الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام
الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد
المدخل إلى المسألة:
• شُرعت الإقامة لاستنهاض الحاضرين لفعل الصلاة.
• من قام أول الإقامة، أو في أثنائها، أو بعدها وقبل تكبيرة الإحرام فقد أجاب الدعوة.
• جمل الإقامة من أولها إلى آخرها دعوة للقيام للصلاة، فلا يَتَحَرَّ المصلي القيام عند جملة معينة من جمل الإقامة لعدم الدليل.
• هل تعتبر المبادرة في القيام من المسارعة في فعل الطاعة، والابتعاد عن التشبه بمن قال الله فيهم:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} ؟ [النساء: 142].
[م-468] اختلف العلماء في موضع القيام من الإقامة إذا أقيمت الصلاة، والإمام ليس في المسجد:
فقيل: إذا أقيمت الصلاة، والإمام ليس في المسجد لم يقوموا حتى يروه، وبه قال الحنفية والشافعية، والحنابلة، وداود الظاهري، قال ابن حجر: هذا قول الجمهور
(1)
.
جاء في مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود: «قلت لأحمد: إن كان الإمام لم يَأْتِ بعد؟ قال: لا يقومون حتى يروه»
(2)
.
(1)
. الأصل للشيباني (1/ 18)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 78)، المبسوط (1/ 39)، عمدة القارئ (5/ 154)، الاستذكار (1/ 392)، التمهيد (9/ 190)، فتح الباري (2/ 120)، مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 45).
(2)
. مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 45).
وقيل: يقومون عند قوله: (قد قامت الصلاة)، سواء أرأوا الإمام أم لم يروه، وسواء أكان الإمام في المسجد، أم قريبًا منه أم لا، وهو رواية عن أحمد
(1)
.
وقال مالك في الموطأ: «وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له، إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف، ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد»
(2)
.
وظاهر قول مالك أنه لا فرق سواء أكان الإمام في المسجد أم لا.
• وحجة الجمهور:
الدليل الأول:
(ح-1154) ما رواه البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني وعليكم بالسكينة
(3)
.
وفي رواية لمسلم: حتى تروني قد خرجت
(4)
.
فالحديث نهي عن القيام قبل رؤيته عليه الصلاة والسلام، وتسويغ للقيام عند رؤيته، وهو مطلق، غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة.
الدليل الثاني:
(ح-1155) روى أبو داود، قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري، أخبرنا
(1)
. الإنصاف (2/ 38)، الفروع (2/ 28).
وقال الأثرم نقلًا من الاستذكار (1/ 393): «قلت لأحمد بن حنبل في حديث أبي قتادة عن النبي عليه السلام (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني): أتذهب إليه؟
قال: أنا أذهب إلى حديث أبي هريرة، قال خرج علينا رسول الله وقد أقمنا الصفوف، فأقبل يمشي حتى أتى مقامه فذكر أنه لم يغتسل، إسناده جيد، ورواه الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ولا أدفع حديث أبي قتادة».
(2)
. الموطأ (2/ 70).
(3)
. صحيح البخاري (638)، وصحيح مسلم (604).
(4)
. صحيح مسلم (604).
أبو عاصم، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة،
عن سالم أبي النضر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد، إذا رآهم قليلًا جلس لم يُصَلِّ، وإذا رآهم جماعة صلى
(1)
.
[مرسل، وقد خولف في لفظه]
(2)
.
وإذا كانت الصلاة قد تقام ولا تعقبها الصلاة، لم يقم الناس بمجرد الإقامة حتى يروا الإمام قد تقدم للصلاة، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يقوموا بمجرد سماع الإقامة حتى يروا النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثالث:
أن بلالًا لم يكن يقيم الصلاة حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم.
(ح-1156) فقد روى مسلم من طريق زهير، حدثنا سماك بن حرب،
عن جابر بن سمرة، قال: كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه
(3)
.
ورؤية بلال للإمام بمنزلة رؤية بقية المصلين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، ولا يلزم منها رؤية الجميع.
الدليل الرابع:
ولأن الموالاة بين الإقامة والصلاة ليست شرطًا.
(ح-1157) فقد روى البخاري من طريق عبد العزيز بن صهيب،
عن أنس بن مالك، قال: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلًا في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم
(4)
.
قال ابن رجب: «وظاهر هذه الرواية يدل على أنه صلى بالإقامة السابقة، واكتفى بها»
(5)
.
(1)
. سنن أبي داود (545).
(2)
. سبق تخريجه، انظر ح (110).
(3)
. صحيح مسلم (606).
(4)
. صحيح البخاري (642)، مسلم (376).
(5)
. فتح الباري (5/ 440).
ويدل نومهم أنهم كانوا ينتظرونه جلوسًا بعد أن أقيمت الصلاة؛ إذ لو كانوا قيامًا ينتظرون الصلاة ما ناموا.
وقد تقدم بحث مسألة الموالاة بين الأذان والإقامة، فارجع إليها بوركت.
وقد يقال: إن هذا أمر عارض، عرض لحاجة، لا يؤخذ منه حكم على سبيل الدوام.
• حجة من قال: يقوم الناس إذا أقيمت الصلاة ولو لم يروا الإمام:
الدليل الأول:
(ح-1158) بما رواه البخاري من طريق الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن أبي هريرة، قال: أقيمت الصلاة، فسوى الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم
…
الحديث
(1)
.
ورواه مسلم من طريق يونس، عن ابن شهاب به، بلفظ: أقيمت الصلاة، فقمنا، فعدلنا الصفوف، قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... الحديث
(2)
.
• وأجيب عن هذا:
أما الجواب عن تعارض حديث أبي هريرة: (أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته)، وبين حديث جابر بن سمرة (أن بلالًا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم.
فيجمع بينهما بما قاله القرطبي: بأن بلالًا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا، فلا يقوم النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم.
قال الحافظ ابن حجر: ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف
(3)
.
(1)
. صحيح البخاري (640).
(2)
. صحيح مسلم (606).
(3)
. رواه عبد الرزاق في المصنف (1942)،
…
ورواه أبو داود في المراسيل (90) من طريق ابن وهب، كلاهما (عبد الرزاق، وابن وهب) عن ابن جريج به. وهذا وإن كان رجاله ثقات إلا أنه مرسل، ومراسيل الزهري فيها كلام.
وأما الجواب عن تعارض حديث أبي هريرة لحديث أبي قتادة:
فيقال في الجواب: إن السبيل إما الجمع وإما الترجيح، وإذا أمكن الجمع بلا تكلف لا يصار إلى الترجيح:
فالترجيح أن يقال: إن قوله: (لا تقوموا حتى تروني) سنة قولية، والسنة القولية مقدمة على السنة الفعلية؛ لأن الفعل يحتمل احتمالات كثيرة بخلاف القول.
ولأن قوله: (لا تقوموا) ورد بصيغة النهي، وحديث أبي هريرة حكاية فعل، والفعل لا عموم له، ولا يلزم تكراره، وله وجوه كثيرة من الاحتمالات، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)
(1)
.
وأما وجه الجمع، فيقال:
يحتمل أنهم في أول الأمر كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة قبل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء في حديث أبي هريرة، بناء على الإباحة الأصلية، ثم جاء النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة فقال لهم:(لا تقوموا حتى تروني) على وجه الرفق بهم؛ لاحتمال أن يتأخر عنهم، فيطول عليهم الانتظار، فيكون النهي ناقلًا عن الإباحة إلى كراهة القيام.
ويحتمل أن حديث أبي هريرة جاء لبيان الجواز، وأن النهي عن القيام حتى يروه ليس على سبيل الإلزام والحتم، بل على وجه الرفق به؛ لئلا ينتظروه قيامًا، فمن قام قبل رؤيته لا يعتبر عاصيًا باعتبار أن هذا من الآداب
(2)
.
الدليل الثاني:
أن المؤذن يقول في إقامته (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة)، وهذه الجملة هي الجملة الوحيدة التي لا توجد في جمل الأذان، ومنها سميت الإقامة
(1)
. صحيح البخاري (7288)، وصحيح مسلم (412 - 1337).
(2)
. فتح الباري لابن رجب (5/ 414)، شرح البخاري لابن بطال (2/ 266)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 706)، فتح الباري (2/ 120).
بالإقامة، وهو إعلام من المؤذن بقرب إقامتها، وقد عبر بالماضي لتحقق وقوعه، فتأخير القيام إلى الصلاة بعد سماع الإقامة يؤدي إلى وجود فاصل طويل بين الإقامة والصلاة، كما أنه يخالف ما أخبر به المؤذن، ولأن الإقامة تراد للدخول في الصلاة، لهذا اشترط الجمهور أن تكون متصلة بها.
• ويناقش:
أن هذا نظر في مقابل النص، فيكون فاسدًا، وقد يقال: إن الإقامة إعلام بقرب الدخول في الصلاة، فلا ينافيها وجود الفاصل، وهي عبادة مستقلة، قائمة بذاتها، ليست جزءًا من الصلاة، وصحة الصلاة ليست متوقفة على فعلها، وإن شرعت لها، وفعلها قبل الصلاة كافٍ في الامتثال، سواء أكانت متصلة أم منفصلة، والله أعلم.
والقول بأن المولاة بين الإقامة والصلاة شرط هذا غير مسلم، والأدلة الصحيحة الصريحة على خلافه، وإنما تؤخذ الشروط من نصوص الشارع، فإذا لم يوجد ما يدل على الشرطية فالأصل عدم الاشتراط، كيف وقد وجد ما يدل على نفي الشرطية، كما في حديث أنس، وأبي هريرة، وقد بحثت مسألة الموالاة، فارجع إليها في موضعها، ولله الحمد.
• الراجح:
الأصل أن الإقامة تكون بإذن الإمام، وأن المؤذن لا يقيم إلا بإذنه.
(ث-269) فقد روى عبد الرزاق عن الثوري، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال: علي رضي الله عنه: المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة
(1)
.
[صحيح].
(ح-1159) وروى البخاري من طريق أبي حازم بن دينار،
عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي
(1)
. المصنف (1836).
للناس فأقيم؟ قال: نعم
…
الحديث وهو قطعة من حديث طويل
(1)
.
فإذا كان وقت إقامة الصلاة إلى الإمام لم يقم الصلاة إلا بإذنه مع وجوده، وإذا حانت الصلاة، وهو غائب، انتظر قليلًا فإن حضر، وإلا أقام المؤذن الصلاة للناس، وقيامهم بحسب نشاطهم وخفتهم، وصلى المؤذن بالناس إن كان أهلًا لذلك، أو قدم من يصلي بهم، كما قدم الصحابة رضي الله عنهم عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك، ولم ينتظروا قدومه، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم: أحسنتم، وقدم بلال أبا بكر حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح البخاري (684).