الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول
المدخل إلى المسألة:
• الأمر المعلق على شرط كقوله: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس .. ) (إذا سمعتم المؤذن فقولوا
…
) أكلما دخل يقتضي التكرار؛ لكون هذا الشرط علة للفعل، فإذا تكررت العلة تكرر الحكم المعلق عليها أم لا؟
• أتعتبر الشروط اللغوية أسبابًا، فيتكرر الحكم بتكرر أسبابه ما لم تتداخل أم لا؟
• المشقة تجلب التيسير.
• إذا سقط قضاء الصلاة دون قضاء الصوم عن الحائض، فلا معنى للتفريق إلا مراعاة المشقة في تكرر الصلاة دون الصوم، فَلأن تسقط تحية المسجد للتكرار من باب أولى، ورد بأن هذا من باب تخصيص العموم بالقياس، وفيه نزاع عند الأصوليين.
• سها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، ثم خرج إلى بيته، فكُلِّم في ذلك، فعاد، وبنى على صلاته، وكأنه لم يخرج، فإذا كان الخروج اليسير لم يمنع من بناء آخر الصلاة على أولها فكذلك إذا خرج وعاد عن قرب لم يطلب منه تحية المسجد.
[م-451] اختلف الفقهاء في الرجل يتكرر دخوله للمسجد، أيصلي تحية المسجد في كل مرة، أم يكفيه صلاته للمرة الأولى؟
فقيل: إذا تكرر دخوله يكفيه لكل يوم مرة واحدة، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
(1)
. حاشية ابن عابدين (2/ 19)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 394)، غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر (4/ 57)، البحر الرائق (2/ 38).
وقيل: تسقط عنه تحية المسجد، اختاره بعض المالكية، والمحاملي من الشافعية، وابن عقيل من الحنابلة
(1)
.
قال المازري: «قال بعض أصحابنا: إن من تكرر دخوله إلى المسجد، فإنه تسقط عنه تحية المسجد»
(2)
.
وهذا القول ليس بعيدًا عن قول الحنفية.
وقيل: تكفيه الأولى إن قرب رجوعه عرفًا، وإلا كررها، وهذا مذهب المالكية
(3)
.
وقيل: إن خرج ليعود فإنه لا يركع، وإلا ركع، حكاه ابن ناجي في شرح الرسالة
(4)
.
وقيل: تستحب التحية لكل مرة، وهو قول في مذهب المالكية، والأصح في مذهب الشافعية، وقواه النووي، وهو أصح الوجهين في مذهب الحنابلة، ورجحه ابن تيمية، واستثنى الحنابلة قَيِّم المسجد، فلا يكررها
(5)
.
قال النووي في المجموع: «لو تكرر دخوله المسجد في الساعة الواحدة مرارًا، قال صاحب التتمة: تستحب التحية لكل مرة، وقال المحاملي في اللباب: أرجو أن تجزيه التحية مرة واحدة، والأول أقوى وأقرب إلى ظاهر الحديث»
(6)
.
• دليل من قال: تسقط عنه تحية المسجد:
من ذهب إلى ذلك قاسه على القول بسقوط الإحرام على من تكرر دخوله
(1)
. المجموع (4/ 52)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 338)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (9/ 299)، الإنصاف للمرداوي (2/ 308)، وانظر الموسوعة الكويتية (10/ 305).
(2)
. المعلم بفوائد مسلم (1/ 448).
(3)
. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 313)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 493)، المعلم بفوائد مسلم (1/ 448).
(4)
. شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 169).
(5)
. شرح ابن ناجي التنوخي على الرسالة (1/ 169)، المجموع (4/ 52)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 338)، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (1/ 67)، حاشية الجمل (1/ 487)، حاشية البجيرمي (1/ 280)، الإنصاف (2/ 195)، حاشية الروض المربع (2/ 235)، شرح منتهى الإرادات (1/ 252)، مطالب أولي النهى (1/ 584)، الفروع (2/ 307).
(6)
. المجموع (4/ 52).
إلى مكة من حطَّابٍ وصيَّادٍ وفكَّاهٍ، وكذلك أسقط بعض الفقهاء سجود التلاوة عن القراء والمقرئين، وأسقطوا الوضوء لمس المصحف عن المتعلمين
(1)
.
والقول بوجوب الإحرام على من مر بالميقات مسألة خلافية، والأصح فيها أنه لا يجب، وعلى افتراض صحته فإن هذا الدليل يرجع إلى مسألة أصولية متنازع فيها، وهو جواز تخصيص العموم بالقياس.
• دليل من قال: تتكرر التحية بتكرر الدخول:
الأمر إذا جاء مقيدًا بصفة، أو شرط فإنه يفيد التكرار:
فالقيد بالصفة كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فكلما حصلت سرقة وجب القطع ما لم يكن تكرارها قبل القطع.
والمقيد بالشرط كقوله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول.
فأمر بالإجابة عند سماع النداء، فالحكم يتكرر بتكرر السماع، لتكرار علته، والله أعلم، ومثله الأمر بتحية المسجد جاء مقيدًا بالشرط: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس
(2)
.
فيتكرر الأمر بالتحية بتكرر الدخول.
• دليل من قال: تسقط عنه تحية المسجد إن قرب رجوعه عرفًا:
(ح-1087) يمكن أن يستدل له بما رواه مسلم من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب،
عن عمران بن حصين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له الخِرْبَاق، وكان في يديه طول فقال: يا رسول الله! فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجرُّ رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم. فصلى ركعة، ثم سلَّمَ، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّمَ
(3)
.
(1)
. المعلم بفوائد المسلمين (1/ 448)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 340).
(2)
. صحيح البخاري (444)، وصحيح مسلم (69 - 714).
(3)
. صحيح مسلم (574).
وجه الاستدلال:
أن خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد، ثم رجوعه إلى صلاته لم يمنع من البناء على صلاته، وكأنه لم يخرج من المسجد؛ لقرب رجوعه، فكذلك إذا خرج، وعاد عن قرب لم يطلب منه إعادة تحية المسجد.
الدليل الثاني:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجه صفية ليقلبها إلى بيتها، وهو معتكف، وإذا كان الخروج القريب لا يقطع الاعتكاف، فكذلك من خرج من المسجد وعاد إليه من قريب فكأنه لم يخرج.
(ح-1088) فقد روى البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن علي بن حسين،
عن صفية بنت حيي، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد
…
(1)
.
وهذا القول هو الراجح، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح البخاري (3281)، صحيح مسلم (2175).