الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام
المدخل إلى المسألة:
• القيام الواجب ما اعتمد فيه المصلي على قدميه في وقوفه بالصلاة.
• كل استناد لولاه لسقط المصلي، فإنه منافٍ للقيام الواجب.
• الاستناد المنافي للقيام يبطل صلاة الفريضة؛ لأنه في حكم التارك للقيام.
• الاستناد الذي إذا زال لا يسقط به المصلي منافٍ لكمال القيام، ولا يبطل الصلاة.
• لا فرق في الحكم بين أن يقع الاستناد في القراءة الواجبة أو في القراءة المستحبة؛ لأن ما زاد على الواجب إن تميز، كإخراج صاعين منفردين في زكاة الفطر فهو ندب بالاتفاق، وإن لم يتميز فالكل في حكم الواجب على الصحيح؛ لأن ما لا يتجزأ فحكم بعضه حكم كله.
[م-489] إذا استند المصلي في الفرض، وهو قادر على القيام استقلالًا، أو على الجلوس استقلالًا إن كان عاجزًا عن القيام، فإن كان في حالٍ بحيث لو أزيل ما يستند إليه لم يسقط المصلي، وبقي قائمًا:
فقيل: تصح صلاته مع الكراهة؛ لتنقيص كمال القيام، وهو قول الجمهور، واستحب له المالكية الإعادة في الوقت بناء على قواعد مذهبهم
(1)
.
وقيل: لا تصح صلاته، وهو قول مرجوح في مذهب الشافعية
(2)
.
وقيل: يكره الاتكاء في النفل بلا عذر اختاره بعض الحنفية
(3)
.
(1)
. المبسوط (2/ 208)، بدائع الصنائع (1/ 218)، الذخيرة للقرافي (2/ 161)، شرح الخرشي (1/ 296)، طرح التثريب (5/ 100)، الإقناع (1/ 127)، شرح منتهى الإرادات (1/ 209).
(2)
. فتح العزيز (3/ 284)، المجموع (3/ 259).
(3)
. بدائع الصنائع (1/ 218)، فتح القدير لابن الهمام (2/ 7)، حاشية ابن عابدين (1/ 654).
(ح-1195) لما رواه مسلم من طريق ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب،
عن أنس، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا لزينب تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه؛ لِيُصَلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل، أو فتر فليقعد
(1)
.
والصحيح أن الكراهة متوجهة لعقد النافلة نفسها، لا الاستناد فيها.
والصحيح قول الجمهور؛
(ح-1196) لما رواه أبو داود، قال: حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي، أخبرنا أبي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، قال: قدِمتُ الرَّقَّة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمةٌ، فدُفِعنا إلى وابصة، قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دَلِّه، فإذا عليه قَلَنسُوَةٌ لاطِئةٌ ذاتُ أذنين، وبُرنُسُ خَزٍّ أغبرُ، وإذا هو معتمدٌ على عصًا في صلاته، فقلنا بعد أن سلَّمنا، فقال:
حدثتني أم قيس بنت محصن؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسنَّ وحملَ اللحمَ، اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه
(2)
.
[صحيح، وهذا إسناد ضعيف]
(3)
.
قال الشوكاني في النَّيْلِ: «وقد ذكر جماعة من العلماء أن من احتاج في قيامه إلى أن يتكئ على عصا أو عكاز، أو يستند إلى حائط، أو يميل على أحد جانبيه جاز له ذلك»
(4)
.
[م-490] وإن كان بحيث لو أزيل ما اتكأ عليه سقط:
(1)
. رواه مسلم (219 - 784).
(2)
. سنن أبي داود (948).
(3)
. ومن طريق عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 177) ح 434. وفي إسناده عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد، مجهول، لكنه قد توبع، تابعه ثقة.
فقد أخرجه الحاكم في المستدرك (975)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 409) من طريق عبيد الله بن موسى، أنبأ شيبان بن عبد الرحمن به.
(4)
. نيل الأوطار (2/ 390).
فقيل: يكره وهو مذهب الحنفية، واختاره صاحب الطراز من المالكية
(1)
.
وقال الشافعية في الأصح: يكره ما لم يكن معلقًا بحيث يمكنه رفع رجليه دون أن يسقط، فإن صلاته تبطل؛ لأنه غير قائم
(2)
.
وقيل: لا تصح صلاته، وهو مذهب الحنابلة، وقول في مذهب الشافعية
(3)
.
وقال المالكية: لا يستند في ما هو فرض عليه في صلاته، فلا يستند للإحرام ولا لقراءة الفاتحة في حق من تجب عليه القراءة، ولا يستند في الركوع، ولا في هُوِيِّ الركوع والقيام، فإن استند عمدًا أو جهلًا، لا سهوًا بطلت، ويجوز الاستناد في قراءة ما زاد على الفاتحة دون الجلوس؛ فإنه يخل بهيئتها
(4)
.
• وجه القول ببطلان الصلاة بالاستناد:
بأن الاعتماد يخل بالقيام، وترك القيام في الفريضة لا يجوز إلا من عذر.
• وجه القول بالكراهة:
أن الصلاة صحيحة؛ لوجود أصل القيام، ويكره الاعتماد؛ لأنه ينقص من كمال القيام بلا حاجة.
وقال صاحب الطراز من المالكية: «لأنه قيام في العادة، ولو حلف لا يقوم، فقام متكئًا حنث، وأما قوله في الكتاب: لا يعجبني، فمحمول على الكراهة»
(5)
.
قال الشافعية: إلا أن يكون بحيث إذا رفع رجليه لم يسقط، فإنه يكون
(1)
. بدائع الصنائع (1/ 218)، المبسوط (1/ 208)، حاشية ابن عابدين (1/ 654)، الذخيرة للقرافي (2/ 161).
(2)
. تحفة المحتاج (2/ 21)، روضة الطالبين (1/ 232)، فتح العزيز (3/ 284)، المجموع (3/ 259)، مغني المحتاج (1/ 349)، طرح التثريب (5/ 100)، الشرح الكبير على المقنع (1/ 601).
(3)
. فتح العزيز (3/ 284)، المجموع (3/ 259)، الفروع (2/ 275)، مطالب أولي النهى (1/ 479)، المبدع (1/ 425)، الإقناع (1/ 127)، شرح منتهى الإرادات (1/ 209)، كشاف القناع (1/ 371).
(4)
. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 255، 258)، الشرح الصغير (1/ 360)، شرح الخرشي مع حاشية العدوي (1/ 269، 296)، الفواكه الدواني (1/ 241)، مواهب الجليل (2/ 4)، حاشية الدسوقي (1/ 231).
(5)
. الذخيرة للقرافي (2/ 161).
معلقًا، لا قائمًا.
وأما مذهب المالكية فإن بناء مذهبهم راجع إلى توصيف ما زاد من القيام على القدر الواجب:
أيلحق بالفرض لاتصاله به، وعدم تميزه، ولكونه لو جلس فيه مع قدرته لم تصح صلاته، وعليه فلو استند فيه بطلت صلاته، أم أن الزائد على القدر الواجب يعتبر نفلًا، والخلل إذا وقع في القدر المستحب، لا يؤثر على صحة الصلاة؛ لأن المصلي لو اقتصر على القدر الواجب، وركع، تمت صلاته؟
في هذه المسألة قولان لأهل العلم هما وجهان في مذهب الشافعية والحنابلة
(1)
.
قال ابن الرفعة: هل يكون جميع قيامه فرضًا، أو قدر الفاتحة فقط، فيه وجهان»
(2)
.
وقال ابن رجب: «من وجبت عليه عبادة، فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه، هل يوصف الكل بالوجوب، أو قدر الإجزاء منه؟
إن كانت الزيادة متميزة منفصلة، فلا إشكال في أنها نفل بانفرادها، كإخراج صاعين منفردين في الفطرة ونحوها، وأما إن لم تكن متميزة ففيه وجهان مذكوران في أصول الفقه»
(3)
.
والصواب في هذه المسألة: أن الزيادة على الواجب إن تميزت كصلاة التطوع بالنسبة إلى المكتوبات فهي ندب بالاتفاق.
وإن لم تتميز فالكل في حكم الواجب على الصحيح من قولي أهل العلم.
(1)
. قال في أسنى المطالب (1/ 146): «ولو طول الركن على ما يتأدى به الواجب فالكل فرض» . وقال الإسنوي في تخريج الفروع على الأصول (ص: 91): «اختلف كلام النووي في ذلك اختلافًا عجيبًا، أوضحته في المهمات وغيره، فصحح في باب صفة الصلاة من زوائد الروضة أن الجميع يقع واجبًا، وصحح في أبواب كثيرة أن الزائد يقع نفلًا» . وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 532)، فتاوى الرملي (1/ 42)، المجموع شرح المهذب (1/ 403)، شرح المقدمة الحضرمية (ص: 322)، انظر القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام، القاعدة الثامنة عشرة، (ص: 143)، موسوعة القواعد الفقهية محمد بورنو (11/ 1110).
(2)
. كفاية النبيه (3/ 576).
(3)
. قواعد ابن رجب، القاعدة الثالثة (ص: 5).
ومن ذلك مسألتنا، فإن قراءة ما زاد على الفاتحة متصلة لا تتميز، فالكل واجب، والخلل بالقدر المستحب يعود بالبطلان على القدر الواجب ما دام متصلًا.
* * *