الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا
المدخل إلى المسألة:
• قال صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى
• هل بطلان الفريضة بطلان للتحريمة مطلقًا، أو بطلان لوصف الفرض فقط؟
• إبطال الصلاة فرضًا لا يلزم منه إبطال مطلق الصلاة.
• الصلاة مركبة من شيئين: نية الصلاة، ونية الفرضية، وإبطال الفرض لا يستلزم إبطال نية مطلق الصلاة.
• إبطال الأخص لا يستلزم إبطال الأعم.
• إذا كان المصلي معتديًا في إبطال الفرض لم ينقلب إلى نفل مطلق.
[م-477] إذا قلنا: يشترط للمسبوق أن يوقع تكبيرة الإحرام حال القيام، فأوقعها حال الهوي لم تنعقد فرضًا عند الجمهور، فهل تنقلب نفلًا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
فقال الحنفية: لا تنقلب نفلًا إذا كبر حال الهوي وهو إلى الركوع أقرب، حتى لو كان المسبوق يصلي التراويح جماعة، فأوقعها وهو راكع، لم تنعقد نفلًا، وحكاه ابن قدامة احتمالًا، وجزم بحكايته قولًا المرداوي في الإنصاف، أما لو كبر، وهو قاعد انقلبت نفلًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف
(1)
.
قال ابن عابدين نقلًا من شرح الشيخ إسماعيل عن الحجة: «إذا كبر في التطوع حالة الركوع للافتتاح لا يجوز، وإن كان التطوع يجوز قاعدًا» . اهـ
علق ابن عابدين قائلًا: «والفرق بينه وبين ما لو كبر للتطوع قاعدًا: أن القعود
(1)
. حاشية ابن عابدين (1/ 481)، الجوهرة النيرة (1/ 52)، المغني (1/ 335)، الإنصاف (2/ 42).
الجائز خَلَفٌ عن القيام من كل وجه، أما الركوع فله حكم القيام من وجه دون وجه، ولذا لما قرأ فيه لم يجز»
(1)
.
فبين ابن عابدين أن المتطوع إذا صلى جالسًا كان الجلوس بدلًا عن القيام، فكان عليه أن يأتي بتكبيرة الإحرام جالسًا، فإذا أتى بها وهو راكع، لم تنعقد؛ لأن الواجب أن يأتي بتكبيرة الإحرام إما في حال القيام، وهو الأصل، وإما في بدله، وهو الجلوس.
(2)
.
وقال محمد بن الحسن: إذا بطلت الفريضة لم تنقلب نفلًا مطلقًا، حتى لو كبر للفريضة قاعدًا، بطلت الفريضة، ولم تنقلب نافلة، وهو قول في مذهب الحنابلة
(3)
.
• وجه قول محمد بن الحسن:
أن المصلي كبر للتحريمة بنية الفريضة، فإذا بطل الفرض لكونه كبر للتحريمة قاعدًا بطلت الفريضة، ولم تصح نفلًا؛ لأن المنوي هو الفرض، والنفل لم يَنْوِهِ، فإذا لم يحصل المنوي فكونه لا يحصل غير المنوي من باب أولى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى.
ولأن التحريمة انعقدت للفريضة فإذا فسدت لم تَبْقَ تحريمة لفساد ما انعقدت عليه، فبطلت الصلاة ضرورة.
وقال الحنابلة: تنقلب الفريضة نفلًا حكمًا إذا كان في الوقت متسع لها وللفريضة، وهو قول في مذهب الشافعية
(4)
.
(1)
. حاشية ابن عابدين (1/ 481).
(2)
. المغني (1/ 335).
(3)
. الأصل (1/ 153)، الإنصاف (2/ 42).
(4)
. انظر في مذهب الحنابلة: الإقناع (1/ 113)، الإنصاف (2/ 42)، الفروع (2/ 163)، شرح منتهى الإرادات (1/ 184)، كشاف القناع (1/ 330)، حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات (1/ 279).
وانظر قول الشافعية في نهاية المطلب (2/ 127)، المجموع (3/ 287).
• وجه انقلاب الصلاة إلى نافلة مطلقًا:
القيام شرط لصحة تكبيرة الإحرام في كل صلاة يكون القيام شرطًا في صحتها، فالقيام ركن في صلاة الفريضة، فيكون شرطًا في صحة تكبيرة الإحرام.
وأما النافلة فالقيام لما لم يكن شرطًا في صحتها، صحت النافلة من القاعد، ولو من غير عذر، ولم يكن القيام شرطًا في تكبيرة الإحرام، فيصح أن يوقع تكبيرة الإحرام وهو جالس، هذا من حيث حكم اشتراط القيام لتكبيرة الإحرام، والفرق بين الفرض والنفل.
فإذا أوقع تكبيرة الإحرام في حال الهوي، ونوى بها الفرض لم تصح الصلاة فرضًا عند الجمهور كما سبق بحثه في المسألة السابقة، ولما كان القيام ليس ركنًا في النافلة انقلبت نفلًا، وإبطال الصلاة فرضًا لا يلزم منه إبطال مطلق الصلاة؛ فتنقلب الصلاة إلى نفل حكمًا، وإن لم يَنْوِ النافلة؛ لأن الصلاة مركبة من شيئين: نية الصلاة، ونية الفرضية، وإبطال الفرض لا يستلزم إبطال نية مطلق الصلاة؛ لأن إبطال الأخص لا يستلزم إبطال الأعم، فكان له أن يتم الصلاة نفلًا إذا كان الوقت يتسع للنافلة والفريضة، فإن ضاق الوقت حتى لا يتسع إلا للفريضة وجب الخروج من النافلة، والشروع في الفريضة.
وقياسًا على الرجل إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلًا، فالأصح انعقاده نفلًا حكمًا، مع أنه لم يَنْوِ النفل، وهو قول الأئمة الأربعة خلافًا لمحمد بن الحسن، وقد سبق بحث هذه المسألة عند الكلام على مباحث النية
(1)
.
هذا هو توجيه الحكم بصحتها نفلًا عند الحنابلة، وهم يطردون هذا الحكم في كل صلاة لا تصح فرضًا فإنها تنقلب نفلًا حكمًا إذا كان في الوقت سعة.
وقال الشافعية: تنعقد نفلًا إذا لم يكن عالمًا بالتحريم، فإن علم بالتحريم لم تنعقد، وهو الأصح في مذهب الشافعية
(2)
.
(1)
. الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 164)، مغني المحتاج (1/ 530)، نهاية المحتاج (1/ 458)، حاشية الجمل (1/ 333)، الإقناع (1/ 107)، شرح منتهى الإرادات (1/ 177)، كشاف القناع (1/ 317)، مطالب أولي النهى (1/ 401)، حاشية الخلوتي (1/ 278).
(2)
. روضة الطالبين (1/ 228)، المجموع (3/ 287، 296)، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 367)، فتح العزيز (3/ 264).
قال السيوطي: «إذا أتى بتكبيرة الإحرام أو بعضها في الركوع جاهلًا فالأصح الانعقاد نفلًا»
(1)
.
وقال النووي في المجموع: «لو وجد المسبوقُ الإمامَ راكعًا فأتى بتكبيرة الإحرام أو بعضها في الركوع لا ينعقد فرضًا بلا خلاف، فإن كان عالمًا بتحريمه، فالأصح بطلانها، والثاني تنعقد نفلًا، وإن علم تحريمها»
(2)
.
• وجه البطلان إذا كان عالمًا بالتحريم:
الأصح عند الشافعية أن قلب الصلاة من فريضة إلى نافلة لا يصح، جاز ذلك في حالات ضيقة، إما لمصلحة الصلاة، وإما لعذر، فالأول كما لو قلب الفذ فرضه نفلًا من أجل إدراك جماعة قامت في المسجد.
والثاني: كما لو صلى يظن دخول الوقت، فبان أن الوقت لم يدخل، ومنه هذه المسألة فإنهم يعتبرون الجهل عذرًا في عدم بطلان أصل الصلاة وإن لم تصح نية الفريضة، أما إذا كبر، وهو يركع، مع علمه أن فعله محرم، فقد عصى الله فلا عذر له، ولم يكن ذلك لمصلحة الصلاة، فمثل ذلك يبطل أصل الصلاة، فلا تنقلب نفلًا.
• الراجح:
مذهب الحنفية هو الأضعف، ويبقى الترجيح بين قولي الشافعية والحنابلة، فالشافعية رأوا أن ارتكاب المنهي عنه داخل الصلاة يبطل مطلق الصلاة، والحنابلة على خلاف قواعدهم من اعتبارهم النهي يقتضي الفساد، فأبطلوا الفرض لفوات محل تكبيرة الإحرام، وصححوها نافلة، وأنا أميل إلى قول الشافعية، وقول الحنابلة غير مدفوع، والله أعلم.
* * *
(1)
. الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 164).
(2)
. المجموع (3/ 287).