المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ١

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الباب الأول في صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة

- ‌المبحث الثاني لا يستحب دعاء خاص للخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الثالث في الوقت الذي يجب الذهاب فيه للصلاة

- ‌المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار

- ‌المبحث الخامس في كراهة التشبيك بين الأصابع إذا خرج إلى الصلاة

- ‌المبحث السادس في استحباب كثرة الخطا في الذهاب للصلاة

- ‌الفرع الأول في اختيار المسجد الأبعد طلبَا لكثرة الخطا

- ‌الفرع الثاني في استحباب مقاربة الخطا

- ‌الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد

- ‌الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج

- ‌الفصل الثاني في استحباب الذكر الوارد لدخول المسجد

- ‌المبحث الأول في استحباب الاستعاذه

- ‌المبحث الثاني في استحباب التسمية والدعاء بالمغفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لدخول المسجد

- ‌المبحث الثالث في صلاة ركعتين قبل الجلوس

- ‌المبحث الرابع لا تشرع التحية لمن أدخل يده أو رأسه فقط

- ‌المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول

- ‌المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث

- ‌المبحث السابع في فوات تحية المسجد بالجلوس

- ‌المبحث الثامن في حكم تحية المسجد

- ‌المبحث التاسع في منزلة تحية المسجد من السنن

- ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

- ‌المبحث الحادي عشر اختصاص التحية بالمسجد

- ‌المبحث الثاني عشر صلاة تحية المسجد في وقت النهي

- ‌المبحث الثالث عشر في اشتراط النية لتحية المسجد

- ‌المبحث الرابع عشر في حصول تحية المسجد في أقل من ركعتين

- ‌المبحث الخامس عشر في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب

- ‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

- ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

- ‌الفرع الثاني إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة

- ‌الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد

- ‌الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد

- ‌الفصل الثالث في وقت تكبير الإمام بالصلاة

- ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

- ‌الباب الرابع في أحكام تكبيرة الإحرام

- ‌توطئه

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني في شروط تكبيرة الإحرام

- ‌الشرط الأول أن تقع تكبيرة الإحرام مقارنة للنية حقيقة أو حكمًا

- ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

- ‌المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا

- ‌المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع

- ‌الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها

- ‌مبحث في تنكيس التكبير

- ‌الشرط الرابع أن يكون التكبير متواليًا

- ‌الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب

- ‌الشرط السادس أن تكون التحريمة بالعربية من القادر عليها

- ‌الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى

- ‌الشرط الثامن في اشتراط القدرة على التكبير

- ‌الباب الخامس أحكام القيام في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم القيام

- ‌الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة

- ‌الفصل الثالث في قدر القيام

- ‌الفصل الرابع في صفة القيام

- ‌الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام

- ‌الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي

- ‌المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة

- ‌المبحث الثاني افتتح النافلة قائمَا فأراد الجلوس من غير عذر

- ‌المبحث الثالث يسقط القيام بالعجز

- ‌المبحث الرابع ضابط العجز المسقط للقيام

- ‌المبحث الخامس سقوط القيام بالخوف

- ‌المبحث السادس في سقوط القيام من أجل المحافظة على الطهارة

- ‌المبحث السابع في المراوحة بين القدمين في الصلاة

- ‌المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام

- ‌الفصل السابع في موضع النظر أثناء الصلاة

- ‌المبحث الأول في النظر إلى السماء أثناء الصلاة

- ‌المبحث الثاني في موضوع نظر المصلي في اثناء الصلاة

- ‌المبحث الثالث في موضوع نظر المصلي حال الركوع والسجود والجلوس

- ‌الفصل الثامن في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

- ‌المبحث الأول في مشروعية رفع اليدين

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌الفرع الأول في صفة رفع الأصابع

- ‌الفرع الثاني في صفة رفع الكفين

- ‌الفرع الثالث في منتهى الرفع

- ‌الفرع الرابع في رفع المرأة يديها في الصلاة

- ‌الفرع الخامس في ابتداء وقت الرفع وانتهائه

- ‌الفرع السادس في وضع اليدين بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام

- ‌مسألة في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى

- ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

- ‌الفرع الثامن في وقت القبض

- ‌الفرع التاسع في صفة وضع اليدين

الفصل: ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

المدخل إلى المسألة:

• تحية المسجد لا تصلى بالاتفاق بعد إقامة الصلاة.

• قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) قوله: (لا صلاة) نكرة في سياق النفي، فتعم كل نافلة.

• العام على عمومه، فلا صلاة خارج المسجد، ولا داخله، ولا ركعتي الفجر ولا غيرها.

• علة المنع عن التطوع بعد إقامة الصلاة الاشتغال بالنافلة عن الفريضة.

قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا صلاة) نفي بمعنى النهي، والأصل فيه التحريم.

• هل يراد بقوله: (فلا صلاة) نفي الصحة؟ لأن نفي الوجود غير ممتنع بإقامة الصلاة؛ ولأن النهي يقتضي الفساد؟

• لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المتنفل بقطع الصلاة، فأنكر عليه، وتركه يتم النافلة.

• التحريم لا ينافي الصحة؛ لكون النهي لا يعود لذات النافلة، وإنما لحضور الفريضة.

• السعي للصلاة يجب بمجرد سماع النداء إن كان للجمعة، وبالإقامة إن كان لغيرها.

• أجمعوا أن من عليه صلاة الظهر، فدخل في المسجد ليصليها فأقيمت عليه العصر أنه لا يقطع صلاته، ويكملها، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إلا المكتوبة).

[م-465] إذا أقيمت الصلاة فإن الإقامة تمنع من ابتداء صلاة تحية المسجد بعد الإقامة، وهذا بالإجماع لما رواه مسلم من حديث أبي هريرة: إذا أقيمت الصلاة

ص: 233

فلا صلاة إلا المكتوبة

(1)

.

قال ابن تيمية: «وقد اتفق العلماء على أنه لا يشتغل عنها -أي عن الفريضة- بتحية المسجد»

(2)

.

[م-466] واختلفوا في جواز الشروع في راتبة الفجر بعد إقامة الصلاة:

فاتفق أبو حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي على أن له أن يصلي ابتداءً ركعتي الفجر، ولو كان الإمام يصلي الفرض، إلا أن منهم من اشترط ألا تفوته الركعة الأولى، وهذا قول مالك، والثوري

(3)

.

ومن الأئمة من اشترط ألا تفوته الركعة الثانية، وهذا قول الإمام أبي حنفية والأوزاعي. ومنهم من اشترط صلاتها خارج المسجد، وهذا قول الإمام مالك والإمام أبي حنيفة

(4)

،

ومنهم من لم يشترطه كالأوزاعي

(5)

،

(1)

. سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في أدلة القول الأول.

(2)

. مجموع الفتاوى (23/ 264)، وتتمة كلام ابن تيمية: ولكن تنازعوا في سنة الفجر، والصواب أنه إذا سمع الإقامة فلا يصلي السنة، لا في بيته، ولا في غير بيته، بل يقضيها إن شاء بعد الفرض». وانظر الفتاوى الكبرى (2/ 285).

(3)

. شرح البخاري لابن بطال (2/ 286)، الاستذكار (2/ 130)، التمهيد (22/ 70)، المنتقى للباجي (1/ 227)، تفسير القرطبي (1/ 167)، إكمال المعلم (3/ 43)، بداية المجتهد (1/ 215).

(4)

. قال أبو حنيفة: يصلي سنة الفجر خارج المسجد، إذا لم يخش أن تفوته الركعة الثانية، فإن خشي فواتها دخل وصلى مع الإمام، ولا رواية عنه في داخل المسجد، انظر الجامع الصغير (ص: 90)، بدائع الصنائع (1/ 286)، الهداية (1/ 71).

ولم يشترط محمد بن الحسن أن تكون الركعتان خارج المسجد، انظر الأصل (1/ 165). ثم توسع بها الحنفية داخل المسجد، قال صاحب فيض الباري (2/ 251):«أول من وسع بها في المسجد هو الطحاوي، فذهب إلى جوازها في ناحية المسجد بشرط الفصل بينها وبين المكتوبة، حتى لا يعد واصلًا بينها وبين المكتوبة، وهو مثار النهي عنده» .

لهذا جاء من بعده على هذا التفصيل: إن لم يكن هناك موضع للصلاة خارج المسجد، صلاها في المسجد خلف سارية من سواري المسجد، ويكره أن يصليها مخالطًا للصف، مخالفًا للجماعة، أو يصلي خلف الصف من غير حائل. انظر الهداية شرح البداية (1/ 71)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 142)، حاشية ابن عابدين (2/ 56)، العناية شرح الهداية (1/ 475)، البحر الرائق (2/ 80)، مراقي الفلاح (ص: 175).

(5)

. الاستذكار (2/ 131)، التمهيد لابن عبد البر (22/ 70).

ص: 234

والثوري

(1)

.

قال ابن المنذر: «وممن كان يرى أن يصلي ركعتي الفجر، والإمام في الصلاة: مسروق، ومكحول، والحسن البصري، ومجاهد، وحماد بن أبي سليمان

»

(2)

.

وقال الشافعية والحنابلة وابن حزم من الظاهرية: إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي ابتداء مطلقًا، لا داخل المسجد، ولا خارجه، وسواء أفرغ المؤذن من الإقامة أم كان في أثنائها، وبه قال إسحاق وابن المبارك، وأبو ثور وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، وابن سيرين

(3)

.

• وسبب الخلاف:

اختلافهم في مفهوم قوله: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة):

فمن حمل هذا على عمومه لم يُجِزْ صلاة ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة، لا خارج المسجد ولا داخله، وعلة المنع عندهم النهي عن الاشتغال بالنافلة عن الفريضة.

ومن فرق بين من كان داخل المسجد ومن كان خارجه، رأى أن من كان خارج المسجد لم يلزمه حكم الإمام، بخلاف من كان داخل المسجد فقد لزمه حكم الإمام، فَعِلَّةُ المنع عندهم الاختلاف على الإمام في اجتماع صلاتين معًا في موضع واحد، ويكون هذا من باب تخصيص عموم قوله:(فلا صلاة إلا المكتوبة) بالعلة

(4)

.

ويدخل عليهم في ذلك أن مقتضى تعليلهم يقضي بجواز النافلة مطلقًا خارج المسجد، فلا معنى لتخصيصهم الجواز في ركعتي الفجر.

(1)

. الاستذكار (2/ 131)، التمهيد (22/ 70).

(2)

. الأوسط لابن المنذر طبعة الفلاح (5/ 235).

(3)

. المجموع (4/ 56، 212)، تحفة المحتاج (2/ 322)، نهاية المحتاج (2/ 206)، شرح السنة للبغوي (3/ 362)، شرح البخاري لابن بطال (2/ 285)، فتح الباري لابن رجب (6/ 60)، أعلام الموقعين ت مشهور (4/ 225)، التحقيق لابن الجوزي (1/ 449)، ونص الحنابلة وابن حزم من الظاهرية أن النافلة لا تنعقد، انظر: كشاف القناع (1/ 459)، مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 820)، الكافي (1/ 290)، المغني (1/ 330)، المحرر (1/ 40)، المحلى، مسألة (307).

(4)

. بداية المجتهد (1/ 216).

ص: 235

• دليل من قال: لا يصلي بعد إقامة الصلاة:

الدليل الأول:

(ح-1136) ما رواه مسلم من طريق شعبة وشبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار،

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. ورواه مسلم من طريق زكريا بن إسحاق، حدثنا عمرو بن دينار به.

ورواه مسلم من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن دينار به.

قال حماد: ثم لقيت عَمْرًا، فحدثني به ولم يرفعه

(1)

.

وجه الاستدلال:

قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة) لفظ: (لا صلاة) نكرة في سياق النفي، فتعم كل صلاة نافلة لقوله:(إلا المكتوبة)، فيشمل المكتوبة التي أقيمت، ويشمل ما لو كان المصلي يقضي مكتوبة كانت عليه، وشرع في قضائها، فلا يخرج منها بالإقامة، وأما رواية (فلا صلاة إلا التي أقيمت) فهذا اللفظ ضعيف

(2)

.

(1)

. صحيح مسلم (710).

(2)

. رواه أحمد (2/ 352)، قال: حدثنا حسن، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا عياش بن عباس القتباني، عن أبي تميم الزهري، عن أبي هريرة، قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت.

في إسناده ابن لهيعة ضعيف مطلقًا، قبل احتراق كتبه، وبعده على الصحيح، وأبو تميم الزهري، لم يَرْوِ عنه غير عياش بن عباس، قال الحسيني في تعجيل المنفعة (1242): مجهول.

ورواه عبد الله بن صالح كاتب الليث، واختلف عليه فيه:

فرواه الطحاوي في مشكل الآثار (4128) حدثنا فهد، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن عبد الله بن عياش القتباني، عن أبيه، عن أبي تميم به. كرواية ابن لهيعة.

ورواه مطلب بن شعيب كما في الأوسط للطبراني (8654)(صدوق).

ورواه فهد بن سليمان بن يحيى كما في شرح معاني الآثار (1/ 372)، (وثقه ابن يونس)، كلاهما (مطلب وفهد) روياه عن عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة به، فخالف في إسناده، وجعله من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وأبو صالح كاتب الليث متكلم فيه.

ص: 236

قال ابن بطال: «أجمعوا أن من عليه صلاة الظهر فدخل في المسجد ليصليها فأقيمت عليه العصر أنه لا يقطع صلاته ويكملها»

(1)

.

وهو نفي بمعنى النهي، فيكون معنى الحديث: إذا أقيمت الصلاة فلا تُصَلِّ إلا المكتوبة، والأصل فيه التحريم، وهل يراد به نفي الصحة؟ لأن نفي الوجود غير ممتنع بإقامة الصلاة، ولأن النهي يقتضي الفساد، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، أم أن التحريم لا يمنع من الصحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المتنفل بقطع الصلاة، فأنكر عليه، وتركه يتم النافلة؟ قولان هما وجهان في مذهب الحنابلة، وقال المالكية: تحرم، وتصح

(2)

.

وقيل: النهي للكراهة، ويكون النفي (لا صلاة) أي كاملة، ورجحه ابن حجر.

قال ابن حجر: «قوله (فلا صلاة) أي صحيحة، أو كاملة، والتقدير الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي، واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفي الكمال»

(3)

.

يقصد ابن حجر قصة الرجل الذي كان يصلي بعد ما أقيمت الصلاة، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع عليه صلاته، يحتمل ما ذكره ابن حجر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تركه ليتم صلاته كان ذلك دليلًا على كراهة الفعل.

ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه؛ لأنه دخل بالصلاة جاهلًا، ولا تكليف قبل العلم.

واحتمال ثالث لم يتطرق إليه ابن حجر، أن تكون الصلاة صحيحة مع التحريم، والله أعلم.

وأما حديث ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم جذبه فلا يصح، وسوف يأتي تخريجه إن

(1)

. شرح البخاري لابن بطال (2/ 288)، وانظر التوضيح لشرح الجامع الصحيح (6/ 466).

(2)

. جاء في لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 428): «يحرم ابتداؤها، كما صرح به ابن عرفة وغيره، وإذا فعل أساء، وأجزأته، وصرح بذلك في التوضيح، والقباب، والبرزلي، والأبي، وحملت الكراهة في ابن الحاجب كالمدونة على التحريم لخبر: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» . وانظر: مواهب الجليل (2/ 89)، الحاوي للفتاوى (1/ 410)، الفروع (2/ 23)، السيل الجرار (ص: 162، 163).

(3)

. فتح الباري (2/ 149).

ص: 237

شاء الله تعالى في الأدلة.

• ونوقش الاستدلال بالحديث:

بأن الحديث مداره على عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، وكان عمرو بن دينار تارة يرفعه، وتارة يوقفه، ولو كان الاختلاف من الرواة عن عمرو بن دينار لأمكن الترجيح بين الرواة، فيحكم للأكثر والأحفظ، أما إذا كان مرد الاختلاف من الرجل الذي عليه مدار الحديث، فهو دليل على عدم ضبطه، فيكون ذلك علة في الحديث، فليس قبول المرفوع منه بأولى من قبول الموقوف عنه، والمتيقن الوقف، والموقوف ليس بحجة، وقد قال حماد بن زيد كما في صحيح مسلم بأنه سمعه من أيوب، عن عمرو دينار مرفوعًا، ثم سمعه من عمرو نفسه موقوفًا، فهذه شهادة من حماد أن مصدر الاختلاف جاء من عمرو بن دينار، وليس من الرواة عنه، وقد تجنب البخاري تخريجه في صحيحه، قال الحافظ ابن رجب: وإنما لم يخرجه البخاري؛ لتوقفه، أو لترجيحه وقفه

(1)

.

قال أبو زرعة: الموقوف أصح

(2)

.

(1)

. قال البخاري في صحيحه (1/ 133): باب: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، ثم أخرج حديث عبد الله بن بحينة آلصبح أربعًا؟ ولم يخرج حديث أبي هريرة.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 149): «

اختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، وقيل إن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يخرجه

».

وقال ابن رجب في فتح الباري (6/ 55): قد اختلف في رفعه ووقفه، واختلف الأئمة في الترجيح، فرجح الترمذي رفعه، وكذلك خرجه مسلم في صحيحه، وإليه ميلُ الإمام أحمد، ورجح أبو زرعة وقفه، وتوقف فيه يحيى بن معين، وإنما لم يخرجه البخاري لتوقفه، أو لترجيحه وقفه. والله أعلم.

قلت: لا يظهر لي أن مسلمًا رجح رفعه بمجرد ذكره في صحيحه إلا لو اقتصر على الرواية المرفوعة، أما وقد أتبعها برواية الوقف، فقد تكون إشارة إلى تعليله، كعادته في صحيحه، فنَفَس مسلم في الإعلال هي إيماءات وإشارات شأنه شأن الأئمة المتقدمين، وأما المتأخرون فقد أولعوا في البسط والإسهاب ولا تدري سبب ذلك، أهي المشكلة من الكاتب أم من المتلقي حيث يضطر الكاتب إلى بسط الكلام ليفهم عنه.

(2)

. علل الحديث تحقيق مجموعة من الباحثين بإشراف فضيلة الشيخ سعد الحميد والدكتور خالد

الجريسي (2/ 188).

ص: 238

فإن قيل: لعل الرفع كان هو الأول، فيقدم الحفظ القديم، فقد روى الخليلي بإسناده عن حماد بن زيد، قال: قال علي بن الحكم: حدثنا عمرو فرفعه، ثم شك في الرفع، فجعل لا يجاوز أبا هريرة

(1)

.

فالجواب: أن السراج في حديثه والبيهقي في سننه رويا بإسنادهما عن زكريا بن عدي عن حماد بن زيد أنه قال: قال علي بن الحكم: حدث بهذا عمرو مرة فرفعه، فقال له رجل: إنك لم تكن ترفعه قال: بلى، قال: لا والله، قال: فسكت

(2)

.

فقد تشير هذه الرواية إلى أن الرفع طارئ على رواية الوقف، والله أعلم، والذي لا سبيل إلى الشك فيه أن الاختلاف جاء من عمرو بن دينار نفسه، لا من الرواة عنه، فالذهاب إلى الترجيح بين من رواه مرفوعًا ومن رواه موقوفًا إنما يكون سديدًا لو كان هذا الاختلاف جاء من الرواة عن عمرو، فيكون الترجيح في الموازنة بينهما عددًا وحفظًا، أما إذا كان الاختلاف من شيخهم فكيف تكون العهدة عليهم؟ ولهذا لم يرجح الدارقطني في علله بين روايتي الوقف والرفع، وكذلك فعل يحيى بن معين، فقال:«يرفعه قوم، ويوقفه قوم، جميع الذين رووه ليس بهم بأس»

(3)

.

وكان ابن عيينة لا يرويه إلا موقوفًا، ولما قيل له: إنهم يروونه مرفوعًا، قال: اسكت قد عرفت ذلك، فلم يعبأ بالرواية المرفوعة حين رأى أن الاختلاف ليس من الرواة، وإنما من شيخه عمرو بن دينار، وسوف أوثق لك النقل عن ابن عيينة في تخريج الحديث إن شاء الله تعالى.

ولو قيل بالترجيح بين الرواة مع أني لا أذهب إليه فإن حماد بن زيد وابن عيينة، وابن جريج قد رووه عن عمرو بن دينار موقوفًا، وهم من أثبت أصحاب

(1)

. الإرشاد في معرفة علماء الحديث (2/ 499).

(2)

. حديث السراج (2119)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 679).

(3)

. قال أبو خالد الدقاق (ص:361): «سمعت يحيى يقول: حديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) يرفعه قوم، ويوقفه قوم، جميع الذين رووه ليس بهم بأس» . اهـ.

ص: 239

عمرو بن دينار، يضاف إليهم الإمام الثوري، فلا يعدل بهؤلاء أحد من الرواة مهما يكثر عددهم، وقد اختلف على أيوب، وحماد بن سلمة، والأخير كثير الخطأ في روايته عن عمرو بن دينار كما سوف أوثق لك ذلك بالتخريج.

وإليك تخريج أهم الطرق إلى عمرو بن دينار، والله أعلم

(1)

.

(1)

. الحديث مداره على عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، وقد روي عن عمرو بن دينار موقوفًا ومرفوعًا، وسوف أختار من هذه الطرق أهمها وأصحها إن شاء الله تعالى، وأُعْرِضُ عن الطرق الضعيفة جدًّا أو المشهورة بالضعف؛ لأن ذكرها لا يضيف شيئًا.

الطرق التي جاءت عن عمرو بن دينار بالوقف.

الطريق الأول: حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار به موقوفًا.

رواه مسلم في صحيحه (710) والبزار في مسنده (8736)، والخليلي في الإرشاد (2/ 499)، من طريق يزيد بن هارون،

ورواه البزار في مسنده (8736) من طريق محمد بن عبد الملك القرشي (ثقة).

والخليلي في الإرشاد (2/ 499) من طريق أبي الربيع الزهراني (سليمان بن داود ثقة)،

والبيهقي في السنن (2/ 679) من طريق زكريا بن عدي،

والطحاوي في مشكل الآثار (10/ 316) من طريق حميد بن مسعدة،

والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 372)، وفي مشكل الآثار (10/ 315) من طريق أبي عمرو الضرير، ستتهم عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة موقوفًا.

وفي رواية أبي عمرو الضرير قد قرن رواية حماد بن زيد مع حماد بن سلمة، والمحفوظ من رواية حماد بن سلمة رواية الرفع، كما سيأتي بيان ذلك عند الكلام على طريقه إن شاء الله تعالى.

وخالف هؤلاء إبراهيم بن الحجاج السامي (ثقة)، فرواه عن الحمادين: حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

رواه ابن عدي في الكامل (3/ 52)، وتمام في فوائده (744)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 392) و (38/ 323).

وأظنه حمل رواية حماد بن زيد على رواية حماد بن سلمة، والمحفوظ من رواية حماد بن زيد ما رواه أصحابه عنه كما تقدم موقوفًا، والمحفوظ من رواية حماد بن سلمة أنه يرويه مرفوعًا، وسيأتي تخريجها إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

الطريق الثاني: سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به موقوفًا.

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4840).

والبيهقي في المعرفة (4/ 21، 22) من طريق الشافعي. =

ص: 240

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والترمذي في العلل الكبير (130) حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي.

والبزار في مسنده البحر الزخار (8740) حدثنا أحمد بن عبدة.

والطحاوي في مشكل الآثار (4130)، والبيهقي في المعرفة (4/ 22) من طريق سعيد بن منصور.

والطحاوي في مشكل الآثار (10/ 315) من طريق عبد الغني بن أبي عقيل، كلهم رووه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به موقوفًا.

وخالفهم أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي كما في معجم ابن عساكر (1/ 382)، فرواه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

وقال الدارقطني في العلل (11/ 89): «واختلف عن ابن عيينة؛ فرواه أبو الأشعث أحمد بن المقدام، وسعيد بن منصور، والعلاء بن هلال، عن ابن عيينة، مرفوعًا، ووقفه غيرهم عن ابن عيينة» .

وقد تقدم لك أن سعيد بن منصور ممن رواه عن ابن عيينة موقوفًا، ولم أقف على رواية سعيد بن منصور المرفوعة. كما لم أقف على رواية العلاء بن هلال، وهو منكر الحديث، فذكرها لا يضيف شيئًا، فلم يخالف من أصحاب ابن عيينة ثقة إلا أبو الأشعث، وقد خالف جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة من الطبقة الأولى لهذا المحفوظ عن سفيان رواية الوقف.

قال الحميدي كما في المعرفة والتاريخ (2/ 809) «قيل لسفيان في حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) إنهم يروونه مرفوعًا. فقال: اسكت قد عرفت ذلك.

قال أبو بكر (أي الحميدي): وربما قال سفيان: يرى عمرو أنه مرفوع، وربما لم يقله».

فواضح أن ابن عيينة لا يعبأ بالرواية المرفوعة حين رأى شيخه عمرو بن دينار يرفعه مرة، ويوقفه أخرى.

الطريق الثالث: ابن جريج، عن عمرو بن دينار.

رواه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف (3987) ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 230) عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، أن عطاء بن يسار أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.

وعبد الرزاق من أثبت الناس في ابن جريج، وقد خالفه أبو عاصم الضحاك بن مخلد رواه أبو داود في سننه (1266) حدثنا الحسن بن علي، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج به مرفوعًا.

فالضحاك بن مخلد من أصحاب ابن جريج إلا أن الحديث لم يَرْوِهِ عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد إلا الحسن بن علي بن محمد الخلال، ولا عن الحسن إلا أبو داود، والحسن بن علي قد غمزه أحمد، ولعل ذلك بسبب المذهب، وقد وثقه أبو داود والنسائي وجماعة.

جاء في إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ص: 99) نقلًا عن صاحب الزهرة: روى عنه البخاري ثلاثة وثلاثين حديثًا، ومسلم سبعة وسبعين حديثًا. اهـ ولم يتعقبه.

والحق أن البخاري روى له حديثًا واحدًا في الحج (لولا أن معي الهدي لأحللت)،

وروى له مسلم، وأكثرها إن لم يكن كلها في المتابعات والشواهد، وهو وإن كان ثقة ومعروفًا =

ص: 241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بالرواية عن أبي عاصم إلا أن مسلمًا لم يخرج للحسن بن علي من روايته عن أبي عاصم إلا حديثين في المتابعات، فلا أراه يقدم على رواية عبد الرزاق، وهو من أثبت الناس في ابن جريج، وقد أخرج البخاري من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج سبعة عشر حديثًا جلها من المتفق عليه، وأكثر مسلم من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج، والله أعلم.

الطريق الرابع: الثوري، عن عمرو بن دينار.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3987) ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 230) عن الثوري، عن عمرو بن دينار به موقوفًا، وقرنه عبد الرزاق برواية ابن جريج السابق تخريجها.

وخالف إسحاق الأزرق عبد الرزاق، إلا أن له فيه إسنادين، فرواه مرة عن الثوري عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

ورواه الأزرق بإسناد آخر فقال: عن سفيان، عن إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا، فجعل واسطة بين سفيان وبين عمرو بن دينار.

وإسحاق الأزرق قال أحمد: الأزرق كثير الخطأ عن سفيان، العلل (1468)، وإذا كان كثير الخطأ عن سفيان فلا يمكن معارضة رواية عبد الرزاق بروايتة، على أن الحمل ربما لا يكون من الأزرق، بل ممن رواه عنه وإليك بيان الطريقين عن إسحاق بن يوسف الأزرق.

فأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (5/ 407) من طريق محمد بن محمد بن سليمان، قال: حدثنا أحمد بن هشام بن بهرام، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، حدثنا سفيان الثوري به.

وفي إسناده أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، وإن كان حافظًا إلا أنه كثير الخطأ، كثير التدليس، كثير التصحيف، متهم بسرقة الحديث قال الدارقطني: مدلس مخلط يسمع من بعض رفاقه ثم يُسْقِطُ مَنْ بينه وبين شيخه، وربما كانوا اثنين وثلاثة، وهو كثير الخطأ.

وقال أبو بكر الإسماعيلي: لا أتهمه في قصد الكذب، ولكنه خبيث التدليس، ومُصَحِّفٌ أيضًا، أو قال: كثير التصحيف. انظر: سؤالات السهمي (89، 132)، سير أعلام النبلاء (14/ 385)، ميزان الاعتدال (4/ 26)،

وقد خولف الباغندي، فرواه الخطيب في تاريخه (5/ 407) من طريق محمد بن محمد بن يزيد أبي أحمد المطرز، حدثنا أحمد بن هشام بن بهرام، حدثنا إسحاق بن يوسف، عن إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار به، فزاد واسطة بين الثوري وعمرو بن دينار، ولا يثبت أيضًا هذا، فإن أبا أحمد المطرز قال الدارقطني: ليس بالقوي، كان يحفظ. اهـ

فالمحفوظ من رواية الثوري ما رواه عبد الرزاق عنه موقوفًا، لهذا اعتمدت رواية الثوري في جملة من رواه عن عمرو بن دينار موقوفًا، ولم أهتم لرواية إسحاق بن يوسف الأزرق؛ لأنه كثير الخطأ عن سفيان، مختلف عليه في إسناده، وفي الرواة إليه من هو متكلم فيه، والله أعلم.

هذه أربعة طرق رويت عن عمرو بن دينار بالوقف، وليس الحمل عليهم في ذلك، بل الحمل على شيخهم عمرو بن دينار، فإنه تارة يرويه موقوفًا، وتارة يرويه مرفوعًا. =

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأما الطرق التي جاءت عن عمرو بن دينار بالرفع، فمنها:

الطريق الأول: ورقاء بن عمر اليشكري، عن عمرو بن دينار.

رواه مسلم (63 - 710)، وأحمد (2/ 455)، وأبو داود (1266)، والنسائي في المجتبى (866)، وفي السنن الكبرى (940)، والدارمي (1489)، والبزار (8741)، والطحاوي في مشكل الآثار (4124)، وابن خزيمة في صحيحه (1123)، وأبو عوانة في مستخرجه (1356)، وأبو نعيم في مستخرجه (1598)، وفي حلية الأولياء (9/ 222)، وابن بشران في أماليه (1245)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 678)، من طريق شعبة،

وأخرجه مسلم (710)، وأبو نعيم في مستخرجه (1599) من طريق شبابة بن سوار،

وأخرجه أحمد (2/ 331) وأبو عوانة في مستخرجه (1356) عن أبي النضر (هاشم بن القاسم).

وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (4123) من طريق محمد بن سابق.

وأخرجه الطبراني في الصغير (21)، وفي الأوسط (2285)، وفي مسند الشاميين (93)، وتمام في فوائده (1/ 125)، والخليلي في الإرشاد (2/ 464) من طريق بقية بن الوليد، خمستهم (شعبة، وشبابة، وهاشم، ومحمد، وبقية) رووه عن ورقاء بن عمر، عن عمرو بن دينار به، مرفوعًا.

الطريق الثاني: زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار.

واختلف على زكريا بن إسحاق،

فرواه روح بن عبادة كما في صحيح مسلم (64 - 710)، ومسند أحمد (2/ 517)، وسنن الترمذي (421)، وسنن ابن ماجه (1151)، وصحيح ابن خزيمة (1123)، ومستخرج أبي عوانة (1356)، ومستخرج أبي نعيم (2/ 305)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 678).

وأزهر بن القاسم كما في مسند أحمد (2/ 531)، ومسند إسحاق (373)، وسنن ابن ماجه (1151)،

وعبد الرزاق بن همام كما في سنن أبي داود (1266)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 678).

وعبد الله بن المبارك كما في المجتبى من سنن النسائي (865)، وفي السنن الكبرى له (939)، وصحيح ابن حبان (2193).

وعبد الأعلى بن عبد الأعلى كما في مسند البزار (8745)، كلهم رووه عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا.

خالفهم أبو عاصم الضحاك بن مخلد، فرواه عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه الدارمي في السنن (1488)، والطحاوي في مشكل الآثار (4122)، وفي شرح معاني الآثار (1/ 371)، وابن الأعرابي في المعجم (389)، فذكر سليمان بن يسار مكان عطاء بن يسار، وهي رواية شاذة، وهم فيه أبو عاصم. =

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

الطريق الثالث: أيوب، عن عمرو بن دينار.

رواه أيوب واختلف عليه فيه:

فرواه حماد بن زيد كما في صحيح مسلم (710)، وسنن أبي داود (1266)، وسنن ابن ماجه (1151)، ومسند البزار (8736)، ومستخرج أبي عوانة (1356)، ومستخرج أبي نعيم (1601)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 678)، عن أيوب، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

ومعمر بن راشد كما في مصنف عبد الرزاق (3989)، ومسند البزار (8739)، ومستخرج أبي عوانة (1356)، كلاهما عن أيوب، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

وفي رواية معمر عن أيوب كلام.

وقال الدارقطني في العلل (11/ 83): «وتابعه (يعني تابع حماد بن زيد) معمر، وأبو حمزة السكري، وداود بن الزبرقان، رووه عن أيوب مرفوعًا» .

وخالفهما عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي (ثقة) كما في مسند البزار (8738).

وكذلك عبد الوارث بن سعيد (ثقة)، أخرجه البزار في مسنده (8737)، قال: حدثنا أحمد بن مالك القسري، حدثنا عبد الوارث، كلاهما روياه عن أيوب، عن عمرو بن دينار به موقوفًا على أبي هريرة.

وإسناد عبد الوهاب رجاله ثقات، وأما إسناد عبد الوارث فلم يَرْوِهِ عنه إلا أحمد بن مالك القسري، ولا عن القسري إلا البزار، والقسري ليس له ذكر في كتب الرواية إلا ما جاء في هذا الحديث، من رواية البزار عنه، وليس له ذكر في كتب التراجم، فلا أظنه محفوظًا من حديث عبد الوارث.

ورواه إسماعيل بن علية، عن أيوب، واختلف على إسماعيل:

فرواه الفتح بن هشام الترجماني (فيه جهالة) كما في حديث السراج (2119)،

ومحمد بن قدامة (ثقة) كما في صحيح ابن حبان (2470)، كلاهما عن إسماعيل، عن أيوب، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

وخالفهما أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (4841)، فرواه عن ابن علية، عن أيوب به موقوفًا، فتبين أن رواية أيوب وقع فيها اختلاف في الرفع والوقف، ولعل رواية الرفع أرجح، لهذا ذكرتها في قسم من رواه عن عمرو بن دينار مرفوعًا.

تنبيه: سقط من صحيح ابن حبان (محمد بن قدامة) سواء في النسخة التي حققها الأرنؤوط (6/ 222)، أو في النسخة التي حققها الألباني والمسماة التعليقات الحسان (4/ 204)، فصار الإسناد هكذا: أخبرنا محمد بن سفيان الصفار بالمصيصة، قال: حدثنا ابن علية، والصواب أن بين الصفار وابن علية محمد بن قدامة بن أعين، والتصحيح من إتحاف المهرة (15/ 402).

الطريق الرابع: حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار.

رواه حماد بن سلمة، واختلف عليه فيه:

فرواه مسلم بن إبراهيم (ثقة) كما في سنن أبي داود (1266)، والدارمي (1491)، ومسند =

ص: 244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

البزار (8747)، وحديث السراج (2121)، ومستخرج أبي عوانة (1356)، ومعجم ابن الأعرابي (1121)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 678).

وموسى بن إسماعيل (ثقة) كما في معرفة السنن والآثار للبيهقي (4/ 17)،

ومؤمل بن إسماعيل كما في مسند أبي يعلى (6379)، وفي المعجم له (56)، ثلاثتهم رووه عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

ومؤمل بن إسماعيل وإن كان كثير الخطأ إلا أن هذا قد أُمِن منه بالمتابعة.

خالفهم أبو عمرو الضرير، كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 372)، وفي مشكل الآثار (10/ 315) فرواه عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة موقوفًا.

وقد أشرت إلى هذا الطريق من قبل، وقلت: إن أبا عمرو الضرير قد حمل رواية حماد بن سلمة، على رواية حماد بن زيد، والمحفوظ أن رواية ابن سلمة مرفوعة، ورواية ابن زيد موقوفة.

وقد يكون الخطأ ليس من أبي عمرو الضرير، فقد يكون الحمل على حماد بن سلمة، فقد قال الإمام مسلم في كتابه التمييز (ص: 218) «وحماد يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت، كحديثه عن قتادة، وأيوب، ويونس وداود بن أبي هند، والجريري، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار وأشباههم فإنه يخطئ في أحاديثهم كثيرًا» . ونقله ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي.

وقال ابن رجب في شرح علل الترمذي (2/ 783): «ومع هذا فقد خَرَّجَ مسلم في صحيحه لحماد بن سلمة .... ولم يخرج حديثه عن عمرو بن دينار» .

وقد فعل العكس إبراهيم بن الحجاج السامي، حيث رواه عن الحمادين، ابن سلمة وابن زيد، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

وأظنه دخل عليه رواية حماد بن زيد الموقوفة برواية حماد بن سلمة المرفوعة، والله أعلم.

رواه ابن عدي في الكامل (3/ 52)، وتمام في فوائده (744)، وابن شاهين في فوائده (17)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 392) و (38/ 323).

الطريق الخامس: أبان بن يزيد العطَّار (ثقة)، عن عمرو بن دينار.

أخرجه أبو عوانة في مستخرجه (1358)، وابن المقرئ في معجمه (1290)، والبغوي في شرح السنة (3/ 361)، من طريق مسلم بن إبراهيم.

وأخرجه ابن المقرئ في معجمه (48) من طريق موسى بن إسماعيل، كلاهما عن أبان، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

الطريق السادس: محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار.

رواه أبو يعلى في مسنده (6380)، والطحاوي في مشكل الآثار (4131)، والطبراني في الأوسط (8170)، وأبو طاهر السلفي في الكتاب الثاني والعشرين من المشيخة البغدادية (51)، وأبو بكر المراغي في مشيخته (ص: 464) من طريق داود بن عمرو الضبي، عن =

ص: 245

الدليل الثاني:

يجب السعي إلى الصلاة لمن كان خارج المسجد، إن كان للجمعة فبمجرد سماع النداء، لقوله تعالى:{إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] حتى حرم البيع، وإن كان للصلوات الخمس فعند سماع الإقامة.

(ح-1137) لما رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة،

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما

=

محمد الطائفي، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

وما يخشى من خطأ الطائفي يزول بالمتابعة.

الطريق السابع: أبو بكر مرزوق مولى طلحة بن عبد الرحمن الباهلي، عن عمرو بن دينار.

رواه أبو عوانة في مستخرجه (1356) من طريق أبي علي الحنفي، حدثنا مرزوق أبو بكر، عن عمرو بن دينار به مرفوعًا.

وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وقال ابن خزيمة أنا بريء من عهدته، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق، ولو قال: الحافظ صدوق يخطئ لكان أقرب إعمالًا لكلام ابن حبان وابن خزيمة، وما يخشى من خطئه قد زال بالمتابعات، فالحديث لا يشك باحث أن عمرو بن دينار قد حدث به، وإنما الخوف من تردد عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، والوقف هو المتيقن إذا اختلف راوي الحديث الذي عليه مداره، ولا سبيل إلى توهيم جماعة عن عمرو بن دينار رووه عنه موقوفًا، ما دام أن الرواة قد شهدوا على عمرو أن التردد جاء من قبله، فتارة يرويه مرفوعًا، وتارة موقوفًا، وأثبت الناس في عمرو بن دينار حماد بن زيد وابن عيينة، وابن جريج، وهؤلاء الثلاثة رووه عنه موقوفًا، يضاف إليهم الإمام الثوري، والله أعلم.

هذه أهم الطرق إلى عمرو بن دينار، وأعرضت عن الطرق الضعيفة جدًّا وكذا المشهورة بالضعف؛ لأنها لن تضيف شيئًا للبحث، فالحديث ثابت عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، والله أعلم.

وقد اختلف العلماء في الترجيح:

فمنهم من رجح الوقف كأبي زرعة حيث قال: الموقوف أصح، وتبعه الطحاوي في شرح معاني الآثار.

ورجح الترمذي والنووي الرفع.

ومنهم من لم يرجح كابن معين، والله أعلم.

ص: 246

فاتكم فأتموا

(1)

.

وإن كان المصلي حين الإقامة داخل المسجد كان مأمورًا أن يقوم إليها، ويتابع إمامه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا

الحديث، وهو من الأحاديث المتواترة

(2)

.

فمن تنفل بعد سماع الإقامة فقد خالف الأمر الشرعي من وجوب السعي إلى الصلاة إن كان خارج المسجد، أو من وجوب القيام إليها ومتابعة إمامه إن كان داخل المسجد، والله أعلم.

الدليل الثالث:

(ح-1138) ما رواه الشيخان من طريق سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم،

عن ابن بحينة، قال: أقيمت صلاة الصبح، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي والمؤذن يقيم، فقال: أتصلي الصبح أربعًا؟ هذا لفظ مسلم

(3)

.

وفي رواية لمسلم: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعًا

(4)

.

• ونوقش:

قال الطحاوي: «يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كره ذلك؛ لأنه صلى الركعتين، ثم وصلهما بصلاة الصبح من غير أن يكون تقدم أو تكلم

فالذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن بحينة هو وصله إياها بالفريضة في مكان واحد لم يفصل بينهما بشيء، وليس لأنه كره له أن يصليها في المسجد إذا كان فرغ منها تقدم إلى الصفوف، فصلى الفريضة مع الناس»

(5)

.

(ح-1139) ثم استدل على ذلك بما رواه مسلم من طريق ابن جريج، قال:

(1)

. صحيح البخاري (636)، صحيح مسلم (602).

(2)

. رواه البخاري (734)، ومسلم (75 - 410) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

وروياه من طرق أخرى عن أبي هريرة، وله شواهد في الصحيح وغيره، والقصد الاستشهاد، لا جمع أحاديث الأحكام.

(3)

. صحيح البخاري (663)، وصحيح مسلم (66 - 711).

(4)

. صحيح مسلم (65 - 711).

(5)

. شرح معاني الآثار للطحاوي مع تصرف يسير (1/ 372، 373).

ص: 247

أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير، أرسله إلى السائب -ابن أخت نمر- يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة، فلا تَصِلْهَا بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج

(1)

.

• وتعقب:

قال ابن عبد البر: «ليس هذا عندي بشيء؛ لأن النهي إنما ورد أن تُصَلِّيَا معًا»

(2)

.

قلت: مع بعد كلام الطحاوي رحمه الله فإن قوله: (ألا توصل صلاة بصلاة) ليس يراد منه العموم، بدليل أن وصل الفريضة بالفريضة كما في الصلاة المجموعة لا تدخل في النهي، وكذلك وصل النافلة بالنافلة كما في صلاة التراويح لا تدخل فيه أيضًا، وكذلك لا يدخل فيه وصل الفريضة بالنافلة كما لو صلى الراتبة القبلية ثم أقيمت الصلاة، فقام يصلي الفريضة في مكانه لم يدخل في النهي، وإنما حديث معاوية في وصل النافلة بالفريضة، وهي مسألة خلافية بين الصحابة رضي الله عنهم، ومن أخذ بحديث معاوية فلا يتجاوز فيه سببه، وهو النهي إما عن وصل النافلة بالفريضة حتى لا يدخل الفريضة ما ليس منها ومسألتنا عكسها، وإما في الصلاة بعد الجمعة خاصة، وإما في وصل الإمام دون المأموم، هذه هي الأقوال في المسألة»

(3)

.

(1)

. صحيح مسلم (73 - 883).

(2)

. الاستذكار (2/ 131).

(3)

. روى ابن أبي شيبة في المصنف (6012) حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن عطاء، أن ابن عباس وابن الزبير، وأبا سعيد وابن عمر كانوا يقولون: لا يتطوع حتى يتحول من مكانه الذي صلى فيه الفريضة. وإسناده صحيح.

فالمسألة في وصل النافلة بالفريضة، وليس العكس.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف (5426)، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: حدثنا عطاء، قال: رأيت ابن عمر صلى الجمعة، ثم تنحى من مكانه، فصلى ركعتين فيهما خفة، ثم تنحى من مكانه ذلك فصلى أربعًا هي أطول من تَيْنِك.

وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات.

وروى أبو داود في السنن (1127) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 341) من طريق أبي الربيع (سليمان بن داود) ومحمد بن عبيد، عن حماد ابن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه رأى رجلًا يصلي بعد الجمعة ركعتين في مقامه، فدفعه، وقال: تصلي الجمعة أربعًا؟ وأبو الربيع من أصحاب حماد بن زيد، وسنده صحيح وباقي رجال الإسناد كلهم ثقات.

وقد يقال: إن هذا خاص في الجمعة، فقد روى البخاري في صحيحه (848) من طريق أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، وفعله القاسم.

وروى عبد الرزاق في المصنف (3922، 3923) من طريق عبيد الله بن عمر، وأخيه عبد الله ابن عمر المكبر، عن نافع بنحوه.

وفيه قول آخر: أن هذا خاص بالإمام، قال ابن قدامة في المغني (1/ 403):«قال أحمد: لا يتطوع الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة، كذا قال علي بن أبي طالب. قال أحمد: ومن صلى وراء الإمام فلا بأس أن يتطوع مكانه، فعل ذلك ابن عمر، وبهذا قال إسحاق» . اهـ

وقال البخاري (1/ 169): ويذكر عن أبي هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح.

وأثر علي بن أبي طالب الذي ذكره ابن قدامة لا يصح، وسوف يأتي بحث هذه المسألة في مظانها من البحث إن شاء الله تعالى.

ص: 248

الدليل الرابع:

(ح-1140) رواه مسلم من طريق مروان بن معاوية الفزاري، عن عاصم الأحول،

عن عبد الله بن سرجس، قال: دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا فلان بأي الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا؟

(1)

.

الدليل الخامس:

ركعتا الفجر كغيرها من السنن القبلية لها وقت يبدأ وينتهي،

قال ابن حزم: «ووقت ركعتي الفجر من حين طلوع الفجر الثاني إلى أن تقام صلاة الصبح، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة»

(2)

.

(1)

. صحيح مسلم (67 - 712).

(2)

. المحلى، مسألة (307).

ص: 249

ولأن الإقامة مختصة بعين الفريضة، فصار ذلك الوقت وقتها المقدر، لا يسع لغيرها، فلا يفعل فيه غيرها، ولا تزاحم النافلة فريضة.

الدليل السادس:

(ح-1141) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة،

عن ابن عباس، قال: كنت أصلي، وأخذ المؤذن في الإقامة، فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتصلي الصبح أربعًا؟

(1)

.

ورواه أحمد، قال: حدثنا يزيد (يعني: ابن هارون)، حدثنا صالح بن رستم (أبو عامر الخزاز) به بنحوه، وفيه: فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه، وقال: أتصلي الصبح أربعًا

(2)

.

[المحفوظ أنه مرسل]

(3)

.

(1)

. مسند أبي داود الطيالسي (2859).

(2)

. مسند أحمد (1/ 238).

(3)

. اختلف فيه على ابن أبي مليكة،

فرواه صالح بن رستم (أبو عامر الخزاز)، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس به مرفوعًا.

رواه أبو داود الطيالسي (2859)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 678).

وابن أبي شيبة (6432)، وأحمد (1/ 238) حدثنا يزيد بن هارون.

وأحمد (1/ 355)، وأبو يعلى (2575)، وابن خزيمة (1124)، والحاكم في المستدرك (1154) عن وكيع،

وابن خزيمة (1124) من طريق النضر بن شميل.

وابن حبان (2469) من طريق عثمان بن عمر،

والطحاوي في مشكل الآثار (4115) من طريق عيسى بن يونس.

والطبراني في الكبير (11/ 117) ح 11227، من طريق موسى بن خلف العمي، كلهم رووه عن صالح بن رستم (أبي عامر الخزاز) به.

وصالح بن رستم كثير الخطأ، وقد خالفه من هو أقوى منه:

فرواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي كما في مسند إسحاق بن راهويه، مسند ابن عباس (838).

ومعمر كما في مصنف عبد الرزاق (4005) عن معمر، كلاهما (عبد الوهاب، ومعمر) روياه عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن النبي رأى رجلًا يصلي، والمؤذن يقيم للصبح، فقال: أتصلي الصبح أربعًا؟ هذا لفظ معمر، ومعمر في روايته عن أيوب كلام، لكن تقوى بمتابعة عبد الوهاب، فالصواب أنه مرسل، والله أعلم.

ص: 250

الدليل السابع:

(ح-1142) ما رواه البخاري من طريق عطاء،

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إِلَيِّ عبدي بشيء أحب إِلَيِّ مما افترضته عليه

الحديث، رواه البخاري

(1)

.

فإدراك المصلي لما فاته من الفريضة أحب إلى الله من صلاته النافلة، فمن الغبن أن يشتغل العبد بالمفضول عن الفاضل، وإذا ترك العبد النافلة لا زهدًا فيها، وإنما رغبة بالفريضة، وامتثالًا لأمر الله كتبت له؛ لأنه تركها لعذر، وبإمكانه أن يقضي النافلة بعد فراغه من الفريضة، دون أن يجعل النافلة تزاحم الفريضة في وقتها، والأجر الفاضل في راتبة الفجر لم يعلق على إدراكها في وقتها، والله أعلم.

• دليل من قال: يصلي الراتبة خارج المسجد ما لم يَخْشَ فوات الركعة الثانية:

الدليل الأول:

(ح-1143) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة

(2)

.

•ونوقش:

مقتضى الاستدلال جواز فعل ذلك مع سائر النوافل، فلا معنى لتخصيص الجواز بركعتي الفجر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو جاز ترك تأخير الدخول مع الإمام في الفريضة من القادر عليها إذا كان يدرك منها ركعة، لجاز تأخير الصلاة حتى لا يبقى من وقتها إلا مقدار ركعة، لحديث أبي هريرة المتفق عليه: من أدرك

(1)

. صحيح البخاري (6502).

(2)

. صحيح البخاري (580)، وصحيح مسلم (161 - 607).

ص: 251

ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، فإذا كان لا يجوز تأخير الصلاة إلى أن يبقى من وقتها مقدار ركعة، فكذلك لا يجوز تأخير الفريضة عن الدخول مع الإمام مع القدرة، ولو أدرك منها ركعة.

الدليل الثاني:

(ح-1144) ما رواه ابن خزيمة، قال: حدثنا علي بن حجر السعدي بخبر غريب غريب قال: ثنا محمد بن عمار يعني الأنصاري، عن شريك بن عبد الله وهو ابن أبي نمر،

عن أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حين أقيمت الصلاة، فرأى ناسًا يصلون ركعتين بالعجلة، فقال: أصلاتان معًا؟ فنهى أن يصلى في المسجد إذا أقيمت الصلاة

(1)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (فنهى أن يصلى في المسجد إذا أقيمت الصلاة)، فمفهومه أن صلاة الركعتين خارج المسجد لا يدخل في النهي.

• وأجيب:

[بأن الحديث اختلف في وصله وإرساله، كما اختلف في قوله: (فنهى أن يصلى في المسجد) والراجح أنها ليست محفوظة]

(2)

.

(1)

. صحيح ابن خزيمة (1126).

(2)

. اختلف فيه على شريك بن عبد الله بن أبي نمر:

فقيل: عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس.

رواه علي بن حجر السعدي، عن محمد بن عمارة بن حفص الأنصاري (لا بأس به) عن شريك به، واختلف على علي بن حجر:

فرواه ابن خزيمة في صحيحه، ومن طريقه الضياء في الأحاديث المختارة (2182)، فزاد فيه:(فنهى أن يصلى في المسجد إذا أقيمت الصلاة) ومفهومه: أن من صلاهما خارج المسجد

لا يدخل في النهي.

وقال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 185): قال لي ابن حجر، حدثنا محمد بن عمار =

ص: 252

الدليل الثالث:

(ث-267) ما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، قال:

جاء ابن مسعود، والإمام يصلي الصبح، فصلى ركعتين إلى سارية، ولم يكن صلى ركعتي الفجر

(1)

.

= الأنصاري به، فذكره، بلفظ: أقيمت الصلاة، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا يصلون، فقال: أصلاتان؟

وليس فيه: (فنهى أن يصلى في المسجد إذا أقيمت الصلاة).

كما رواه إبراهيم بن طهمان، عن شريك، عن أنس به، وليس فيه لفظ:(فنهى أن يُصَلَّى في المسجد إذا أقيمت الصلاة).

أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1126)، وابن أبي حاتم في العلل (369)، والضياء في المختارة (2183).

وقيل: عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة.

رواه الدراوردي، واختلف عليه فيه:

فرواه إبراهيم بن حمزة الزبيري (صدوق)، كما في حديث السراج (2120)، ومشكل الآثار (4117) عن عبد العزيز بن محمد (يعني الدراوردي صدوق سيئ الحفظ) حدثنا شريك به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين أقيمت الصلاة، صلاة الصبح، فرأى ناسًا يصلون، فقال: أصلاتان معًا؟.

ورواه قتيبة بن سعيد، عن الدراوردي، عن شريك، عن أبي سلمة مرسلًا، وهو المحفوظ.

ذكره الدارقطني في العلل (10/ 309)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 68)، وقتيبة مقدم على إبراهيم بن حمزة الزبيري، وليس فيه:(فنهى أن يصليا في المسجد إذا أقيمت الصلاة).

وقيل: عن شريك، عن أبي سلمة مرسلًا.

رواه مالك في الموطأ رواية يحيى الليثي (1/ 128)، ورواية أبي مصعب الزهري (319)، ورواية محمد بن الحسن (96).

والثوري كما في مسند مسدد، انظر إتحاف الخيرة (929)، والمطالب العالية (248).

وإسماعيل بن جعفر، كما في حديثه (409)، والتاريخ الأوسط للبخاري (2301)، والتأريخ الكبير (1/ 186)، ثلاثتهم رووه عن شريك، عن أبي سلمة مرسلًا، وهو المحفوظ، وليس فيه (فنهى أن يصليا في المسجد).

(1)

. مصنف عبد الرزاق (4121)، وسقط من المطبوع شيخ عبد الرزاق (الثوري) واستدركته من

المعجم الكبير للطبراني.

ص: 253

[منقطع]

(1)

.

(1)

. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 277) ح 9385.

وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 231) من طريق عبد الله، عن سفيان به، وهذه متابعة لعبد الرزاق.

واختلف فيه على أبي إسحاق:

فقيل: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، قال: جاء ابن مسعود. وهذا منقطع، لأن عبد الله بن أبي موسى لم يسمع من ابن مسعود.

رواه هكذا الثوري كما تقدم.

وتابعه معمر كما في مصنف عبد الرزاق (4122)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (9/ 277) ح 9386.

وخالفهما زهير بن معاوية، فرواه عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، عن أبيه.

رواه الطبراني في الكبير (9/ 277) ح: 9387، من طريق معاوية بن عمرو، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، عن أبيه، قال: أقيمت الصلاة، فتقدم عبد الله إلى المسجد، فصلى ركعتين، ثم دخل المسجد.

ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (10/ 319 - 320) من طريق عبد الرحمن بن زياد، حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، حدثنا عبد الله بن موسى، عن أبيه حين دعاهم سعيد بن العاص دعا أبا موسى وحذيفة وعبد الله بن مسعود قبل أن يصلي الغداة، فسألهم كيف تصلى صلاة العيد؟ فأجابه عبد الله بما أجابه فيه، ثم خرجوا من عنده، وقد أقيمت الصلاة، فجلس عبد الله إلى أسطوانة من المسجد، فصلى الركعتين، ثم دخل المسجد.

وقيل: عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب.

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6415)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 231)، قال: حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، أن ابن مسعود وأبا موسى خرجا من عند سعيد بن العاص، فأقيمت الصلاة، فركع ابن مسعود ركعتين، ثم دخل مع القوم في الصلاة، وأما أبو موسى فدخل في الصف.

وهذه الرواية وإن كان رجالها ثقات إلا أنه قد انفرد بها مطرف مخالفًا رواية الجماعة فلا أظنها محفوظة.

وأما رواية زهير فقد روى عن أبي إسحاق بعد تغيره، فالمحفوظ رواية الثوري لأنه من أثبت الناس في أبي إسحاق، ومن أقدم الناس سماعًا منه، فهو مقدم فيه على غيره وقد تابعه على هذا معمر بن راشد، إلا أن روايتهما فيها عبد الله بن أبي موسى والظاهر أنه أحد أبناء أبي موسى الأشعري، ولم أقف على سماعه من ابن مسعود رضي الله عنه، فيكون الراجح فيها الانقطاع، والله أعلم.

وقد رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 375) حدثنا أبو بشر الرقي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود أنه كان يفعل ذلك.

أبو بشر الرقي: هو عبد الملك بن مروان الأهوازي، لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، وروى عنه بعض المصريين منهم الطحاوي، ولم أقف على أحد وثقه، ففيه جهالة، وأبو معاوية له أوهام إذا روى عن غير الأعمش. فالإسناد ضعيف.

ص: 254

الدليل الرابع:

(ث-268) ما رواه ابن المنذر في الأوسط من طريق أبي نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن عقبة

(1)

، عن نافع، قال:

كان ابن عمر يصلي الركعتين في بيته وهو يسمع الإقامة، ثم يأتي المسجد فيصلي

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

(1)

. في المطبوع (سفيان بن عقبة) والتصويب من طبعة دار الفلاح.

(2)

. الأوسط (5/ 232).

(3)

. رجاله ثقات، وهذا أصح طريق روي فيه الأثر عن ابن عمر فيما وقفت عليه.

ورواه الطحاوي (1/ 375)، قال: حدثنا علي بن شيبة، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه جاء والإمام يصلي الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة رضي الله عنها، ثم إنه صلى مع الإمام.

وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات إلا شيخ الطحاوي علي بن شيبة فإنه صدوق، والله أعلم.

ورواه الطحاوي (1/ 375)، قال: حدثنا محمد بن خزيمة، وفهد قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن محمد بن كعب، قال: خرج عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من بيته فأقيمت صلاة الصبح فركع ركعتين قبل أن يدخل المسجد وهو في الطريق ثم دخل المسجد فصلى الصبح مع الناس.

ومحمد بن خزيمة بن راشد وإن كان فيه جهالة فقد زال بمتابعة فهد بن سليمان، لكن في إسناده عبد الله بن صالح، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، والله أعلم.

ورواه الطحاوي (1/ 375) حدثنا فهد، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مالك بن مغول، قال: سمعت نافعًا يقول: أيقظت ابن عمر رضي الله عنهما لصلاة الفجر، وقد أقيمت الصلاة، فقام فصلى الركعتين.

وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، فهد هو ابن سليمان أبو محمد الكوفي الدَّلال، نزيل مصر، قال فيه ابن يونس: كان دلَّالًا في البز، وكان ثقة ثبتًا، وبقية رجاله ثقات معروفون.

وروى ابن المنذر في الأوسط (5/ 232) من طريق عبد الكريم المعلم، عن مجاهد، أن ابن عمر دخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة، والناس في الصلاة، فدخل بيت حفصة، فصلى

ركعتين، ثم خرج إلى المسجد، فصلى.

وعبد الكريم المعلم هو ابن أبي المخارق ضعيف جدًّا.

ص: 255

• ونوقش:

بأن الاستدلال بفعل الصحابي يقبل بشرط ألا يلزم من قبوله طرح النص المرفوع فإنه لا حجة في موقوف يلزم منه ترك النص المرفوع، أما إذا كان قول الصحابي هو في تفسير النص، وذلك بتقييد مطلق، أو تخصيص عام، ولم يأتِ ما يخالفه من الصحابة فيكون قول الصحابي داخلًا في بيان دلالة النص، والصحابي أولى الناس بتفسير النصوص الشرعية، وقوله في فهم النص مقدم على قول غيره، وقد حفظ إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من شرع في النافلة بعد الإقامة، فلا يعارض هذا باجتهاد الصحابي، كما أنه مخالف لحديث:(إذا سمعتم الإقامة فامشوا)، والله أعلم.

• دليل من قال: يصلي الراتبة خارج المسجد ما لم يَخْشَ فوات الركعة الأولى:

يرى المالكية أن المصلي إن كان معذورًا أدرك الجماعة بإدراك ركعة كاملة من الصلاة، لحديث: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.

وإن كان غير معذور، بأن فوَّت ركعة من الصلاة اختيارًا وتفريطًا لم يحصل له فضل الجماعة إلا بإدراك ركعات الصلاة كلها

(1)

.

وعلى هذا التفصيل بَنَوْا فِقْهَ هذه المسألة: فإذا وجد المصلي الناس في الصلاة فإن خشي أن تفوته الركعة الأولى لم يُصَلِّ ركعتي الفجر من أجل إدراك فضل الجماعة؛ لأنه إن صلى في هذه الحالة حتى فاتته الركعة الأولى لم يدرك فضل الجماعة؛ لأن فواتها كان باختياره وتفريطه، وإن أمكن المصلي أن يصلي ركعتي الفجر وهي من السنن المؤكدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليها، ولم تفته الركعة الأولى فقد جمع بين إدراك السنة وبين إدراك فضيلة الجماعة، وهذا أولى

(1)

. حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 302)، بداية المجتهد (1/ 216)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 426)، حاشية الدسوقي (1/ 320)، ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 444).

قال في لوامع الدرر في هتك أسرار المختصر (2/ 418): «قيد الحفيد حصول الفضل بركعة بما إذا فاته ما قبلها اضطرارًا، فإن فاته ولو ركعة اختيارًا لم يحصل له فضلها» .

ص: 256

من تفويت إحداهما بإدراك الأخرى، واشترطنا أن يكون ذلك خارج المسجد حتى لا تلزمه أحكام الإمام.

• ويناقش من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول:

بأن حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) عام يشمل من كان يدرك الركعة الأولى ويشمل غيره، والعلماء على وجوب العمل بالعام حتى يرد ما يخصصه، ولم يرد ما يخصص العام.

وحديث إدراك الركعة بإدراك الركوع، لم يذكر في بيان حكم النافلة بعد إقامة الصلاة، بخلاف حديث أبي هريرة:(إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة).

وحديث ابن بحينة (آلصبح أربعًا)؟

وحديث عبد الله بن سرجس (بأي الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا) فهي أحاديث خاصة سيقت لبيان حكم النافلة بعد إقامة الصلاة، والقواعد الأصولية تقضي بأن الدلالة الصريحة مقدمة على الدلالة غير الصريحة، والمعنى المقصود بالحكم مقدم على معنى غير مقصود بالحكم، والخاص مقدم على العام، وهذا معروف في أصول الفقه.

الوجه الثاني:

إذا كان لا يجوز تأخير الصلاة إلى أن يبقى من الوقت مقدار ركعة، وإن كان مدركًا للوقت، لحديث:(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فكذلك لا يجوز ترك الدخول في الصلاة مع قدرته على ذلك احتجاجًا بإدراك الركعة بإدراك الركوع.

الوجه الثالث:

أن الاشتغال بالنافلة بعد إقامة الصلاة يلزم منه ترك القيام في الركعة الأولى مع القدرة عليه، وهو من أركان الصلاة بالاتفاق، ويلزم منه ترك قراءة الفاتحة مع القدرة، وهو ركن أو واجب، فإدراك الركعة بإدراك الركوع يكون في حق من لم

ص: 257

يتمكن من إدراك القيام، والله أعلم.

• الراجح:

كل خير يحرص المصلي على تحصيله في النافلة بعد إقامة الصلاة لا يعدل ما فاته من الفريضة، فالنافلة لا ينبغي لها أن تزاحم الفريضة، لهذا أرى أن مذهب السادة الحنفية أضعف الأقوال، يليه مذهب المالكية، وأقواها مذهب الشافعية والحنابلة، والله أعلم.

* * *

ص: 258