الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها
المدخل إلى المسألة:
• كل ذكر مقيد لا تشرع الزيادة فيه، ولا النقص منه، بخلاف الذكر المطلق لقول النبي للصحابي الذي قال: آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي: قل: وبنبيك الذي أرسلت.
• تبديل قوله (الله أكبر) أو الزيادة عليه؛ لا يجوز؛ لأن التبديل تحريف، والزيادة استدراك، وكلاهما لا يجوز.
• قال صلى الله عليه وسلم: تحريمها التكبير و (أل) في التكبير إن كانت للعموم ففيه إجمال، والمجمل يرد إلى المبين من فعله عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل من فعله إلا لفظ (الله أكبر)، فتعين. وإن كانت للعهد، فلا عموم فيها، وتعين لفظ (الله أكبر) حيث لم يعهد في السنة غيره.
• أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وأمره للوجوب، وفعله عليه الصلاة والسلام بيان لمجمل الأمر بالتكبير، وبيان الواجب واجب، ولا يختلف الكافة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح الصلاة بلفظ: الله أكبر، لم يُخِلَّ بذلك مرة واحدة.
[م-479] اتفق الفقهاء على انعقاد الصلاة بلفظ: الله أكبر
(1)
، واختلفوا هل تنعقد بغيره؟
فقال مالك وأحمد: لا تنعقد بغيره، وهو قول الشافعي في القديم، واختاره ابن الهمام من الحنفية، وعلى هذا عوام أهل العلم قديمًا وحديثًا
(2)
.
(1)
. قال في المجموع (3/ 292): «فإن قال الله أكبر انعقدت صلاته بالإجماع» . وانظر البيان والتحصيل (2/ 103)، العناية شرح الهداية (1/ 283).
(2)
. انظر في مذهب مالك: شرح البخاري لابن بطال (2/ 353)، المذهب في ضبط مسائل
…
المذهب (1/ 252)، إكمال المعلم (2/ 264)، المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 343)، الشرح الكبير للدردير (1/ 232)، مواهب الجليل (1/ 514)، زاد المسافر لغلام الخلال (2/ 146)، الفروع (2/ 163)، المبدع (1/ 377)، الإنصاف (2/ 41)، الإقناع (1/ 113).
وكره الحنابلة الزيادة على قول الله أكبر، مثل: الله أكبر كبيرًا، أو الله أكبر وأعظم.
وانظر قول الشافعي في القديم في شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 96).
وانظر قول ابن الهمام في فتح القدير (1/ 284، 285).
قال ابن قدامة في المغني (1/ 333): «وعلى هذا عوام أهل العلم في القديم والحديث» .
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وإبراهيم النخعي، والحكم: تنعقد الصلاة بكل ذكر يقصد به تعظيم الله، كالتكبير، والتهليل، والتحميد، مثل قول: الله الكبير، الله الأجَلُّ، الله أعظم، أو يقول: الحمد لله، أو سبحان الله، أو لا إله إلا الله، وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة، نحو أن يقول: الرحمن أعظم، الرحيم أَجَلُّ، وسواء أكان يحسن التكبير أم لا، والأصح عند الحنفية أن انعقاد الصلاة بغير الله أكبر مكروه كراهة تحريم، فيجب لفظ:(الله أكبر)، وإن انعقدت الصلاة بغيره
(1)
.
فإن قال: الله فقط انعقدت الصلاة عند أبي حنيفة؛ لأن في هذا الاسم معنى التعظيم؛ لأنه مشتق من التَألُّهِ وهو التعبد خلافًا لمحمد بن الحسن؛ القائل بأن تمام التعظيم لا يكون إلا بذكر الاسم مع الصفة.
ولو قال: بسم الله الرحمن الرحيم لا يصير شارعًا؛ لأنه للتبرك، ولو قال: اللهم
(1)
. المبسوط (1/ 35)، بدائع الصنائع (1/ 130)، تبيين الحقائق (1/ 109).
وهل يكره الشروع بغير التكبير؟ قال صاحب الذخيرة: أنه يكره في الأصح، والمراد كراهة تحريم. وقال السرخسي: الأصح أنه لا يكره.
قال ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 323): «الثابت بالنص ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم، ولفظ التكبير ثبت بالخبر، فيجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن يحسنه، كما قلنا في قراءة القرآن مع الفاتحة، وفي الركوع والسجود مع التعديل، ذكره في الكافي وهذا يفيد الوجوب، وهو الأشبه للمواظبة التي لم تقترن بترك، فعلى هذا ما ذكره في التحفة، والذخيرة، والنهاية، من أن الأصح أنه يكره الافتتاح بغير الله أكبر عند أبي حنيفة، فالمراد كراهة التحريم؛ لأنها في رتبة الواجب من جهة الترك، فعلى هذا يضعف ما صححه السرخسي من أن الأصح أنه لا يكره» . وانظر تبيين الحقائق (1/ 109).
وأما قول النخعي فرواه ابن أبي شيبة في المصنف (2461)، ورجاله ثقات.
وأما قول الحكم فرواه ابن أبي شيبة في المصنف (2462)، وفي إسناده ابن أبي ليلى، سيئ الحفظ.
اغفر لي، أو استغفر الله أو حوقل، لا يصير شارعًا؛ لأنه دعاء
(1)
.
وقال الشافعية: يجزئ الله أكبر، أو الله الأكبر، ولا يجزئ غيرهما، فلا يجزئ الله الكبير؛ لفوات مدلول أفعل التفضيل، وكذا لو قال: الرحمن أكبر أو الرب أكبر، وإذا أدخل بين كلمتي التكبير بشيء من صفات الله تعالى وثنائه، وكان يسيرًا لا يصير به التكبير مفصولًا، كقوله: الله عز وجل أكبر صح، فإن طال كقوله: الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكبر لم يجزئ
(2)
.
وقال أبو يوسف: لا يكون شارعًا إلا بألفاظ مشتقة من التكبير، كالله أكبر، الله الأكبر، الله الكبير، زاد السرخسي: والله كبير، إلا إذا كان لا يعلم أو لا يحسن التكبير
(3)
.
وقال ابن حزم: يجزئ بكل اسم من أسماء الله تعالى ذكر بالتكبير نحو الرحمن أكبر، والأكبر الله، والكبير الله
(4)
.
هذه مجمل الأقوال في المسألة أوسعها مذهب الحنفية، فلا يشترطون من الأسماء لفظ الجلالة (الله)، ولا من التعظيم لفظ التكبير.
يقابله مذهبا مالك وأحمد اللذان قصرا الصيغة على لفظ: (الله أكبر).
وما بين ذلك ثلاثة أقوال:
مذهب الشافعية حيث قصروا الصيغة على لفظين: الله أكبر، أو الله الأكبر.
يليه مذهب أبي يوسف حيث قصر الصيغة في أسماء الله على لفظ الجلالة (الله) وعلى مشتقات التكبير، فكان أوسع من مذهب الشافعية حيث لم يشترط في التكبير أفعل التفضيل كما اشترطه الشافعية.
يلي ذلك اختيار ابن حزم حيث وسع الصيغة في أسماء الله، فأجزأ عنده أي اسم من أسماء الله بشرط أن يذكر معه التكبير، فوسع دائرة الأسماء مع مشتقات التكبير.
(1)
. المبسوط (1/ 136)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 51).
(2)
. الأم (1/ 122)، المجموع (3/ 302)، الحاوي الكبير (2/ 93)، البيان للعمراني (2/ 167)، تحفة المحتاج (2/ 15)، مغني المحتاج (1/ 344)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 162).
(3)
. بدائع الصنائع (1/ 130)، المبسوط (1/ 35، 36).
(4)
. المحلى، مسألة (357).
• سبب الخلاف:
اختلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم: تحريمها التكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، وقول عائشة:(كان يستفتح الصلاة بالتكبير)، وغيرها من الأحاديث أهي من الخطاب المجمل المبيَّن بالسنة الفعلية بلفظ:(الله أكبر)، فيأخذ الفعل المبيِّن حكم الأمر المجمل، فيجب لفظ (الله أكبر) ولو ورد بصيغة الفعل، أم أن الأمر بالتكبير من الألفاظ المبيَّنة وليس فيها إجمال، إنما فيها عموم، فكل صيغة من صيغ التكبير يمكن أن تنعقد بها الصلاة، وكون السنة الموروثة جاءت بلفظ (الله أكبر) فهذا فرد من أفراد العام يوافق العام في لفظه، ولا يقتضي تخصيص الحكم به، والفعل بمجرده لا يدل على وجوب هذه الصيغة، وإن دل على أفضيلة هذا اللفظ؛ لتفضيل النبي صلى الله عليه وسلم له، أم أن المقصود من التكبير هو التعظيم، فينوب عن التكبير كل ما فيه تعظيم لله سبحانه وتعالى، وهذا أضعفها، والله أعلم.
هذا هو محل الخلاف الفقهي الذي بنيت عليه هذه المسألة، إذا وقفت على ذلك نأتي لبيان أدلة كل فريق، أسأل الله وحده العون والتوفيق.
• دليل من قال: لا تنعقد إلا بلفظ: الله أكبر:
ذكر أصحاب هذا القول نوعين من الأدلة، أدلة ذكر فيها الأمر بالتكبير، أو أنه كان يستفتح بالتكبير.
ونوع آخر من الأدلة تبين أن المراد بالتكبير المجمل في الأدلة هو لفظ: الله أكبر، لا غير، وإليك ما وقفت عليه من الأدلة:
الدليل الأول:
(ح-1180) ما رواه البخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فَصَلِّ، فإنك لم تُصَلِّ ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة،
فكبر
…
وذكر بقية الحديث
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالتكبير، والأصل في الأمر الوجوب، والتكبير مجمل، وقد بينته السنة بلفظ:(الله أكبر) وبيان الواجب واجب مثله.
الدليل الثاني:
(ح-1181) ما رواه البخاري من طريق عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر، كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه
…
ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه مسلم
(2)
.
وله شاهد من حديث مالك بن الحويرث في الصحيحين
(3)
، وحديث وائل بن حجر في مسلم
(4)
.
الدليل الثالث:
(ح-1182) ما رواه مسلم من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء،
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة، بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} .... الحديث
(5)
.
[أعل بالإرسال لأن أبا الجوزاء لم يسمعه من عائشة]
(6)
.
(1)
. صحيح البخاري (793)، وصحيح مسلم (45 - 397).
(2)
. رواه البخاري (739)، ورواه مسلم (390) من طريق سالم، عن ابن عمر.
(3)
. صحيح البخاري (737)، وصحيح مسلم (391).
(4)
. صحيح مسلم (401).
(5)
. صحيح مسلم (498).
(6)
. الحديث مداره على بديل بن ميسرة، واختلف عليه:
فقيل: عن بديل، عن أبي الجوزاء، عن عائشة.
رواه حسين المعلم كما في صحيح مسلم (240 - 498)، وجامع ابن وهب (357)، وعبد الرزاق (2540، 2602، 2873، 2938، 3014)، ومصنف ابن أبي شيبة (4131، 2382، 2586)، ومسند إسحاق بن راهويه (1331)، ومسند أحمد (6/ 31، 194)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
ومسند أبي يعلى (4667)، ومسند السراج (353)، وسنن أبي داود (783)، وسنن ابن ماجه (812، 869، 893). وصحيح ابن خزيمة (699)، وصحيح ابن حبان (1768)، ومستخرج أبي عوانة (1585، 1595، 1802، 1891) ومستخرج أبي نعيم (1100، 1101)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 163، 121، 192، 174، 245).
وأبان بن يزيد العطار، كما في مسند أحمد (6/ 110).
وسعيد بن أبي عروبة كما في مسند أحمد (6/ 171)، وسنن الدارمي (1272)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 203)، وأبي نعيم في مستخرجه (1101).
وشعبة، رواه أحمد في مسنده (6/ 281) حدثنا أسباط بن محمد، قال: حدثنا شعبة، عن بديل به، لم يروه عن شعبة إلا أسباط.
وعبد الرحمن بن بديل، كما في مسند الطيالسي (1651)، ومن طريقه الطبراني في الأوسط (7617)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 63، 82)،
كل هؤلاء رووه، عن بديل، عن أبي الجوزاء، عن عائشة.
جاء في الإنصاف لابن عبد البر (ص: 176): «رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم، لا يختلف في ذلك، إلا أنهم يقولون: إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة، وحديثه عنها إرسال» .
وقال في التمهيد (20/ 205): «اسم أبي الجوزاء: أوس بن عبد الله الربعي، لم يسمع من عائشة، وحديثه عنها مرسل» .
قال رشيد الدين العطار في كتابه غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة (ص: 338) نقلًا عن شيخه أبي الحسين يحيى بن علي: «وإدراك أبي الجوزاء هذا لعائشة معلوم، لا يختلف فيه، وسماعه منها جائز ممكن لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد، وهذا ومثله محمول على السماع عند مسلم رحمه الله كما نص عليه في مقدمة كتابه الصحيح إلا أن تقوم دلالة بينة على أن ذلك الراوي لم يَلْقَ من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئًا، فحينئذٍ يكون الحديث مرسلًا، والله أعلم» .
قلت: قد قامت البينة على أن الحديث هذا بعينه لم يسمعه من عائشة، فقد رواه إبراهيم بن طهمان، عن بديل، عن أبي الجوزاء، قال: أرسلت إلى عائشة، كما في الطريق التالي.
وقيل: عن بديل، عن أبي الجوزاء، قال: أرسلت إلى عائشة.
أخرجه أبو بكر جعفر الفريابي في كتاب الصلاة، قال: حدثنا مزاحم بن سعيد، حدثنا ابن المبارك، حدثنا إبراهيم بن طهمان، حدثنا بديل العقيلي، عن أبي الجوزاء، قال: أرسلت رسولًا إلى عائشة أسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وذكر الحديث انظر تهذيب التهذيب (1/ 384).
ونقله رشيد العطار مسندًا إلى أبي جعفر الفريابي ثم قال (ص: 341): وهذا الحديث مخرج في كتاب الصلاة لأبي بكر جعفر بن محمد بن الحسين الفريابي، وهو إمام من أئمة أهل =
الدليل الرابع:
(ح-1183) ما رواه مسلم من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون بن أبي سلمة، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع،
عن علي بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين .... الحديث
(1)
.
ورواه البزار في مسنده، قال: حدثنا محمد بن عبد الملك القرشي، قال: أخبرنا يوسف بن أبي سلمة الماجشون، قال: حدثني أبي، عن عبد الرحمن الأعرج به، بلفظ: كان إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين
…
الحديث
(2)
.
لم يروه بلفظ: (الله أكبر) عن الماجشون إلا ابنه يوسف، ولا عن يوسف
= النقل، ثقة مشهور، وإسناده إسناد جيد، لا أعلم في أحد من رجاله طعنًا، وقول أبي الجوزاء فيه: أرسلت إلى عائشة يؤيد ما ذكره ابن عبد البر، والله أعلم».
ولما كان الواسطة مجهولًا كان ذلك علة في الحديث، والله أعلم.
والقول بأن أبا الجوزاء قد أرسل رسولًا يثق به وبنقله لا يغني شيئًا، فإنه لو قال: حدثني الثقة لم يكن ذلك ليرفع علته؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، ضعيفًا عند غيره، كما هو مقرر في المصطلح، والله أعلم.
وقيل: عن بديل، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة.
رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 119) من طريق فضيل بن عبد الوهاب (ثقة).
والبيهقي في السنن (2/ 24) من طريق أبي الربيع (سليمان بن داود ثقة) كلاهما عن حماد بن زيد، حدثنا بديل، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة.
وفي تاريخ أصبهان، قال حماد: حفظي عن ابن شقيق.
قال الدارقطني في العلل (14/ 397): «والقول: قول من قال: عن أبي الجوزاء، واسمه: أوس بن عبد الله الربعي» .
(1)
. صحيح مسلم (202 - 771).
(2)
. مسند البزار (536).
إلا محمد بن عبد الملك، تفرد عنه أبو بكر البزار، والبزار ممن لا يحتمل تفرده، ولا مخالفته، وقد رواه مسلم وغيره من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون به، بلفظ: إذا استفتح الصلاة كبَّر، وهو المحفوظ
(1)
.
الدليل الخامس:
(ح-1184) ما رواه الترمذي من طريق سفيان، عن عبد الله بن محمد بن
(1)
. وإنما جعلت الحَمْلَ على أبي بكر البزار لسببين:
الأول: أنه أضعف رجل في الإسناد، وكان من عادة أهل الحديث أن ينظروا في أضعف رجل في الإسناد فيجعل الحمل عليه.
قال الحاكم كما في سؤالاته (23) عن الدارقطني أنه قال: يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظًا، ينظر في كتب الناس، ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة، يتكلمون فيه، جرحه أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال السهمي في سؤالاته (116): سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة يخطئ كثيرًا، ويتكل على حفظه.
وانظر ميزان الاعتدال (1/ 124).
الثاني: أن الحفاظ قد رووا الحديث عن يوسف الماجشون، ولم يذكر أحد منهم جملة التكبير في روايته.
فقد رواه الإمام الترمذي في سننه (3421) عن محمد بن عبد الملك شيخ البزار به، ولم يذكر التكبير جملة، لا بلفظ الفعل، ولا بلفظ الاسم، والترمذي مقدم على البزار، وهذا يؤكد أن العهدة على البزار.
كما رواه مسلم في صحيحه (201 - 771) والطبراني في الدعاء (494)، وأبو نعيم في مستخرجه (1761)، والبيهقي في السنن الصغرى (1/ 144)، وفي السنن الكبرى (2/ 48)، عن محمد بن أبي بكر المقدمي،
ورواه أبو نعيم في مستخرجه (1761) من طريق عبيد الله بن عمر (القواريري ثقة ثبت)، كلاهما (المقدمي، وعبيد الله) عن يوسف الماجشون به، بعدم ذكر التكبير، فأخشى أن يكون دخل على البزار رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون على رواية يوسف بن الماجشون، عن أبيه، فالتكبير محفوظ من رواية عبد العزيز بلفظ الفعل، وهي رواية مسلم، ثم رواها البزار بالمعنى، فقال: الله أكبر، فالمحفوظ لفظ:(إذا قام إلى الصلاة كبَّر).
قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 617): تفسير (كَبَّر) أنه قال: الله أكبر، وهو شيء عزيز الوجود، لا يكاد يوجد تعيين لفظ التكبير في هذا .... ».
وقال ابن حزم في المحلى (3/ 32) مسألة: 375: «وقد ادعى بعضهم أن في الحديث: إذا قمت إلى الصلاة فقل: الله أكبر، قال ابن حزم: وهذا باطل، ما عرف قط، ولو وجدناه صحيحًا لقلنا به» .
عقيل، عن محمد بن الحنفية،
عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم
(1)
.
[حسن]
(2)
.
وجه الاستدلال:
في الحديث دليل على أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير دون غيره من الأذكار.
وجه ذلك: أن التعيين مستفاد من حصر المبتدأ في الخبر، وهذا معلوم في باب القصر والحصر في علم البيان، وليس هذا من قبيل المفهوم؛ لئلا يقول الحنفية: هذا من المفهوم، ونحن لا نقول به.
فالحديث لو فرض أنه قال: (التكبير تحريمها) لم يلزم انحصار التحريم في التكبير، فلما قدم ما ينبغي تأخيره علم قطعًا أن ذلك لقصد الحصر، وهذا بمثابة قول القائل: زيد صديقي، فلا يتضمن حصر الصداقة في زيد، فإذا قال: صديقي زيد تضمن ذلك حصر الصداقة في زيد؛ لأن قوله: (صديقي) عام، فإذا أخبر عنه بخاصٍ، وهو زيد، كان ذلك حصرًا لذلك العام، وهو الأصدقاء كلهم في الخبر، وهو زيد؛ إذ لو بقي من أفراد العموم ما لم يدخل في الخبر لزم أن يكون المبتدأ أعم من الخبر، وذلك لا يجوز.
وبناء عليه يكون قوله: (تحريمها التكبير) يعني: لا غيره، ففيه إثبات الحكم المذكور، ونفيه عما عداه، فهو في قوة: لا تحريم إلا بتكبير.
ولأن قوله: (تحريمها) نكرة مضاف إلى معرفة وهو الضمير العائد إلى الصلاة، فيكون عامًّا كقولك:«وإن تعدوا نعمة الله» ، فنعمة نكرة مضافة إلى معرفة فكانت عامة، ولهذا قال: لا تحصوها، فكأنه قال: جميع تحريمها التكبير.
فإذا اتفقنا على حصر التحريم في التكبير وحده، فهل المراد بالتكبير مطلق التكبير؛ لأن التكبير له صيغ، وهو مصدر، وقد دخلت عليه (أل) والأصل فيه العموم؟
(1)
. سنن الترمذي (3).
(2)
. سبق تخريجه في كتابي موسوعة الطهارة، الطبعة الثالثة، المجلد التاسع، رقم (1859).
• فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن نعتبر أن التكبير وقع فيه شيء من الإجمال، والموقف الشرعي من المجمل أن نطلب له مبيِّنًا، فنرجع إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فما لازم عليه يعتبر مبيِّنًا لهذا النص، وقد لزم النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته لفظ (الله أكبر) ونُقل لنا هذا نقلًا متواترًا نقله الصحابة إلى التابعين، ونقله التابعون إلى من بعدهم جيلًا عن جيل.
الوجه الثاني: أن يقال: إن اللام في (التكبير) للعهد، أي التكبير المعهود الذي نقلته الأمة نقلًا ضروريًا خلفًا عن سلف، عن نبيها صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله في كل صلاة، لا يقول غيره، ولا مرة واحدة، فهذا هو المراد بلا شك في قوله:(وتحريمها التكبير)، فهو كاللام في قوله:(مفتاح الصلاة الطهور) فليس المراد به كل طهور، بل الطهور الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه لأمته، وكان فعله له تعليمًا وبيانًا لمراد الله من كلامه، فمن جوز الله الأكبر، أو الله الكبير فإنه وإن سمي تكبيرًا لكنه ليس التكبير المعهود المراد بالحديث
(1)
.
الدليل السادس:
(ح-1185) ما رواه ابن ماجه من طريق أبي أسامة قال: حدثني عبد الحميد ابن جعفر قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال:
سمعت أبا حميد الساعدي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام إلى الصلاة، استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: الله أكبر.
[إسناده حسن والحديث صحيح]
(2)
.
(1)
. انظر تهذيب سنن أبي داود مطبوع مع عون المعبود (1/ 62)، الإعلام بفوائد الأحكام (3/ 27)، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (3/ 518)، كفاية النبيه (3/ 74).
(2)
. الحديث مداره على محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، ويرويه اثنان عن محمد بن عمرو بن عطاء.
الطريق الأول: محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء.
وروايته في صحيح البخاري بلفظ: (رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه
…
الحديث)، ولم يذكر تكبيرة الإحرام بلفظ:(الله أكبر).
الثاني: عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رواه جماعة عن عبد الحميد، منهم:
الأول: أبو أسامة، حماد بن أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر.
رواه ابن ماجه (803) حدثنا علي بن محمد الطنافسي،
وابن حبان (1870) من طريق عمرو بن عبد الله الأودي،
ورواه البيهقي (2/ 167) من طريق إسحاق بن إبراهيم، وأبو كريب أربعتهم عن أبي أسامة، حدثنا عبد الحميد بن جعفر به، بلفظ: كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: الله أكبر. هذه رواية ابن ماجه مختصرة، وساق ابن حبان الحديث بتمامه، واختصره البيهقي.
فذكر أبو أسامة عن عبد الحميد تكبيرة الإحرام بلفظ: (الله أكبر) ولم ينفرد بذلك، بل تابعه يحيى بن سعيد القطان، من رواية الفلاس، ومحمد بن بشار عنه، كما سيتضح لك ذلك من خلال تخريج الطريق الثاني إن شاء الله تعالى.
الطريق الثاني: يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الحميد بن جعفر.
واختلف عليه في ذكر التكبير:
فرواه ابن حبان في صحيحه (1865) من طريق عمرو بن علي الفلاس، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الحميد بن جعفر به، وفيه: ( ..... كان رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا قام إلى الصلاة، استقبل القبلة، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر
…
وذكر الحديث. وهذه متابعة لأبي أسامة في ذكر التكبير بلفظ: (الله أكبر).
ولم يتفرد بهذا الفلاس عن يحيى بن سعيد، وإن كان تفرده لا يضر، فقد تابعه محمد بن بشار، من رواية ابن ماجه عنه.
فقد رواه ابن ماجه (862)، عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، به، وفيه: ( .... كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر
…
الحديث).
ورواه الترمذي (304) حدثنا محمد بن بشار مقرونًا برواية محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد القطان به، وفيه: ( .... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر
…
وذكر الحديث) فذكر لفظ التكبير للركوع، ولم يذكر التكبير للإحرام.
ورواه ابن خزيمة (587، 651، 685) أخبرنا محمد بن بشار، فاختصره بما لا يوقف على لفظه في موضع الشاهد.
ورواه أحمد (5/ 424) حدثنا يحيى بن سعيد به،، ولم يذكر التكبير، ولفظه مطابق لرواية الترمذي عن محمد بن بشار، فهؤلاء ثلاثة، أحمد ومحمد بن بشار من رواية الترمذي عنه، ومحمد بن المثنى رووه عن يحيى بن سعيد، ولم يذكروا فيه تكبيرة الإحرام، ولا يشك باحث أن تكبيرة الإحرام محفوظة في الحديث، إلا أن بعضهم رواها بلفظ الفعل (كبَّر) وبعضهم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
ذكرها بلفظ: (الله أكبر).
ورواه البزار في مسنده (3711) حدثنا يحيى بن حكيم (ثقة)، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد القطان به، وفيه: ( .... كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ثم كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فلما أراد أن يركع رفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه ثم، قال: الله أكبر
…
الحديث).
ورواه أبو داود (730، 963) عن مسدد وأبي عاصم الضحاك بن مخلد، كلاهما عن يحيى ابن سعيد، وقدم أبو داود لفظ أبي عاصم. وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
ورواه النسائي من طريق يحيى بن سعيد القطان مقطعًا بما لا يوقف على موضع الشاهد منه، فرواه في المجتبى (1101، 1039، 1181)، وفي الكبرى (631، 692، 1105، 1186)،
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 228) من طريق القواريري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد
…
ولم يذكر لفظه.
ورواه الطوسي في مستخرجه (286) من طريق علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد به، وفيه: (
…
كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال: الله أكبر، وركع) فلم يذكر تكبيرة الإحرام.
رواه أبو داود في السنن مقرونًا (730) وابن المنذر في الأوسط مفرقًا (3/ 154، 155، 171، 198) من طريق مسدد، عن يحيى بن سعيد به.
الطريق الثالث: أبو عاصم: الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر.
رواه أبو داود (730، 963) حدثنا أحمد بن حنبل،
والدارمي (1396)،
وابن ماجه (1061)، والترمذي (305) وابن خزيمة (588، 625)، وابن حبان (1867)، عن محمد بن بشار،
وابن الجارود في المنتقى (192) وابن خزيمة (588) وابن حبان (1876) عن محمد بن يحيى،
والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 223) حدثنا أبو بكرة (بكار بن قتيبة)،
والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 37) من طريق أبي الحسن محمد بن سنان القزاز البصري ببغداد، ستتهم (أحمد، والدارمي، وابن بشار، ومحمد بن يحيى وبكار، وابن سنان) رووه عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، أخبرنا عبد الحميد بن جعفر به، فذكر تكبير الإحرام بصيغة الفعل.
لفظ أحمد والدارمي وبكار وابن سنان ( .... إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر
…
)
ولفظ ابن بشار في سنن ابن ماجه وصحيح ابن حبان (
…
إذا قام إلى الصلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه
…
الحديث)، واختصره الترمذي وابن خزيمة.
ولفظ محمد بن يحيى عند ابن الجارود في المنتقى ( .... إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم كبر
…
)، وهذه موافقة لرواية أحمد والدارمي وبكار وابن سنان.=
الدليل السابع:
(ح-1186) ما رواه النسائي من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، وذكر آخر قبله عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج،
=
ولفظ محمد بن يحيى عند ابن حبان: (
…
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه
…
)، واختصره ابن خزيمة.
ورواه الترمذي (305) حدثنا الحسن بن علي الحلواني، وغير واحد، عن أبي عاصم به، وذكره مختصرًا.
فواضح أن أبا عاصم يروي التكبير بصيغة الفعل، لا يختلفون عليه في ذلك.
الطريق الرابع: عبد الملك بن الصباح المسمعي.
رواه ابن خزيمة (677) حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر المدني به، وفيه:( .... إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، ثم كبر .... )، فذكر التكبير بصيغة الفعل كرواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد.
الطريق الخامس: هشيم بن بشير، عن عبد الحميد بن جعفر.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2438) حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الحميد به، وفيه: (
…
رأيته إذا كبر عند فاتحة الصلاة رفع يديه .... ). فذكر التكبير بصيغة الفعل.
ورواه البزار في مسنده (3710) حدثنا الحسن بن عرفة،
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 228) من طريق يحيى بن يحيى، كلاهما عن هشيم بن بشير به.
فصار الحديث يرويه الضحاك بن مخلد، وعبد الملك بن الصباح وهشيم بن بشير بذكر تكبيرة الافتتاح بصيغة الفعل (ثم يكبر)، لا يختلف عليهم في ذلك.
ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة بذكر تكبيرة الإحرام بلفظ: (الله أكبر).
ورواه يحيى بن سعيد القطان، واختلف عليه:
فرواه أحمد ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار من رواية الترمذي عنه لم يذكر تكبيرة الإحرام.
ورواه عمرو بن علي الفلاس ويحيى بن حكيم، ومحمد بن بشار من رواية ابن ماجه عنه، بذكر تكبيرة الإحرام بلفظ:(الله أكبر).
والحديث رجاله ثقات إلا عبد الحميد بن جعفر، فإنه صدوق ربما وهم، وتكلم فيه الطحاوي بلا حجة، وقال أبو حاتم الرازي: محله الصدق، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في كتاب الضعفاء: ليس بقوي.
واختلف النقل عن يحيى بن سعيد القطان، فمرة نقل أنه كان يوثقه، ونقل أنه كان يضعفه، ولم يتفرد به كما ذكرت سابقًا فقد توبع عند البخاري، انظر الطريق الأول، والله أعلم.
عن محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعًا، قال: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلمًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك، وبحمدك، ثم يقرأ
(1)
.
[ضعيف جدًّا، المعروف أنه من مسند علي رضي الله عنه]
(2)
.
الدليل الثامن:
(ح-1187) ما رواه الطبراني في الكبير، من طريق حجاج، ثنا حماد، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد،
عن عمه، أن رجلًا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد مرتين أو ثلاثًا، فقال: يا رسول الله ما ألوت بعد مرتين أو ثلاث أن أتم صلاتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يقول: الله أكبر، ثم يحمد الله تعالى ويثني عليه ويقرأ ما تيسر من القرآن
…
الحديث
(3)
.
[انفرد حماد بن سلمة بذكر لفظ: (الله أكبر) ولم يقم إسناده]
(4)
.
(1)
. سنن النسائي (1052).
(2)
. هذا حديث معلول، يرويه شعيب عن ابن المنكدر على أربعة أوجه:
فتارة يجعله من مسند جابر رضي الله عنه، وتارة يجعله من رواية الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن محمد بن مسلمة الأنصاري، وأخرى يجعله من رواية الأعرج، عن محمد بن مسلمة الأنصاري، ووجه رابع من مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو المعروف، والحمل فيه على شعيب دخل عليه حديثه عن إسحاق بن أبي فروة المتروك بحديثه عن ابن المنكدر، وقد تكلم العلماء في أحاديث شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر.
وقد خرجته مستوفى في المجلد الثامن وبينت طرقه عند تخريج أثر عمر: أنه كان يستفتح صلاته بقوله: (سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إليه غيرك)، فانظره هناك منعًا من التكرار.
(3)
. المعجم الكبير للطبراني (5/ 38) ح 4526.
(4)
. حديث المسيء في صلاته جاء من مسند أبي هريرة في الصحيحين، وجاء من مسند رفاعة بن رافع. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
فأما حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري (793) ومسلم (45 - 397) من طريق يحيى بن سعيد (القطان)، عن عبيد الله (العمري)، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فَصَلِّ، فإنك لم تُصَلِّ، ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
ورواه البخاري (6251) ومسلم (46 - 397) من طريق عبد الله بن نمير،
ورواه مسلم من طريق أبي أسامة كلاهما حدثنا عبيد الله به، بلفظ: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر
…
وذكر الحديث، هذا لفظ الصحيحين من مسند أبي هريرة في قصة الرجل المسيء صلاته.
وأما حديث رفاعة بن رافع فيرويه: عليُّ بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع.
ويرويه عن علي بن يحيى بن خلاد جماعة منهم، إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، وداود بن قيس الفراء، ومحمد بن عجلان، وعبد الله بن عون، وشريك بن أبي نمر، ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، يزيد بعضهم في ألفاظه وينقص، وقد يخالف بعضهم في إسناده،
وحديث أبي هريرة في الصحيحين مقطوع بصحته، وحديث رفاعة بن رافع خارج الصحيحين، وهي قصة واحدة لوجود التطابق بين أحداث القصة،
وقد اختلف على عليِّ بن يحيى بن خلاد، فالرواة عنه يزيد بعضهم على بعض وينفرد بعضهم بألفاظ لم يتفق الرواة عليها عنه، ولم ترد في حديث أبي هريرة، والحكم في ذلك برد حديث رفاعة إلى حديث أبي هريرة، فما وافق منها حديث أبي هريرة قبلناه، وما انفرد فيه حديث رفاعة، مما اختلف عليه في ذكرها حكمنا بشذوذه؛ لوجود الاختلاف الكثير في إسناده وألفاظه.
إذا تبين لك هذا أُخَيَّ فتعال نستعرض طرقه وألفاظه، أسأل الله لي ولك الإعانة والتسديد.
الطريق الأول: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة ابن رافع، رواه عن إسحاق اثنان:
أحدهما: حماد بن سلمة عن إسحاق، وقد اضطرب حماد في إسناده:
فقال مرة: عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه، ولم يقل فيه: عن أبيه.
أخرجه أبو داود (857)، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه، أن رجلًا دخل المسجد، فذكر نحوه قال فيه: فقال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء - يعني مواضعه - ثم يكبر، ويحمد الله جلَّ وعزَّ، ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته.
ورواه ابن بشران في أماليه (460)، من طريق إبراهيم بن الحجاج، عن حماد بن سلمة به.
ورواه الطبراني في الكبير (5/ 38) ح 4526، من طريق حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة به، فتبين أنه يرويه عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد ثلاثة:
موسى بن إسماعيل وإبراهيم بن الحجاج، وذكرا تكبيرة الإحرام بصيغة الفعل، وهو المحفوظ الموافق لرواية كل من ذكر تكبيرة الإحرام من حديث رفاعة، كما أنه هو الموافق لرواية حديث أبي هريرة في الصحيحين.
وانفرد حجاج بن منهال عن حماد بذكر تكبيرة الإحرام بلفظ (الله أكبر)
ولم يقل أحد غير حماد بن سلمة من رواية حجاج بن منهال عنه التكبير بلفظ: (الله أكبر).
هذا بيان الاختلاف من جهة اللفظ، وأما الاختلاف من جهة الإسناد، فإن المعروف أن الحديث من رواية علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة، عن أبيه، عن عمه رفاعة (أي عم يحيى بن خلاد)، فجعله حماد من رواية علي بن يحيى، عن عم أبيه مخالفًا لرواية همام بن يحيى، عن إسحاق، عن علي بن يحيى بن خلاد، وإذا اختلف همام وحماد بن سلمة في إسحاق فالقول قول همام.
كيف وقد وافق همامًا كل من محمد بن إسحاق، وداود بن قيس الفراء، ومحمد بن عجلان، وشريك بن أبي نمر، ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، في روايتهم عن علي بن يحيى بن خلاد.
فاجتمع في ذكر (الله أكبر) بهذه الصيغة شذوذان: شذوذ في الإسناد، وشذوذ في المتن.
نعم تابع حماد بن سلمة على هذا الإسناد محمد بن عمرو، كما سيأتي تخريجه عند الكلام على طريقه، والراجح رواية الجماعة، كما أن حماد بن سلمة قد اضطرب في إسناده، فقيل عنه هكذا.
وقيل: عن حماد بن سلمة، عن علي بن يحيى بن خلاد، أراه عن أبيه، عن عمه أن رجلًا.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1977) عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة به. مختصرًا، ولم يجزم بكونه عن أبيه، ولعل قوله:(أراه عن أبيه) بالشك تصرف من الرواة لا من حماد، إما من هدبة، أو من المصنف، فيكون الصواب من هذه الرواية موافقتها لرواية الجماعة عن حماد بعدم ذكر يحيى بن خلاد؛ لأن الشك مطروح في مقابل الجزم.
وقيل: حماد بن سلمة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه أن رجلًا .. ، فأرسله عن أبيه يحيى بن خلاد.
أخرجه الحاكم (882) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة به واختصر الحديث، فلم يذكر موضع الشاهد، وعفان من أثبت أصحاب حماد، إلا أن الحمل على حماد بن سلمة لم يضبط إسناده
قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 320): لم يقمه. يعني: إسناد حماد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
وقال أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 82): وهم حماد. اهـ
وقد سبق لي أن بينت لك أن حديث حماد على ثلاثة أقسام:
الأول: صحيح بلا خلاف إذا روى عن شيوخ يعتبر مقدمًا فيهم، كروايته عن ثابت فهو من أثبت الناس فيه باتفاق أهل الحديث، وكذا روايته عن خاله حميد الطويل، وعمار بن أبي عمار.
القسم الثاني: ضعيف إذا روى عن شيوخ قد تكلم العلماء في روايته عنهم، مثل قيس بن سعد وزياد الأعلم.
…
القسم الثالث: من لم يتكلم في روايته عنهم، فالأصل أن حديثه مقبول ما لم يخالف غيره من الثقات، أو يختلف عليه فيه، جاء في الجرح والتعديل (3/ 141): سئل أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة، فقال: صالح. اهـ
وقد تغير حفظ حماد بن سلمة بآخرة، انظر: الجرح والتعديل (9/ 66).
وإذا أردت كلام أئمة الجرح على صحة هذا التقسيم فارجع إلى مسألة تحول المنفرد إلى الائتمام بالنية فقد ذكرت هناك الكلام على أحاديث حماد بالتفصيل، واستشهدت بكلام أئمة الجرح والتعديل، والله أعلم.
الثاني ممن رواه عن إسحاق همام بن يحيى، وقد خالف فيه حماد بن سلمة في إسناده:
أخرجه أبو داود (858)، والنسائي في المجتبى (1136)، وفي الكبرى (726)، وابن ماجه (460)، والدارمي (1329)، والبزار في مسنده كما في البحر الزخار (3727)، وابن الجارود في المنتقى (194)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 35) والطبراني في الكبير (5/ 37) رقم: 4525 والدارقطني في سننه (1/ 95)، والحاكم (884) والبيهقي في السنن (1/ 73) و (2/ 487) كلهم أخرجوه من طريق همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بذكر الوضوء مفصلًا، ولم يتابع أحد همامًا على ذكر الوضوء بالتفصيل، وهذا لفظه:
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أنه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك ارجع فصله فإنك لم تُصَلِّ، قال فرجع فصلى، قال: فجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك ارجع فصله فإنك لم تُصَلِّ، وذكر ذلك إما مرتين وإما ثلاثًا، فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليَّ من صلاتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه، ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر، ثم يكبر، فيركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله، وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، يستوي قائمًا حتى يأخذ كل عظم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
مأخذه، ويقيم صلبه، ثم يكبر، فيسجد، فيمكن جبهته. قال همام: وربما قال: فيمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصله، وتسترخي، ثم يكبر، فيرفع رأسه ويستوي قاعدًا على مقعدته ويقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك. اللفظ لابن الجارود.
فيلاحظ الباحث زيادات زادها حديث رافع على حديث أبي هريرة، وهذه الزيادات لم يتفق عليها كل من روى الحديث عن عليِّ بن يحيى بن خلاد:
فطريق إسحاق بن عبد الله انفرد بزيادات لم تَأْتِ في سائر الطرق علاوة على كونها مخالفة لما ورد في حديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة المسيء صلاته.
فزاد همام بن يحيى وحماد بن سلمة عن إسحاق من ذلك:
…
(1)
لفظ (لا تتم صلاة أحدكم
…
) التعبير بنفي التمام انفرد به إسحاق بن عبد الله، عن علي بن يحيى بن خلاد، ورواه غيره بلفظ: (إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ
…
) وهذا موافق لحديث أبي هريرة في الصحيحين (
…
إذا قمت إلى الصلاة فكبر
…
وفي رواية: فأسبغ الوضوء).
(2)
ذكر دعاء الاستفتاح، انفرد به إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن عليَّ بن يحيى بن خلاد، ولم يذكره غيره ممن روى حديث رفاعة، وقد جاء بصيغة تدل على وجوبه في الصلاة، وسوف يأتينا بحث حكم دعاء الاستفتاح إن شاء الله تعالى.
(3)
تكبيرات الانتقال لم تذكر إلا في طريق إسحاق، ولم يذكر في حديث أبي هريرة.
(4)
قوله: (سمع الله لمن حمده) لم يذكر في حديث أبي هريرة، كما لم يذكر في سائر طرق حديث رفاعة.
هذه الزيادات اتفق عليها كل من همام وحماد عن إسحاق، وانفرد همام عن حماد بزيادة:
(1)
تفصيل الوضوء بذكر أعضاء الوضوء، ولم يرد في سائر طرق حديث رفاعة، فكلهم ذكر الوضوء مجملًا، وهو كذلك مجمل في حديث أبي هريرة في الصحيحين.
(2)
تمكين الوجه والجبهة في السجود.
وسبق لك أن حماد بن سلمة انفرد بذكر تكبيرة الإحرام بلفظ: (الله أكبر).
وكل ما زاداه على حديث أبي هريرة مما انفردا به عن باقي الرواة، فليس بمحفوظ، فيكفي في شذوذه أنه مخالف لما في الصحيحين، ومخالف لبقية الرواة ممن رووه عن علي بن يحيى بن خلاد، فلا وجه للقول بأن إسحاق قد جوده، وقد انفرد بكل هذه الزيادات مخالفًا حديث أبي هريرة في الصحيحين، والحمل ليس على إسحاق، بل على شيخه أو على شيخ شيخه، فليس بلازم أن تكون كل هذه الاختلافات في ألفاظ الحديث الحمل فيها على الرواة عن عليَّ بن يحيى، فقد تكون العهدة عليه، والله أعلم.
الطريق الثاني: محمد بن إسحاق، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة به.
أخرجه أبو داود (860)، وابن خزيمة (597، 638)، والطبراني في الكبير (5/ 39) ح: 4528، والبيهقي في السنن (1/ 133، 134) وهذا الإسناد موافق لرواية الأكثر، ولم يذكر محمد بن=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إسحاق الوضوء في لفظه، وقد اختصره أبو داود وابن خزيمة، وأما الطبراني فقد ذكره بتمامه.
كما أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 243) من طريق محمد بن إسحاق، إلا أنه قال: عن علي بن يحيى بن خلاد، حدثني زريق، عن أبيه، عن عمه رفاعة، واختصر الحديث، وهو خطأ فزريق نسب لعلي بن يحيى بن خلاد، وانظر إتحاف المهرة (4/ 512).
ولفظه عند الطبراني: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رجلٌ من الأنصار بعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة فصلى، ثم أقبل فسلم عليه، فقال: وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ، قال: يا رسول الله! قد جهدت فبين لي، قال: إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، ثم إذا أنت ركعت فأثبت يديك على ركبتيك حتى يطمئن كل عظم منك، ثم إذا رفعت رأسك فاعتدل حتى يرجع كل عظم منك، ثم إذا سجدت فاطمئن حتى يعتدل كل عظم منك، ثم إذا رفعت رأسك فأثبت حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم مثل ذلك؛ فإذا جلست في وسط صلاتك فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك.
وقد انفرد محمد بن إسحاق عن سائر الرواة بالآتي:
(1)
الافتراش في وسط الصلاة عند التشهد الأول.
(2)
ذكر التشهد الأول.
وباقي الألفاظ موافق لرواية الجماعة، كما أنه موافق في المعنى لحديث أبي هريرة، والله أعلم.
الطريق الثالث: عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة، بإسقاط يحيى بن خلاد.
رواه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 40) ح 4529، من طريق عبد الوهاب الثقفي.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (2526) حدثنا عباد بن العوام، كلاهما عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى، عن رفاعة، بإسقاط يحيى بن خلاد.
ورواه يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو: واختلف على يزيد فيه:
فرواه أحمد في مسنده (4/ 340) عن يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة. ولم يقل: عن أبيه فأسقط (يحيى بن خلاد).
ورواه ابن حبان (1787) من طريق أحمد بن سنان، عن يزيد بن هارون به إلا أنه قال: عن علي ابن يحيى بن خلاد أحسبه عن أبيه. فلم يجزم بكونه عن أبيه.
وخالفه خالد بن عبد الله الواسطي، فرواه أبو داود (859) من طريقه، عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع، كرواية إسحاق من رواية همام عنه، بذكر (يحيى بن خلاد) والد علي بن يحيى، جازمًا. ولم يذكر الوضوء.
فأخشى أن يكون إسناد خالد بن عبد الله بذكر (عن أبيه) مزيدة في الإسناد، وليست منه خاصة أن تحفة الأشراف (3/ 169) ح 3604، ذكر إسناده ونص على أنه لم يقل (عن أبيه) كرواية يزيد بن هارون، وكذلك نسخة سنن أبي داود في شرح عون المعبود (844)، والمسند الجامع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
(3730)
، والله أعلم.
وقد رواه الجصاص في أحكام القرآن (2/ 22) والبخاري في القراءة خلف الإمام (7)، من طريق وهب بن بقية، عن خالد، وليس فيه عن أبيه.
هذا من حيث الاختلاف في إسناده،
وأما لفظه: فجاء فيه: إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت، فإذا ركعت، فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك ومكن لركوعك، فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، وإذا سجدت فمكن لسجودك، فإذا رفعت رأسك، فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة. هذا لفظ أحمد، عن يزيد بن هارون.
وقد انفرد محمد بن عمرو عن سائر الرواة بالآتي:
(1)
ذكر القراءة بأم القرآن، ولم يذكر الفاتحة كل من رواه عن علي بن يحيى، كما لم يذكر ذلك في حديث أبي هريرة في الصحيحين.
(2)
قوله: امدد ظهرك.
الطريق الرابع: داود بن قيس الفراء، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه به.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3739)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (79)، والنسائي في المجتبى (1314)، وفي الكبرى (1238)، والطبراني في الكبير (5/ 35) ح 4520، والحاكم في المستدرك (883)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 522، 523).
ولفظه: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جَالِسًا في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته، فردَّ عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ عليه السلام، ثم قال: ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ، حتى كان عند الثالثة أو الرابعة، فقال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت وحرصت فأرني وعلمني، قال: إذا أردت أن تصلي فتوضأ، فأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئنَّ قاعدًا، ثم اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفع، فإذا أتممتَ صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنتقصه من صلاتك. هذا لفظ النسائي.
وليس في ألفاظ داود ما يتفرد به عن الجماعة، ولا ما يزيد فيه على حديث أبي هريرة، والله أعلم.
الطريق الخامس: محمد بن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد.
واختلف على محمد بن عجلان،
فأخرجه أحمد في المسند (4/ 340) وأبو يعلى الموصلي (6623)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (ص: 31)، والطبراني في الكبير (5/ 37) ح 4523، والبزار في مسنده (3726)، وابن حبان (1787) عن يحيى بن سعيد.
وأخرجه النسائي في المجتبى (1313) والطبراني في الكبير (4522) من طريق الليث بن سعد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الطبراني في الكبير (5/ 36) ح 4521، من طريق سليمان بن بلال.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2958)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1976) والطبراني في الكبير (5/ 37) ح 4524، من طريق أبي خالد الأحمر.
وأخرجه النسائي في المجتبى (1053) وفي الكبرى (644)، والآجري في الأربعين حديثًا (20)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 521) من طريق بكر بن مضر.
وأخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (ص: 29)، من طريق حاتم بن إسماعيل،
وأخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (74) والنسائي في الكبرى (1237)، والطبراني في الكبير (5/ 37) ح 4522، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 521)، وفي الشعب (2862)، من طريق الليث،
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (2245) من طريق حجاج بن رشدين، عن حيوة، سبعتهم (القطان، وابن بلال، والأحمر، وابن مضر، وحاتم، والليث، وحيوة) رووه عن ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رافع. وهذا هو المحفوظ كرواية الأكثر عن علي بن يحيى بن خلاد.
ورواية ابن عجلان ليس فيها ما يتفرد به عن رواية الجماعة، ولا ما يخالف فيه حديث أبي هريرة.
وخالفهم النضر بن عبد الجبار (ثقة)، فرواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1594) من طريقه، قال: أخبرنا ابن لهيعة والليث، عن محمد بن عجلان، عن من أخبره عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، وساقه مختصرًا.
فزاد في الإسناد رجلًا مبهمًا بين ابن عجلان وبين علي بن يحيى بن خلاد.
…
وأخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (112) من طريق بكير بن الأشج، عن ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة، ولم يقل: عن أبيه.
والمحفوظ أن علي بن يحيى بن خلاد يرويه عن أبيه، عن رفاعة.
الطريق السادس: شريك بن أبي نمر، عن علي بن يحيى بن خلاد.
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (2243) وفي شرح معاني الآثار (1/ 232) من طريق يحيى بن صالح الوحاظي، قال: حدثني سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن علي بن يحيى، عن عمه رفاعة بن رافع به، بإسقاط كلمة (أبيه)، واختصر الحديث.
وخالف الوحاظي إسماعيل بن أبي أويس كما في المعجم الكبير للطبراني (5/ 36) ح 4521، فرواه عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عجلان، عن علي بن خلاد الزرقي، عن أبيه، عن عمه، وهذا هو المعروف من رواية سليمان بن بلال، أنه يرويه عن ابن عجلان، وأنه من رواية علي بن يحيى، عن أبيه، عن عمه.
وقد أثبت أبو حاتم كما في العلل لابنه رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر لكن جعلها عن علي ابن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة. انظر العلل (2/ 68) رقم:221.
ولم أقف عليها، والله أعلم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
الطريق السابع: عن عبد الله بن عون، عن علي بن يحيى بن خلاد.
أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 40) ح 4530، من طريق إبراهيم بن سعد، حدثنا شريك، عن عبد الله بن عون به، بإسقاط كلمة عن أبيه، ولفظه: إذا توجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بما شاء الله أن تقرأ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكن لركوعك، فإذا رفعت فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت فمكن سجودك، فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى وافعل مثل ذلك في كل ركعة وسجدة.
لم يروه عن عبد الله بن عون إلا شريك، وأين أصحاب ابن عون، وتفرد بإخراجه الطبراني، وهو محل الغرائب والمنكرات، فلا أظنه يثبت عنه.
الطريق الثامن: يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة.
أخرجه الطيالسي (1382)، وأبو داود (861)، والنسائي في المجتبى (667)، وفي الكبرى (1631)، وابن خزيمة (545)، والطحاوي في مشكل الآثار (2244)، والبيهقي (2/ 380) من طريق إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد به.
ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يومًا -قال رفاعة: ونحن معه- إذ جاء رجلٌ كالبدوي فصلى فأخفَّ صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فصلِّ فإنك لم تُصَلِّ، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ عليه، وقال: وعليك، ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ، ففعل ذلك مرتين، أو ثلاثًا، كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، ويقول: وعليك، فارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ، فخاف الناس، وكبُر عليهم أن يكون من أخفَّ صلاته لم يصلِّ، فقال له الرجل في آخر ذلك: فأرني، وعلمني؛ فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فقال: أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم، ثم كبر، فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ به، وإلا فاحمدِ اللهَ وكبِّرْه وهلِّلْه، ثم اركع فاطمئنَّ راكعًا، ثم اعتدل قائمًا، ثم اسجد فاعتدل ساجدًا، ثم اجلس فاطمئنَّ جالسًا، ثم قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منها شيئًا انتُقص من صلاتك.
وفي أحاديث إسماعيل بن جعفر (441): (ثم تشهد، فأقم، ثم كبر).
ورواه الترمذي (302) من طريق إسماعيل بن جعفر، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، عن جده رفاعة، ولم يذكر عن أبيه، وهو وهم.
…
ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، لم يرو عنه إلا إسماعيل بن جعفر، ولم يوثقه إلا ابن حبان، إلا أن ذلك لا يضر لكثرة المتابعين له عن علي بن يحيى، والله أعلم.
وقد تفرد ببعض الحروف من ذلك:
(1)
قوله: (فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ به، وإلا فاحمدِ اللهَ وكبِّرْه وهلِّلْه)، تفرد به يحيى بن علي بن يحيى من الرواة، ولم ترد في حديث أبي هريرة في الصحيحين.
(2)
زيادة: (ثم تشهد، فأقم) إن كان المقصود به الأذان والإقامة، فذكر ذلك لم يَأْتِ إلا في هذا الطريق. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
فتبين لنا في خلاصة هذا البحث، أمور منها:
الأول: أن المحفوظ في إسناده: علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة، وكل من خالف ذلك زيادة أو نقصًا في إسناده فهو إما شاذ أو منكر، وقد روى البخاري في صحيحه حديثًا من رواية علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع، انظر فتح الباري (ح 799)، وإنما تجنب البخاري إخراج هذا الحديث في صحيحه للاختلاف على علي بن يحيى بن خلاد في ألفاظه.
الثاني: أن بعض الرواة تتفق روايتهم مع رواية أبي هريرة، وهذا هو المحفوظ من حديث رافع، كرواية داود بن قيس، ورواية ابن عجلان، ولكن لا يمكن قبول ما ينفرد به بعضهم عن بعض، ويكون مخالفًا لحديث أبي هريرة؛ لأن قبول ذلك يعني ما يلي:
(1)
ذكر دعاء الاستفتاح، وقد تفرد به إسحاق بن عبد الله، ولم يذكر في حديث الصحيحين، وجاء بلفظ يدل على وجوبه في الصلاة، والقول بوجوبه ضعيف.
(2)
تكبيرات الانتقال، وقد تفرد بذكرها إسحاق ولم تذكر في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته، وقد جاء في حديث رفاعة بلفظ يدل على وجوبها في الصلاة، وهو خلاف قول الجمهور.
(3)
مد الظهر عند الركوع، وضع اليدين على الركبتين، وليس ذلك في حديث أبي هريرة، وقد جاء ذلك بلفظ يدل على وجوب ذلك في الصلاة.
(4)
الافتراش بين السجدتين.
(5)
الافتراش في وسط الصلاة عند التشهد.
(6)
ذكر الأذان والإقامة في بعض طرقه، وليس ذلك مذكورًا في حديث أبي هريرة.
فإن قيل: إن ذكر هذه الأمور لا يجعلها واجبة.
فالجواب من وجهين:
الجواب الأول: يرى فريق من العلماء أن حديث المسيء صلاته اقتصر على إرشاده إلى فرائض الصلاة المجمع عليها، وهو كذلك في حديث أبي هريرة في الصحيحين، فكل ما ذكر في حديث أبي هريرة في الصحيحين لا يتنازع العلماء في وجوبه، إلا أنه لا يعترض عليه في وجوب بعض الأشياء مما لم يذكرها، إما لأنه لم يخلَّ لها، أو لأنه اقتصر على ما كان واجبًا في ذلك الوقت، وذلك لا يمنع أن يجب في الصلاة بعد ذلك مما لم يكن واجبًا، كما كان الناس يتكلمون في الصلاة، ثم حدث المنع بعد ذلك، وكما كان التطبيق مشروعًا حال الركوع، ثم نسخ، إنما يصح الاعتراض لو أن حديث أبي هريرة ذكر شيئًا من السنن، فكل ما ذكر في حديث أبي هريرة في الصحيحين فهو من الواجبات المجمع عليها، ولم يذكر سنة واحدة، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء أن الحديث اقتصر على فرائض الصلاة دون سننها،. انظر إحكام الأحكام (1/ 257)، الاستذكار (1/ 411)، التمهيد (7/ 85)، التوشيح شرح الجامع الصحيح (2/ 769)، فتح الباري (2/ 279)، العدة شرح العمدة لابن العطار (1/ 498). =
• دليل من قال: يجزئ الله أكبر أو الله الأكبر فقط:
استدل الشافعية بأدلة القول السابق من وجوب تعيين لفظ الجلالة (الله) ومن وجوب التكبير بصيغة أفعل التفضيل (أكبر)؛ لأن التكبير يغلب عليه التعبد، فيجب الاتباع على ما ورد، ويمتنع قياس غير المنصوص على المنصوص، إلا أنهم يرون أن زيادة الألف اللام على لفظ (أكبر) لا يغير المقصود من أفعل التفضيل (أكبر)، ولا تحيل المعنى، فكانت الصلاة قد انعقدت بكلمة (أكبر) والحرفان المزيدان
=
وخالف هذا حديث رفاعة، فذكر الفرائض والسنن على نحو لم يتفق الرواة ممن روى الحديث على ذكرها، فجمع مخالفتين: ذكر السنن، والاختلاف على ذكرها.
الجواب الثاني: أن حديث رفاعة جاء بلفظ يدل على وجوب هذه الأفعال، قال: إنها لا تتم صلاةُ أحدٍ من الناس حتى يضع الوضوء مواضعه، ويفعل كذا ويفعل كذا.
فإن قيل: إن نفي التمام يحمل على نفي الكمال، انتقض هذا بالوضوء، وتكبيرة الإحرام، وقراءة ما تيسر، والركوع والسجود وغيرها، ولا يصح أن يقال: يحمل النفي في بعضه على نفي التمام الدال على انتقاص الصلاة، وبعضه على نفي الكمال مع كون اللفظ واحدًا، فإما أن تكون دلالته على الوجوب في الكل، أو على الاستحباب في الكل هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن هذه زيادات انفرد بها بعض الرواة عن بعض، ولم يتفقوا عليها في حديث رفاعة، والتفرد علة في الجملة، والمخالفة لحديث أبي هريرة علة أخرى، والحكم للأصح في الباب، والقصة واحدة، فلو كان دعاء الاستفتاح محفوظًا، وتكبيرات الانتقال محفوظة، والافتراش، والأذان والإقامة أترى حديث الصحيحين يقصر عن كل ذلك، ولا يأتي ذكرها في جميع طرقه، ويدرك ذلك حديث رفاعة المختلف في إسناده وألفاظه؟ فمخالفة حديث أبي هريرة عندي علة أخرى، فذلك الذي يجعل في النفس شيئًا من قبوله من جهة الصناعة الحديثية، مع ما فيه من مخالفة لما عليه جماهير الفقهاء من حيث دلالتها الفقهية، والله أعلم.
قال البيهقي: ليس في هذا الباب حديث أصح من حديث أبي هريرة.
وقال ابن التركماني: وقد أخرج أبو داود والنسائي هذا الحديث، وفيه أيضًا أمر بأشياء ليست بفرض بالإجماع يظهر ذلك لمن نظر في روايتهما.
وقال أيضًا: وهذا الحديث اضطرب سندًا ومتنًا كما بينه البيهقي في هذا الباب.
وصححه الحاكم في المستدرك، وابن حجر في فتح الباري.
وكنت خرجت الحديث في كتابي موسوعة الطهارة، وقد وعدتكم في استكمال تخريجه في كتاب الصلاة، وهذا وقت إنجاز وعدي لكم، والحمد لله على توفيقه. انظر لمراجعة بعض طرق هذا الحديث: أطراف المسند (2/ 344)، تحفة الأشراف (3604)، إتحاف المهرة (4582).
كأنه لم يَأْتِ بهما، فالإتيان بهما بمثابة زيادة المد، لا يغير المقصود، فهو كما لو قال: الله أكبر كبيرًا، فالصلاة قد انعقدت بلفظ (الله أكبر) وتكون زيادة (كبيرًا) ذكرًا لا يمنع من الانعقاد بعد أن اشتمل اللفظ على الوارد المنصوص، وإن كانت الزيادة لا تستحب، بخلاف الله الكبير؛ لفوات أفعل التفضيل، أو الرحمن أكبر؛ لانطوائها على تبديل للمنصوص.
• ونوقش هذا القول من وجهين:
الوجه الأول:
أن جميع الأذكار المقيدة توقيفية، مبنية على التعبد المحض، لا يجوز إحداث زيادة فيها، لا قبلها، ولا بعدها، ولا بينها، طويلة كانت الزيادة أم قصيرة، كما لا يجوز تبديلها بأفضل منها، بصرف النظر عن المعنى، وسيأتي التدليل على ذلك من السنة عند مناقشة الحنفية.
الوجه الثاني:
لا نسلم أنه لا فرق بين لفظ (الله أكبر) ولفظ (الله الأكبر) من حيث المعنى.
يقول ابن القيم: «وأما حجة أصحاب الشافعي على ترادف الله أكبر والله الأكبر فجوابها: أنهما ليسا بمترادفين؛ فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ، ونقص في المعنى.
وبيانه: أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق تضمن من عموم الفضل وإطلاقه عليه ما لم يتضمنه المعرَّف.
فإذا قيل: الله أكبر: كان معناه من كل شيء.
وأما إذا قيل الله الأكبر، فإنه يتقيد معناه، ويتخصص، ولا يستعمل هذا إلا في مفضل عليه معين، كما إذا قيل: من أفضل أزيد أم عمرو؟ فيقول: زيد الأفضل، هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال.
فإن أداة التعريف لا يمكن أن يؤتى بها إلا مع (من)، وأما دون (من) فلا يؤتى بالأداة فإذا حذف المفضل عليه مع الأداة أفاد التعميم، وهذا لا يتأتى مع اللام»
(1)
.
(1)
. تهذيب سنن أبي داود مطبوع مع عون المعبود (1/ 63).
• دليل من قال: لا يصح إلا بألفاظ التكبير الأربعة أكبر الأكبر كبير الكبير:
أما وجوب التكبير فلقوله صلى الله عليه وسلم: (وتحريمها التكبير) فعلم أنه لا تحريم بغيره.
ولأن التكبير مشتق من الكبرياء، والكبرياء تنبئ عن العظمة والقدم، يقال: هذا أكبر القوم: أي أعظمهم منزلة، وأشرفهم قدرًا، فلا يمكن إقامة غيره من الألفاظ مقامه؛ لانعدام المساواة في المعنى.
وأما جواز التكبير بتلك الألفاظ الأربعة: فلأن صيغة أفعل تقتضي الزيادة بعد مشاركة غيره إياه في الصفة، وفي صفات الله لا يمكن، فكان أفعل في حق الله بمعنى فعيل؛ إذ لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء في كلامهم أفعل بمعنى فعيل، قال الشاعر:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتًا دعائمه أعز وأطول.
أي عزيز طويل.
وقال تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل: 15]: أي الشقي.
وقال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17]: أي التقي.
وقال تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]: أي هيِّن؛ لأنه ليس شيء أهون على الله من شيء، بل الأشياء كلها بالنسبة إلى دخولها تحت قدرته كشيء واحد، {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28]
(1)
.
• ونوقش:
الاستدلال بحديث: (تحريمها التكبير) على جواز مشتقات التكبير لا يصح، لأن التكبير إن كان مجملًا فالسنة بينته، وإن كانت (أل) للعهد فالمعهود من فعله الذي لم يخل به ولا مرة واحدة:(الله أكبر).
وأما الجواب عن قولهم: (أكبر) في حق الله بمعنى (الكبير) فالصحيح أن أفعل التفضيل على بابه، وأن المقصود أكبر من كل شيء، فإذا فات أفعل التفضيل فات معنى التعظيم المطلق، ويجوز المفاضلة بين الخير المطلق والشر المطلق، قال تعالى:{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59].
ويقول المؤذن: (الصلاة خير من النوم) ولا خير في النوم وقت الصلاة.
(1)
. انظر تبيين الحقائق (1/ 110)، فتح القدير (1/ 284)، المحيط البرهاني (1/ 292).
ولو سلمنا أن أفعل التفضيل ليس على بابه، فنحن متعبدون باللفظ، لا يغني عنه غيره، حتى ولو ادُّعِيَ أنه أكمل منه؛ لأن ألفاظ الأذكار المقيدة توقيفيه، لا يجوز تبديلها إلى غيرها، ولا الزيادة عليها، فالتبديل تحريف، والزيادة استدراك على الشارع، وكلاهما لا يجوزان شرعًا، والله أعلم، وسوف أسوق الدليل عند مناقشة ذلك.
• دليل من قال: تنعقد بكل الأسماء والصفات المقصود منها تعظيم الله:
الدليل الأول:
الأصل في نصوص الشارع أنها معللة، معقولة المعنى، والتقييد بالتكبير يلغي العلة، فالتكبير صح لأن فيه تعظيمًا لله، قال تعالى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] أي عظمنه.
وقال سبحانه {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3]: أي عظم، ولأنه ذكر فيه تعظيم فأجزأ كالتكبير ولأنه ذكر فلم يختص بلفظ كالخطبة.
• ونوقش:
كون التكبير في اللغة هو التعظيم، هذا صحيح، ولكن لا نسلم أنه يجوز تغيير المنصوص عليه إلى غيره، فالأذكار على نوعين:
مطلق: والأصل فيه الإباحة.
ومقيد: والأصل فيه المنع، والاقتصار فيه على ما ورد.
(ح-1188) فقد روى البخاري ومسلم من طريق منصور عن سعد بن عبيدة، قال:
حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أخذت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، واجعلهن من آخر كلامك، فإن مت من ليلتك، مت وأنت على الفطرة قال: فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت
(1)
.
(1)
. صحيح البخاري (6311)، وصحيح مسلم (2710).
فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من استبدال الرسول بالنبي، مع أن كل رسول فهو نبي.
قال ابن رشد في معرض رده على أبي حنيفة: «أما أبو حنيفة فساوى في الإحرام بين التكبير، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، ومعانيها مفترقة؛ ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سبح دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر ثلاثًا وثلاثين، وحمد ثلاثًا وثلاثين، وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
فلو كانت معانيها متفقة، لقال من سبح دبر كل صلاة، أو كبر، أو هلل، أو حمد، مائة، غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر»
(1)
.
فإذا سلم ذلك، فإن جميع الأذكار المقيدة يجب الاقتصار فيها على ما ورد جنسًا، وقدرًا، وكيفية، وزمنًا، وسببًا.
فالموافقة في الجنس: بحيث لا يجوز الدخول بالصلاة بأي ذكر من الأذكار سوى قول الله أكبر.
والموافقة في القدر: بحيث لا يزاد في التحريمة ولا ينقص منها.
والموافقة في الكيفية: بحيث لا يقدم بعض جمله على بعض، فإذا قدم أو أخر وإن كان موافقًا في القدر فقد خالف في الكيفية.
والموافقة في الزمن: وهذا معلوم فالتكبير إيذان بالشروع في الصلاة.
والموافقة في السبب: فالأذكار المقيدة مرتبطة بأسبابها فسبب التحريمة الشروع بالصلاة، فلا تكبير لسجود التلاوة ولا لسجود الشكر، لأن السجود وحده ليس بصلاة على الصحيح، وهكذا سائر الأذكار المقيدة فإنها مرتبطة بأسبابها، فالأذان ذكر مقيد يختص بالصلوات الخمس ومنها الجمعة، فلا يجوز الأذان لغير الصلوات الخمس، فلا يؤذن لصلاة التراويح، أو العيد، أو غيرهما من الصلوات، وقل مثل ذلك في سائر الأذكار المقيدة.
الدليل الثاني:
قال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15].
(1)
. البيان والتحصيل (2/ 102).
وجه الاستدلال:
قال الجصاص: الفاء للتعقيب، وليس ذكر يكون عقيبه الصلاة بلا فصل إلا ذكر الافتتاح، فقد تضمنت الآية جواز الافتتاح بجميع ما كان ذكرًا لله تعالى»
(1)
.
ولأن قوله: {اسْمَ رَبِّهِ} نكرة مضافة إلى معرفة فتعم جميع الأسماء، كقوله تعالى:{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18](فنعمة) نكرة مضافة إلى معرفة، فعمت بقوله تعالى:{لَا تُحْصُوهَا} .
ولا يجوز تقييد العام بلفظ (الله أكبر) لسببين:
الأول: أن قوله: (الله أكبر) لفظ موافق للعام في الحكم، وقد قال أهل الأصول: ذكر فرد من أفراد العام بالذكر يوافق العام لا يقتضي تخصيصًا، فتخصيص الخاص بالذكر لا يمنع شمول العام لغيره، والتخصيص إنما يكون لو جاءت التحريمة بلفظ يخالف العام فيقتضي إخراجه من حكم العام خلافًا لأبي ثور حيث قال: تخصيصه بالذكر يدل بمفهومه على نفي الحكم عما عداه؛ إذ لا فائدة لذكره إلا ذلك
(2)
.
ورد عليه بقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].
فذكر الصلاة الوسطى ليس تخصيصًا لها بالمحافظة، وهذا بَيِّنٌ.
السبب الثاني: أنه لا يجوز تقييده باللفظ المشتق من الكبرياء؛ لأنها أخبار آحاد، فلا يقيد بها عموم القرآن
(3)
.
• ونوقش:
بأن الآية عطفت الصلاة على الذكر، فدل أن الذكر في الآية قبل الصلاة؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، فالمقصود من الآية كقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، فهذا الذكر لاسم الله تعالى هو القصد إليه بالنية في أدائها عز وجل.
ورد الحنفية: بأن تكبيرة الإحرام عندنا ليست من الصلاة.
• وأجيب على ردهم:
بأن الصحيح أن تكبيرة الافتتاح جزء من الصلاة وركن من أركانها كما سبق
(1)
. شرح مختصر الطحاوي (2/ 6).
(2)
. مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (3/ 386)، نشر البنود على مراقي السعود (1/ 259).
(3)
. شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/ 5).
بيانه في المسألة السابقة، ولأنه يشترط لصحة تكبيرة الإحرام في الفرض ما يشترط للصلاة من الإتيان بها على طهارة، واستقبال القبلة، وأن يكون ساترًا للعورة، وأن يكون قائمًا فلو أتى بها قاعدًا لم تنعقد فرضًا، فكل ذلك يدل على أن تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة؛ لأنها أخذت جميع أحكام الصلاة.
الدليل الثالث:
قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110].
فظهر أنه لا فرق بين قولك: الله أكبر، أو قولك الرحمن أكبر.
وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
• ونوقش:
بأن الآيتين في الدعاء، والحنفية لا يجيزون افتتاح الصلاة بألفاظ الدعاء، ولو تضمنت التعظيم، فيكف يصح القياس على ما لا يصح افتتاح الصلاة به عندهم.
الدليل الرابع:
(ح-1189) ما رواه الشيخان من طريق شعبة، عن واقد بن محمد، قال: سمعت أبي يحدث،
عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)، فجعل الإتيان بالشهادتين غاية المقاتلة، فلو قال: لا إله إلا الرحمن، أو العزيز كان مسلمًا، فإذا جاز ذلك في الإيمان ففي فروعه أولى.
• ونوقش:
بأن هذا قياس في مقابل النص، فهو فاسد الاعتبار.
وبأن المراد من الشهادتين الإخبار عن اعتقاده، وذلك يحصل بكل لسان، وأما
(1)
. صحيح البخاري (25)، وصحيح مسلم (36 - 22).
التكبير فتعبد الشرع بلفظ، فوجب اتباعه مع القدرة
(1)
.
• الراجح:
الراجح الذي لا ينبغي غيره هو أن الصلاة لا تنعقد بغير (الله أكبر) وأن الزيادة عليها قبلها أو في أثنائها يبطلها، وأما الزيادة عليها بعدها وإن أجازه الشافعية وكرهه الحنابلة فإن الصحيح أنه لا يجوز، وإن انعقدت به الصلاة، باعتبار الزائد ملغى، كما لو قال: الله أكبر كبيرًا، فاستبدال تكبيرة الإحرام بغيرها يدخل في تحريف المشروع، والزيادة عليها استدراك على الشارع، ومثله لا يجوز، والله أعلم.
* * *
(1)
. انظر المجموع (3/ 301).