الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى
المدخل إلى المسألة:
• كل لحن يغير المعنى، ويوهم محذورًا فهو محرم، ويفسد الصلاة.
• كل إشباع يخرج عن الحد الطبيعي، ولا يغير المعنى، إذا ارتكبه قاصدًا عالمًا فهو مكروه.
• الخطأ النحوي في غير كتاب الله من تحريك الساكن، أو تسكين المتحرك إذا لم يغير المعنى، لم يفسد الصلاة.
[م-484] اللحن في النطق إما أن يكون لحنًا في بنية الكلمة أو في إعرابها، وسوف نعرض لبعض الصور من اللحن الذي يقع فيه الناس، وتعرض له الفقهاء في أحكامهم.
القسم الأول: صور من اللحن الواقع في بنية الكلمة، من ذلك:
الصورة الأولى: أن يمد همزة لفظ الجلالة كما لو قال: آلله أكبر، فصارت الجملة بصورة الاستفهام، فتغير المعنى.
وقد نَصَّ الحنفية وبعض المالكية، والشافعية والحنابلة على أن الصلاة لا تنعقد
(1)
.
وقال بعض المالكية: إن قصده بطلت
(2)
.
بل قال أكثر الحنفية إن تعمده كفر
(3)
.
(1)
. الجوهرة النيرة (1/ 52)، حاشية ابن عابدين (1/ 453)، العناية شرح الهداية (1/ 297)، الإقناع (1/ 113)، كشاف القناع (1/ 330)، الفروع (2/ 163).
(2)
. حاشية حجازي العدوي على ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 340).
(3)
. قال في مجمع الأنهر (1/ 91): «وإن تعمد كفر، كما في أكثر الكتب» . وانظر: تبيين الحقائق (1/ 114)، الجوهرة النيرة (1/ 52)، بدائع الصنائع (1/ 199)، حاشية ابن عابدين (1/ 453).
وقال في الفواكه الدواني (1/ 176): «ويحذر من مد همزة الله حتى يصير مستفهمًا، ومن مد باء أكبر .... فإن جميع ذلك مبطل للتكبير» . وحذر من ذلك الدسوقي في حاشيته، ولم يتعرض لإبطال الصلاة (1/ 233)، وكذا فعل الصاوي في حاشيته (1/ 307)، والزرقاني على مختصر خليل (1/ 344)، ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 340).
وقال بعضهم: خيف عليه من الكفر
(1)
.
ونقل في العناية: أنه إن فعل ذلك عمدًا كان كفرًا؛ لشكه في كبريائه، وإن لم يتعمده أفسد صلاته، ثم تعقب ذلك بقوله: وفيه نظر؛ لأن الهمزة يجوز أن تكون للتقرير، فلا يكون هناك كفر، ولا فساد
(2)
.
وانتقده في المعراج، بأن الهمزة لا تكون للتقرير إلا في كلام منفي، لا في كلام مثبت، واستدل على هذا بقوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] قال في النهر الفائق: كذا قيل
(3)
.
فكأنه لم يرتَضِهِ، وتعقب ابن نجيم، كلام صاحب العناية فقال في البحر الرائق: «وفيه نظر؛ لأن ابن هشام في المغني قال: والرابع التقرير، ومعناه: حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته، أو نفيه، ويجب أن يليها الشيء الذي يقرر به، تقول في التقرير بالفعل: أضربت زيدًا؟ أو بالفاعل: أأنت ضربت زيدًا؟ أو بالمفعول: أزيدًا ضربت؟ كما يجب ذلك في المستفهم عنه اهـ.
وليس (الله أكبر) من هذا القبيل؛ إذ ليس هنا مخاطب كما لا يخفى»
(4)
.
وقد كشف نقل ابن نجيم عن ابن هشام أن التقرير كما يكون في النفي يكون في الإثبات.
وقال زروق في شرح الرسالة: «ومواضع اللحن
…
منها مد ألف الله من اسم الجلالة
…
وهو قريب من الكفر»
(5)
.
(1)
. انظر البحر الرائق (1/ 332).
(2)
. انظر العناية شرح الهداية (1/ 297).
(3)
. النهر الفائق (1/ 212).
(4)
. البحر الرائق (1/ 332)، وانظر النهر الفائق (1/ 212).
(5)
. شرح زروق على متن الرسالة (1/ 207).
وقال ابن المنير نقلًا من مواهب الجليل: «ويحذر أن يمد بين الهمزة واللام من اسم الله فيوهم الاستفهام، وأن يمد بين الباء والراء فيتغير المعنى
…
هذا كله لحن ويخاف منه بطلان الصلاة»
(1)
.
• والراجح:
أنه إن تعمد هذا اللحن مع العلم بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا فأرجو أن تكون صلاته صحيحة، والله أعلم.
الصورة الثانية: إشباع حركة الهاء من لفظ الجلالة (الله).
قال الحنفية: إشباع حركة الهاء من الجلالة، خطأ لغة، ولا تفسد به الصلاة، وبه قال بعض المالكية
(2)
.
جاء في مراقي الفلاح: «وإشباع حركة الهاء من الجلالة خطأ لغة ولا تفسد به الصلاة وكذا تسكينها»
(3)
.
وقال ابن المنير المالكي: «ويحذر أن يشبع الهاء حتى تتولد الواو
…
فهذا كله لحن، ويخاف منه بطلان الصلاة»
(4)
.
ونص الشافعية على أن إشباع الضمة إذا تولد منه واو بين الكلمتين أنه لا يجزئ
(5)
.
وعلل بعض الشافعية المنع بأن لفظ الجلالة إذا أشبعت حركة الهاء حتى تولد منها واو، صار لفظ الجلالة جمع لاهٍ
(6)
.
وقال في نهاية المحتاج: «لأن ذلك لا يسمى تكبيرًا»
(7)
.
(1)
. مواهب الجليل ط دار الرضوان (2/ 206)، وط دار الفكر فيها تصحيف.
(2)
. البحر الرائق (1/ 332)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 223)، حاشية ابن عابدين (1/ 480)، الفواكه الدواني (1/ 176).
(3)
. مراقي الفلاح (ص: 85)، وانظر حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 223).
(4)
. مواهب الجليل ط دار الرضوان (2/ 206)، وط دار الفكر فيها تصحيف.
(5)
. فتح العزيز (3/ 268)، المجموع (3/ 292)، روضة الطالبين (1/ 229)، فتاوى الرملي (1/ 130)، روضة الطالبين (1/ 229)، كفاية الأخيار (ص: 103)، مغني المحتاج (1/ 344).
(6)
. تحفة المحتاج (2/ 14).
(7)
. نهاية المحتاج (1/ 460).
ونص صاحب كفاية الأخيار أن الإشباع زيادة تخل بالمعنى، فقال:«ومنها: أن لا يزيد ما يخل بالمعنى بأن يمد الهمزة من الله لأنه يخرج به إلى الاستفهام .... أو يزيد في إشباع الهاء فتتولد واو، سواء كانت ساكنة أو متحركة»
(1)
.
واشترط الرملي للتحريم شروطًا منها العلم والقصد، والقدرة، وهي شروط في كل محرم، جاء في فتاوى الرملي: «سئل عمن يشبع هاء الله حتى تتولد منها واو فهل ذلك حرام أو لا؟
فأجاب: نعم يحرم عليه إن أتى به قاصدًا به الله سبحانه وتعالى، أو مسندًا إليه ما لا يصح إسناده إليه تعالى عالمًا بتحريمه قادرًا على الصواب، بل إن فعله عنادًا كَفَر؛ لتغييره معنى الاسم الكريم، ففي العزيز في الكلام على تكبيرة الإحرام، ولو زاد واوًا بين الكلمتين ساكنة أو متحركة فقد عطل المعنى فلا يجزيه»
(2)
.
•والراجح:
أن القول بإبطال الصلاة شديد، ويحتاج إلى نص، والأصل الصحة، ولكن القول بالكراهة إذا تقصد ذلك غير مدفوع، لما ذكره الشافعية من تعليلات، والله أعلم.
الصورة الثالثة: مد لام لفظ الجلالة (الله)، فإن كان بمقدار حركتين فهو الصواب؛ لأن ذلك مقدار المد الطبيعي.
وأما قصره عن المد الطبيعي، فذكر النفراوي من المالكية أن من قصر عن هذا المقدار لا يصير محرمًا؛ لأنه لا يصير ذاكرًا إلا به.
وقال الشافعية: «ويندب
…
أن لا يقصر بحيث لا يفهم، وأن لا يطول بالتمطيط»
(3)
.
واستحب الحنفية والشافعية الإسراع بالتكبير: أي لا يمده
(4)
.
(1)
. كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 103).
(2)
. فتاوى الرملي (1/ 130).
(3)
. حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 162).
(4)
. كنز الدقائق (ص: 163)، تبيين الحقائق (1/ 114)، البحر الرائق (1/ 322)، مراقي الفلاح (ص: 104)، حاشية ابن عابدين (1/ 480)، نهاية المحتاج (1/ 461).
• واستدلوا على ذلك بدليلين:
الدليل الأول:
(ح-1191) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: أخبرنا شعبة، عن الحسن بن عمران، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير
(1)
.
[منكر تفرد به الحسن بن عمران وخالف الأحاديث المتواترة في إتمام التكبير]
(2)
.
(1)
. المسند (3/ 407).
(2)
. الحديث مداره على شعبة، واختلف عليه فيه:
فرواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة،، واختلف على أبي داود الطيالسي:
فقيل: عن أبي دواد الطيالسي، عن شعبة، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، بذكر ابن أبزى مبهمًا.
رواه يونس بن حبيب، كما في مسند الطيالسي (1383)، ومن طريق يونس أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3861)، والمزي في تهذيب الكمال (6/ 291).
ومحمد بن المثنى كما في سنن أبي داود (837)، والإغراب للنسائي ج الرابع من حديث شعبة وسفيان (42)، كلاهما (يونس وابن المثنى) عن الطيالسي، عن شعبة به.
ورواه محمد بن بشار (بندار) واختلف عليه:
فرواه عنه البخاري كما في التاريخ الكبير (2/ 301)، وأبو داود السجستاني كما في السنن (837)، عن محمد بن بشار، عن الطيالسي كرواية يونس بن حبيب ومحمد بن موسى بإبهام ابن أبزى.
وخالفهما: محمد بن عبد السلام (ثقة)، كما في التمهيد لابن عبد البر (7/ 84) فرواه عن محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن الحسن بن عمران، قال: سمعت سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى يحدث عن أبيه، أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يتم التكبير، كان لا يكبر إذا خفض.
وهذه الرواية ليست معارضة لرواية البخاري وأبي داود، وإنما فيها كشف المبهم، وقد جاء ذلك في غير طريق محمد بن بشار كما سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في الطريق التالي.
ورواه ابن أبي شيبة كما في المصنف (2497)، وعنه ابن أبي غرزة في مسند عابس الغفاري (43).
ومحمود بن غيلان كما في التاريخ الكبير للبخاري (2/ 300)، والإغراب للنسائي ج الرابع من حديث شعبة وسفيان (42).
وأبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي كما في معجم الصحابة للبغوي (1929)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 336)، ثلاثتهم، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الحسن بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
عمران، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه به.
وانظر تهذيب الكمال للمزي (6/ 291).
وتابع أبا داود الطيالسي في ذكر الحديث من رواية سعيِد بن عبدِ الرحمنِ بن أبزى سليمانُ بن حرب، أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 149)، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله (هو الكجي ثقة)، أخبرنا سليمان بن حرب به، بلفظ: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم الركوع. كذا قال: والصواب: لا يتم التكبير.
فكان أبو داود الطيالسي تارة يبهم ابن أبزى وتارة يسميه سعيدًا.
هذا وجه الاختلاف على أبي داود الطيالسي.
وقد خالف جماعة أبا داود الطيالسي، على اختلاف عليهم في لفظه، فرووه عن شعبة، عن الحسن بن عمران، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، فجعلوه من رواية عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبزى، وليس من رواية أخيه سعيد بن عبد الرحمن.
رواه روح بن عبادة كما في مسند أحمد (3/ 406)،
وعمرو بن مرزوق كما في شرح معاني الآثار (1/ 220)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 100)، كلاهما عن شعبة، به، بذكر عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، بلفظ: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير زاد أحمد من رواية روح: يعني إذا خفض، وإذا رفع.
قال البيهقي (2/ 100): «وفي حديث عمرو، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير، فقد يكون كبر، ولم يسمع، وقد يكون ترك مرة ليبين الجواز، والله أعلم» .
وتابعهما أبو عاصم النبيل: الضحاك بن مخلد بذكر عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، وخالفهما في لفظه على اختلاف عليه هو أيضًا:
فرواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/ 462)، عن الضحاك بن مخلد به، بلفظ: فكان إذا خفض لا يكبر قال يعني: إذا سجد.
ورواه علي بن نصر كما في التاريخ الكبير للبخاري (2/ 300)، عن أبي عاصم، ولفظه: أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، وكبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا خفض ورفع.
والأول أقرب إلى لفظ الجماعة.
كما تابعهم يحيى بن حماد، فرواه عن شعبة، واختلف على يحيى:
فرواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 220) حدثنا ابن أبي عمران (وثقه ابن يونس)، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا يحيى بن حماد، عن شعبة، عن الحسن بن عمران، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير.
وابن الأعرابي في معجمه (354)، أخبرنا محمد، حدثنا يحيى بن حماد به، بإبهام ابن أبزى، ورواية الطحاوي في إتحاف المهرة (10/ 585) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، فليتأمل. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
ورواه أحمد (3/ 407)،
والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 100) من طريق محمد بن سليمان، كلاهما عن يحيى بن حماد، عن شعبة، عن الحسن بن عمران، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى به.
فصار يحيى بن حماد يرويه على الوجهين، تارة بإبهام ابن أبزى، وتارة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، ولو كان الترجيح بين الرواة عن يحيى بن حماد لم أعدل بالإمام أحمد أحدًا، ولكن قد يكون الحمل من الحسن بن عمران، فهو علة الحديث.
فصار الاختلاف في إسناد الحديث كالتالي:
يرويه روح بن عبادة، وعمرو بن مرزوق، وأبو عاصم النبيل عن شعبة، فقالوا: عن عبد الله بن أبزى، لا يختلف عليهم في إسناده، إلا عمرو بن مرزوق فقد ذكر المزي في تهذيب الكمال (6/ 291) أنه قال: عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، فإن كان ذلك محفوظًا فتكون رواية عمرو بن مرزوق على الوجهين الإبهام مرة، ومرة بذكر عبد الله بن أبزى.
ورواه يحيى بن حماد عن شعبة على الوجهين أيضًا: فقال مرة: عن ابن عبد الرحمن بن أبزى بالإبهام، وقال في أخرى: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى.
ورواه سليمان بن حرب عن شعبة، فقال: عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى.
ورواه الطيالسي عن شعبة، على الوجهين: فقال مرة عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، وسماه في أخرى سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى.
وسعيد وعبد الله أخوان؛ سئل عنهما أحمد، فقال: كلاهما عندي حسن الحديث، كما في تهذيب التهذيب، والحديث مع اضطراب إسناده قد تفرد به الحسن بن عمران، ولا يحتمل تفرده، فلم يوثقه إلا ابن حبان، وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (3/ 27): شيخ. وحكم بجهالته كل من الطبري والبزار وابن رجب، والنووي انظر شرح البخاري لابن بطال (2/ 405)، وابن رجب في الفتح (7/ 137)، والمجموع (3/ 398).
وقال البخاري كما في التاريخ الكبير (2/ 301): وهذا لا يصح.
وقال أيضًا في التاريخ الكبير (2/ 300): قال أبو داود يعني الطيالسي: هذا عندنا لا يصح. اهـ
وقال النسائي: هذا حديث منكر.
ونكارته بمخالفته الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في كل خفض ورفع، وهي آثار شبه متواترة، سأتعرض لها عند الكلام على سنة التكبير في الصلاة إن شاء الله تعالى.
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار تعقيبًا (1/ 222): «الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التكبير في كل خفض ورفع أظهر من حديث عبد الرحمن بن أبزى، وأكثر تواترًا، وقد عمل بها من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، وتواتر بها العمل إلى يومنا هذا، لا ينكر ذلك منكِرٌ ولا يدفعه دافع» .
أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري)(5/ 3430).
وقال الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 59): «هذا حديث غريب أخرجه أحمد والترمذي من رواية شعبة، والحسن مختلف فيه، وابن عبد الرحمن، قيل: هو سعيد، وقيل: عبد الله، وكلاهما ثقة
…
».
وقال في الإصابة (6/ 258): سنده حسن. اهـ وكلام الحافظ في النتائج أقرب.
فسر الحنفية قوله: (لا يتم التكبير): أي لا يمده
(1)
.
وقال أبو داود: معناه إذا رفع رأسه من الركوع، وأراد أن يسجد لم يكبر، وإذا قام من السجود لم يكبر.
فجعل الإتمام في مقابل النقص: أي ينقص التكبير، وهذا ما أحدثه بعض حكام بني أمية، وهذا التفسير ورد في بعض طرق الحديث، وعلى كل حال الحديث لا يصح، ولو صح فهو مخالف للسنة من الجهر بالتكبير في كل مواضعه من الصلاة.
الدليل الثاني:
قال الرافعي في شرح الوجيز: «روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: التكبير جزم، والتسليم جزم»
(2)
.
وفسر ابن نجيم: التكبير جزم: أي بلا مد، وذلك بحذفه من غير تطويل
(3)
.
قال الحافظ في التلخيص: «لا أصل له بهذا اللفظ، وإنما هو قول إبراهيم النخعي»
(4)
.
قلت: ولم يثبت ذلك عن إبراهيم النخعي، وإن اشتهر عنه ذلك.
(ث-280) فقد رواه عبد الرزاق في المصنف، عن يحيى بن العلاء، عن مغيرة، قال:
…
قال إبراهيم: التكبير جزم، يقول: لا يمد
(5)
.
[ضعيف جدًّا فيه يحيى بن العلاء متهم]
(6)
.
وأما الزيادة عن المد الطبيعي:
فقيل: تكره، ولا تفسد به الصلاة، وهو المختار عند الحنفية، ومذهب الحنابلة
(7)
.
(1)
. تبيين الحقائق (1/ 114)، البحر الرائق (1/ 322)، فتح الباري (2/ 269).
(2)
. فتح العزيز بشرح الوجيز (3/ 283).
(3)
. البحر الرائق (1/ 322).
(4)
. تلخيص الحبير (1/ 406).
(5)
. المصنف (2553).
(6)
. تكلمت عليه في الأذان، انظر الأثر (38).
(7)
. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 279)، النهر الفائق (1/ 213)، منحة الخالق
حاشية على البحر الرائق (1/ 332)، حاشية ابن عابدين (1/ 480).
وذلك أن لفظ الجلالة (الله) بها ألف أصلية منطوقة مدية بعد اللام، وقبل الهاء: أي بينهما، ويجب النطق بها، ولا تسقط، فاللام ممدوة بألف، وهي منطوقة رغم أنها غير ثابتة خطًّا، ونطقها هكذا:(اللَّاه).
والإشباع معناه: مد الحركة القصيرة زيادة عن مقدار حركتين فتتحول إلى حركة طويلة، وتمطيط الحرف زائد عن حدِّه.
قال في النهر الفائق: «أما مد لام الاسم فحسن ما لم يخرج عن حَدِّه، كذا في (الشرح)، وَحَدُّهُ: أن لا يبالغ فيحدث من ذلك الإشباع ألف بين اللام والهاء، فإن فعل كره، ولا تفسد على المختار، كذا في (شرح المنية)»
(1)
.
وقال في الفروع: «ولا يضر لو خلل الألف بين اللام والهاء؛ لأنه إشباع، وحذفها أولى؛ لأنه يكره تمطيطه»
(2)
.
قال الحطاب في مواهب الجليل: «ويبقى شيء لم أَرَ من نبه عليه، وهو: إشباع مد ألف الجلالة التي بين اللام والهاء فإنه ليس ثم سبب لفظي يقتضي إشباع مدها في الوصل
…
»
(3)
.
وقال الشافعية: يضر المد إن خرج إلى حد لا يراه أحد من القراء، مع علمه بالحكم
(4)
.
قال الرملي في نهاية المحتاج: «ولو زاد في المد على الألف التي بين اللام والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء وهو عالم بالحال فيما يظهر ضر»
(5)
.
قال الشبراملسي في حاشيته: «(قوله: لا يراه أحد من القراء) أي في قراءة غير متواترة؛ إذ لا يخرجه ذلك عن كونه لغة، وغاية مقدار ما نقل عنهم على ما نقله ابن حجر سبع ألفات، وتقدر كل ألف بحركتين، وهو على التقريب، ويعتبر ذلك بتحريك الأصابع متوالية متقارنة للنطق بالمد»
(6)
.
(1)
. النهر الفائق (1/ 213)، وانظر: منحة الخالق على البحر الرائق (1/ 332).
(2)
. الفروع (2/ 163).
(3)
. مواهب الجليل (1/ 438).
(4)
. نهاية المحتاج (1/ 460)، حاشية الجمل (1/ 336)، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 14)، المجموع (3/ 292).
(5)
. نهاية المحتاج (1/ 460).
(6)
. حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (1/ 460).
الصورة الرابعة: مد همزة أكبر، حتى تكون بصورة الاستفهام (آكبر).
فقيل: خطأ يفسد الصلاة، ولا يصير شارعًا في الصلاة، وهو مذهب الحنفية، والشافعية والحنابلة
(1)
.
جاء في حاشية ابن عابدين: «إن كان المد في أكبر، فإن كان في أوله فهو خطأ مفسد، وإن تعمده، قيل يكفر للشك، وقيل لا. ولا ينبغي أن يختلف في أنه لا يصح الشروع به»
(2)
.
وعده المالكية من اللحن في الأذان
(3)
.
وقال في شرح المقدمة الحضرمية: «قال الشيخ عز الدين: يحرم التلحين إن غير المعنى، أو أوهم محذورًا، بل كثير منه كفر من العالم العامد، كمد همزة أكبر»
(4)
.
وقال ابن مفلح: «ولا تنعقد إن مَدَّ همزة الله، أو أكبر»
(5)
.
والقول في مد همزة أكبر كالقول في مد همزة الله حيث تكون صورتها صورة الاستفهام، والله أعلم.
الصورة الخامسة: مد آخر (أكبر) بحيث ينطقها بلفظ: (أكبار).
نص الحنفية وأكثر المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن مد باء أكبر يبطل الصلاة
(6)
.
(1)
. الجوهرة النيرة (1/ 52)، البحر الرائق (1/ 332)، مجمع الأنهر (1/ 91)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 279)، العناية شرح الهداية (1297)، تبيين الحقائق (1/ 114)، تحفة المحتاج (1/ 473)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (1/ 478)، أسنى المطالب (1/ 144)، شرح منتهى الإرادات (1/ 184)، كشاف القناع (1/ 330)، مطالب أولي النهى (1/ 419)، الفروع لابن مفلح (2/ 163).
(2)
. حاشية ابن عابدين (1/ 480).
(3)
. شرح زروق على متن الرسالة (1/ 207).
(4)
. شرح المقدمة الحضرمية (ص: 186).
(5)
. الفروع (2/ 163).
(6)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 370)، البحر الرائق (1/ 386)، حاشية ابن عابدين (1/ 453)، حاشية الدسوقي (1/ 233)، الفواكه الدواني (1/ 176)، شرح زروق على الرسالة (1/ 207)، ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 340)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 61)، مواهب الجليل (3/ 336)، المجموع (3/ 292)، روضة الطالبين (1/ 229)،
فتاوى الرملي (1/ 315)، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/ 148)، كفاية الأخيار (ص: 103)، إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى (1/ 207)، حاشية الروض لابن قاسم (3/ 10)، المنور في راجح المحرر (ص: 166)، مطالب أولي النهى (2/ 232)، كشاف القناع (2/ 471).
قال في الفواكه الدواني: «ويحذر من مد همزة الله حتى يصير مستفهمًا، ومن مد باء أكبر، ومن تشديد رائه
…
فإن جميع ذلك مبطل للتكبير»
(1)
.
واعتبره ابن المنير المالكي لحنًا يخاف منه إبطال الصلاة
(2)
.
وذكر الفقهاء في تعليل الإبطال أن المعنى يفسد، فإن أكبار بفتح الهمزة جمع كبر، وهو الطبل، وإن قال (إكبار) بكسر الهمزة فقد ذكر بعضهم أنه اسم من أسماء الحيض
(3)
.
قال ابن جرير في تفسيره: «زعم بعض الرواة: أن بعض الناس أنشده في: أكبرن بمعنى حضن بيتًا، لا أحسب أن له أصلًا؛ لأنه ليس بمعروف عند الرواة وذلك قوله:
نأتي النساء على أطهارهن ولا
…
نأتي النساء إذا أكْبَرْن إكبارًا
وزعم أن معناه: إذا حضن»
(4)
.
(ث-281) بما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه،
عن جده في قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31]، قال: حضن.
[ضعيف]
(5)
.
(1)
. الفواكه الدواني (1/ 176).
(2)
. مواهب الجليل (1/ 515).
(3)
. حاشية الجمل (1/ 336)، شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 148)، الحاوي الكبير (1/ 379)، المجموع (2/ 342).
(4)
. تفسير الطبري (12/ 205).
(5)
. هذا الأثر أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (11551) من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله ابن عباس، عن أبيه، عن جده، وعبد الصمد، ذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: عبد الصمد، عن أبيه، عن جده، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به. الضعفاء الكبير (3/ 84).
وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر شيئًا. الجرح والتعديل (6/ 50).
…
وقال الذهبي: حدث عن أبيه، بحديث:«أكرموا الشهود» ، وهذا منكر، وما عبد الصمد بحجة. الميزان (2/ 620).
وترجم له الخطيب، وأطال في سيرته. تاريخ بغداد (11/ 37).
وجاء في اللسان: «وأما قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31].
فأكثر المفسرين يقولون: أعظمنه.
وروي عن مجاهد أنه قال: أكبرنه: حضن، وليس ذلك بالمعروف في اللغة.
قال أبو منصور: إن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض، فلها مخرج حسن، وذلك أن المرأة أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغر إلى حد الكبر، فقيل لها: أكبرت: أي حاضت، فدخلت في حد الكبر الموجب عليها الأمر والنهي.
وروي عن أبي الهيثم أنه قال: سألت رجلًا من طيء، فقلت له: يا أخا طيء ألك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوجت، وقد وعدت في ابنة عم لي. قال: وما سنها؟ قال: قد أكبرت، أو كَبِرت. قال: وما أكبرت؟ قال: حاضت.
قال أبو منصور: فلغة طيء تصحح أن إكبار المرأة أول حيضها، إلا أن هاء الكناية في قوله تعالى:{أَكْبَرْنَهُ} تنفي هذا المعنى، فالصحيح أنهن لما رأين يوسف راعهن جماله، فأعظمنه.
وروى الأزهري بسنده عن ابن عباس، في قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31]، قال: حضن.
فإن صحت الرواية عن ابن عباس
(1)
، جعلنا الهاء في قوله:{أَكْبَرْنَهُ} هاء وقفة لا هاء الكناية، والله أعلم بما أراد
(2)
.
الصورة السادسة: في إبدال همزة (أكبر) واوًا.
ذهب المالكية إلى أنه لا يضر إبدال الهمزة واوًا مطلقًا
(3)
.
(1)
. وسبق أنه لا يصح انظر: رقم (1540).
(2)
. اللسان (5/ 126).
(3)
. قال في حاشية الدسوقي (1/ 233): «لا يضر إبدال الهمزة واوًا، ولو لغير العامة» . وانظر: مواهب الجليل (1/ 515)، شرح الخرشي (1/ 265)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 104)، شرح الزرقاني (1/ 344)، شرح زروق على الرسالة (1/ 215).
جاء في القوانين لابن جزي: «ومن قال: الله وكبر بإبدال الهمزة واوًا جاز»
(1)
.
وجهه: أن الهمزة إذا جاءت بعد ضم جاز أن تقلب واوًا في لغة عند العرب، ويعرف ذلك من له علم بالقراءات فإن أبا جعفر وَوَرْشًا من القراء يبدلان الهمزة واوًا.
وقال ابن حجر الهيتمي من الشافعية: لا يصح على الأوجه
(2)
.
وانتقد الهيتمي القائلين بالجواز اعتمادًا على اللغة، فإن العبادات تفعل على الرسم الوارد دون النظر إلى المعنى، فألفاظ الأذكار مبنية على التوقيف، والاتباع، ولم يحفظ في إبدالها سنة، والله أعلم.
وقد يناقش بهذا أن المسألة ليس فيها إبدال، فالتكبير هو التكبير، وإذا كان هذا يتسع له القرآن وتحتمله بعض القراءات، فغيره أولى.
وخص بعض الشافعية المنع من العالم، دون الجاهل
(3)
، وليس هذا قولًا جديدًا؛ غايته أنه اعتبر الجهل عذرًا.
وخص بعضهم الجواز بالعامة معللًا ذلك بأن العامة مظنة الخطأ في مثل هذا، فيتسامح في حقهم بخلاف العلماء
(4)
.
وهذا لا يستند على حجة، فإن أحكام الشريعة لا تفرق بين العامة والخاصة، لأن الحكم بإفساد الصلاة إن كان وضعيًّا لم يفرَّق فيه بين المكلف وغيره، وإن كان تكليفيًّا فالعامة مكلفون كالخاصة.
والصحيح الجواز، وعدم الإبطال.
الصورة السابعة: إذا زاد بين كلمتي التكبير واوًا بأن ينطقها هكذا (الله وأكبر).
فقيل: لا يصح التكبير، وبه قال الشافعية وبعض المالكية
(5)
.
(1)
. القوانين الفقهية (ص: 43).
(2)
. الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 147).
(3)
. حاشية الجمل (1/ 336).
(4)
. قال الدسوقي في حاشيته (1/ 233): «لا يضر إبدال الهمزة واوًا، ولو لغير العامة» . فقوله: (ولو لغير العامة) إشارة إلى الخلاف في غير العامة. وانظر: الذخيرة للقرافي (2/ 168)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 344)، التوضيح شرح خليل (1/ 333)، الخرشي (1/ 265).
(5)
. فتح العزيز (3/ 268)، المجموع (3/ 292)، أسنى المطالب (1/ 144)، مغني المحتاج
(1/ 344)، فتاوى الخليلي على المذهب الشافعي (1/ 97)، مواهب الجليل (1/ 515)، حاشية الدسوقي (1/ 233)، الفواكه الدواني (1/ 176).
والفرق بين هذه المسألة والمسألة التي قبلها أن التي قبلها قلب الهمزة واوًا، بحيث تحل الواو محل الهمزة، وأما هذه المسألة فهي في زيادة واو مع النطق بالهمزة.
قال في الفواكه الدواني: «ويحذر من مد همزة الله
…
وزيادة واو مع همزة أكبر، فإن جميع ذلك مبطل للتكبير»
(1)
.
وعلل المنع بأن هذه الزيادة تغير المعنى؛ لأن ذلك لا يُسَمَّى حينئذٍ تكبيرًا، ولأن الجملة مبتدأ وخبر، ودخول الواو بينهما يجعل الجملة من باب عطف الخبر على المبتدأ، فيفسد المعنى.
وقال عبد الباقي الزرقاني المالكي: «ولا يضر -خلافًا للشافعية- زيادة واو قبل همزة أكبر كما للفيشي على العشماوية»
(2)
.
قال الدسوقي: «وقد تعقب ذلك بعضهم بقوله الظاهر أنه مضر؛ إذ لا يعطف الخبر على المبتدأ، على أن اللفظ متعبد به، ونحوه نقل عن المسناوي»
(3)
.
ومذهب الشافعية أقوى، والله أعلم.
الصورة الثامنة: لو شدد الباء من أكبر.
جاء في مغني المحتاج: ولو شدد الباء من أكبر، ففي فتاوى ابن رزين: أنها لا تنعقد، ووجهه واضح؛ لأنه لا يمكن تشديدها إلا بتحريك الكاف؛ لأن الباء المدغمة ساكنة، والكاف ساكنة، ولا يمكن النطق بهما، وإذا حركت تغير المعنى؛ لأنه يصير (أَكَبَّر)
(4)
.
ولأنه زاد في تكبيرة الإحرام حرفًا، ومن شروط صحة التكبيرة أن يأتي بها في حروفها كما هي من غير زيادة، ولا نقص.
(1)
. الفواكه الدواني (1/ 176).
(2)
. شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 344)، وانظر: حاشية الدسوقي (1/ 233)، حاشية الصاوي (1/ 306).
(3)
. حاشية الدسوقي (1/ 233).
(4)
. مغني المحتاج (1/ 345)، وانظر: أسنى المطالب (1/ 144)، النجم الوهاج في شرح المنهاج (2/ 91).
الصورة التاسعة: لو كرر الراء من أكبر.
تكرار الراء له معنيان:
أحدهما: التكرار عن طريق التشديد: وذلك أن الحرف المشدد وإن كان في صورة الكتابة حرفًا واحدًا إلا أنَّهُ في النطق حرفان من جنس واحد، أولهما ساكن.
المعنى الثاني: تكرار الراء وذلك بما يقتضيه مخرج الراء، فإن حرف الراء بطبيعته حرف مكرر، حتى قال سيبويه عن الراء: حرف شديد جرى فيه الصوت لتكرره
…
ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت. قال ابن الجزري تعليقًا على كلام سيبويه: ظاهر كلام سيبويه أن التكرير صفة ذاتية في الراء وإلى ذلك ذهب المحققون
…
ويتحفظون من إظهار تكريرها
…
ويعدون ذلك عيبًا في القراءة»
(1)
.
فإذا شدد الراء بالمعنى الأول فقد زاد حرفًا في تكبيرة الإحرام، وقد اختلف قول الفقهاء في حكمه إذا فعل.
فقيل: لا يضر، وبه قال المالكية والشافعية
(2)
.
ولعل هذا القول مخرج على لغة عند بعض العرب في جواز تشديد الحرف الأخير عند الوقف فكانوا يقولون: جعفرٌّ ونفعلُّ بالتشديد وقفًا
(3)
.
واختار بعض الشافعية البطلان.
فقد نقل بعض الشافعية عن فتاوى ابن رزين أنه قال: لو شدد الراء بطلت صلاته، فتعقبوه بأن الوجه خلافه
(4)
.
وقال ابن المنير المالكي عن تشديد الراء: «لحن ويخاف منه بطلان الصلاة»
(5)
.
وإذا كانت أذكار العبادة توقيفية فالزيادة فيها مضرة بالصلاة خاصة مع القدرة على
(1)
. النشر في القراءات العشر (1/ 204).
(2)
. حاشية الدسوقي (1/ 233)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 307)، ضوء الشموع في شرح المجموع (1/ 340)، مغني المحتاج (1/ 345)، أسنى المطالب (1/ 144).
(3)
. البحر المحيط في التفسير (10/ 49)، تفسير الألوسي (14/ 94).
(4)
. انظر: مغني المحتاج (1/ 345)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 13)، أسنى المطالب (1/ 144).
(5)
. انظر مواهب الجليل (1/ 515)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 345).
الصواب، وكون الحرف المزيد مشددًا لا يخفف الشأن، فإنه حرف زائد على القدر المشروع، فكانت القواعد تقتضي فساد التكبير مع القدرة على الصواب، وليس المحكم هو سلامة المعنى من التغيير، بل موافقة اللفظ المنطوق للفظ المنقول، والله أعلم.
الصورة العاشرة: في إبدال الكاف من (أكبر) بالقاف.
نص الحنابلة على أنه لو قال: الله أقبر لم تنعقد صلاته
(1)
.
ونسب الحنابلة للحنفية أن الصلاة تنعقد بذلك؛ لأن بعض العرب يبدل الكاف قافًا
(2)
.
ولم أقف على ذلك من كتب الحنفية، فليتأمل.
ولو صح النقل عن الحنفية فإن الأذكار توقيفية مبناها على الاتباع، فليس له ترك الله أكبر مع القدرة عليه، والله أعلم.
القسم الثاني من اللحن: أن يقع اللحن في إعراب الكلمة، وله أمثلة:
أحدها: قال بعض الشافعية: لو فتح الهاء أو كسرها من الله، أو فتح الراء أو كسرها من أكبر هل يضر أو لا؟
فيه نظر، والأقرب عدم الضرر؛ لأن اللحن في القراءة إذا لم يغير المعنى لا يضر
(3)
.
المثال الثاني: لا يضر ترك جزم الراء من أكبر.
فقد اختلف العلماء في التكبير: هل يشترط في صحته جزم الراء على قولين:
القول الأول:
أن الأصل جزم التكبير، ولو تركه لم يؤثر ذلك في صحته، وهو مذهب الجمهور، وأحد القولين في مذهب الشافعية
(4)
.
(1)
. شرح منتهى الإرادات (1/ 184)،كشاف القناع (1/ 330).
(2)
. الفروع لابن مفلح (2/ 163)، كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/ 311).
(3)
. حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (1/ 459)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 13)، حاشية الجمل (1/ 335)، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 15).
(4)
. قال في العناية شرح الهداية (1/ 297): «ويجزم الراء من التكبير لما رُوِيَ عن إبراهيم النخعي موقوفًا عليه .... » . ثم ساق الأثر الذي نقلناه في صلب الكتاب.
وانظر: الجوهرة النيرة (1/ 52)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 92)، شرح الزرقاني
…
على مختصر خليل (1/ 345)، حاشية العدوي على الخرشي (1/ 265)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 131)، مغني المحتاج (1/ 345)، تحفة المحتاج (2/ 13).
قال ابن عابدين: «ويجزم الراء: أي يُسَكِّنُهَا
…
قال في الحلية: اعلم أن المسنون جزم التكبير، سواء كان للافتتاح أو في أثناء الصلاة، قالوا: لحديث إبراهيم النخعي موقوفًا عليه، ومرفوعًا: الأذان جزم، والإقامة جزم، والتكبير جزم. قال في الكافي:
…
وأما الراء ففي المضمرات عن المحيط: إن شاء بالرفع أو بالجزم، وفي المبتغى: الأصل فيه الجزم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: التكبير جزم، والتسميع جزم»
(1)
.
وأثر النخعي لا يصح لا موقوفًا، ولا مرفوعًا، ولو صح لم يرد به الجزم الاصطلاحي، وقد بينت ذلك فيما سبق، ولكن فائدة هذا النص الذي نقله لنا ابن عابدين هو في حكم تسكين لفظ (أكبر) عند الحنفية فإذا كان سنة لم يكن الإخلال به مفسدًا لصحة التكبير، والله أعلم.
وقال عبد الباقي الزرقاني المالكي: «ولا يضر عدم جزم الراء من أكبر، وخبر التكبير جزم، قال الحافظ ابن حجر: لا أصل له، وإنما هو قول النخعي»
(2)
.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: «ويسن جزم الراء، وإيجابه غلط، وحديث التكبير جزم: لا أصل له، وبفرض صحته فالمراد به عدم مده كما حملوا عليه الخبر الصحيح: السلام جزم على أن الجزم المقابل للرفع اصطلاح حادث فكيف تحمل عليه الألفاظ الشرعية»
(3)
.
القول الثاني:
يشترط جزم الراء في (أكبر) وهو أحد القولين في مذهب الشافعية.
جاء في النجم الوهاج في شرح المنهاج: «ويشترط جزم الراء لقوله صلى الله عليه وسلم: التكبير جزم، فلو ضم الراء من (أكبر) لم تصح صلاته، كما قاله ابن يونس في شرح التنبيه. ولأنه صلى الله عليه وسلم: قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق التكبير إلا مجزومًا»
(4)
.
(1)
. حاشية ابن عابدين (1/ 481).
(2)
. شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 345).
(3)
. تحفة المحتاج (2/ 13).
(4)
. النجم الوهاج (2/ 91).
جاء في فتاوى الرملي: «سئل، هل المعتمد عدم انعقاد صلاة من لم يجزم الرَّاء من تكبيرة الإحرام، بأن رفعها، كما قاله ابن يونس في شرح التنبيه، والقمولي في الجواهر، والزركشي في شرح التنبيه، والدميري في شرح المنهاج، وقال جلال الدين البكري: إنه الصواب؟
فأجاب: بأن الصواب انعقاد صلاته، كما صرح به جماعة، وهو ظاهر؛ إذ قوله:(أكبر) خبر للجلالة الكريمة، وما استند إليه القائلون بالأول من خبر:(التكبير جزم) فمعناه: الجزم بِالْمَنْوِيِّ؛ ليخرج به التردد فيه»
(1)
.
والراجح: أنه الرفع من قبيل مخالفة الأولى ولو رفعها صحت صلاته، والله أعلم.
هذه بعض الأمثلة في اللحن سواء كان في بنية الكلمة أو في إعرابها، والراجح من كل ذلك وجوب التكبير للدخول في الصلاة، ولا يجزئ إلا صفة الله أكبر، وكل لحن في جملة التكبير إن كان مبعثه العجز، فإن التكليف مع القدرة، ولكن الشأن في صحة ذلك إذا لحن لحنًا يغير المعنى مع العلم والقدرة، فإن ذلك يؤثر في صحة التكبير.
(2)
.
* * *
(1)
. فتاوى الرملي (1/ 141).
(2)
. الفواكه الدواني (1/ 190).