المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ١

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الباب الأول في صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة

- ‌المبحث الثاني لا يستحب دعاء خاص للخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الثالث في الوقت الذي يجب الذهاب فيه للصلاة

- ‌المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار

- ‌المبحث الخامس في كراهة التشبيك بين الأصابع إذا خرج إلى الصلاة

- ‌المبحث السادس في استحباب كثرة الخطا في الذهاب للصلاة

- ‌الفرع الأول في اختيار المسجد الأبعد طلبَا لكثرة الخطا

- ‌الفرع الثاني في استحباب مقاربة الخطا

- ‌الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد

- ‌الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج

- ‌الفصل الثاني في استحباب الذكر الوارد لدخول المسجد

- ‌المبحث الأول في استحباب الاستعاذه

- ‌المبحث الثاني في استحباب التسمية والدعاء بالمغفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لدخول المسجد

- ‌المبحث الثالث في صلاة ركعتين قبل الجلوس

- ‌المبحث الرابع لا تشرع التحية لمن أدخل يده أو رأسه فقط

- ‌المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول

- ‌المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث

- ‌المبحث السابع في فوات تحية المسجد بالجلوس

- ‌المبحث الثامن في حكم تحية المسجد

- ‌المبحث التاسع في منزلة تحية المسجد من السنن

- ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

- ‌المبحث الحادي عشر اختصاص التحية بالمسجد

- ‌المبحث الثاني عشر صلاة تحية المسجد في وقت النهي

- ‌المبحث الثالث عشر في اشتراط النية لتحية المسجد

- ‌المبحث الرابع عشر في حصول تحية المسجد في أقل من ركعتين

- ‌المبحث الخامس عشر في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب

- ‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

- ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

- ‌الفرع الثاني إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة

- ‌الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد

- ‌الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد

- ‌الفصل الثالث في وقت تكبير الإمام بالصلاة

- ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

- ‌الباب الرابع في أحكام تكبيرة الإحرام

- ‌توطئه

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني في شروط تكبيرة الإحرام

- ‌الشرط الأول أن تقع تكبيرة الإحرام مقارنة للنية حقيقة أو حكمًا

- ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

- ‌المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا

- ‌المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع

- ‌الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها

- ‌مبحث في تنكيس التكبير

- ‌الشرط الرابع أن يكون التكبير متواليًا

- ‌الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب

- ‌الشرط السادس أن تكون التحريمة بالعربية من القادر عليها

- ‌الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى

- ‌الشرط الثامن في اشتراط القدرة على التكبير

- ‌الباب الخامس أحكام القيام في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم القيام

- ‌الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة

- ‌الفصل الثالث في قدر القيام

- ‌الفصل الرابع في صفة القيام

- ‌الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام

- ‌الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي

- ‌المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة

- ‌المبحث الثاني افتتح النافلة قائمَا فأراد الجلوس من غير عذر

- ‌المبحث الثالث يسقط القيام بالعجز

- ‌المبحث الرابع ضابط العجز المسقط للقيام

- ‌المبحث الخامس سقوط القيام بالخوف

- ‌المبحث السادس في سقوط القيام من أجل المحافظة على الطهارة

- ‌المبحث السابع في المراوحة بين القدمين في الصلاة

- ‌المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام

- ‌الفصل السابع في موضع النظر أثناء الصلاة

- ‌المبحث الأول في النظر إلى السماء أثناء الصلاة

- ‌المبحث الثاني في موضوع نظر المصلي في اثناء الصلاة

- ‌المبحث الثالث في موضوع نظر المصلي حال الركوع والسجود والجلوس

- ‌الفصل الثامن في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

- ‌المبحث الأول في مشروعية رفع اليدين

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌الفرع الأول في صفة رفع الأصابع

- ‌الفرع الثاني في صفة رفع الكفين

- ‌الفرع الثالث في منتهى الرفع

- ‌الفرع الرابع في رفع المرأة يديها في الصلاة

- ‌الفرع الخامس في ابتداء وقت الرفع وانتهائه

- ‌الفرع السادس في وضع اليدين بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام

- ‌مسألة في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى

- ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

- ‌الفرع الثامن في وقت القبض

- ‌الفرع التاسع في صفة وضع اليدين

الفصل: ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

المدخل إلى المسألة:

• وضع اليد اليمنى على الشمال ثابت في السنة الصحيحة، وأما وضعهما من البدن فلم يأتِ في الشريعة ما تقوم به الحجة.

• إذا لم تأتِ سنة صحيحة في مكان وضع اليدين، فإن ذلك لم يكن عن غفلة، ولا نسيان، تعالى الله عن ذلك، وإنما قصد الشارع إلى التيسير والتوسعة، فحيث وضع يديه تحقق المراد.

• المطلوب قبض الشمال باليمين، ولعل الحكمة في ذلك إظهار الخشوع، وحبس الكف عن الحركة، وهذا يتحقق سواء أوضعها تحت صدره، أم تحت سرته.

• الأحاديث المنكرة والشاذة لا تصلح للاعتبار؛ لأنها على تقدير وهم وقع فيه الراوي مخالفًا رواية الأوثق أو الأكثر عددًا.

[م-509] ثبت لنا أن السنة وضع اليمنى على اليسرى حال الصلاة، وقد اختلفوا في مكان وضعهما:

فقيل: يضع يديه تحت السرة، وتضع المرأة تحت الصدر، وهو مذهب الحنفية

(1)

.

وقيل: يضع المصلي يديه تحت السرة مطلقًا، رجلًا كان أو امرأة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة

(2)

.

(1)

. البحر الرائق (1/ 320)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 49)، بدائع الصنائع (1/ 201)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 49)، المبسوط (1/ 24)، الجوهرة النيرة (1/ 51)، النهر الفائق (1/ 207).

(2)

. فتح الباري لابن رجب (6/ 363): «واختلف القائلون بالوضع: هل يضعهما على صدره،

أو تحت سرته، أو يخير بين الأمرين؟ على ثلاثة أقوال، هي ثلاث روايات عن أحمد». وانظر: المغني لابن قدامة (1/ 341)، الفروع ت فضيلة الشيخ عبد الله التركي (2/ 168)، شرح منتهى الإرادات (1/ 220)، كشاف القناع (1/ 333)، الإقناع (1/ 114)،.

ص: 615

وقيل: يضعهما على الصدر، وهو اختيار الإمام إسحاق

(1)

.

وقيل: يضعهما تحت الصدر وفوق السرة، وبه قال عبد الوهاب البغدادي والقاضي عياض من المالكية، وهو مذهب الشافعية، ونسبه النووي للجمهور، وهو رواية عن أحمد

(2)

.

قال النووي: «وإذا وضع يديه حطهما تحت صدره فوق سرته، هذا مذهب الشافعي والأكثرين»

(3)

.

وقيل: يخير إن شاء تحت الصدر، أو تحت السرة، اختاره بعض المالكية، وهو رواية عن أحمد، وبه قال الأوزاعي وابن المنذر

(4)

.

قال أحمد كما في مسائل الكوسج: «قلت: أين يضع يمينه على شماله؟ قال:

(1)

. ذكر المروزي في المسائل (ص: 222): «كان إسحاق يوتر بنا .... ويرفع يديه في القنوت، ويقنت قبل الركوع، ويضع يديه على ثدييه، أو تحت ثدييه» .

(2)

. الذخيرة للقرافي (2/ 229)، المنتقى للباجي (1/ 281)، التوضيح لخليل (1/ 335)، التاج والإكليل (2/ 240)، الخرشي (1/ 286)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 250)، منح الجليل (1/ 262)، شرح زروق على متن الرسالة (1/ 216).

قال النووي في شرح مسلم (4/ 114): «يجعلهما تحت صدره فوق سرته، هذا مذهبنا المشهور، وبه قال الجمهور» .

وقال البيهقي في الخلافيات مسألة (75): «والسنة أن يضع اليمنى على اليسرى تحت صدره، وفوق سرته، وقال أبو حنفية: يضعهما تحت السرة» .

وانظر في مذهب الشافعية: مختصر المزني (ص: 107)، المهذب (1/ 136)، نهاية المحتاج (1/ 548)، حاشية الجمل (1/ 401)، الحاوي الكبير (2/ 100)، التنبيه (ص: 30)، نهاية المطلب (2/ 136)، الوسيط (2/ 100)، فتح العزيز (3/ 269)، المجموع (3/ 310)، روضة الطالبين (1/ 232)، تحفة المحتاج (2/ 102).

(3)

. شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 96).

(4)

. الذخيرة للقرافي (2/ 229)، ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 361)، شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 114).

ص: 616

كل هذا عندي واسع»

(1)

.

قال الترمذي بعد أن ذكر الاختلاف: وكل ذلك واسع عندهم.

• دليل من فرق بين الرجل والمرأة:

علل الحنفية التفريق بين الرجل والمرأة بأنه أستر لها

(2)

.

ويناقش:

هذه المصلحة على التسليم بها، لو كانت مقدرة لأمر بها الشارع، فلما لم يُحْفَظْ نص عن الشارع في التفريق بين الرجل والمرأة علم أن هذه ليست مصلحة معتبرة، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، والأصل: أن ما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.

• دليل من قال: يضعهما على صدره:

(ح-1270) ما رواه ابن خزيمة من طريق مؤمل، أخبرنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه،

عن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره

(3)

.

[منكر، فيه مؤمل بن إسماعيل سَيِّئُ الحفظ، وقد خالفه من هو أوثق منه]

(4)

.

(1)

. مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 551).

(2)

. انظر البحر الرائق (1/ 320).

(3)

. صحيح ابن خزيمة (479).

(4)

. رواه ابن خزيمة (479)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 46) عن أبي موسى (محمد بن المثنى).

ورواه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 186) حدثنا أبو بكرة، كلاهما عن مؤمل به.

ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 223) حدثنا أبو بكرة، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل به، بلفظ:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين يكبر للصلاة يرفع يديه حيال أذنيه)، فلم يذكر وضع اليدين على الصدر.

والحديث له علتان:

إحداهما: تفرد مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، وهو سيئ الحفظ، فقد رواه عن سفيان كل من:

عبد الله بن الوليد كما في مسند أحمد (4/ 318).

ووكيع كما في مسند أحمد (4/ 316)، ومصنف ابن أبي شيبة (2667).

وعبد الرزاق كما في مصنفه (2/ 68)، ومن طريقه أحمد في المسند (4/ 317)، والطبراني

ص: 617

الدليل الثاني:

(ح-1271) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني سماك، عن قبيصة بن هلب،

في الكبير (22/ 34) ح 81، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 430)

ويحيى بن آدم وأبو نعيم الفضل بن دكين قرنهما أحمد في مسنده (4/ 318).

ورواه ابن المنذر في الأوسط (3/ 169) وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3709) من طريق أبي نعيم وحده.

وقتيبة بن سعيد كما في المجتبى من سنن النسائي (1263)، وفي السنن الكبرى له (1187)،

ومحمد بن يوسف الفريابي كما في المجتبى من سنن النسائي (1264)، ومن السنن الكبرى له (1188)، والطبراني في الكبير (22/ 33) ح 78.

والحسين بن حفص كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 160)،

والطبراني في الكبير (22/ 39) ح 95، من طريق علي بن قادم، ثمانيتهم (عبد الله بن وليد، ووكيع، ويحيى بن آدم، وأبو نعيم، وقتيبة، والفريابي والحسين بن حفص وعلي بن قادم) كلهم رووه عن سفيان، ولم يذكروا ما ذكره مؤمل بن إسماعيل.

قال البيهقي في الخلافيات ت شركة الروضة (2/ 252): «رواه الجماعة عن الثوري لم يذكر واحد منهم (على صدره) غير مؤمل بن إسماعيل» .

والثانية: اضطراب لفظه، فمرة قال: على صدره، ومرة قال: عند صدره، وثالثة: لم يذكر هذه الزيادة.

كما رواه أكثر من عشرين راويًا عن عاصم بن كليب، لم يذكر أحد منهم وضع اليدين على الصدر، وقد سبق تخريج طرقهم، فأغنى ذلك عن إعادتها هنا، ولله الحمد.

وله طريق أخرى عن وائل ضعيفة أيضًا:

رواه الطبراني في الكبير (22/ 49) ح 118، من طريق محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي، حدثني عمي سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل ابن حجر قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتي بإناء فيه ماء .... فذكر في حديث طويل صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وصفة صلاته، وذكر فيه موضع الشاهد منه، وفيه: ثم وضع يمينه على يساره على صدره، ثم جهر بالحمد

وذكر الحديث.

وقد أخرجه البزار في مسنده كما في البحر الزخار (4488)، وابن عدي في الكامل (7/ 342) مختصرًا، والبيهقي (2/ 46، 143) مختصرًا مفرقًا.

قال ابن التركماني في الجوهر النقي: «محمد بن حجر قال الذهبي: له مناكير، وأم عبد الجبار هي أم يحيى لم أعرف حالها ولا اسمها» .

قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن وائل بن حجر بهذا الإسناد» .

ومحمد بن حجر بن عبد الجبار: قال البخاري: «فيه نظر» ، وهذا جرح شديد، وقال أبو أحمد الحاكم في الكنى: ليس بالقوي عندهم. وقال أبو حاتم: «كوفي شيخ» .

ص: 618

عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته، قال، يضع هذه على صدره.

وصف يحيى: اليمنى على اليسرى فوق المفصل

(1)

.

[زيادة (يضع هذه على صدره) وقوله: (فوق المفصل) ليست محفوظة]

(2)

.

(1)

. المسند (5/ 226).

(2)

. الحديث أعلَّ بأكثر من علة:

الأولى: الكلام في قبيصة بن هلب، قال فيه ابن المديني: والنسائي: مجهول، زاد ابن المديني: لم يَرْوِ عنه غير سماك.

وقد أشار يعقوب بن شيبة بأن تفرد سماك بالرواية عن الراوي لا ترفع عنه الجهالة.

قال ابن رجب في شرح العلل (1/ 378): «قال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفاً؟ إذا روى عنه كم؟ قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق؟ قال: هؤلاء يروون عن مجهولين» . انتهى.

وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال الترمذي: حسن

اهـ

والحسن عند الإمام الترمذي ليس هو الحسن الاصطلاحي عند المتأخرين إلا أن يحمل على الحسن لغيره، وقد كشف الترمذي عن اصطلاحه بقوله:«والحديث الحسن عندنا ما روي من غير وجه، ولم يكن شاذًّا، ولا في إسناده من يتهم بالكذب» . انظر شرح علل الترمذي (2/ 606).

فقوله: ما روي من غير وجه يقصد والله أعلم إما سندًا بحيث تتعدد طرقه بالمتابعات، وإما متنًا بحيث يأتي له شواهد أخرى تتفق معه، بحيث لا يتفرد الضعيف بأصل الحديث.

والحديث هذا يحمل على تعدد شواهده، لا طرقه، فإن الحديث لم يروه عن هلب إلا ابنه قبيصة، ولا عن قبيصة إلا سماك، ثم رواه جماعة من الثقات عن سماك.

وقوله: (ولم يكن شاذًّا) أي مخالفًا لنقل الثقات، وهذا الشرط معتبر حتى في الحديث الصحيح، وهذا الشرط لا يصدق على قوله:(يضع هذه على صدره .... فوق المفصل) فإن فيها تفردًا حيث لم يَرْوِ هذا الحرف إلا يحيى بن سعيد القطان على اختلاف عليه في ذكرها، وكل من رواه عن سماك كشعبة وسفيان وعبد الرزاق وغيرهم لم يذكر هذا الحرف، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، لكن الترمذي إنما حسن لفظ:(كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه) ولم يخرج في سننه ما تفرد به يحيى بن سعيد القطان.

وقوله: (ولا في إسناده من يتهم بالكذب) فهذا الشرط يصدق على رواية الضعيف إذا كان ضعفه من قبل حفظه، لا من قبل دينه؛ لأن المتهم مجروح الديانة، فتبين أن تحسين الترمذي =

ص: 619

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

لا يعني به الحسن الاصطلاحي المشهور عند المتأخرين.

وقد صحح الحديث ابن عبد البر كما في الاستيعاب (4/ 1549)، وحسنه أبو علي الطوسي، والبغوي.

العلة الثانية: تفرد سماك بن حرب بهذا الحديث، حيث لا يعرف إلا من جهته.

وقد يقال: إن التفرد الذي هو علة في الحديث أن يتفرد بأصل، أما وضع اليمين على الشمال فلم يتفرد، فإن هذا الحكم محفوظ من غير هذا الحديث، والله أعلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن سماكًا إنما تكلم في روايته عن عكرمة، وهذا الحديث ليس منها، وقد رواه عنه قدماء أصحابه.

قال يعقوب بن شيبة: «روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا - مثل شعبة وسفيان- فحديثهم عنه: صحيح مستقيم» .

العلة الثالثة: وهي العلة المؤثرة في هذا الحديث، وهي الاختلاف فيه على يحيى القطان،

فقد رواه الإمام أحمد (5/ 226) عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن سماك، عن قبيصة بن الهلب، عن أبيه، بزيادة (يضع هذه على صدره، وصف يحيى: اليمنى على اليسرى فوق المِفْصَل).

ورواه محمد بن بشار كما في مختصر الأحكام للطوسي (234) أخبرنا يحيى به، بلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شقيه عن يمينه، وعن يساره، ويضع يده اليمنى على اليسرى.

فلم يذكر بندار زيادة (يضع هذه على صدره، وصف يحيى: اليمنى على اليسرى فوق المِفْصَل).

وقد قال بندار: اختلفت إلى يحيى عشرين سنة. تاريخ الإسلام (4/ 1244).

وقد رواه جماعة عن سفيان، فلم يذكروا ما ذكره يحيى بن سعيد القطان، منهم:

الأول: عبد الرزاق في المصنف (3207)، ومن طريقه أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 165) ح 421.

الثاني: وكيع، كما في مسند ابن أبي شيبة (860)، ومصنفه أيضًا (3934)، كما في مسند أحمد (5/ 227)، وزوائد عبد الله بن أحمد على المسند (5/ 226، 227)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2494)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 44).

الثالث: عبد الرحمن بن مهدي، كما في سنن الدارقطني (1100).

الرابع: محمد بن كثير كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 165) ح 421، ومعجم الصحابة لابن قانع (3/ 199)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (6564).

الخامس: الحسين بن حفص كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 419)،

السادس: عبد الصمد بن حسان، كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (6564)، ستتهم رووه عن الثوري، وليس فيه وضع اليدين على الصدر.

كما رواه جماعة عن سماك، وليس فيه وضع اليدين على الصدر، منهم:

الأول: شعبة، كما في مسند أبي داود الطيالسي (1183)، ومصنف ابن أبي شيبة (3109)، =

ص: 620

الدليل الثالث:

(ح-1272) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا أبو توبة: حدثنا الهيثم -يعني: ابن حميد-، عن ثور، عن سليمان بن موسى،

عن طاوس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشُدُّ بهما على صدره، وهو في الصلاة

(1)

.

[إسناده إلى طاوس حسن إلا أنه مرسل]

(2)

.

• وأجيب:

بأن الشافعية لا يحتجون بالمرسل إلا بشروط لم تتوفر هنا.

الدليل الرابع:

(ث-294) روى البخاري في التاريخ قال البخاري: قال موسى: حدثنا حماد

= ومسند أحمد (5/ 227)، وزوائد عبد الله على المسند (5/ 226، 227)، وسنن أبي داود (1041)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2495)، وصحيح ابن حبان (1998)، والطبراني في الكبير (22/ 164) ح 416.

الثاني: أبو الأحوص، كما في زوائد عبد الله على المسند (5/ 227)، وسنن الترمذي (252)، وسنن ابن ماجه (809، 929)، والطبراني (22/ 164، 165) ح 420، 424.

الثالث: زائدة بن قدامة كما في مسند أحمد (5/ 227)، والمعجم الكبير للطبراني (22/ 164) ح 418، ومعجم الصحابة لابن قانع (3/ 199).

الرابع: زهير بن معاوية، كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 164) ح 419، ومعجم الصحابة لابن قانع (3/ 198).

الخامس: أسباط بن النصر كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 164، 165) ح 417، 422.

السادس: حفص بن جميع كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 165) ح 423.

السابع: إسرائيل، كما في تفسير الثعلبي (10/ 311).

الثامن: شريك، كما في مسند أحمد (5/ 227)، والتمهيد لابن عبد البر (20/ 73)، ومعجم الصحابة لابن قانع (3/ 199)، ثمانيتهم رووه عن سماك، ولم يذكروا فيه وضع اليدين على الصدر، فلا شك أن هذا الحرف شاذ، والشاذ لا يعتبر به، لأنه على تقدير أنه خطأ.

(1)

. سنن أبي داود (759).

(2)

. أبو توبة: هو الربيع بن نافع الحلبي، وثور: هو ابن يزيد الحمصي، وإسناده إلى طاوس حسن، فإن رجاله كلهم ثقات إلا سليمان بن موسى فإنه صدوق، وأخرجه أبو داود في المراسيل (33) بالإسناد نفسه.

ص: 621

ابن سلمة، سمع عاصمًا الجَحدَرِيَّ، عن أبيه، عَنْ عقبة بن ظَبيان،

عن عليٍّ، رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وضع يده اليمني على وسط ساعده على صدره

(1)

.

[ضعيف، وذكر وضعهما على الصدر مختلف فيه على عاصم الجحدري]

(2)

.

(1)

. التاريخ الكبير (6/ 437).

(2)

. في إسناده أكثر من علة:

العلة الأولى: والد عاصم الجحدري، لم أقف له على ترجمة.

العلة الثانية: عقبة بن ظبيان، وقيل: عقبة بن ظهير: مجهول.

العلة الثالثة: الاختلاف الكثير في إسناده، فقد رواه عن عاصم الجحدري اثنان:

الأول: حماد بن سلمة، وذكر وضع اليدين على الصدر على اختلاف عليه في إسناده.

والثاني: يزيد بن زياد بن أبي الجعد، ولم يذكر لفظة وضع اليدين على الصدر.

أما الاختلاف على حماد بن سلمة:

فقيل: عنه، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي بن أبي طالب.

وهذا الإسناد هو رواية الجماعة عن حماد، ولعله أرجحها.

فقد رواه موسى بن إسماعيل كما في التاريخ الكبير للبخاري (6/ 437)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 45).

وحجاج بن منهال كما في تفسير الثعلبي (10/ 310)، والأوسط لابن المنذر (3/ 91)،

وأبو الوليد الطيالسي كما في موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب (2/ 340)،

ويزيد بن هارون، ذكره الدارقطني في العلل (4/ 99).

وأبو صالح الخراساني كما في تفسير الطبري ط دار هجر (24/ 691)، خمستهم رووه عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي رضي الله عنه، قال في قول الله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره. ولفظ أبي الوليد: وضع اليمنى على اليسرى تحت الثندوة.

وقيل: عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، بإسقاط عقبة بن ظبيان.

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 184) من طريق أبي عمرو الضرير (حفص بن عاصم)، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، أن عاصمًا الجحدري أخبرهم، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قال: وضع يده اليمنى على الساعد الأيسر، ثم وضعهما على صدره.

فأخشى أن يكون سقط من إسناده عقبة بن ظبيان، فإن كان كذلك كان موافقًا لرواية الجماعة =

ص: 622

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

وهو احتمال قوي، وإلا كان وجهًا آخر من وجوه الاختلاف على حماد بن سلمة، والله أعلم.

وقيل: عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان، وفي رواية (عقبة بن ظهير) عن أبيه، عن علي رضي الله عنه،

فجعل واسطة بين عقبة وبين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 690)، من طريق عبد الرحمن (يعني ابن مهدي)، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قال: وضع اليد على اليد في الصلاة. ولم يذكر وضعها على الصدر.

وذكر الدارقطني رواية عبد الرحمن بن مهدي في العلل (4/ 99)، فقال: وقال عبد الرحمن ابن مهدي، عن حماد، عقبة بن صهبان.

فجعل مخالفة ابن مهدي إنما هي في ذكر عقبة بن صهبان، بدلًا من عقبة بن ظبيان، ولم يشر إلى أنه خالف فجعل بين عقبة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه واسطة، والله أعلم.

ولم يتفرد ابن مهدي بذكر الواسطة بين عقبة وبين علي بن أبي طالب، فقد تابعه مهران بن أبي عمر العطار.

فقد أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 690) حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران (يعني ابن أبي عمر العطار صدوق سيئ الحفظ)، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.

إلا أنه قال: عقبة بن ظهير بدلًا من عقبة بن ظبيان.

وقيل: عن عقبة بن صهبان (ثقة) عن علي رضي الله عنه على اختلاف في إسناده.

رواه حماد بن سلمة، واختلف عليه:

فرواه الحاكم (3980)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 45)، من طريق هشام بن علي، ومحمد بن أيوب، قالا: ثنا موسى بن إسماعيل،

والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 184) من طريق مؤمل بن إسماعيل، كلاهما (موسى، ومؤمل)، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن صهبان، عن علي رضي الله عنه، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قال: هو وضعك يمينك على شمالك في الصلاة.

بإسقاط أبي عاصم الجحدري.

قال البيهقي: «كذا قال شيخنا: عاصم الجحدري عن عقبة بن صهبان، ورواه البخاري في التاريخ في ترجمة عقبة بن ظبيان، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، سمع عاصمًا الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره» .

فهذا اختلاف على موسى بن إسماعيل، والبخاري مقدم على غيره، فكيف إذا رواه جماعة =

ص: 623

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

عن حماد موافقين لرواية موسى بن إسماعيل من رواية البخاري عنه.

خالفهم شيبان بن فروخ (صدوق)، فرواه عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن صهبان، عن علي رضي الله عنه، بزيادة أبي عاصم الجحدري.

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 46) من طريق أبي حريش الكلابي، حدثنا شيبان به.

وأبو حريش لقب، وكنيته أبو جعفر، واسمه: أحمد بن عيسى بن مخلد الكلابي، أخرج له البيهقي والبزار والطبراني، وأبو الشيخ الأصبهاني، ولم أقف له على توثيق.

فإذا تأملت رواية عقبة بن صهبان، فقد جاءت من ثلاثة طرق:

الطريق الأول: طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، وليس ذلك بمحفوظ، فقد رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، بما يوافق رواية الجماعة عن حماد، وذلك بجعل الحديث من رواية عقبة بن ظبيان، عن علي بن أبي طالب، وقد علمت ما في هذا الإسناد، وإذا كان هذا الإسناد وهمًا فلا يصلح للاعتبار، فيبقى لنا طريقان.

طريق مؤمل بن إسماعيل، وهو سيئ الحفظ.

وطريق شيبان بن فروخ، هو صدوق، وقد خالف مؤملًا في إسناده، لذا أرى أن الحديث ليس محفوظًا من رواية عقبة بن صهبان، وإنما المعروف أنه من رواية عقبة بن ظبيان، وهو مجهول. والله أعلم.

هذا بيان الاختلاف الواقع في رواية حماد بن سلمة.

وأما طريق يزيد بن زياد بن أبي الجعد (صدوق).

فرواه عبد الرزاق في التفسير (3718)، وابن أبي شيبة في المصنف (3941)، والنحاس في إعراب القرآن (5/ 188)، والدارقطني في السنن (1099)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 340)، عن وكيع.

والطبري في التفسير (24/ 690) من طريق محمد بن ربيعة،

والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 184) من طريق عبد الله بن داود، ثلاثتهم رووه عن يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي رضي الله عنه، في قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.

ورواه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 437)، وذكره البيهقي في السنن الكبرى (2/ 45)، من طريق حميد بن عبد الرحمن، عن يزيد بن أبي الجعد به، بلفظ: وضعها على الكرسوع.

فخالف يزيد بن أبي الجعد حمادًا في إسناده، فقال: عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، فجعله من رواية عقبة بن ظهير، بدلًا من عقبة بن ظبيان، وأسقط والد عاصم الجحدري.

كما خالفه في لفظه، فلم يذكر وضع اليدين على الصدر.

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 313): «اختلف حماد بن سلمة ويزيد بن زياد بن أبي الجعد في هذا الحديث، فقال حماد: عن عاصم الجحدرى، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن على في قوله عز وجل {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، فقال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.

ص: 624

• ونوقش من وجهين:

الوجه الأول:

أن الأثر ضعيف، وإسناده مضطرب.

الوجه الثاني:

أن المفسرين قد ذكروا في تفسير الآية ثمانية أقوال، والذي اختاره المحققون منهم أن النحر المقصود به إما مطلق الذبح بحيث يجعل صلاته وذبحه لله رب العالمين، أو المراد بالنحر: نحر البدن.

يقول ابن جرير الطبري: «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصًا دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له»

(1)

.

وقد نقل ابن جرير هذا القول أيضًا عن محمد بن كعب القرظي، وعطاء بن أبي رباح، ونقل عن ابن عباس وقتادة أن النحر: هو نحر البدن.

وعلق ابن كثير على تفسير ابن جرير، فقال:«وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي، وعطاء»

(2)

.

كما قال سبحانه وتعالى في الآية الأخرى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].

= وروى يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عاصم الجحدرى عن عقبة بن ظهير عن عليٍّ».

وقال ابن أبي حاتم أيضًا (6/ 313): عقبة بن ظبيان ويقال: عقبة بن ظهير، روى عن عليٍّ، روى عاصم الجحدري، عن أبيه، عنه.

فإن كانا شخصين أو شخصًا واحدًا، فكلاهما مجهول.

وله شاهد من حديث ابن عباس في تفسير الآية، ولا يصح أيضًا، وقد ضعفه أحمد كما في بدائع الفوائد (3/ 91)، وليس فيه وضع اليدين على الصدر، محل الشاهد؛ لهذا لم أر تخريجه في هذه المسألة، وانظر: الجامع لعلوم الإمام أحمد - علل الحديث (14/ 234).

(1)

. تفسير الإمام الطبري (24/ 696).

(2)

. تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 504).

ص: 625

ورجح ابن كثير: أن المراد بالنحر: ذبح المناسك، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد، ثم ينحر نسكه، ويقول: من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة، فلا نسك له»

(1)

.

تبين من خلال البحث ما يلي:

أن حديث وائل بن حجر منكر، تفرد به مؤمل بن إسماعيل، وخالف من هو أوثق منه، والمنكر لا يصلح للاعتبار.

وحديث هلب الطائي شاذ، والشاذ خطأ، لا يصلح للاعتبار.

وطريق محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي مسلسل بالضعفاء.

وأثر علي رضي الله عنه ضعيف، ومضطرب سندًا ومتنًا.

وأحسنها مرسل طاوس، فمن يحتجَّ بالمرسل مطلقًا، يستَقَمْ له الاحتجاج به، ومن لم يعتبرْ المرسل حجة مطلقًا -وهو الأقوى-أو يَرَهُ حجة بشرط أن يعتضد بمثله فلن يصلح له الاحتجاج بمرسل طاوس، فلا يثبت به حكمًا، والله أعلم.

دليل من قال: يضعهما تحت الصدر:

استدل الشافعية بأدلة من قال: يضعهما على صدره، كحديث وائل بن حجر، وحديث هلب الطائي، وأثر علي، ومرسل طاوس، فحملوا قوله:(على صدره) أي على مقاربته، وذلك بأن تكون اليدان تحت الصدر فوق السرة، ولأن ما تحت الصدر القلب، وهو محل الخشوع، ولا يخفى أن هذه الآثار لا تطابق المدعى.

لهذا قال الشوكاني في النَّيْلِ: «احتجت الشافعية لما ذهبت إليه بما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وصححه من حديث وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره.

وهذا الحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه؛ لأنهم قالوا: إن الوضع يكون تحت الصدر كما تقدم»

(2)

.

(1)

. المرجع السابق (8/ 503).

(2)

. نيل الأوطار (2/ 220).

ص: 626

• دليل من قال: يضعهما فوق سرته:

الدليل الأول:

(ح-1273) ما رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند، من طريق يحيى بن أبي زائدة، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد السوائي، عن أبي جحيفة،

عن علي، قال: إن من السنة في الصلاة وضع الأكف، على الأكف تحت السرة

(1)

.

[ضعيف جدًّا]

(2)

.

(1)

. المسند (1/ 110).

(2)

. فيه أكثر من علة:

العلة الأولى: زياد بن زيد السوائي: قال أبو حاتم الرازي: مجهول، الجرح والتعديل (3/ 532)، وكذا قال ابن حجر، وقال الذهبي في الكاشف: لا يعرف.

العلة الثانية: أن مداره على عبد الرحمن بن إسحاق، قال البخاري: فيه نظر. وهذا جرح شديد من الإمام البخاري. تهذيب التهذيب (2/ 486).

وقال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث.

وقال البيهقي: متروك.

العلة الثالثة: اضطراب عبد الرحمن بن إسحاق فيه:

فقيل: عنه، عن زياد بن زيد، عن أبي جحيفة، عن عليٍّ رضي الله عنه.

وقيل: عنه، عن النعمان بن سعد، عن عليٍّ رضي الله عنه.

وقيل: عنه، عن سيار أبي الحكم، عن أبي وائل، عن أبي هريرة، فجعله من مسند أبي هريرة.

وإليك بيان هذه الوجوه الثلاثة:

فقد رواه حفص بن غياث، واختلف على حفص:

فرواه محمد بن محبوب (ثقة) كما في سنن أبي داود (756)،

ونعيم بن حماد (صدوق يخطئ كثيرًا) كما في أحكام القرآن للطحاوي (327)، كلاهما عن حفص بن غياث، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد، عن أبي جحيفة، أن عليًّا رضي الله عنه، قال: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة.

خالفهما أبو كريب محمد بن العلاء كما في سنن الدارقطني (1103)، ومن طريقه البيهقي (2/ 48).

وأبو سعيد الأشج كما في الخلافيات للبيهقي ت فريق البحث بشركة الروضة (1486)، فروياه عن حفص بن غياث، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي رضي الله عنه، أنه كان يقول: إن من سنة الصلاة وضع اليمين على الشمال تحت السرة. =

ص: 627

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

والحمل في هذا الاختلاف على عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وقد عرفت ما فيه.

وقد رواه يحيى بن زائدة كما في زوائد عبد الله بن أحمد على المسند (1/ 110)، وسنن الدارقطني (1102)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 48)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (771).

وأبو معاوية كما في مصنف ابن أبي شيبة (3945، 3998)، وسنن الدارقطني (1102)، والأوسط لابن المنذر (3/ 94)، كلاهما (أبو معاوية، ويحيى بن زائدة)، عن عبد الرحمن ابن إسحاق، عن زياد بن زيد السوائي، عن أبي جحيفة، عن عليٍّ رضي الله عنه، بمثل رواية حفص بن غياث من رواية محمد بن محبوب، ونعيم بن حماد عنه.

خالف كل هؤلاء عبد الواحد بن زياد (ثقة في حديثه عن الأعمش مقال)، فرواه عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سيار أبي الحكم، عن أبي وائل، قال: قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة.

رواه أبو داود (758)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 186)، والدارقطني في السنن (1098)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 94)، والبيهقي في الخلافيات (1487)، من طريق عن عبد الواحد بن زياد به.

والحديث ذكره النووي في الخلاصة (1/ 358، 359)«من فصل الضعيف، وقال: اتفقوا على تضعيفه؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، منكر الحديث، مجمع على ضعفه» .

وقد روي عن علي بن أبي طالب بإسناد أمثل من هذا مخالفًا لرواية عبد الرحمن بن إسحاق.

فقد رواه أبو داود (757) من طريق أبي بدر (شجاع بن الوليد) عن أبي طالوت عبد السلام، عن ابن جرير الضبي، عن أبيه، قال: رأيت عليًّا يمسك شمالَه بيمينه على الرُّسغ فوق السرة.

وابن جرير الضبي اسمه غزوان، روى عنه يحيى بن سعيد القطان كما في التمهيد (15/ 311) بإسناد صحيح، وروى عنه أبو طالوت عبد السلام ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يعرف توثيقه عن غيره، ورواية ابن القطان عنه، وتخريج البخاري له معلقًا بصيغة الجزم ترفع عنه الجهالة، وفي التقريب: مقبول.

وأبوه جرير الضبي روى عنه اثنان: ابنه وأبو الحكم، ذكر ذلك مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (3/ 189)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الميزان: لا يعرف، وفي التقريب: مقبول.

والأثر قد رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3112) حدثنا وكيع،

والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 211)، قال: قال لي أبو نعيم: كلاهما عن عبد السلام بن شداد به، بلفظ: أن عليًّا كان إذا سلم، لا يبالي انصرف على يمينه، أو على شماله.

ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 45) من طريق مسلم بن إبراهيم: حدثنا عبد السلام بن أبي حازم: ثنا غزوان بن جرير، عن أبيه؛ أنه كان شديد اللزوم لعلي بن أبي طالب، قال: كان عليٌّ إذا قام إلى الصلاة فكبر، ضرب بيده اليمنى على رسغه الأيسر، فلا يزال كذلك حتى يركع إلا أن يحكَّ جلدًا، أو يُصلِح ثوبه، فإذا سلَّم: سلَّم عن يمينه: سلام عليكم، ثم يلتفت عن شماله، فيحرِّك شفتيه، فلا ندري ما يقول، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا نعبد إلا إياه، ثم يقبل على القوم بوجهه، فلا يبالي عن يمينه انصرف، أو عن شماله. قال البيهقي: هذا إسناد حسن.

وعلَّقه البخاري بصيغة الجزم في صحيحه من كتاب العمل في الصلاة، باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة، قبل ح (1198)، قال البخاري: ووضع عليٌّ كفَّه على رسغه الأيسر، إلا أن يحكَّ جلدًا، أو يُصلِح ثوبًا.

وهذا ذهاب من البخاري إلى صحة هذا الأثر عن علي، وحسن الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 443)، إلا أن أبا بدر شجاع بن الوليد قد انفرد بذكر وضع اليد فوق السرة عند أبي داود، وهو صدوق له أوهام، وكل من رواه عن عبد السلام لم يذكر هذا الحرف فيه، فأخشى ألا يكون محفوظًا، والله أعلم.

ص: 628

الدليل الثاني:

(ث-295) ما رواه أبو داود من طريق عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن ابن إسحاق الكوفي، عن سيار أبي الحكم، عن أبي وائل، قال:

قال أبو هريرة: أخْذُ الأكُفِّ على الأكُفِّ في الصلاة تحت السرة

(1)

.

[منكر]

(2)

.

• دليل من قال بالتخيير:

الثابت من السنة وضع اليمنى على الشمال في الصلاة، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، ومن بعدهم: يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة. اهـ

وقد ثبت ذلك من حديث سهل بن سعد عند البخاري، وأما تعيين المحل الذي يكون فيه الوضع من البدن فلم يثبت فيه شيء، وإذا لم تكن السنة صحيحة صريحة تقوم بها الحجة فإن ذلك لم يكن عن غفلة، ولا نسيان -تعالى الله- وإنما أراد الشارع من ذلك التوسعة على العباد، فإن شاء وضعهما تحت الصدر فوق السرة، وإن شاء وضعهما تحت السرة.

(1)

. سنن أبي داود (758).

(2)

. سبق تخريجه ولله الحمد ضمن طرق أثر عليٍّ رضي الله عنه، والاختلاف فيه على عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي.

ص: 629

يقول ابن المنذر في الأوسط: «

ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن شاء وضعهما تحت السرة، وإن شاء فوقها»

(1)

.

* * *

(1)

. الأوسط (3/ 94).

ص: 630