الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب
المدخل إلى المسألة:
• لا يوجد دليل من لغة، أو عرف، أو شرع على وجوب تسميع المصلي نفسه، والأصل عدم الاشتراط.
• الواجب النطق، والإسماع قدر زائد على النطق.
• النطق محله اللسان، وأما سماع ذلك فهو فعل الأذن، ولا علاقة للأذنين في القراءة.
[م-482] اتفق العلماء على أنه يشترط أن يحرك لسانه وشفتيه بالحروف، وينطق بها، فلو أجراها على قلبه من دون تحريك لسانه، لم تنعقد صلاته.
واختلفوا في اشتراط إسماع المصلي نفسه بتكبيرة الإحرام والأقوال والقراءة الواجبة:
فقيل: يشترط أن يسمع نفسه إن كان صحيح السمع، ولا عارض عنده من لغط ونحوه، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة
(1)
.
(1)
. حاشية ابن عابدين (1/ 452، 475)، تبيين الحقائق (1/ 127)، البحر الرائق (1/ 356)، بدائع الصنائع (1/ 162)، العناية شرح الهداية (1/ 330)، مراقي الفلاح (ص: 84)، مجمع الأنهر (1/ 104)، روضة الطالبين (1/ 229)، فتح العزيز (2/ 268)، المهذب للشيرازي (1/ 136)، المجموع (3/ 295)، مغني المحتاج (1/ 345)، نهاية المحتاج (1/ 535)، أسنى المطالب (1/ 144)، الإنصاف (2/ 44)، شرح منتهى الإرادات (1/ 185)، كشاف القناع (1/ 332)، الهداية على مذهب أحمد (ص: 81)، الكافي (1/ 243).
والحنابلة - عفا الله عنهم - فرقوا بين الصلاة والطلاق، فقالوا في الصلاة لا بد أن يسمع نفسه، وقالوا: إذا طلق في لسانه طلقت، فقد نقل ابن هانئ عن أحمد: إذا طلق في نفسه لا يلزمه ما لم يتلفظ به، أو يحرك لسانه، قال في الفروع: وظاهره ولو لم يسمعه.
…
انظر: الفروع (9/ 51)، الإنصاف (8/ 498)، مسائل عبد الله بن أحمد (1332)، شرح منتهى الإرادات (3/ 92)، مسائل حرب الكرماني (1/ 477).
وقيل: لا يشترط، بل يكفيه أن يحرك لسانه بالحروف وإن لم يسمع نفسه، اختاره الكرخي من الحنفية، وظاهر قول محمد بن الحسن، والمذهب عند المالكية، ورجحه ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة
(1)
.
• دليل من قال: لا يشترط:
الدليل الأول:
لا يوجد دليل من لغة، أو عرف، أو شرع على وجوب تسميع المصلي نفسه، والأصل عدم الاشتراط.
الدليل الثاني:
(ح-1190) ما رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، عن العلاء، عن أبيه،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثًا غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك .... وذكر الحديث
(2)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (اقرأ بها في نفسك) أي في سرك، وليس المراد: اقرأ بها في قلبك؛ لأن هذا لا يجزئ بالإجماع، ولا يعتبر هذا قراءة؛ ولهذا اتفقوا على أن الجُنُبَ لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئًا للقرآن.
(1)
. إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 277)، المنتقى للباجي (1/ 157)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 345)، مختصر خليل (ص: 31)، التاج والإكليل (2/ 212)، شرح الخرشي (1/ 269)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 237)، حاشية الصاوي (1/ 309)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 107)، الفروع (2/ 166)، كشاف القناع (1/ 332)، مطالب أولي النهى (1/ 423)، الإنصاف (2/ 44).
قال ابن قاسم في حاشيته (2/ 19): واختار الشيخ -يعني ابن تيمية- الاكتفاء بالحروف، وإن لم يسمعها، وهو وجه في المذهب، وقدمه في الفروع، ومال إليه في الإنصاف، واختاره الكرخي وغيره».
(2)
. صحيح مسلم (395).
قال الباجي في المنتقى: «القراءة في النفس: هي بتحريك اللسان بالتكلم، وإن لم يسمع نفسه سرًّا»
(1)
.
الدليل الثالث:
أن الواجب هو النطق بالتكبير والقراءة، وكذا كل قول واجب، والإسماع قدر زائد على النطق؛ لأن النطق محله اللسان، وأما سماع ذلك فهو فعل الأذن، ولا علاقة للأذنين في القراءة.
• دليل من قال: يشترط أن يسمع نفسه:
الدليل الأول:
قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205].
قال الرازي: «{وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} : المراد منه: أن يقع ذلك الذكر بحيث يكون متوسطًا بين الجهر والمخافتة، كما قال تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]
(2)
.
فالمراد أن يكون الصوت فوق الإسرار ودون الجهر، وأقله إسماع النفس.
• ويناقش:
أما قوله: قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205].
فليست الآية في قراءة الصلاة، لأن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يذكره، في قلبه، وأن يذكره أيضًا في لسانه، وذكر القلب وإن كان مطلوبًا خارج الصلاة وذلك بأن يستحضر معاني أسماء الله وآياته وآلائه ليكمل للعبد خوف الله وخشيته والإنابة إليه إلا أنه في الصلاة لا يكفي، فلو ذكر المصلي ربه في صلاته في قلبه فقط، فقرأ القرآن في نفسه، وقال التكبيرات والأذكار الواجبة في نفسه ولم يحرك بها لسانه لم يسقط الواجب عنه بالإجماع، فتبين أن الآية ليست في الصلاة.
(1)
. الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني (1/ 4)، المحيط البرهاني من الفقه النعماني (1/ 296)، المنتقى (1/ 157)، أعلام الموقعين - تحقيق مشهور (5/ 351).
(2)
. تفسير الرازي (15/ 444)، وانظر تفسير القرطبي (7/ 355).
وأما الاستدلال بقوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]
(1)
.
فلا تدل على تحريم الإخفات إلا إذا دلت على تحريم الجهر بالصلاة، فإذا كان الجهر بالصلاة ليس محرمًا، لم يكن الإخفات محرمًا إذا حرك لسانه بالقراءة والذكر الواجب، والله أعلم.
الدليل الثاني:
أن المصلي إذا لم يسمع نفسه ولم يكن لقراءته صوت لم يصدق عليه أنه قرأ، وإذا كان لا بد من الصوت، فالصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه نفسه، فإذا لم يسمع نفسه لم يحصل علم ولا ظن بحصول شرط الصلاة.
• ويناقش:
بأن القول: بأنه إذا لم يكن لقراءته صوت لم يصدق عليه أنه قرأ هذه دعوى في محل النزاع، فأين البينة على هذه الدعوى؟
والدعاوَى ما لم تقيموا عليها
…
بيناتٍ أبناؤها أدعياءُ.
• الراجح:
أن تحريك اللسان بالتكبير وكذا كل ذكر واجب يكفي ولو لم يسمع نفسه، والله أعلم.
* * *
(1)
. تفسير الرازي (15/ 444)، وانظر تفسير القرطبي (7/ 355).