المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائما فيما يشترط فيه القيام - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ١

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الباب الأول في صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة

- ‌المبحث الثاني لا يستحب دعاء خاص للخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الثالث في الوقت الذي يجب الذهاب فيه للصلاة

- ‌المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار

- ‌المبحث الخامس في كراهة التشبيك بين الأصابع إذا خرج إلى الصلاة

- ‌المبحث السادس في استحباب كثرة الخطا في الذهاب للصلاة

- ‌الفرع الأول في اختيار المسجد الأبعد طلبَا لكثرة الخطا

- ‌الفرع الثاني في استحباب مقاربة الخطا

- ‌الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد

- ‌الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج

- ‌الفصل الثاني في استحباب الذكر الوارد لدخول المسجد

- ‌المبحث الأول في استحباب الاستعاذه

- ‌المبحث الثاني في استحباب التسمية والدعاء بالمغفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لدخول المسجد

- ‌المبحث الثالث في صلاة ركعتين قبل الجلوس

- ‌المبحث الرابع لا تشرع التحية لمن أدخل يده أو رأسه فقط

- ‌المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول

- ‌المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث

- ‌المبحث السابع في فوات تحية المسجد بالجلوس

- ‌المبحث الثامن في حكم تحية المسجد

- ‌المبحث التاسع في منزلة تحية المسجد من السنن

- ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

- ‌المبحث الحادي عشر اختصاص التحية بالمسجد

- ‌المبحث الثاني عشر صلاة تحية المسجد في وقت النهي

- ‌المبحث الثالث عشر في اشتراط النية لتحية المسجد

- ‌المبحث الرابع عشر في حصول تحية المسجد في أقل من ركعتين

- ‌المبحث الخامس عشر في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب

- ‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

- ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

- ‌الفرع الثاني إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة

- ‌الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد

- ‌الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد

- ‌الفصل الثالث في وقت تكبير الإمام بالصلاة

- ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

- ‌الباب الرابع في أحكام تكبيرة الإحرام

- ‌توطئه

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني في شروط تكبيرة الإحرام

- ‌الشرط الأول أن تقع تكبيرة الإحرام مقارنة للنية حقيقة أو حكمًا

- ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

- ‌المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا

- ‌المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع

- ‌الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها

- ‌مبحث في تنكيس التكبير

- ‌الشرط الرابع أن يكون التكبير متواليًا

- ‌الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب

- ‌الشرط السادس أن تكون التحريمة بالعربية من القادر عليها

- ‌الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى

- ‌الشرط الثامن في اشتراط القدرة على التكبير

- ‌الباب الخامس أحكام القيام في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم القيام

- ‌الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة

- ‌الفصل الثالث في قدر القيام

- ‌الفصل الرابع في صفة القيام

- ‌الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام

- ‌الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي

- ‌المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة

- ‌المبحث الثاني افتتح النافلة قائمَا فأراد الجلوس من غير عذر

- ‌المبحث الثالث يسقط القيام بالعجز

- ‌المبحث الرابع ضابط العجز المسقط للقيام

- ‌المبحث الخامس سقوط القيام بالخوف

- ‌المبحث السادس في سقوط القيام من أجل المحافظة على الطهارة

- ‌المبحث السابع في المراوحة بين القدمين في الصلاة

- ‌المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام

- ‌الفصل السابع في موضع النظر أثناء الصلاة

- ‌المبحث الأول في النظر إلى السماء أثناء الصلاة

- ‌المبحث الثاني في موضوع نظر المصلي في اثناء الصلاة

- ‌المبحث الثالث في موضوع نظر المصلي حال الركوع والسجود والجلوس

- ‌الفصل الثامن في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

- ‌المبحث الأول في مشروعية رفع اليدين

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌الفرع الأول في صفة رفع الأصابع

- ‌الفرع الثاني في صفة رفع الكفين

- ‌الفرع الثالث في منتهى الرفع

- ‌الفرع الرابع في رفع المرأة يديها في الصلاة

- ‌الفرع الخامس في ابتداء وقت الرفع وانتهائه

- ‌الفرع السادس في وضع اليدين بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام

- ‌مسألة في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى

- ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

- ‌الفرع الثامن في وقت القبض

- ‌الفرع التاسع في صفة وضع اليدين

الفصل: ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائما فيما يشترط فيه القيام

‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

المدخل إلى المسألة:

• تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة.

• ما كان القيام شرطًا في صحة الصلاة كان القيام شرطًا في صحة التحريمة.

• تصح تكبيرة الإحرام من القاعد في صلاة النفل؛ لأن القيام ليس شرطًا في صحته.

• متى انحنى بحيث يكون إلى حد الركوع أقرب لم يكن قائمًا.

• لو كبَّر للتحريمة، وهو في حد الركوع لا تقبل تكبيرته، ولو كبَّر قبل الخروج عن حد القيام صحت.

[م-475] يشترط للإمام والفذ والمأموم غير المسبوق أن يأتي بتكبيرة الإحرام في صلاة الفرض قائمًا مع القدرة، فإن ابتدأها غير قائم، أو أتمها غير قائم لم تصح فرضًا بلا خلاف

(1)

.

فخرج بشرط الفرض: صلاة النفل، فتصح تكبيرة الإحرام من القاعد، ولو كان قادرًا على القيام.

وخرج بشرط القدرة العاجز؛ لسقوط فرض القيام بالعجز، ومثله الخائف.

وقولنا: (قائمًا) قال الجمهور: أي في حد القيام قبل أن يصل إلى حد الركوع،

(1)

. قال في النهر الفائق شرح كنز الدقائق (1/ 194): «واعلم أنه يشترط في التحريمة كونه قائمًا» . وانظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 52)، مراقي الفلاح (ص: 83)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 218).

وقال الخرشي في شرحه لخليل (1/ 264): القيام لتكبيرة الإحرام في الفرض للقادر غير المسبوق، فلا يجزئ إيقاعها جالسًا، أو منحنيًا». وانظر: الاستذكار (1/ 97)، المنتقى للباجي (1/ 144)، إكمال المعلم (2/ 561).

ص: 329

فلا يضر الانحناء اليسير خلافًا للمالكية، فإن ظاهر إطلاقهم لا يجزئ إيقاع تكبيرة الإحرام منحنيًا مطلقًا من المنفرد والإمام والمأموم غير المسبوق

(1)

.

قال في الثمر الداني: «يشترط في التكبير القيام لغير المسبوق اتفاقًا، فإن تركه في الفرض، بأن أتى به جالسًا أو منحنيًا، أو مستندًا لعماد بحيث لو أزيل لسقط بطلت صلاته»

(2)

.

[م-476] واختلفوا في المسبوق إذا أدرك الإمام راكعًا، هل يشترط القيام لتكبيرة الإحرام؟ على قولين:

فقيل: القيام شرط كالمنفرد والإمام، فلا بد من وقوع جميع تكبيرة الإحرام في حد القيام، وقبل الوصول إلى حد الركوع، فكل ما قبل حد الركوع فهو من جملة القيام، فلو وقعت تكبيرة الإحرام، أو جزء منها في حد الركوع لم تجزئه، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وأحد القولين في مذهب المالكية، على خلاف بينهم في حد القيام

(3)

.

(1)

. قال في الفواكه الدواني (1/ 176): وتجب تكبيرة الإحرام على المأموم كما تجب على الإمام والفذ إلا القيام لها، فإنه يجب في حق الإمام، والفذ، والمأموم غير المسبوق .... ».

(2)

. الثمر الداني (ص: 102)، الشرح الكبير للدردير (1/ 231).

(3)

. انظر في مذهب الشافعية: المجموع (3/ 297) و (4/ 214)، نهاية المطلب (2/ 127)، تحفة المحتاج (2/ 365).

وانظر في مذهب الحنابلة: المغني (1/ 363)، المبدع (2/ 49)، الإنصاف (2/ 224).

وجاء في المدونة (1/ 161): «قال مالك فيمن دخل مع الإمام في صلاته فنسي تكبيرة الافتتاح، قال: إن كان كبر للركوع ينوي بذلك تكبيرة الافتتاح أجزأته صلاته» .

وقد اختلف أصحاب مالك في تأويل ما قاله مالك في المدونة، فقال ابن يونس وعبد الحق وصاحب المقدمات: إنما يصح هذا إذا كبر للركوع وهو قائم.

ويشكل على هذا قول مالك في المدونة (1/ 162): ولا ينبغي للرجل أن يبتدئ في صلاته بالركوع، وذلك يجزئ من خلف الإمام. فمفهومه: أن للمأموم أن يبتدئ صلاته بالركوع.

وقال الباجي وابن بشير: يصح وإن لم يكبر إلا وهو راكع؛ لأن التكبير للركوع إنما يكون في حال الانحطاط، فعلى التأويل الأول: يجب القيام لتكبيرة الإحرام على المسبوق، وهو المشهور. وعلى الثاني يسقط عنه. هكذا ساق الدسوقي ثمرة الخلاف في حاشيته (1/ 231)، وانظر: التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة (1/ 148)، التبصرة للخمي (1/ 260).

وقال ابن عطاء الله كما في التوضيح لخليل (1/ 482): «إذا لم يكبر، وهو راكع، ولم يحصل شيء من تكبيره حال القيام فلا إشكال أنه لا يعتد بهذه الركعة» .

فجعل ابن عطاء الله الخلاف في انعقاد الصلاة، لا في نفي الاعتداد بالركعة، قال الحطاب في مواهب الجليل (2/ 133): ظاهره -يعني كلام ابن عطاء الله- أن الخلاف في انعقاد الصلاة بذلك التكبير الذي في حال الركوع باقٍ، وإنما نفى الاعتداد بالركعة نفسها، وهو ظاهر. اهـ

وقد أثبت الخلاف القرافي قال في الذخيرة نقلًا عن صاحب الطراز (2/ 171): «ولو ذكر، وهو راكع، فكبر للإحرام، فقد أخطأ، ويلغي تلك الركعة، ويقضيها بعد سلام الإمام.

وقال ابن المواز: تجزئه، قال: وكذلك إذا ذكر، وهو ساجد، فكبر للإحرام. وأنكره بعض الأصحاب بناء على أن من شرط الإحرام القيام، قال: والذي قاله محمد ظاهر، فإنهِ عليه السلام لم يشترط مع الإحرام قيامًا، وإنما القيام ركن في الركعة، فإذا لم تبطل لفواته لا تبطل لذهابه من الإحرام».

ص: 330

فقيل: الحد الفاصل بين حد القيام وحد الركوع بحيث لو مد يديه وكان معتدل الخلقة لا تنال يداه ركبتيه، فإن مست يداه ركبتيه فقد خرج من حد القيام إلى حد الركوع، فلا تجزئه تكبيرة الإحرام، وبه قال الحنفية والحنابلة في المعتمد، وهو وجه عند الشافعية

(1)

.

قال النووي نقلًا عن أبي محمد في التبصرة: «إن وقع بعض تكبيرته في حال ركوعه لم تنعقد فرضًا، وإن وقع بعضها في انحنائه، وتمت قبل بلوغه حد الراكعين انعقدت صلاته فرضًا؛ لأن ما قبل حد الركوع من جملة القيام، ولا يضر الانحناء اليسير، قال: والحد الفاصل بين حد الركوع وحد القيام: أن تنال راحتاه ركبتيه لو مد يديه، فهذا حد الركوع وما قبله حد القيام

هذا كلام الشيخ أبي محمد وهو وجه ضعيف»

(2)

.

قال ابن قدامة: «عليه أن يأتي بالتكبيرة منتصبًا، فإن أتى بها بعد أن انتهى في الانحناء إلى قدر الركوع أو ببعضها، لم يجزه؛ لأنه أتى بها في غير محلها، إلا في النافلة»

(3)

.

(1)

. قال في الجوهرة النيرة (1/ 50): «وحد القيام: أن يكون بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه» . وانظر: البحر الرائق (1/ 308)، حاشية ابن عابدين (1/ 444، 452، 480)، النهر الفائق (1/ 194)، الإنصاف (2/ 60)، الإقناع (1/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 194)، كشاف القناع (1/ 347)، شرح الزركشي (1/ 556).

(2)

. المجموع شرح المهذب (3/ 297).

(3)

. المغني (1/ 363).

ص: 331

وقال الشافعية واختاره المجد من الحنابلة: الحد الفاصل بين حد القيام وحد الركوع أنه متى انحنى، فكان إلى القيام أقرب منه إلى الركوع فهو في حد القيام، فإن كان إلى الركوع أقرب لم يكن قائمًا، ولا تصح تكبيرته

(1)

.

قال النووي: «والأصح أنه متى انحنى بحيث يكون إلى حد الركوع أقرب لم يكن قائمًا ولا تصح تكبيرته»

(2)

.

وقال الخطيب: «الانحناء السالب: أن يصير إلى الركوع أقرب كما في المجموع، ومقتضاه: أنه لوكان أقرب إلى القيام، أو استوى الأمران صح، وهو كذلك»

(3)

.

فالخلاف بين الشافعية وبين الحنفية والحنابلة: إنما هو في حد القيام، وليس في أصل القول، فهم متفقون أنه لو كبَّر، وهو في حد الركوع لا تقبل تكبيرته، ولو كبَّر، قبل الخروج عن حد القيام صحت، والخلاف وقع بينهم في توصيف حد القيام وحد الركوع.

وقد يقال: إن الخلاف بين القولين خلاف لفظي، فإنه متى نالت يداه ركبتيه، فإنه إلى الركوع أقرب منه إلى القيام، وقبل ذلك فهو أقرب إلى القيام منه إلى الركوع، فيلتقي القولان، والله أعلم.

• وجه قول الشافعية:

أن حد القيام يفارق حد الركوع، والانحناء هو بينهما، فما كان أقرب إلى أحدهما ألحق به، فإن كان إلى الانتصاب أقرب اعتبر قائمًا، وإلا اعتبر راكعًا، فإن استوى الأمران فالأصل أنه لم ينتقل من القيام.

القول الثاني:

تنعقد صلاة المأموم إذا كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الافتتاح، فإن كبر في حال

(1)

. فتح العزيز (3/ 284)، المجموع (3/ 297)، تحفة المحتاج (2/ 150)، نهاية المحتاج (1/ 466)، مغني المحتاج (1/ 349)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 130)، الإنصاف (2/ 60)، الإقناع (1/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 194)، كشاف القناع (1/ 347)، شرح الزركشي (1/ 556). .

(2)

. المجموع شرح المهذب (3/ 297).

(3)

. مغني المحتاج (1/ 349).

ص: 332

القيام وأتمها فيه صحت بلا خلاف، وإن ابتدأها في القيام، وأتمها حال انحطاطه بلا فصل بين أجزائه، ناويًا بها الإحرام ففيها قولان في مذهب مالك: الإجزاء بناء على أنه لا يجب على المسبوق أن يقف قدر تكبيرة الإحرام، وعدمه: بناء على وجوب ذلك

(1)

.

وإن ابتدأها حال الانحطاط وأتمها فيه أو بعده، أو لم يكبر إلا وهو راكع، ولم يحصل شيء من تكبيره حال القيام، فلا يعتد بهذه الركعة، قاله ابن عطاء الله، والأصح انعقاد صلاته.

وإن نوى بها تكبيرة الركوع ناسيًا تكبيرة الإحرام تمادى مع الإمام وأعاد، وهو أحد القولين في مذهب المالكية

(2)

.

(1)

. قال خليل في مختصره (ص: 31): «فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام، وقيام لها إلا لمسبوق فتأويلان» .

قال الدردير في الشرح الكبير (1/ 231) شارحًا عبارة خليل: «فلا يجزي إيقاعها -يعني التحريمة- جالسًا أو منحنيًا (إلا لمسبوق) ابتدأها حال قيامه، وأتمها حال الانحطاط، أو بعده بلا فصل كثير (فتأويلان) في الاعتداد بالركعة وعدمه .. » .

قال الدسوقي في حاشيته معلقًا على قوله: (فتأويلان)(1/ 231): «عج ومن تبعه (يقصد علي الأجهوري) جعلوا ثمرة هذين التأويلين ترجع للاعتداد بالركعة وعدمه مع الجزم بصحة الصلاة، وهو الذي يفهم مما في التوضيح عن ابن المواز ونحوه للمازري عنه.

وأما ح (يقصد: الحطاب) فجعل ثمرة التأويلين ترجع لصحة الصلاة وبطلانها، وهو الذي يتبادر من المؤلف، وكثير من الأئمة كأبي الحسن وغيره، لكن ما ذكره عج أقوى».

(2)

. حاشية الدسوقي (1/ 231، 348)، التاج والإكليل (2/ 206)، الخرشي (1/ 264)، منح الجليل (1/ 242)، المنتقى للباجي (1/ 144، 145)، النوادر والزيادات (1/ 344، 345)، أسهل المدارك (1/ 281)، المقدمات الممهدات (1/ 173)، التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 485)، مواهب الجليل (2/ 132، 133)، التمهيد لابن عبد البر (7/ 74)، مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة (1/ 231).

وقد جمع وجوه الاختلاف محمد بن أحمد ميارة في الدر الثمين والمورد المعين (ص: 391)، فقال: إذا دخل المسبوق فوجد الإمام راكعًا فدخل معه، ولم يخص الإحرام بتكبيرة فله خمسة أوجه:

الأول: أن يدخل من غير تكبير أصلًا: أي لم يكبر، لا للركوع ولا للافتتاح حتى ركع الإمام ركعة، وركعها معه، ثم ذكر فإنه يبتدئ التكبير، ويكون الآن داخلًا في الصلاة، ويقضي ركعة بعد الإمام، ولا يعلم في هذا الوجه خلاف، إلا ماحكي عن مالك، أن الإمام يحمل عن

المأموم تكبيرة الإحرام كالفاتحة، وهي رواية شاذة.

الوجه الثاني: أن يكبر للركوع ناويًا بها الإحرام، قال في التهذيب: وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الإحرام، قال: كبر للركوع، ونوى بها تكبيرة الإحرام، قال: أجزأته، وأشار بعض الشيوخ إلى تخريج هذه المسألة على من نوى بغسله الجنابة والجمعة، وهذا إذا أوقع التكبير في حال قيامه، واختلف: إذا كبر في حال انحطاطه، ونوى بذلك الإحرام على قولين بالإجزاء وعدمه، فالإجزاء: مبني على أنه لا يجب على المأموم أن يقف قدر تكبيرة الإحرام.

وعدمه: على وجوب ذلك عليه، أما إن لم يكبر، إلا وهو راكع، ولم يحصل شيء من تكبيره في حال القيام فلا إشكال أنه لا يعتد بهذه الركعة قاله ابن عطاء الله.

الوجه الثالث: أن يكبر للركوع غير ناوٍ لتكبيرة الإحرام، ناسيًا لها، فمذهب المدونة وهو المشهور أنه يتمادى مع الإمام، ولا يقطع، ويعيد صلاته احتياطًا؛ لأنها تجزئه عند ابن المسيب وابن شهاب، ولا تجزئه عند ربيعة، وهل تماديه وجوبًا أو استحبابًا قولان، وكذلك اختلف في الإعادة، هل على الوجوب، أو الندب، قولان

وهل من شروط تماديه أن يكون كبر في حال القيام، أم لا؟ قولان. أما لو كبر للركوع وهو ذاكر للإحرام متعمدًا لما أجزأته صلاته بإجماع، قاله في المقدمات.

الوجه الرابع: إذا كبر ونوى الإحرام والركوع معًا، فقال في النكت: تجزئه كما لو اغتسل غسلًا واحدًا للجنابة والجمعة.

الوجه الخامس: أن يكبر ولا ينوي تكبيرة الإحرام، ولا الركوع، فقال ابن رشد في الأجوبة: صلاته مجزئة؛ لأن التكبيرة التي كبرها تنضم مع النية التي قام بها إلى الصلاة؛ إذ يجوز تقديم النية قبل الإحرام بيسير». اهـ

ص: 333

قال ابن يونس: «إنما يصح ذلك لو كبر للركوع في حال قيامه، وأما لو كبر ذاكرًا، وهو راكع فلا تجزئه تلكم الركعة، نوى بتكبيرة الركوعِ الإحرامَ أم لا؛ لأن قيامه الأول كان في غير صلاة عند ربيعة، وفرض المأموم من القيام قدر تكبيرة الإحرام، فقد أسقطه، ودخل الصلاة بالركوع» .

قال ابن المواز: وإن ذكر، وهو راكع، ولم يكن كبَّر لركعته فليتم، ويحرم، وإن كبر راكعًا فَلْيَقْضِ ركعة بعد سلام الإمام؛ لأنه ترك أن يكبر للإحرام قائمًا عامدًا، وإنما يجزئ فيها تكبيرة الركوع عند سعيد إذا تركها ساهيًا، فوجب أن يقضى تلك الركعة باتفاق»

(1)

.

(1)

. الجامع لمسائل المدونة (2/ 470).

ص: 334

فتحصل من الخلاف بين أصحاب مالك:

إن لم يحصل شيء من التكبير حال القيام فلا يعتد بهذه الركعة، وأما انعقاد الصلاة فعلى قولين: أحدهما لا تنعقد، وفاقًا للجمهور.

والثاني: تنعقد الصلاة، ويقضي تلك الركعة.

وأما إذا ابتدأ التكبير حال القيام، وأتمه حال الهوي أو بعده إلى الركوع فالخلاف فيها على قولين أيضًا، أحدهما: لا تنعقد الصلاة فرضًا، وفاقًا للجمهور.

والثاني: تنعقد، ويعتد بتلك الركعة.

• دليل الجمهور على اشتراط القيام مطلقًا لتكبيرة الإحرام:

الدليل الأول:

أن تكبيرة الإحرام من فرائض الصلاة القولية التي لا تقبل إلا إذا فعلت في محلها، وهو القيام، فإن أتى بها أو ببعضها حال الركوع لم يجزه؛ لأنه أتى بها في غير محلها، فهو كما لو أتى بالتشهد حال القيام أو الركوع، أو قرأ الفاتحة مكان التشهد، فكل قول في الصلاة قيل في غير محله فكأنه لم يفعل.

قال ابن نجيم: «

لأن الافتتاح لا يصح إلا في حالة القيام»

(1)

.

الدليل الثاني:

أن التداخل بين تكبيرة الافتتاح وبين تكبيرة الركوع إذا قيل به، فإنما هو في دخول الأدنى تحت الأعلى، وليس العكس، فتكبيرة الافتتاح أعلى من تكبيرة الركوع، فهي ركن أو شرط، بخلاف تكبيرة الركوع فهي عند الجمهور من السنن، وعند الحنابلة من الواجبات، وعلى القولين فهي أدنى من تكبيرة الافتتاح، وهذا لا يجعل تكبيرة الركوع تقوم مقام الافتتاح؛ لأن الأدنى لا يقوم مقام الأعلى، فإذا نوى سنة مطلقة لم تتدخل معها الراتبة؛ لكون الراتبة أعلى منها، وإذا نوى الراتبة لم تتدخل معها الفريضة؛ لكون الفريضة أعلى من الراتبة، وإذا اشترطنا لسقوط تكبيرة الركوع أن يكبر بنية التحريمة، فإنما تصح التكبيرة إذا فعلت في محلها، وهو حد

(1)

. البحر الرائق (1/ 308).

ص: 335

القيام، لا إذا فعلت في غير محلها، فكل قول في الصلاة قيل في غير محله فكأنه لم يفعل.

• وجه قول المالكية المخالف لقول الجمهور:

أما وجه الصحة إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح،

فمن أصحاب مالك من أرجع المسألة إلى مسألة خلافية: بماذا يدخل في الصلاة؟

فقال: تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة على الصحيح، ويدخل بالصلاة بأول حرف من تكبيرة الإحرام، فإذا افتتح التكبير قائمًا فلا يضره أن يتم التكبير منحنيًا أو راكعًا.

بخلاف من جعل تكبيرة الإحرام سببًا للدخول في الصلاة، فإنه لا يدخله في الصلاة حتى يتحقق سبب الدخول، لذا رأى وجوب أن يتمها قائمًا

(1)

.

وأما من ابتدأ التكبير حال الركوع أو بعده فقد بطلت تلك الركعة اتفاقًا.

وأما تأويل صحة الصلاة على أحد القولين فمحل خلاف:

فقيل: لما حصل القيام في الركعة التالية للأولى، فكأن الإحرام حصل حال قيامها، فتكون أول صلاته

(2)

.

وهذا التأويل لو كان صحيحًا لم يكن هناك فرق بين الإمام والمنفرد وبين المأموم.

وقيل في تأويل الصحة: الفرق هو أن المأموم يتحمل الإمام عنه تكبيرة الافتتاح كما يتحمل عنه قراءة الفاتحة، وهي ركن، وهذا الذي أوجب الفرق بين المنفرد والإمام وبين المأموم.

وهذا القول وإن كان أقوى من غيره إلا أنه لا يسلم من النظر: لأن حمل الإمام فرع عن صحة صلاة المأموم، وحين كبر المأموم للإحرام في غير محله لم تصح صلاته، فكيف يتصور فساد الركعة لفساد التحريمة، ولا يتصور فساد الصلاة لفساد التحريمة.

ومنهم من وجَّه الصحة: بأن الإمام والفذ والمأموم غير المسبوق لا يمكنهم ابتداء الصلاة بالركوع، فوجب عليهم أن تكون تكبيرة الإحرام كلها حال القيام، بخلاف المسبوق، فإن له أن يبتدئ صلاته من الركوع، كما لو أدرك الإمام راكعًا، فإذا سقط القيام عن المسبوق سقط عنه اشتراط إتمام تكبيرة الإحرام حال القيام، كما سقطت عنه قراءة الفاتحة، وهي فرض، فيكفيه أن يبتدئ التكبيرة حال القيام،

(1)

. انظر الذخيرة للقرافي (2/ 169)، وانظر: لوامع الدرر في هتك أسرار المختصر (2/ 60).

(2)

. انظر لوامع الدرر في هتك أسرار المختصر (2/ 60).

ص: 336

ولا يضره إتمامها في أثناء الهُوِيِّ، أو بعده، فاشتراط أن يقول جميع تكبيرة الإحرام قائمًا يؤدي إلى وجوب قدر من القيام عليه، وقد سقط عنه

(1)

.

وأما وجه القول بالتمادي والإعادة إذا نوى بها تكبيرة الركوع:

فقد صرح الإمام مالك في المدونة أنه ذهب إلى هذا من أجل مراعاة الخلاف بين قول ربيعة الرأي وقول سعيد بن المسيب.

فالأمر بالإعادة جاء مراعاة لقول ربيعة: إنها لا تجزئه.

والأمر بالتمادي جاء مراعاة لقول ابن المسيب: إنها تجزئه لئلا يبطل عملًا اخْتُلِفَ في إجزائه

(2)

.

وقد بين أصحاب الإمام مالك وجه قول كل واحد منهما:

فوجه قول ابن المسيب: أن الإحرام من الأقوال، فوجب أن يحمله الإمام، أصله قراءة أم القرآن، ولأن الأقوال أخف من الأفعال.

ووجه قول ربيعة: أن الإحرام فرض، كالركوع والسجود والسلام، فلم يجز أن يحمل ذلك عنه الإمام، والفرق بين الإحرام وقراءة القرآن: أن الأصل أن لا يحمل الإمام عن المأموم فرضًا، فخصت السنة أن يحمل الإمام قراءة القرآن، وبقي ما سواها من فرائض الصلاة على أصله

(3)

.

قال ابن رشد في المقدمات: «وقد روى ابن وهب وأشهب عن مالك أنه استحب للمأموم إذا لم يكبر للإحرام، ولا للركوع إعادة الصلاة، ولم يوجب ذلك، وقال: أرجو أن يجزئ عنه إحرام الإمام، وهو شذوذ في المذهب»

(4)

.

وقال القاضي عياض: «رواية ابن وهب عن مالك: أن تحريم الإمام يجزئ

(1)

. انظر: التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة للقاضي عياض (1/ 148)، وما بعدها.

(2)

. قال مالك كما في المدونة (1/ 162): المدونة (1/ 162): «أحب له في قول سعيد: أن يمضي؛ لأني أرجو أن يجزئ عنه، وأحب له في قول ربيعة أن يعيد احتياطًا» .

وانظر: شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 300).

رحم الله الإمام مالكاً كم كان يراعي خلاف العلماء في عصره.

(3)

. الجامع لمسائل المدونة (2/ 469)، وانظر اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر (ص: 118).

(4)

. المقدمات الممهدات (1/ 149).

ص: 337

فيها عن المأموم، وكله خلاف المشهور»

(1)

.

ولعل الإمام مالكاً لم يتبين له الصواب من الخلاف، فاعتبر الاحتياط من الجهتين، فلم يخرجه من الصلاة، وفي نفس الوقت أمره بالإعادة.

وقد روى أشهب عن مالك، أنه إذا نسي تكبيرة الإحرام خلف الإمام حتى صلى بعض صلاته، قال: أرى الاحتياط إعادة الصلاة، ولا أدري أذلك عليه أم لا؟

(2)

.

فرواية ابن وهب وأشهب عن مالك تشعرك بأن الإمام لم يكن يجزم بالصواب من قولي ربيعة وسعيد بن المسيب.

وإذا علمت أن قول سعيد بن المسيب هو في الناسي دون المتعمد، ضاق الخلاف بين قول الإمام مالك والجمهور.

قال ابن رشد في المقدمات: ولو كبر للركوع، وهو ذاكر للإحرام متعمدًا لما أجزأته صلاته بإجماع

(3)

.

وقد سبق لك أن من قال: إن سعيد بن المسيب والزهري يقولان: إن تكبيرة الإحرام سنة، فلذلك حملها الإمام، قال ابن يونس في الجامع: ليس ذلك بصحيح، ولو كانت سنة لاستوى في نسيانها الإمام والفذ والمأموم، ولم يُبْطِل نسيانُها على أحد منهم صلاته

(4)

.

وقد انتقد ابن عبد البر رحمه الله اختلاف أصحاب الإمام مالك في هذه المسألة، قال في الاستذكار:«وقد اضطرب أصحابه في هذه المسألة اضطرابًا كثيرًا ينقض بعضه ما قد أصلوه في إيجاب تكبيرة الإحرام، ولم يختلفوا في وجوبها على المنفرد والإمام كما لم يختلفوا أن الإمام لا يحمل فرضًا من فروض الصلاة عمن خلفه، فقف على هذا كله من أصولهم يتبيَّن لك وجه الصواب إن شاء الله»

(5)

.

(1)

. التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة (1/ 149).

(2)

. اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر (ص: 118).

(3)

. المقدمات (1/ 172).

(4)

. الجامع لابن يونس (2/ 469).

(5)

. الاستذكار (1/ 424).

ص: 338

• الراجح:

القول باشتراط أن يفتتح التكبيرة قائمًا أقوى من قول من يرى أن تكبيرة الافتتاح يمكن أن يقولها حال الركوع، وأضعف الأقوال من قال: لو كبر بنية الركوع أغنى عن التحريمة، ويبقى الاجتهاد في الترجيح: أيدخل في الصلاة بمجرد شروعه بتكبيرة الافتتاح قائمًا، ولو وقع بعضها في أثناء الهوي، أم لا بد أن يتم تكبيرة الافتتاح حال القيام، ولا يصح له الانتقال إلا بعد إتمامها، وهل يقسم الهوي إلى ثلاثة أقسام: ما كان إلى القيام أقرب فهو في حكم القائم، وما كان إلى الركوع أقرب فهو في حكم الراكع، وما بينهما، هذا الذي لم يتبين لي القطع به، والأحوط ألا ينتقل إلا بعد إتمام التكبيرة، خروجًا من خلاف العلماء، والمسألة ليست بالسهلة، فشأن الصلاة عظيم، ولا يغامر الإنسان في ركن الإسلام العملي الأعظم، والله أعلم.

* * *

ص: 339