمع النداء، ومثلهم لا يحتاج للركوب؛ ولأن المشي والركوب من باب الوسائل لا تقصد لذاتها، والغاية هي الوصول إلى المسجد للصلاة فيه جماعة، سواء أجاء ماشيًا أم راكبًا، ولو كان المشي مقصودًا لذاته لقيل باستحباب قَصْدِ المسجد الأبعد، وحديث أوس ظاهره الصحة، والأجر المرتب عليه مبالغ فيه جدًّا، فإن كل خطوة يكتب فيها أجر سنة صيامها وقيامها كثير على عمل يسير، وفضل الله واسع فإن كان أحد من الأئمة قد أعله بهذا قلت به بلا تردد، وإلا بقيت على اعتقاد صحة الحديث حتى يثبت العكس.
وقد خالف حديث أوس حديث سلمان وحديث أبي هريرة، والأول في البخاري، والآخر في مسلم.
(ح-1036) فقد روى البخاري من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: أخبرني أبي، عن ابن وديعة،
عن سلمان الفارسي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى
(2)
.
(1)
. صحيح مسلم (664).
(2)
. صحيح البخاري (883).
(ح-1037) وروى مسلم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا
(1)
.
ورواه مسلم من طريق سهيل، عن أبيه،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من اغتسل، ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام
(2)
.
فهذا الفضل قريب، وأما حديث أوس بن أوس فهو فضل مبالغ فيه لعمل يسير، فإذا كان شهود الجمعة نفسها، وهي المقصودة يكفر من الجمعة إلى التي تليها، فإذا اغتسل وأنصت، ولم يفرق بين اثنين زاد فضل ثلاثة أيام، فما الذي زاده العامل في حديث أوس حتى يكون له بكل خطوة عمل سنة بصيامها وقيامها، وكل ما زاده على ذلك ليس من الواجبات، وإنما هو من السنن، وليس بمقصود، وإنما هو من باب الوسائل كالذهاب ماشيًا إلى الجمعة، وحديث سلمان وأبي هريرة في الصحيح، وحديث أوس خارج الصحيح، وهو من وسائل الترجيح، وكنت قد ترددت في تضعيف الحديث طلبًا لإمام معتبر يضعفه لأني لا أحب معارضة الحديث بمجرد الفهم ما دام الإسناد ظاهره الصحة، ثم وجدت الإمام الترمذي قد حكم عليه بالحسن، فقال في سننه: حديث أوس بن أوس حديث حسن، وهذا ذهاب منه إلى تضعيف الحديث، فإن الحسن عند الترمذي هو كل حديث ليس في إسناده متهم (يعني أنه ليس شديد الضعف) ولا يكون شاذً، ويروى من غير وجه، وهذا يصدق على الحديث الضعيف إذا روي من أكثر من وجه، فلا يمكن حديث هذا حكم الترمذي فيه، وهو غريب الإسناد، غريب المتن لا يعرف هذا الفضل إلا من هذا الوجه، وينفرد بهذا الفضل المخالف لأحاديث الصحيحين، ويكون مقبولًا، والله أعلم.
وفي الباب أحاديث أخرى، وقد تركتها اقتصارًا على أحاديث الصحيحين فإن فيها غنية.
* * *
(1)
. صحيح مسلم (27 - 857).
(2)
. صحيح مسلم (26 - 857).