الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد
المدخل إلى المسألة:
• شرعت الإقامة لاستنهاض الحاضرين لفعل الصلاة.
• جمل الإقامة من أولها إلى آخرها دعوة للقيام للصلاة.
• تحري القيام للصلاة عند جملة معينة دون غيرها من جمل الإقامة؛ لا دليل عليه.
• لم يأت في الشرع نص صريح في توقيت القيام، والأصل عدم التوقيت.
• قال مالك: لم أسمع في ذلك بحد يقام له، إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل، والخفيف، ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد.
• من قام أول الإقامة، أو في أثنائها، أو بعدها وقبل تكبيرة الإحرام فقد أجاب الدعوة.
• هل تعتبر المبادرة في القيام من المسارعة في فعل الطاعة، والابتعاد عن التشبه بمن قال الله فيهم:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} ؟ [النساء: 142].
[م-469] اختلف العلماء في موضع قيام المأموم من الإقامة إذا كان الإمام في المسجد:
فقيل: يقوم إذا قال المؤذن: الله أكبر، وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وجماعة من السلف
(1)
.
وقيل: يقوم إذا قال المؤذن حي على الفلاح، وهذا مذهب الحنفية
(2)
.
(1)
. التمهيد (9/ 192)، الاستذكار (1/ 391)، الأوسط لابن المنذر (4/ 166)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 557)، فتح الباري لابن رجب (5/ 418)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 279).
(2)
. اتفق على هذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، انظر: المبسوط (1/ 39)، حاشية ابن عابدين (1/ 479)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 44)، ملتقى الأبحر (ص: 136)، بدائع الصنائع (1/ 200)، المحيط البرهاني (1/ 353)، تبيين الحقائق (1/ 108).
قال محمد بن الحسن كما في الأصل (1/ 18): «إذا كان الإمام معهم في المسجد فإني أحب
لهم أن يقوموا في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح .... ».
وقيل: يقوم إذا قال المقيم: قد قامت الصلاة، وهذا مذهب الحنابلة، وبه قال زفر والحسن بن زياد من الحنفية
(1)
.
وقيل: يستحب ألا يقوم أحد حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، وهو مذهب الشافعي
(2)
.
وقيل: لا حد لذلك، فإن شاء قام في أولها، أو في أثنائها، أو في آخرها، أو بعد الفراغ منها، فلا يحد القيام بحد، وإنما ذلك على قدر طاقة الناس، ويختلف ذلك باختلافهم قوة وضعفًا، وهذا مذهب المالكية
(3)
.
قال ابن يونس في الجامع «قال مالك: وليس في سرعة القيام للصلاة بعد الإقامة حد، ولا وقت، وذلك على قدر طاقة الناس؛ لأن فيهم القوي والضعيف»
(4)
.
• دليل من قال: يقوم إلى الصلاة إذا شرع في الإقامة:
الإقامة إعلام بإقامة الصلاة، وهي دعوة بِرٍّ وفلاح، والمبادرة بالقيام تدخل في المسارعة بفعل الخيرات، قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90].
قال عمر بن عبد العزيز: «إذا سمعت النداء بالإقامة فكن أول من أجاب»
(5)
.
وقد ذم الله المنافقين بقوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142].
• دليل الحنفية على أن وقت القيام إذا قال: حي على الفلاح:
الدليل الأول:
(ح-1160) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عاصم،
(1)
. مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 45)، ورواية ابنه أبي الفضل (2/ 480)، ومسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 503)، الإنصاف (2/ 38، 39)، شرح منتهى الإرادات (1/ 182)، كشاف القناع (1/ 327)، مطالب أولي النهى (1/ 414)، المغني (1/ 332)، الكافي لابن قدامة (1/ 242)، بدائع الصنائع (1/ 200).
(2)
. شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 103)، المهذب (1/ 134)، البيان للعمراني (2/ 159)، تحفة المحتاج (2/ 322)، مغني المحتاج (1/ 500)، نهاية المحتاج (2/ 206).
(3)
. التهذيب في اختصار المدونة (1/ 231)، مواهب الجليل (1/ 469)، شرح الخرشي (1/ 237)، الشرح الكبير (1/ 200)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 256)، شرح الزرقاني على خليل (1/ 291)، الذخيرة (2/ 78)،.
(4)
. الجامع لمسائل المدونة (2/ 464).
(5)
. الاستذكار (1/ 391).
عن أبي عثمان، قال: قال بلال: يا رسول الله لا تسبقني بآمين
(1)
.
[مرسل، على اختلاف في إسناده، وقد رجح أبو حاتم والدارقطني وابن خزيمة والبيهقي إرساله]
(2)
.
وجه الاستدلال:
لو كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكبر إلا بعد فراغ بلال من الإقامة ما خاف بلال أن يسبق بفاتحة الكتاب فضلًا أن يسبق بآمين، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في حال الإقامة.
• وأجيب:
بأنه مرسل، والمرسل ليس بحجة.
• ورد الحنفية:
بأن المرسل حجة عندنا، وعند الجمهور.
الدليل الثاني:
أن قول المؤذن: (حي على الفلاح) دعاء إلى ما به فلاحهم، وأَمْرٌ بالمسارعة إليه، فلا بد من الإجابة إلى ذلك، ولن تحصل الإجابة إلا بالفعل وهو القيام إليها،
فإن قيل: كان ينبغي أن يقوموا عند قوله: (حي على الصلاة) فإنه دعاء إليها أيضًا.
فالجواب: إنما منعهم عن القيام كي لا يكون قوله: (حي على الفلاح) لغوًا؛ لأن من وجدت منه المبادرة إلى شيء فدعاؤه إليه بعد تحصيله إياه لغو من الكلام.
الدليل الثالث:
ولأن قوله: (قد قامت الصلاة) إخبار عن قيام الصلاة، لا عن القيام إليها، وقوله:(قد قامت الصلاة) محمول على الحقيقة: وذلك يعني وجود فعلها، والكلام إذا أمكن حمله على الحقيقة لم يحمل على غيره، ولا تقوم الصلاة إلا إذا سبق ذلك القيام إليها، ولا يتحقق ذلك إلا إذا قاموا عند قوله: حي على الفلاح.
• دليل من قال: لا توقيت في القيام:
الدليل الأول:
لم يَأْتِ في الشرع نص صريح في التوقيت، والأصل عدم التوقيت.
(1)
. المسند (6/ 12).
(2)
. سبق تخريجه، انظر ح (174).
قال مالك: لم أسمع في ذلك بحد يقام له، إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف، ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد
(1)
.
وعلى هذا ينبغي أن ينتهي آخرهم قيامًا عند الفراغ من الإقامة واستواء الصفوف، ليدخل في الصلاة مباشرة بعد فراغ الإمام من تكبيرة الإحرام.
الدليل الثاني:
(ح-1161) ما رواه البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني وعليكم بالسكينة
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن النهي عن القيام استعملت معه (حتى) الغائية، فالنهي عن القيام ينتهي عند رؤية الإمام فهو نص في تسويغ القيام للصلاة عند رؤية الإمام، وهو مطلق، لم يقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، فإذا رأى المأموم الإمام أذن له بالقيام، فإن شاء قام في أول الإقامة، وإن شاء في وسطها، وإن شاء في آخرها، ومن المعلوم أن المؤذن لا يقيم حتى يرى الإمام.
(ح-1162) لحديث جابر بن سمرة، قال: كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه.
رواه مسلم من طريق زهير، حدثنا سماك بن حرب، عن جابر
(3)
.
ورؤية بلال للإمام بمنزلة رؤية بقية المصلين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، ولا يلزم منها رؤية الجميع.
• دليل من قال: لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة:
قالوا: إذا كان الدخول في الصلاة لا يشرع قبل الفراغ من الإقامة، فلا معنى للقيام قبل ذلك، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: لا تقوموا حتى تروني، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج
(1)
. الموطأ (2/ 70).
(2)
. صحيح البخاري (638)، وصحيح مسلم (604).
(3)
. صحيح مسلم (606).
عقب الإقامة، هكذا قالوا.
• ويناقش:
بأنه وإن لم يكن وقتًا للدخول في الصلاة، فهو وقت للاستعداد لها، وتسوية الصفوف حتى إذا فرغ المؤذن تكون الصفوف كلها أو أكثرها قد تعدلت.
• دليل من قال: يستحب له القيام عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة:
الدليل الأول:
(ح-1163) روى البزار في مسنده، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا حجاج بن فروخ، عن العوام بن حوشب،
عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان بلال إذا قال: قد قامت الصلاة نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير.
قال البزار: لا نعلمه إلا عن ابن أبي أوفى بهذا الإسناد
(1)
.
[ضعيف جدًّا]
(2)
.
الدليل الثاني:
(ث-270) روى ابن المنذر في الأوسط، قال: وحدثونا عن الحسن بن
(1)
. مسند البزار (3371)، وانظر كشف الأستار (520).
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 35) من طريقين عن حجاج بن فروخ به.
(2)
. في إسناده حجاج بن فروخ، قال أبو حاتم: مجهول، وضعفه النسائي، وقال الدارقطني: متروك، وذكر هذا الحديث لأحمد، فأنكره أحمد، وقال: العوام لم يَلْقَ ابن أبي أوفى. انظر فتح الباري لابن رجب (5/ 419).
وقال البيهقي: هذا لا يرويه إلا حجاج بن فروخ، وكان يحيى بن معين يضعفه.
وجاء في سؤالات ابن الجنيد لابن معين (796): «قلت ليحيى: الحجاج بن فروخ؟ قال: لا أعرفه. قلت يروي عن العوام بن حوشب، عن ابن أبي أوفى، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال بلال: قد قامت الصلاة، نهض، فكبر. قال: لا أعرفه، من حدثكم عنه؟ قلت: عاصم بن علي، قال: عاصم بن علي ليس بشيء» . اهـ
وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 170): «لا يثبت حديث ابن أبي أوفى
…
لأن الذي رواه الحجاج بن فروخ، وهو شيخ مجهول، والعوام بن حوشب لم يسمع من ابن أبي أوفى».
وحكم عليه ابن حزم في المحلى بالوضع (3/ 33).
وقال الذهبي في الميزان (1/ 464): هذا حديث منكر جدًّا.
عيسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال:
أخبرنا أبو يعلى، قال: رأيت أنس بن مالك إذا قيل: قد قامت الصلاة وثب
(1)
.
[رجاله ثقات إلا أن ابن المنذر أبهم شيوخه الذين حدثوه عن الحسن بن عيسى].
الدليل الثالث:
(ث-271) ما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن ابن جريج قال: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد،
عن حسين بن علي بن أبي طالب قال: ورأيته في حوض زمزم الذي يسقى الحاج فيه، والحوض يومئذٍ بين الركن وزمزم، فأقام المؤذن بالصلاة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قام حسين، وذلك بعد وفاة معاوية، وأهل مكة لا إمام لهم، فقال له: اجلس حتى يصف الناس فيقول: قد قامت الصلاة
(2)
.
[صحيح]
(3)
.
إلا أنه ليس بصريح، فقد يكون سعى لقرب الفراغ من الإقامة، فلن يبلغ الصف إلا وقد فرغ المؤذن من الإقامة.
الدليل الرابع:
(ث-272) ما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن عبيد الله،
عن عطية قال: كنا جلوسًا عند ابن عمر فلما أخذ المؤذن في الإقامة قمنا، فقال ابن عمر: اجلسوا فإذا قال: قد قامت الصلاة فقوموا
(4)
.
[ضعيف جدًّا]
(5)
.
(1)
. الأوسط لابن المنذر (4/ 166).
(2)
. المصنف (1937).
(3)
. رواه عبد الرزاق (1938).
(4)
. مصنف عبد الرزاق (1/ 506).
(5)
. في إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، رجل متروك، كل بلاء فيه.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (4100)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (4/ 166)، عن ابن عيينة، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد، عن حسين بن علي بنحو أثر ابن عمر.
وفي بعضها (عبد الله بن أبي يزيد) والصواب: أنه بلفظ التصغير: عبيد الله بن أبي يزيد المكي، مولى قارظ بين شيبة الكناني، حليف لبني زهرة، وليس صريحًا أنه عنى لفظ (قد قامت الصلاة)، فيحتمل أنه عنى الإقامة كلها.
ولأن قول المؤذن: (قد قامت الصلاة) خبر بمعنى الأمر، ومقصوده الإعلام ليقوموا، فتستحب المبادرة إلى القيام امتثالًا للأمر، وتحصيلًا للمقصود
(1)
.
• الراجح:
أقرب الأقوال هو قول المالكية، وأن الأمر واسع، ولا يُتَحَرَّ القيامُ عند لفظ معين من الإقامة لعدم ثبوت الدليل بذلك، وإنما الإقامة كلها من أولها إلى آخرها دعوة لاستنهاض الحاضرين للقيام إلى الصلاة، ودعوة لمن كان خارج المسجد للمشي إليها بسكينة ووقار، والله أعلم.
* * *
(1)
. المغني (1/ 332)، الكافي لابن قدامة (1/ 242).