الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام
المدخل إلى المسألة:
• لم يرد في التفريق والضم سنة مرفوعة، ولو كانت من سنة الصلاة لجاءت بها السنة الواضحة.
• ثبت عن الصحابة تفريق القدمين وضمهما، فدل على أن الأمر واسع.
• الأصل فيما لم يرد في صفته نص صحيح أن يكون المصلي على طبيعته؛ ولا ينتقل عنه إلا بتوقيف.
• ضم القدمين فيه مشقة وتكلف كالمبالغة في تفريجهما.
[م-498] كره الحنفية والشافعية إلصاق إحدى القدمين بالأخرى إذا قام في صلاته، واستحب الحنابلة التفريق بينهما
(1)
.
قال الحنفية: ينبغي أن يكون بينهما مقدار أربع أصابع اليد، وبه قال بعض الشافعية
(2)
.
وقال أكثر الشافعية: يسن أن يفرق بين قدميه بشبر خلافًا لقول الأنوار: بأربع
(1)
. حاشية ابن عابدين (1/ 444)، مراقي الفلاح (ص: 98)، نور الإيضاح ونجاة الأرواح في الفقه الحنفي (ص: 56)، البناية شرح الهداية (2/ 219)، روضة الطالبين (1/ 234)، المجموع (3/ 266)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 21)، نهاية المحتاج (1/ 467)، أسنى المطالب (1/ 146)، المغني (2/ 9)، الكافي لابن قدامة (1/ 286)، الإنصاف (2/ 69)، شرح منتهى الإرادات (1/ 210)، كشاف القناع (1/ 372)، مطالب أولي النهى (1/ 480)، شرح العمدة لابن تيمية - صفة الصلاة (ص: 45).
جاء في المجموع (3/ 266): «ويكره أن يلصق القدمين بل يستحب التفريق بينهما» .
(2)
. مراقي الفلاح (ص: 98)، حاشية ابن عابدين (1/ 444).
أصابع
(1)
.
وكره المتقدمون من المالكية إقران القدمين معًا في القيام، واقتصر عليه خليل في مختصره
(2)
.
واختلف المتأخرون في حقيقته:
فقيل: ضم القدمين معًا سواء أَعْتَمَدَ عليهما معًا، أم راوح بينهما، فإذا فرق بينهما فلا كراهة، وهذا التفسير موافق لقول الجمهور.
وقيل: المكروه التزام الاعتماد على القدمين معًا بصفة دائمة، سواء أكان ذلك مع تفريق القدمين أم كان ذلك مع ضمهما، بحيث يرى أن ذلك من سنة الصلاة، فإن فعل أحدهما (التفريق أو الضم) ولم يعتقد أن ذلك من سنة الصلاة، أو لم يعتمد عليهما دائمًا، بأن كان متى شاء رَوَّح واحدة، وأقام على الأخرى فهذا جائز بلا كراهة، سواء أَفَرَّقَ بينهما أم ضمهما، فالأمر واسع، يفعل من ذلك ما يسهل عليه، وهذا القول تفرد به المالكية
(3)
.
قال اللخمي في التبصرة: «إلصاق القدم بالقدم في الصلاة، والتفريق بينهما في الصلاة واسع على قدر ما تيسر»
(4)
.
يقصد بذلك أنه لا يعتقد أن ذلك من سنة الصلاة التي ينبغي عليه التزامها.
(1)
. تحفة المحتاج (2/ 21)، حاشية الجمل (1/ 338)، نهاية المحتاج (1/ 465)، أسنى المطالب (1/ 146).
(2)
. ذكر خليل في مختصره (ص: 34) من مكروهات الصلاة إقران القدمين. قال الزرقاني في شرحه (1/ 387): «أشعر اقتصاره على كراهة إقرانهما بجواز تفريقهما على أن صاحب الطراز قال: تفريق القدمين: أي توسيعهما على خلاف المعتاد قِلَّةَ وقار، فيكره كإقرانهما، وإلصاقهما زيادة تنطع، فيكره» .
وقال في ضوء الشموع شرح المجموع (1/ 367): «قوله: (وإقرانهما) بأن يجعل حظهما من القيام واحدًا دائمًا، وكذلك يكره تفريجهما على خلاف المعتاد على الظاهر» .
(3)
. حاشية الدسوقي (1/ 254)، منح الجليل (1/ 271)، مواهب الجليل (1/ 550، 551)، الخرشي (1/ 293)، التاج والإكليل (2/ 262، 263)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 105).
(4)
. تبصرة اللخمي (1/ 297).
• دليل من قال: يكره إلصاق القدمين:
الدليل الأول:
(ث-284) فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا وكيع، عن عيينة بن عبد الرحمن، قال:
كنت مع أبي في المسجد، فرأى رجلًا يصلي صَافًّا بين قدميه، فقال: ألزق إحداهما بالأخرى! لقد رأيت في هذا المسجد ثمانية عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت أحدًا منهم فعل هذا قط
(1)
.
[حسن].
وهذا الدليل وإن كان عدميًّا فإنه يصلح دليلًا في العبادات على عدم المشروعية؛ لأن الأصل في العبادة المنع، فلو كانت هذا الفعل من صفات الصلاة لفعلها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني:
(ح-1214) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ميسرة عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، قال:
خرج عبد الله من داره إلى المسجد، وإذا رجل يصلي صافًّا بين قدميه، فقال عبد الله: أما هذا فقد أخطأ السنة، ولو راوح بين قدميه كان أحب إليَّ
(2)
.
[رجاله ثقات، ورواية أبي عبيدة عن أبيه في حكم المتصل]
(3)
.
ومن خالف السنة في العبادة فأقل ما يقال عن فعله: إنه مكروه؛ لأنه هو المتيقن، وقد يقع في الحرام، ولكن لا قائل بتحريم ضم القدمين.
الدليل الثالث:
(ث-285) روى حرب، قال: حدثنا أبو حفص، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن نافع،
(1)
. المصنف (7063).
(2)
. المصنف (7062).
(3)
. سبق تخريجه (1212).
عن ابن عمر قال: لا تقارب، ولا تباعد
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
الدليل الرابع:
أن الأصل فيما لم يرد في صفته نص صحيح أن يكون المصلي على طبيعته؛ ولا ينتقل عنه إلا بتوقيف، فتكون المسافة بين القدمين كالمسافة بين المنكبين، فضم القدمين فيه مشقة وتكلف كالمبالغة في تفريجهما.
ولقد كان الصحابي يلزق منكبه بمنكب أخيه، وكعبه بكعبه، وهذه الصفة لا تجتمع مع ضم القدمين.
(ح-1215) فقد روى البخاري من طريق زهير، عن حميد،
عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه
(3)
.
• دليل من قال: ذلك واسع يفعل ما سهل عليه:
الدليل الأول:
لم يرد في التفريق والضم سنة مرفوعة، ولو كانت من سنة الصلاة لجاءت بها السنة الواضحة. ثبت عن الصحابة تفريق القدمين وضمهما، فدل على أن الأمر واسع.
الدليل الثاني:
أن الآثار الواردة عن الصحابة يدل على أن الأمر واسع، فهذا ابن عمر صح عنه أنه قال: لا تقارب، ولا تباعد
(4)
.
وسبق تخريجه في المسألة السابقة.
(ث-286) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا ابن مهدي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: رأيت ابن عمر يصلي صافًّا بين قدميه
(5)
.
(1)
. بدائع الفوائد (3/ 87).
(2)
. سبق تخريجه، انظر ث (283).
(3)
. صحيح البخاري (725).
(4)
. بدائع الفوائد (3/ 87).
(5)
. المصنف (7074).
[صحيح]
(1)
.
(ث-287) وروى أحمد كما في كتاب العلل لابنه، قال: قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا حسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة قال: رأيت بن الزبير قائمًا في الصلاة قد صف قدميه
(2)
.
[صحيح، وروي عن ابن الزبير مرفوعًا، ولا يصح]
(3)
.
•ونوقش هذا:
بأن التفريق صريح الدلالة من جهتين بخلاف الصف.
(1)
. ورواه ابن البغوي في الجعديات (1523) من طريق أبي عامر العقدي، وأبي داود (الطيالسي)، ووهب، قالوا: أخبرنا شعبة به.
(2)
. العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (1623).
(3)
. رجاله ثقات، وهو موقوف، ورواه ابن سعد كما في الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (530) أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا الحسن بن صالح به.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير (2539) من طريق سعيد بن يحيى بن الحسن بن عثمان ابن عبد الرحمن بن عوف، قال: أخبرني جدي قال: رأيت عبد الله بن الزبير إذا صلى صف قدميه، وضمهما.
والحسن بن عثمان مجهول، لم يَرْوِ عنه إلا حفيده سعيد بن يحيى بن الحسن.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (7071)، حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، قال: أخبرني من رأى ابن الزبير يصلي، قد صف بين قدميه.
والطريقان صالحان للمتابعات، وقد صح من رواية الحسن بن صالح، عن ابن أبي عائشة، فالمعروف من رواية ابن الزبير أنها حكاية فعل موقوفة.
وقد روي مرفوعًا، رواه أبو داود (754)، ومن طريقه البيهقي (2/ 46)، حدثنا نصر بن علي.
وأخرجه الطبراني في الكبير (14/ 248) ح 14881، من طريق عمرو بن محمد الناقد، كلاهما روياه عن أبي أحمد الزبيري، قال: حدثنا العلاء بن صالح، عن زرعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: صف القدمين، ووضع اليد على اليد في الصلاة من السنة.
وفي إسناده: زرعة بن عبد الرحمن، أو: زرعة أبو عبد الرحمن: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، ففيه جهالة.
وقد انفرد عن ابن عمر بذكر صف القدمين مرفوعًا، وهو مخالف لما رواه موسى بن أبي عائشة، وهو ثقة وقد تابعه الحسن بن عثمان بن عبد الرحمن بن عوف، والله أعلم.
الجهة الأولى:
أن التفريق أثر قولي، والصف أثر فعلي، والقول أقوى من الفعل؛ لأن القول له ولغيره من الأمة، والفعل يحتمل أنه فعل ذلك ساهيًا، ويحتمل أنه يؤيد أن يبين أن الأمر واسع، ويحتمل غير ذلك.
الجهة الثانية: أن دلالة القول على التفريق نصية، حيث قال: لا تقارب ولا تباعد. فهذا اللفظ لا يحتمل إلا معنى واحدًا.
وأما صف القدم فليست دلالته نصية، فيحتمل أنه أراد إلصاق القدمين، ويحتمل أنه أراد مقاربة القدمين بلا إلصاق، ويحتمل أن معنى قوله:(صافًّا بين قدميه) أي مساويًا لهما، لم يقدم إحداهما على الأخرى أي بلا مراوحة.
والمحتمل يُرَدُّ إلى الصريح، ولا يقدم الظاهر على النص، هذا مقتضى القواعد الفقهية، والله أعلم.
* * *